‟الحياة معركة و صراع أبديان، و لا يمكنك القتال بفعالية ما لم تحدد أعدائك، تعلم كيف تخرج أعدائك من مخابئهم، حدد أنماط سلوكهم و ما يهيج عدوانيتهم؛ و ما أن يصبحوا بين ناظريك، أعلن الحرب عليهم سراً. ”

.

‟كما يقوم القطبين المتضادين بخلق حركة، فإن أعدائك المضادين لك يقومون بشحذ تحركاتك و أهدافك. ”

[33 إستراتيجية للحرب.]

المؤلف: روبرت غرين.

.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

.

هيغاشي كو.

.

مدرسة هوكايدو سابورو الإعدادية.

.

على عكس الأيام العاصفة الماضية ، أصبح ضوء الشمس يخترق المباني الزجاجية بينما يشع بنور ملأ العالم بالحياة.

.

كان من الممكن سماع زقزقة العصافير و أصوات السيارات تعلو، عند الإستماع عن كثب، بدى كما لو كان لحن يرن في الأذان.

.

في الممرات داخل مدرسة هوكايدو سابورو، سواء كان الأولاد أم الفتيات، بدأ الكثير يتجول في الأماكن، بينما علت الضحكات و سمعت المناقشات، كان المكان يعج بأجواء صاخبة.

.

لكن داخل أحد الفصول، كان التناقض بين الداخل و الخارج ظاهراً صارخاً-.

.

كان المكان مليئ بالصمت.

.

سواء كان يميناً أو يساراً لم يكن مهماً، الجميع لفه الصمت، في الواقع، لم يكونو يعرفون ما يقولونه من الأساس.

.

ما رأوه، لقد كان ببساطة لا يصدق !!.

.

في وسط هذه البيئة الصامتة، الوحيد الذي بادر بالقيام برد فعل، لم يكن سوى الجاني.

.

حدقت أنامله بينما تتجول عيناه الحمراء باللون الداكن حول الطلبة، قال كلماته بهدوء: ‟هذا ممل… ”

.

هل كان يحدث الطلاب أم نفسه، لم يكن ذلك معروفاً، لكن كان هناك شيء مؤكد، لسبب ما، شعرت كلماته و نبرته ببرودة عميقة، جعل ذلك البعض تتشدد تعابيره بلا وعي.

.

كما قد قال ذلك، أغلق عينيه ببطء و إرتاحت تعابير وجهه.

.

التعبير البارد الذي كان قد قدمه للطلبة سابقاً قد إختفى، كان كما لو لم يكن هناك من الأساس، و تمت مواجهتهم بدلاً من ذلك بوجه رواقي و إبتسامة مشرقة.

.

فقط عندما كان على وشك العودة إلى الجلوس، تم سماع صرير كرسي بجانبه.

.

أ-أيها… الوغد… ” حدق في الصورة أمامه، و رأى أن الفتى الذي كان قد أسقطه أرضاً واقفا على قدميه بصعوبة، بينما يدعم نفسه بطاولة الكرسي بالكاد.

.

”هوه؟ يبدوا انني قللت من شأنك، اليس كذلك؟ ” قال ذلك بينما لم تتغير تعابيره.

.

كما لو شعرو بالسخرية، كاد الطلبة يبدأون في الهياج، عندما سمعو دوياً عالياً في انحاء الفصل-.

.

بانغ !!.

.

في تلك اللحظة، كان ريو قد صدم رأس الفتى بالكرسي بقوة، لدرجة أنه فقد الوعي على الفور.

.

كما لو يعيد المشهد نفسه، صمتت الأجواء فجأة قبل أن تثور ضجة في الأنحاء.

.

”ااه صحيح، اليس الأن من المفترض أن تتقدمو نحوي لتنتقموا، أو شيء من هذا القبيل؟ ”

.

