بيان : 397
بمجرد أن خرج الإمبراطور المقدس من غرفة الصلاة، بدأ بسرعة بتنظيم الأعمال المتراكمة عليه.
كانت هذه هي المرة الأولى التي يغيب فيها عن عمله لفترة طويلة دون إخطار منذ أحداث الشغب الهرطقي قبل عامين.
وكانت الأخبار الجيدة أن الآلية التي ضبطها بعناية على مدار فترة طويلة تعمل بسلاسة دون أي انحراف.
وما حافظ على توازن هذه الآلية كان وجود إمبراطورة فاضلة وقادرة.
"أمر مذهل. رغم أنه لم يتسنَ له تسليم الأعمال بشكل كامل لها بسبب ضيق الوقت، إلا أنك أدرت شؤون الدولة بشكل مثالي دون أي مساحة للتدخل تقريبًا. تاتيانا."
خفضت الإمبراطورة تاتيانا زوايا فمها تلقائيًا لتجنب الابتسام على إثر إعجاب الإمبراطور الخالص بها.
لطالما كانت من النوع الذي يستمد الطاقة من التركيز الحازم على عملها، وتشعر بالرضا من خلال الإنجازات والتقدير الذي يأتي من ذلك.
بالطبع، كان لدى الشخصين اللذين جلسا وجهًا لوجه بأجواء ودية أفكار مختلفة تمامًا في رؤوسهما.
'من أجل المستقبل، أعتقد أنه سيكون من الأفضل ترك المزيد من الشؤون السياسية للإمبراطورة من الآن فصاعدًا.'
'لقد كان الأمر قريبًا للغاية. كنت أشعر أنني وصلت إلى حدودي، ولكن ماذا كان سيحدث لو تأخر جلالته ليوم واحد فقط!'
عند استعادة الأحداث، كان إنجاز تاتيانا بحد ذاته مدهشًا.
لقد تولت مكان الإمبراطور المقدس عدة مرات من قبل، ولكن هل سبق لها أن أكملت كل مهامها بهذه الفترة الطويلة وبهذا النجاح؟
"كانت مساعدة الأميرة أميليا كبيرة. كانت دائمًا بجانبي لمساعدتي عند الحاجة. كلما نظرت إليها أكثر، أدركت كم هي موهوبة حقًا في الإدارة... ... ."
ربما لأنها شعرت بالخوف قليلا ، توقفت تاتيانا بشكل مفاجئ عن الثناء الذي كانت تقوله.
ألم تكن تعمل حتى الآن على توجيه انتقادات غير مباشرة للأبناء الآخرين أمام الإمبراطور المقدس؟ عندما حاولت فجأة مدح أحدهم، شعرت بالارتباك وكأن نواياها الحقيقية قد انكشفت.
"... ... ."
نظرت تاتيانا بسرعة إلى الإمبراطور المقدس، ولكن لحسن الحظ، بدا أنه يستمع إليها دون أي تعبير يذكر.
"التعامل مع الناس بطرق ملائمة هو أيضًا جزء من رحمة الإمبراطورة."
"... ... ."
أغلقت تاتيانا فمها ونظرت بهدوء إلى وجه الإمبراطور المقدس. رغم أنها بدت بلا مشاعر على السطح، إلا أنها استطاعت أن ترى، منذ فترة طويلة، ثقته وفهمه ومحبته ونوعًا من الحزن في عينيه.
منذ زمن بعيد، كان المستقبل الذي حلمت به تاتيانا لابنها الشاب مختلفًا تمامًا عن الحاضر.
وبالمثل، كان الإمبراطور المقدس قد تطلع لمستقبل مختلف تمامًا عن الحاضر. ربما لم يكن يتوقع أن تكون تاتيانا بجانبه.
لكنهم اجتمعوا بطريقة غير متوقعة، وقرروا أن يحتضنوا بعضهم البعض، ولو بشكل غير مكتمل.
والشيء الوحيد الذي لم تتوقعه تاتيانا هو أن تشعر بأن وضعها الحالي كان أكثر سلامًا ودفئًا مما كانت تتوقع.
