21 - الفصل 5 من المجلد 2: ما حدث خارج الإطار

‟ أهمية إدراكنا لأنفسنا، ومعرفتها أهم بكثيرٍ من إصلاح العالم، فكيف يُصلح العالم أو تُحيى الأمة بإنسان لا يعرف نفسه بعد، ويعيش في عالم تحكمه الحيرة؟ ”

رواار!!

.

كما لو كان يؤكد هيمنته، دوى هدير الرعد و هو يلوح في الأفق، في يوم عاصف.

.

‟يبدوا، أن الليلة ستكون هائجة، أليس كذلك؟ ” عندما راقب ريو المطر، من نافذته شبه المكسورة، و الذي تساقط بدفعات كبيرة، لم يسعه سوى التمتمة بصوت خافت.

.

كان الوقت الأن، عندما إعتاد على الحياة اليومية هنا، و بشكل أكثر دقة، بعد أسبوعين من دخوله هذا العالم، بقي يومان على فصله المؤقت، و سيعود للدراسة.

.

في نهاية دراسته الإعدادية، كانت الأحداث مأساوية، على الأقل لريو السابق الذي إنتحر.

.

‟بالتفكير في هذا…” ومضت نظراته، قبل أن يفكر في معضلته الحالية.

.

تم إثبات براءته بشأن قضية الإعتداء على حبيبته السابقة، لكن الجمهور، و الذي يميل إلى حب الفتاة المذكورة، كاورو سيرينا، غير راض عن ذلك، لهذا تم دفعه إلى أقصى درجات التعقيد، مما تسبب في فصله المؤقت حتى يهدأ الوضع.

.

التنمر، الإساءة، التشهير، و غير ذلك، و بسبب هذا بالتحديد، وصل ريو لأقصى حدوده، و قتل نفسه في خضم ذلك، أو على الأقل هكذا ما كان يفترض أن يحصل.

.

بطريقة ما، وجد ريو الحالي، نفسه في جسد هذا الفتى، و من المفارقات، أنهما يتشاركان في الإسم، و حتى الخصائص الجسدية، وصل ذلك لدرجة أنه يحمل نفس شكل ريو.

.

يمكن للصدف أن تكون مروعة، على أي حال، بمثل هذا السيناريو الشاعري، كانت هذه تمثل معضلة، لكن فرصة في نفس الوقت.

.

‟سمعتي الأن في الحضيض، و يكرهني الجميع، لكن هيه… من يهتم بذلك؟ ” ضحك بجفاف عند التفكير في ذلك.

.

كان صحيحا أن الموقف ميؤوس منه، ذلك لو إهتم الشخص نفسه بذلك، يخاف الغالبية من النقد، و هو في الغالب مستاء من تلك الحقيقة، لذلك يميل الشخص نفسه بلا وعي، إلى حماية موقفه.

.

لكن ريو بحد ذاته لم يكن مهتما، لقد وصل إلى ذلك التفاهم منذ زمن طويل، طالما كان لديه القدرة لحماية نفسه، لم يهتم برأي الأخرين عنه.

.

على العكس من ذلك، كان ممتناً أكثر لو إبتعدوا عن طريقه، هكذا عاش حياته إلى الأن، و لم يندم على ذلك أبداً.

.

‟لكن لن أكذب، في خضم هذا الموقف اليائس، هناك فرصة تلوح في الأفق، طالما أستغلها جيداً، فسأجني الكثير ”

.

‟في كل مصيبة، هناك فرصة، الموقف الحالي هو مجرد تأكيد على ذلك، ما أريده الأن، كسب لقمة العيش، و التهرب من عمي و زوجته، الذين يريدان ميراث والدي ”

.

”ثم هناك التوصية لدخول مدرسة طوكيو للرعاية و التنشأة، هذا موقف مزعج بالتأكيد… ”

.

كان بالتأكيد موقفا لا يحسد عليه، أولاً و قبل كل شيء، بسبب إعطاءه مدخراته المالية لحبيبته، لم يبقى له الكثير، كان ما تبقى له يكفيه للعيش لليومين القادمين على الأكثر، لهذا السبب، كانت الأولوية هي النقود.