عندما ترددت كلماته في اذهانهم، بدات مشاعر البعض تفيض، البعض سخر، و البعض شعر بالحرج، و أخرون كان يغلي غضبهم.

.

لكن المؤكد، لم تكن أي منها مشاعر إيجابية.

.

‟أنت يا ابن العاهرة! سترى ما سأفعله بك!! ”

.

‟تعال و قاتلني إن كنت رجلاً! ”

.

صبيان من بين الطلاب قد جريا نحوه، بينما بصقا الشتائم و الإستفزازت، لكن على غير المتوقع، هجم احدهما بينما وقف أخر على مسافة.

.

‟اوه؟ ” ضاقت عينا ريو بينما فكر فيهما، على عكس مظاهرهما الغبية، كان بالتأكيد يجيدان القتال الجماعي.

.

رغم انها خطوة واحدة، إلا أنها أظهرت مثل هذه المعلومات، كان القتال مثله مثل لعب الشطرنج، أي حركة تقوم بها، لها مزاياها و عيوبها، لكن الفرق هو انه على عكس الشطرنج، لم يدم القتال طويلا، كان يعتمد ذلك في الغالب على الظروف.

.

يمكن القول أن الذي هاجم لديه بنية أقوى، بينما البعيد ربما هو اسرع بالنظر إلى رقة جسده، كان الأقرب لريو ضخم البنية مقارنة بجسده الخاص.

.

تسارعت الأفكار في ذهنه، إلا انه لم تمر سوى لحظة.

.

لم يغير تعابيره، و بالطبع لم ينتظر الفتى للوصول إليه ليدافع بشكل سلبي، شد جسده، و تسارع نحوه بقفزة أمامية، بينما ركله بقوة.

.

بسبب الزخم الخاص به، و بالطبع الزخم القادم من الفتى ضخم البنية، ارسله محلقاً إلى الوراء بينما سقط بخشونة على الأرض، قبل أن يتفاعل اي أحد مع ذلك، كان الفتى الأخر قد تم إمساكه، و ضرب أحشائه بقوة بركبته اليسرى.

.

مثل هذا، سقط الإثنان على الأرض، تلوى احدهما بينما يمسك معدته بينما أصبح تنفس الأخر قاسياً، الفتى ضخم البنية حاول الوقوف، لكن تم الدوس عليه بلا رحمة.

.

‟همف! هذا ممل بعض الشيء لكن هيهي… همم؟ ”

.

بينما ضحك في ذهنه بفتور، لاحظ أن الوقت كاد ان يحين للحصة، في الواقع، كان الوقت الذي صمت فيه الحشد سابقاً أطول من المتوقع، لكن بسبب ذهولهم، لم يلاحظوا ذلك، كان تدفق الوقت غير مفهوم.

.

بحسب نفسية المرء، كان شعوره بمرور الوقت يختلف جذريا، لم يكن هناك مفهوم للسرعة او البطء عند الحديث عن الزمن، كان مجرد انه يتدفق للأمام.

.

تجاهل ريو الصرخات في الفصل بينما سحب رجله عن ظهر الفتى ضخم البنية، لكن بينما لم ينتبه، تمت عرقلة رجليه من قبل المراهق النحيل.

.

بسبب عدم إستعداده، فقد التوازن و سقط على الأرض، تم الإمساك به على حين غرة، و ضربه بدون شفقة.

.

كان السقوط من قبل مجرد فعل، لم يتأذى المراهق النحيل بشدة، ربما كان قد شد عضلات بطنه في اللحظة الحاسمة، مما حد الضرر إلى حد كبير.

.

بغض النظر عن ذلك، الوضع ببساطة قد تم عكسه الأن.

.

‟ااه! ااه! مؤلم!! توقفوا عن ضربي!! ” صرخ ريو بشكل مثير للشفقة بينما دافع عن جسده بيديه، في الواقع، كان يتم ركله بلا رحمة من قبل الفتى النحيل، و صديقه ضخم البنية.