"... نعم ، وكيف لي أن أنكر هذا ؟ كلها وثائق رسمية أعدتها الأميرة أميليا."
تنهدت تاتيانا بلطف وأسندت رأسها على كتف الإمبراطور. حتى لو اختلقت هنا حكايات عن الأميرة، فمن المحتمل ألا يتغير رأي الإمبراطور تجاهها.
العلاقة التي بنوها على مدار فترة طويلة كانت كقلعة قوية وجميلة، لن تنهار بسهولة، حتى وإن لم تكن مثالية.
تاتيانا تشعر أحيانًا بضعف كهذا لأنها تعلم أن الإمبراطور سيفهمها ويحتويها تمامًا مهما حدث.
"على الأرجح، بدون الأميرة، لم أكن لأتمكن من قيادة البلاد كما أفعل الآن."
"هذا ليس صحيحًا."
"لا حقا .. كنت قد شككت حتى أن الأميرة كانت تقرأ أفكاري ، كيف يمكنها أن تفهم الناس بوضوح كهذا؟"
"كان هذا ممكنًا لأنها هي من كانت تقوم بعملك، وليس شخصًا آخر."
كان جواب الإمبراطور المقدس صادقًا.
الأميرة أميليا الآن، بالاسم والواقع، هي أسمى وردة في الإمبراطورية المقدسة.
ومع ذلك، عندما دخلت القصر الإمبراطوري لأول مرة، كانت مجرد فتاة خجولة وغير متمرسة.
ثم، فجأة ، بدأت تلك الطفلة تقف بثقة وتبتسم كما لو كانت قد رسمت خط حياتها
كان الإمبراطور المقدس على علم تام بذلك بعد ان حاول قضاء أكبر قدر ممكن من الوقت مع ابنته في أوقات فراغه. كما كان يدرك تمامًا أن أميليا تحاول تقليد الإمبراطورة، و تحاكي كل حركة من حركات والدتها النبيلة
– "ماما تاتيانا .. "
كان هذا اللقب الودود الذي تستخدمه الطفلة، رغم أدبها ، يحمل احترامًا ومودة لم تدركهما الإمبراطورة بعد.
"... ... ."
"... ... ."
وهكذا، انغمس الاثنان في أفكارهما، مسندين رأسيهما على أكتاف بعضهما بصمت لفترة.
"هممم...!"
"أحم! أحم!"
بدأ الكرادلة الذين كانوا ينتظرون بقلق يطهرون حناجرهم في الخارج، حتى أن لويس أخيرًا دخل المكتب بتعبير يحمل الندم.
ومنذ تلك اللحظة، استمرت جداول الإمبراطور المقدس المزدحمة.
كان عليه أن يستمع إلى العديد من التقارير من مختلف أنحاء القارة عبر التخاطر، بما في ذلك من أرينجا.
بعد ذلك، دخل خمسة من الكرادلة إلى مكتب الإمبراطور المقدس بمشاعر مضطربة، وبعد فترة قصيرة، خرجوا مترنحين بوجوه شاحبة.
حلَّ المساء، وجاءت اللحظة أخيرًا.
حان الوقت لمواجهة الابن المزعج الذي ارتكب حادثة نادرة حقًا، وأظهر هالته السحرية أمام الجميع في الجمعية المقدسة.
"مرحبا أبي "
أطل الطفل، الذي استعاد صحته تمامًا الآن، برأسه من باب المكتب بتعبير متوتر. كان لديه تعبير جاد إلى حد ما، كما لو كان قد استعد لشيء عظيم.
فكر الإمبراطور المقدس.
"نعم، كيف يمكنني أن أخيب آمال هذا الطفل؟"
عندما قرر الإمبراطور ذلك ، حرك يده بسرعة تجاهه
كونغ !
"آاااااه!"
***
‘ أليست ضربة الإصبع مجرد ذريعة لهذا الرجل ليصب قوته المقدسة علي ؟’
في شلال الضوء الساطع، كان سونغجين يفرك جبهته بينما تتولد في ذهنه هذه الفكرة الغريبة.