.

ثم يأتي بعد ذلك دور عمه، الذي يريد أن يكون وصياً على شؤونه، كان ذلك الشخص بدراية على موقفه الحالي، و لم يأتي للمساعدة رغم ذلك.

.

لكن تغير ذلك بسبب الخبر قبل بضعة أيام من وزارة العدل و المالية: ‟نأمل من الفتى، أكوما ريو أن يأتي و يطالب بأحقية ميراثه في الخامس و العشرين من شهر فبراير، مع شخص يكون وصياً عليه ”

.

بطبيعة الحال، تم تسجيل موقع المكان، و مفتاح الملكية و ما إلى ذلك من تفاصيل، الوصي هو من سيدير أمور الأموال لليتيم لأنه لم يبلغ سن الرشد بعد، كان لريو خيار الرفض حتى يبلغ السن القانونية، و يأخذ حق الملكية الشرعية لنفسه.

.

كانت الرسالة موجزة و سهلة الفهم، ريو الذي إنتحر، كان غير متأمل بشأن تلك الثروة لذلك لم يهتم كثيراً، لكن بالتفكير بالموقف بهدوء، كان الميراث شيئا يتم التأمل فيه بالتأكيد.

.

‟السبب في ذلك هو عمي، بحسب الموقف، لماذا يريد الميراث؟ هل هذا يعني أن فيه شيئا ذا قيمة؟ هل هناك معلومات يريدها داخل الميراث؟ … ربما أنا أقرأ أكثر من اللازم في هذا، قد يكون مجرد أن هذا الميراث قيم، لكن كل هذا مريب، حتى وفاة والدي بحد ذاتها غريبة ”

.

كان من الغريب تماماً أنهم لم يأخذوه، كإبن للتبني حتى الأن، بدلا من ذلك، كان منبوذا من العائلة حتى عندما كانت أمه و ابوه على قيد الحياة، كان الأمر كما لو أن وجوده فيه بغضاء، و أنه هو بنفسه تأكيد على تلك الكراهية، لكن عند وفاة والديه، اصبحوا يراقبونه عن كثب، ثم تأتي معاناته و فقره.

.

ربما حتى المال، الذي كانت حبيبته قد أخذته، بسبب عميه، هذا يعني أن عمه، و عائلة الفتاة متعاونة، أليس كذلك؟ ربما الفتاة بنفسها لا تدري سبب فعلها لهذا، على الأكثر هي قامت بفعل ما تم أمرها به من قبل أهلها، هذا لو كان السيناريو يؤكد ذلك.

.

لكن هذا مجرد إحتمال واحد.

.

‟يبدوا أنها مؤامرة، هاه؟ ربما في الميراث أدلة على شيء لا يريد أن تتم معرفته، هذا يؤدي لإحتمالين، الأول أنهم أرادوا دفعي للإنتحار، و هكذا ستنتقل ملكية الميراث لإبنهما، أو أرادا جعلي يائساً من أجل الميراث، و هكذا سيتبناني، إن كان هذا ما حصل، فأظن أنه يستحق، أليس كذلك؟ ”

.

كان السبب في وصوله لهذا الإستنتاج هي ذكريات هذا الجسد، عندما تأمل في ما حصل له إلى الأن، كان كل شيء مترابطا، لم تكن بطبيعة الحال صدفة.

.

‟الكل في الكل، يجب أن أجد وصي علي قبل أن تنقضي مدة الإحدى عشرة يوماً، و الأفضل لو كان فردا من عائلتي، هذا قد يكون صعباً بعض الشيء…”

.

‟يجب ايضاً أن يكون شخصا متعاطفا، و لديه مشاعر قوية تجاهي أيضا، لا أعرف شخصاً كهذا…في الواقع إذا كنت أذكر، لا فائدة من ذلك الأن، هذا شيء للتفكير فيه لاحقاً ”

.

‟بقيت مشكلة التوصية، هذا لحسن الحظ أسهل المشاكل إلى الأن، من وجهة نظر موضوعية، أنا قد أكون منتجا معيبا، لكن مع بعض التعديل، يمكن إصلاحي ”

.