.

المثير للسخرية في الأمر، هو أن مزاج الطلاب قد رجع لما كان عليه من قبل و بداو يشجعون كما لو كانت مباراة، هذا كان غريبا، لكنه طبيعي ايضاً.

.

بالنسبة للأخرين، كان ريو منذ البداية شخصاً منبوذاً، و الأن عندما اصبح يهيج فجأة، شعروا أنه كان وقحاً جداً !!.

.

و بالتالي، أرادوا قمع مثل هذه التصرفات، في الواقع، و بلا وعي منهم، كانو قد إتخذوا من ريو عدوهم و ضحيتهم المشتركة، من اجل تحقيق التوازن في الفئة.

.

في الأصل، تصرفات ريو الحالية، كان ذلك ما دفع بمشاعرهم للحافة مما جعل تصرفاتهم عاطفية أكثر.

.

أهم شيء في بيئة مثل المدرسة، كان ذلك المقام الإجتماعي، كلما كان مكانك أعلى، زادت السلطة التي خولت نفسك في الحصول عليها، و بالتالي، مثلما كان هناك زعيم و حليف، كان هناك بطبيعة الحال التابع و العدو، كان مجرد شيء طبيعي.

.

رغم صراخه البائس على السطح، إلا أن أفكار ريو كانت هادئة، تسارعت أفكاره بينما فكر في هيكلة هذه المدرسة، رغم أنها مدرسة فوق معظم المدارس، إلا ان ذلك القانون ينطبق عليها ايضاً.

.

في الواقع، في دولة مثل اليابان بالذات، كثرت مثل هذه الحالات أكثر، مما أدى إحصائياً لوفيات وصلت معدلات الوفيات في وقت ما إلى ستين في المائة أكثر مقارنة بباقي الدول، و كانت أكثر الفئات المندرجة في هذا التصنيف…

.

لقد كانوا طلاب المدارس الإعدادية و الثانوية.

.

زاد عدد الطلبة المشاركين في ضرب ريو، و شعروا بالأدرينالين في أجسامهم يصل لأعلى درجاته، كلما ضربوه أكثر، زادت التهليلات و السخرية تجاه الفتى المثير للشفقة الذي تم ضربه بلا رحمة.

.

في البداية، كان هناك بعض التردد و الرفض، لكن بسبب ضغط الأقارن و الرأي العام، إنضم البعض لذلك، كان السبب بسيطاً، لم يرغبوا أن يصبحوا في مكان ريو الحالي.

.

كان هناك أيضاً موضوع أنه يتيم الأبوين لذلك لم يكن يملك أي دعم خارجي، كان عكس هؤلاء الأشخاص، الذين إمتلكوا أصدقائهم و أهلهم و هلم جراً.

.

لهذا، لم يتبقى سوى الشروع في التدفق مع التيار، و سيتم نسيان كل شيء مع مرور الوقت.

.

رغم أن ريو تم ضربه بقوة، فقد كان في الواقع يحمى أهم النقاط الحيوية في جسده بينما تجنب تلك التي كانت خطيرة، بطبيعة الحال لم يلاحظ المهاجمون ذلك.

.

كان السبب الأكبر هو عددهم، كثرتهم جعلت أي إحساس بالخطر تجاه ريو يتلاشى، كانت هناك عوامل اخرى اقل أهمية مثل تراكم الخبرة و الغرائز الضرورية للمحارب، لكن ذلك الأن لم يكن مهم.

.

يجب القضاء على مثل هذا التهديد…!!.

.

و بينما كاد يصل مثل هذا المشهد إلى الذروة.

.

بووم-!

.

دوى صوت دوي يصم الأذان.

.

‟ماذا تفعلون؟! ”.

.

كما سمع صوت حاد و صاخب خارج الفصل، كانت هناك شخصية لإمراة جميلة فخورة واقفة امام الباب، بينما حمل وجهها تعبيراً بارداً ينم عن السخط و الصدمة، لكن أكثر شيء تمت ملاحظته، كان هو الغضب.