كان الإمبراطور المقدس مشغولاً بصب قوته المقدسة بجهد وعناية على مدى فترة طويلة، حتى مع اختفاء الألم منذ الليلة الماضية.
لكن سونغجين لم يستطع طلب التوقف من الإمبراطور المقدس؛ فقد بدا تعبيره عميقًا وثقيلًا، وكأنه غارق في التفكير
كم من الوقت مر؟
أخيرًا، وكأنه شعر بالرضى اخيراً، جلس الإمبراطور المقدس وأشار برفق إلى الأريكة المقابلة له بذقنه.
"اجلس"
"نعم"
"أشرح"
"نعم!"
لم يكن سونغجين يعرف بالضبط ماذا يشرح ومن اين يبدأ ، فبدأ بسرد قصته خطوة بخطوة، منذ بداية هذه الحادثة.
لم يكن يعرف السبب – ربما فعل سيد الشياطين شيئًا، لكنه قرر تجاهل هذا الجزء – فقد اندمجت هالة قوته مع نار جيهينا ، ما جعله غير قادر على إخفاء طاقة الشيطان تمامًا.
فاستخدم الكهنة ذلك كذريعة للضغط عليه ليقدم استقالته من فرسان الهيكل، بحجة أنه يخضع لاختبار من الحاكم
في أفضل الأحوال، كانوا سيحصل على السلطة العامة، لكنه لم يرغب في أن يكون مقيداً بمراقبتهم التي لا فائدة منها
"ثم فكرت. بما أن الأمور وصلت إلى هذا الحد، لم لا نحول تلك المشكلة إلى فرصة؟ لماذا لا نتقدم خطوة ونظهر كخصم يصعب عليهم التعامل معه؟"
بالطبع، لم تكن الطريقة نبيلة تمامًا، وكان مستعدًا لتلقي ضربة أخرى على الأقل.
لكن الإمبراطور المقدس، الذي استمع بهدوء حتى النهاية، أبدى بشكل غير متوقع كلمات مدح خفيفة.
"حسنًا ، عمل جيد ، في المواقف التي تشعر فيها بأنك تتعرض للخداع، يمكنك أن تغتنم الفرصة لتأخذ خصمك على حين غرة."
"إذًا... ... !"
"لكن كأب ، أشعر ببعض القلق حيال طريقة تصرفك."
أضاف الإمبراطور المقدس الكلمات لاحقًا، وبدأ يتبادل النظرات مع سونغجين بعينيه المتأملتين.
"تذكر هذا، موريس. قد يبدو الآن لك أنك فزت بسهولة عليهم. ولكن ليس كل شيء في العالم يعمل بهذه البساطة."
تابع الإمبراطور المقدس شرحه بالتفصيل.
لأن الأمور تجرى وفق القواعد الموضوعة، يمكن أن تتحول لعبة ذات جولة واحدة إلى مباراة كاملة.
ولكن إذا لم تسر الأمور كما هو متوقع وتجاهلت القواعد تمامًا وقلبت الطاولة، فلن يكون هناك طريقة للاستفادة منها عندما تحتاج إلى قواعدها لاحقًا.
"فكر في الأمر ، إذا قلبت الطاولة على أعدائك دائمًا بطرق غير متوقعة، فلن يدعوك أحد إلى طاولة المفاوضات بعد ذلك ، ولا أعتقد أنك تريد هذا ، أليس كذلك؟"
"... ... ."
"هل تفهم ما أعنيه؟"
"نعم، والدي."
فهم سونغجين نصيحته جيدًا. لكن كانت هناك ظروف لم يستطع تجنبها. لأنه لم يفعل هذا لمجرد التغلب على ضغوط الكهنة .
كان لدى سونغجين هدف آخر مهم.
"في الواقع، هناك شيء أود أن أسأله لأبي بشكل منفصل بخصوص هذا الموضوع."
"اسأل"
"حسنا، أبي."
رد سونغجين بإيجاز وأخرج التميمة المعلقة حول عنقه من تحت قميصه. كانت تلك التميمة قطعة رمزية تحتوي على حجر الروح الأحمر الخاص بسيد الشياطين.