‟هذا بالطبع بسبب سجلي المدرسي، أنا طالب شرف، لكن تراجع مستواي بسبب الإفتراءات و التنمر، يمكن القول أنني أحد العينات المناسبة للإختبار، هناك عدة أسباب تؤكد ذلك ”

.

عندما حلل الموقف ببراعة، وجد نظرته تسقط نحو شخص يمشي في الشارع، كان الشخص يحمل مظلة، لكنه بدى مترنحاً و يمشي بخطى غير ثابتة.

.

‟أولاً، بسبب أنه لو تم إصلاحي مع بقية المنتجات الأخرى، ذلك سيعزز سمعة المدرسة، ثانياً، مع الخطوات المناسبة، يمكن تحقيق بعض التقدم، في فهم مشاكل الطلبة الإنطوائيين عند وضعهم في بيئة تنافسية، هذا سيساعد الأجيال القادمة أكثر، لكن ذلك مازال غير مؤكد تماماً ما إذا قبلت أم لا عندها ”

.

كان من المستحيل التيقن بشأن أي شيء مائة بالمائة في الحياة، الخطط الأفضل، كانت تلك اللتي تتبع مجرى التيار، مثل الماء، لا شكل محدد لها، بل تتكيف وفق المواقف.

.

‟المشكلة الوحيدة هي كيف أحصل على التوصية، إما أن يكون أحد أفراد أهلي، أو مدير المدرسة، حتى أحد المعلمين سيكون بخير، ربما هذا مزعج قليلاً ”

.

لم تكن هناك حاجة لذكر عمه، كانت ثلاث سنوات داخل المدرسة كافية لريو كي يأخذ الميراث لنفسه، هذا بطبيعة الحال أسوء سيناريو، لعمه على الأقل، أما المدير، فهذا صعب بعض الشيء، الأسهل هو المعلم.

.

‟بقي يومان على ذهابي إلى المدرسة، هذا سيكون متعبا، لكن يجب علي القيام بذلك، لحسن الحظ لدي ذكريات الفتى بجانبي، و إلا كنت سأكون في جهل و عدم يقين، هذا جعلني أعد خطة ستساعدني على حل الموقف ”

.

‟إن سار كل شيء كما خططت، فسأضرب ثلاثة عصافير بحجر واحد ”

.

قاطع بحر أفكاره الشخص الذي كان يحدق فيه بلا وعي، لم يمض سوى بضع ثوان فقط عندما رتب ريو أفكاره، كان الشخص قد سقط على الأرض و هو منهك، إن تم تركه هكذا، فمن المؤكد أنه سيمرض.

.

راقب الموقف بعيون مملة، كما لو أنه لم يهتم بالموقف، لم يكن بطبيعة الحال شخصا يتعاطف مع الأخرين.

.

رغم سقوط الشخص لبعض الوقت، لم يأتي إليه أحد، كان من النادر في البداية أن يأتي إلى هذا المكان أي شخص، لكن مع هذه العاصفة، أصبح من الغريب أن يمر أحد بهذه المنطقة.

.

كان حي، هيغاشي-كو، هو أحد أحياء سابورو العشرة في محافظة هوكايدو شمال اليابان، و كانت تعني كلمة [هيغاشي-كو] باللغة اليابانية ‟الحي الشرقي”، و يقع بجاوره كل من أحياء كيتا-كو، و تشوأو-كو، و شيرويشي-كو، و مدينة إبيتسو، و بلدة توبيتسو.

.

بلغ عدد السكان القاطنين في حي هيغاشي-كو ما يقارب 254,360 نسمة عام 2008 بحسب الإحصاءات الحكومية، وتبلغ مساحة الحي 57.13 كيلومتر مربع، و تقع عدة أنهار في الحي و منها نهر تويوهيرا.

.

كان يوجد بالأصل في المكان الذي يقع به حي هيغاشي-كو، قريتان، و هما قرية نايبو وقرية أوكاداما، اللتان أقامهما مستكشفي المنطقة عام 1870.

.

تأسست قرية سابورو عام 1871، و من ثم تبِعتها قرية كاريكي التي تأسست عام 1873، و اندمجت كل من قرية نايبو و قرية أوكاداما و قرية كاريكي، مع قرية سابورو عام 1902 لتغدو تجمعاً سكانياً واحداً، و قد غطت قرية سابورو حينذاك تقريباً، نفس المساحة التي يقع و يمتد عليها حي هيغاشي-كو حالياً.

جرى دمج قرية سابورو مع مدينة سابورو عام 1955، و مع الوقت؛ أصبحت سابورو إحدى المدن المختارة من قبل الحكومة عام 1972، مما دفع إلى إنشاء حي هيغاشي-كو، و مُدَّ خط توهو من مترو سابورو عام 1988، و وضعت محطاته الخاصة في هيغاشي-كو.

.

كان هذا مجرد أحد الأحياء الفقيرة في هيغاشي-كو و الذي يقع بالقرب من خط توهو، و بطبيعة الحال كان الحي قريباً من محطة شيندو-هيغاشي، لكن ذلك بسبب قربه من مدرسته الإعدادية لا أكثر.

.

و التي كانت مدرسة هوكايدو سابور توهو، و من هذا الوضع، إمتد التعليم فيها من المدرسه الإعدادية إلى الثانوية، لكن لها أقسام أخر داخل و خارج منطقة المدرسة.

.

إذا أراد ريو الذهاب إلى مدرسة طوكيو للرعاية و التنشأة المتقدمة، فعليه قطع مسافة 1395 كيلومتراً جنوباً، أي ما يعادل 866 ميلاً، لم تكن تلك المسافة قصيرة، و ذلك يحتاج النقود بطبيعة الحال.

.

‟بصرف النظر عن ذلك، كل هذا أكد فقط، أن هذا ليس موقفاً قد سيرغب شخص عادي بالتجول بهذا الطقس فيه… ” بعد ملاحظة أن الشخص لن يستيقظ، تنهد ريو و ذهب للخارج.

.

معدل العنف و الجرائم في اليابان، مقارنة بباقي العالم، مجرد حيض من فيض، لم يكن الحي الذي يسكن فيه ريو الأن، كما خمن في رأسه.

.

العنف، السرقة، الإعتداء، و هلم جراً… كانت المعدلات لهذه الأشياء قليلة جداً إن ذكرت في هذه الدولة، لكن ريو، لم يكن يعرف ما هو طبيعي في العالم، رغم فهمه هيكلته الأساسية، إلا أنها كانت تلك مجرد الإحصاءات، و يمكن التلاعب بها.

.

إن قارن حياته السابقة بهذا، فقد كان ما يحصل هنا نزهة لطيفة مع العائلة، لكنه متأكد أن ما قد عاشه، لم يكن تجربة طبيعية قد يعيشها الشخص، لذلك، لم يكن هناك داع للمقارنة منذ البداية.

.

كما توالت أفكاره، دعا الشخص الغائب عن الوعي أمامه: ‟أوي، هل أنت حي؟ ” لم تكن أفضل كلمات يمكن قولها، لكن هذا كيف هو.

.

كانت الجثة أمامه، أرق من أن تكون لجثة رجل، لكن الطول و لون البشرة كان بالتأكيد لشخص بالغ، قوبل نداءه بالصمت فقط، عندما إقترب أكثر، تأكد أنه لم يكن رجلا.

.

كان الشعر الأسود الطويل، و البشرة البيضاء الشاحبة، حتى المعطف و التنورة التي لبسها الشخص، تؤكد أنها فتاة، لا، بدلا من ذلك، كانت إمرأة، بدت شابة، ربما في العشرينات، لم يكن ذلك مؤكداً.

.

كانت أقل ما يقال عنها، رغم فقدان وعيها، إمرأة جميلة، حتى في هذا الموقف الذي هي فيه، برز شعرها الأسود الجميل، و وجهها الصافي، الخالي من الهموم، عند التأكد من أن لا أحد يراقب، حملها ريو معه، و دخل بها إلى شقته.

.

خرج منذ مدة من إفتراء، و لا يريد بالطبع واحدا أخر، على الأقل حتى يستقر في اوضاعه، وضع برفق الجميلة النائمة في سريره و بقي في صمت ينتظرها للإستيقاظ.

.