"السبب الذي دفعني لإظهار هالتي السحرية لهم كان في الحقيقة مجرد خطوة تمهيدية لهذا .."
على الرغم من أنه قال إنه يستخدم مساعدة والده ليتمكن من ذلك، لم يستطع التفكير في طريقة لإقناع الفرسان المقدسين.
ولكن، ألا يعتبر ترك سيد الشياطين محبوسًا داخل حجر الروح لبقية حياته أمراً محزناً؟
"أعتقد أن هذه أول مرة أري فيها هذا الشخص لأبي، في الواقع - انا أظن أن أبي يعرف كل شيء، ولكن... ..."
وبينما كان يقول ذلك، ضغط سونغجين على الخيار الذي ظهر في النافذة أمام عينيه.
[استدعاء ريد ؟]
[*استدعاء* / الغاء]
بينق ! -
وش وش !
مع صوت غير متناسق ولطيف، ظهرت شعلة صغيرة أضاءت المكتب.
[لي سيونغجييييييييييييييييييييييين !]
كما هو معتاد، ظهر سيد الشياطين بتفاهته. وبالتأكيد، ما أن ظهر حتى بدأ في التذمر نحو سونغجين.
[هيه، أنت! لماذا ألغيت الاستدعاء هكذا؟ ولماذا لم تستدعني فوراً... ها؟]
ثم لاحظ سيد الشياطين الأجواء الغريبة وبدأ يتلفت حوله ببطء. وبعدها-
"... ... ."
[... ... ؟!]
بعد أن رأى وجه الإمبراطور المقدس المتصلب، تحول وجهه إلى شاحب وصاح كالديك المذعور.
[أااااااه ! الإمبراطور ؟! ]
أصبح الجو متوتراً وأنتشرت هالة باردة في الارجاء ، شعر سونغجين بالحاجة للتدخل السريع، فاندفع لتقديم تفسير.
"اه... هذا الشخص هو سيد الشياطين، لكنه كما ترى الآن مجرد روح صغيرة وضعيفة تماماً. أستطيع أن أعدك يا أبي بأنه غير ضار على الإطلاق!"
"... ... ."
بينما كان الإمبراطور المقدس يحدق في كرة النار المشتعلة بصمت، بدأ سونغجين بسرعة في تقديم أعذار متلاحقة.
"حسنًا، بالطبع كان هذا الشخص في وقتٍ ما سيد الشياطين، لكنه الآن أصبح تابعاً كاملاً لي. أبي، ألم تقل من قبل أن هذا النوع من العلاقات يكون مطلقاً، الان لا يمكنه التمرد أو الخيانة حتى لو فكر في ذلك! بمعنى آخر، هذا الشخص سيكون دائمًا إلى جانبي! اليس كذلك؟!"
"... ... ."
"وأيضاً، لو فكرت في الأمر، أليس الأمر مثل أنني انا من حولته الى تابع ؟ وبالتالي، مسؤولية العناية به تقع على عاتقي، بطريقةٍ ما هو مثل طفلي... أليس كذلك؟"
ورغم ذلك، عندما لم يصدر أي رد من الإمبراطور المقدس، بدأ سونغجين يشعر بالتوتر تدريجيًا. ومن فرط العجلة، أشار بغمزة إلى كرة النار المجمدة.
'هيا! سيد الشياطين! أظهر سحرك اللطيف! حاول أن تقنع أبي بأنك مثل طفلي وأنك غير ضار بتاتاً وتافه تماماً!'
[آه... ... ؟!]
هل عملت نداءات سونغجين الداخلية؟ سيد الشياطين بدأ بالبكاء دموعا نارية من عينيه – رغم أن هذا غير معتاد بالنسبة لكرة نار – وأخيرًا تحدث بصعوبة بصوتٍ خافت.
[آه، مرحباً ؟- كيف حالك؟ سعيد بلقائك -أمم... ... .]
[أمم ؟]
[...] يا جدي؟]
"... ... ."
"... ... ."
شوووه-
كان مساء خريف صافٍ، مع نسمات باردة تهب من مكان ما
...