مرت الدقائق هكذا، في النهاية، تمتمت بكلام بصوت خافت.

.

‟اممم ”

.

صوتها كان مهدئاً للأعصاب، لكن ما قالته تالياً، ببساطة شيء صادم.

.

‟ريو تشان… ” كما لو كان ماء بارد قد سقط على رأسه، سمع ريو تلك الكلمات المفجعة.

.

عند حصول الموقف، ومض ضوء بارد في عينيه، و إلتفت للفتاة، كان تعبيره ثابتاً بلا حركة، لكن نظراته كانت قاسية.

.

كما لو كانت عادة، شحذ نية القتل الخاصة به و رفع حذره، قبضتيه مشدودتين في وضع كما لو كانت خناجر، لكن في تلك اللحظة، خفف من يديه كما لو كان يهدئ نفسه، ثم إختفت نيته، كما لو لم تكن في الأصل.

.

‟يجب علي الهدوء… ” ذكر نفسه بذلك، لم تكن هذه البيئة مثل مكانه السابق، لم تكن هناك حاجة له لرفع حذره هكذا، هذا المكان آمن، تذكر هذا.

.

عندما فكر في ذلك، كان يحدق في المرأة، التي تمتمت بكلامها الأن، على ما يبدوا هي نائمة، أو شبه كذلك على الأقل.

.

إقترب ريو منها حتى كان على بعد مجرد ذراع، الشابة النائمة على السرير، فتحت عينيها بتكاسل، و حاولت فحص محيطها.

.

لكن في خضم ذلك، أي عندما توجهت نظراتها نحو ريو، فتحت عينيها على مصراعيها، ريو أظهر تعبيرا راكداً، لكن ظهرت علامة إستفهام فوق رأسه.

.

‟هل هي تعرفني؟ ” مثل هذا السؤال طاف في ذهنه، كما لو كانت تجيب عليه، إستراحت عضلات وجهها و إبتسمت.

.

كانت إبتسامتها سعيدة، لكن في الوقت نفسه، حزينة.

.

‟ريو تشان ” سقطت من مأخذ عينيها، دموعها ببطء، عندما نطقت بهذا الإسم، بدى كما لو كان يحمل وزنا ثقيلا، مثل ما أن ذلك الوزن، هو ما تحمله على كتفيها.

.

‟إيه؟ ” عندما شعر بلمسة دافئة، حول وجنتيه، لم يسعه سوى إطلاق مثل هذا الصوت الغبي.

.

كانت يدى المرأة تمسك به، برقة، لكن شعر ريو بعزم شديد منها، إنتشر دفء لمستها في خديه، لسبب ما، أتاه شعور غريب من الألفة.

.

تخلص من شعوره ذاك، و ركز على الموقف الحالي، لم يكن الوقت المناسب لذلك الأن.

.

‟يبدوا أن هذه المرأة تعرفني بطريقة ما، لكن، من هي؟ لا أتذكرها بأي حال من الأحوال ”

.

قام بمسح ذاكرته، لكن لم يرها من قبل، كانت رائحة الكحول تفوح منها، لذلك بدى من الواضح أنها سكيرة الأن، ربما لم تكن واعية.

.

في الواقع، الناس يميلون لإظهار ضعفهم، و مشاعرهم الحقيقية، إما عندما يمرضون، أو يكونون سكارة، لذلك هذا لا يعني سوى أنها تعرف ريو حقاً.

.

كان هناك إحتمال أنها تمثل، لكن لم يشعر ريو بأي شيء يشبه ذلك.

.

هذا يطرح لنا السؤال الرئيسي، كانت أفكار ريو تتسابق، بينما الفتاة الشابة، تبكي و هي تعانق ريو بشدة، كان الشعور الإسفنجي لصدرها، سرياليا بحق.

.

‟أنا أغرق، هذا الشعور ليس سيئاً … لا، ركز! ” كاد أن يفقد نفسه و يرخي حذره لفترة، لكنه تمكن بطريقة ما من الرجوع للواقع.

.

على أي حال، كانت هذه المرأة على الأرجح شخصا يعرفه، إما من بعيد، أو قد رأته في طفولته، هناك ايضاً إحتمال أنها قد شبهت ريو بشخص أخر يشبهه.

.

ربما تكون ايضاً أحد الأشخاص الذين يعملون لدى عمه، لم يكن عمه شخصا ثريا، لكنه ايضاً لم يكن فقيراً ايضاً، ربما في الطبقة المتوسطة، لم يكن متأكدا تماماً.

.

‟هل بأي حال من الأحوال، أنت تعرفيني؟ ” عندما كاد أن يتم خنقه بين ذراعيها، سأل مثل هذا السؤال.

.

‟موو~ كيف تسأل خالتك مثل هذا السؤال، ريو تشان! ” كما لو كانت تشتكي، رمت مثل هذا البيان الصادق، لكنها فكرت في الوقت نفسه، بهذا الموقف.

.

لم تتوقع أن تلتقي به هنا، ليس بعد الوقت الذي طال، ليس بعد أن تخلت عنه، لم تستطع سوى أن تسأل نفسها، هل تستحق أن تكون هنا؟.

.

‟خالتي؟ لكنني لم أر أو أقابل شخصاً مثلك، لماذا يا ترى؟ ”

.

كانت علامة الإستفهام تحوم فوقه، خالته التي، رأت هذا، لم يسعها سوى الضحك على مظهره البريئ، لكن تلك الضحكة تحولت على الفور إلى كآبة.

.

‟إنـ- إنه بسببي، أن ريو تشان الأن… ” الدموع التي قد توقفت في وقت سابق، قد توالت في النزول مرة أخرى.

.

هي بلا شك إمرأة جميلة، لكن عندما بكت مثل هذا، كان منظرها يقطع القلب، بدت مثل المطر الذي نزل، ساد المكان شعور بالحزن و السوداوية.

.

‟ماذا تقصد هذه المرأة؟ يجب علي معرفة هذا ” حتى في مثل هذا الجو، لم يتحرك قلبه قيد أنملة، كان فقط يحاول فهم الموقف.

.

‟لا أعرف لو كان لدي الحق، لكن الرجاء الشرح أكثر، يا خالة ” عانقها برفق، كما قال تلك الكلمات، بصوت بدى متألماً، كما لو أنه أخرج كلماته بصعوبة.

.

عندما سمعته يناديها بالخالة، قفز قلبها من مكانه، جعلها ذلك سعيدة، و شعرت بالذنب ايضاً.

.

‟أنا اسفة، ريو تشان، في الواقع أنا… ”

.

في الليل المحدق، و عندما كانت هناك عاصفة تلوح في الأفق، داخل الشقة البالية، جلس شخصان مقابل بعضهما.

.

كان الأكبر منهما، يعانق الفتى الصغير بين يديه، و هو يبكي، بينما حكت قصتها، لما حدث، و ما كان يحدث.

.

إستمع ريو لكامل القصة، و وصل إلى تفاهم شامل للموقف، في ظل هذا، ومض الإلهام في عقله، و توصل إلى أفضل حل للموقف.

.

كان حظه على عكس المتوقع، سعيداً حقاً!.

.

غالباً ما تأتي المسرات بعد المصائب، أكد له موقفه الحالي ذلك.

.

بينما سقطت الدموع من عينيه، تحدث ريو بصوت مرتجف: ‟خالتي، في الواقع أنا… ”

.

عندما أكمل الحديث، وسعت عينيها، و فتحت فمها مصدومة، لكنها إستجمعت كلماتها في النهاية.

.

‟لا تقلق، خالتك بالتأكيد ستكون هناك !! ”

.

‟الخطوة الأولى إكتملت ” إبتسم ريو في ذهنه ببرود، لكن أظهر تعبير متأثر في الخارج.

.

‟حسنا، حان وقت النوم الأن لذلك سوف أنام على الأر- ”

.

لم يكمل كلماته عندما شعر بإحساس دافئ في جسده، كانت خالته قد سحبته على السرير، يبدوا أنها تريد أن ينام معها.

.

‟خالتي، أنتي تعرفين أنني لست صغيراً، اليس كذلك؟ ” لم يسعه سوى الشكوى، بتعبيره الرصين المعتاد.

.

‟لا تقل ذلك، ستصاب بالبرد ”

.

عندما رأى تعبيرها القلق، لم يسعه سوى إخراج تنهيدة و قول ‟بخير ”.

.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

.

و هكذا، مضى الوقت بسرعة.

.

بيبب!!

.

كانت أصوات القطارات، و السيارات، تحيط بالأرجاء، و يمكن سماع، خطوات الناس، رجال كانوا و نساء، في وسط هذا، كان هناك شاب ذو شعر أسود، و عيون حمراء قاتمة.

.

كان الشاب، أو المراهق بصفة أدق، يمشي بين الحشود بتعابير غير متأثرة، كان من غير الممكن معرفة ما كان يفكر فيه.

.

لكن المؤكد، لو ركز المرء بعناية، سيلاحظ أن هناك وميضاً من الفضول و التأثر، كما لو أنه شهد على شيء يراه لأول مرة.

.

‟هذا بالتأكيد شيء يتطلع له المرء ” فكر ريو، بينما يراقب السيارات، القطارات، و الناس، كانت تلك أول مرة يشهد مثل هذا المنظر، رغم أنه لديه ذكريات الجسد السابق، لم يشبه ذلك رؤية المنظر مباشرة.

.

كان يمشي الأن إلى المدرسة، و قد نزل من القطار قبل مدة.

.

بصرف النظر عن المناظر، لم يحدث شيء مهم.

.

قبل يوم، خالته قد رجعت إلى منزلها، لكنها وعدت ريو بأن تزوره كل مدة، بدون ذكر وعدها الذي قطعته له قبل يومين، كان كل ما بقي لريو هو إعداد المسرح.

.

عندما شرد ريو في أفكاره، كان قد إقترب من المدرسة، حتى أنه لم يلاحظ مظهر الإشمئزاز الذي أعطاه له الطلاب الذين مرو به.

.

الرفض، التقزز، و الخوف، حتى العار، كانت نظرات الناس من حوله رافضة، لكن ريو، حتى لو لاحظ، لم يكن سيدفع لهم أي إهتمام.

.

الشخص الذي يؤذي نفسه فقط بسبب أن الأخرين رافضون له، ليس سوى شخص مثير للشفقة.

.

لم يكره ريو الناس، و لم يحبهم ايضاً، ما عدى العائلة، لم يكن يجب على الشخص دفع أي إهتمام بالأخرين.

.

لكن ريو، الذي نشأ بلا عائلة، لم يفهم ذلك كثيراً، كانت معرفته الوحيدة هي عند بداية حياته، لكنه لم يكن سوى حيض من فيض، و نسي ذلك الشعور.

.

على أي حال، كان قد وصل لمكان تبديل الأحذية، و بحث عن إسمه، عندما تفاجأ بعض الشيء بما يحصل.

.

‟يبدوا أن اللعب قد بدأ، هاه؟ ” عندما فتح صندوقه، رأى حذائه مبلل بالماء، و داخله مسامير، كان هناك بعض الشتائم داخل و خارج الصندوق و حتى في حذائه.

.

‟يا للغباء ” سخر في ذهنه، و لفت إنتباهه للحضور، كانوا يتهامسون فيما بينهم و هم يضحكون، لم يدفع إهتمام أكثر، و عاد صب تركيزه على صندوقه.

.

فكر قليلاً، ثم فتح صندوق أحذية لشخص أخر تحته، جرب الحذاء، ثم حاول معرفة لو كان ملائماً، كان مريحاً بشكل غير متوقع.

.

‟لنذهب ” عندما بدأ بالتحرك، لم يلقي حتى نظرة للجمهور، الذي كان يفتح عينيه بعيون مصدومة.

.

لم يكن الوقت المناسب للإهتمام بذلك الأن، حان وقت اللعب.

.

‟لا يسعني سوى التحمس بعض الشيء، قد تكون هذه المدرسة دمية لقتل الوقت، اليس كذلك؟ ”

.

كان يحمل إبتسامة رحيمة في هذا الوقت، على عكس ما فكر فيه.

2023/04/20 · 114 مشاهدة · 3266 كلمة
نادي الروايات - 2025