.

‟اللعنة!! ” كان اول فكر مر على أذهان الطلاب، كانت هذه مشكلة!!.

.

دخل المعلم الفصل على مشهد عدد غفير من الطلاب يقومون بضرب شخص وحيد، كان الوحيد الذي لن يفهم الموقف الأن مجرد شخص معاق عقليا.

.

لكن هذا الشخص الواقف الأن، لم يكن بأي حال من الأحوال كذلك، بمجرد نظرة واحدة، عرف الجميع من تكون هذه المرأة، إنها المعلمة الأكثر شعبية في المقاطعة، لقد كانت الأستاذة ماكوتو سايوري.

.

جمالها الخلاب أقل ما يقال عنه هو أنه منقطع النظير بلا شك، رغم كونها معلمة، إلا أنها في الواقع في العشرينات من عمرها، لم يكن ذلك عمراً إعتيادياً لمزاولة التعليم بعد.

.

بالذات في دولة تهتم بالدراسة مثل اليابان، هذا أكد أنها ربما لديها موهبة تتناسب مع جمالها الخلاب، و من عروفها و تعلموا على يديها يمكن أن يكونوا شهوداً على ذلك.

.

أسلوب التواصل، الحزم و التعليم المناسب، أن كان هناك مشكلة واحدة، ربما هي شخصيتها الحازمة، خارج نطاق العمل، لم يكن سهلاً الإقتراب منها، لقد فصلت تماماً بين الحياة الشخصية و العملية، هذا لم يزد سوى من شعبيتها في الواقع.

.

مع مثل هذا، كيف لم تفهم هذه الأستاذة المذهلة ما يحصل؟.

.

كان من الواضح أنها ما يحصل هو شغب-!.

.

إخترقت عيون الأستاذة سايوري الباردة الفصل، بينما زاد غضبها تدريجياً، شحبت في المقابل وجوه الطلاب.

.

هذا سيئ جداً! كان سبب تفكيرهم في ذلك هو شيء واحد، كانت سلطة الأستاذة، حتى مع مقامها كمعلمة هنا، إلا أن لديها علاقة لا تنكسر مع مالك هذه المدرسة، لقد كان في الواقع هو خالها.

.

هذا يعني، مع كلمة واحدة منها، كان- لا، بدلاً من ذلك، سيكون مصيرهم الدراسي مجرد غبار يتم نطفه عن المعطف.

.

دعك من الهراء مثل ان أهلهم سيعارضون أو أشياء من هذا القبيل، الدوس على مثل هؤلاء الأشخاص بالنسبة لسلطة هذه المدرسة، كان فعل هذا أسهل من فعل ذلك للنمل-!!.

.

كيف يمكنهم، بصفتهم مجرد أشخاص في الطبقة ما فوق المتوسطة في أحسن الأحوال، مقاومة مثل هذه السلطة؟ كانت هذه مدرسة هوكايدو سابورو الإعدادية! لم يكن هذا فناء منزلهم الخلفي، لكنه كذلك بالنسبة لسايوري.

.

رغم كونهم قد دخلو سن المراهقة حديثاً و لديهم الدم الحار للشباب المتحمسين، إلا انهم لم يكونو أغبياء، من بحق الجحيم سيجرؤ على فعل شيء غبي في مثل هذا الموقف؟ و بالتالي، كان الرد الذي تلقته الأستاذة سايوري هو الصمت.

.

لم يستطيعوا الكلام، كان السبب شيء واحد، لم يريدوا تحمل المسؤولية، و بالتالي، إنتظر كل منهم أحد ما ليأخذ زمام المبادرة، لم يحضر الشخص الذي كان ممثل الصف، لذلك لم يكن بطبيعة الحال خياراً.

.

ما قابلهم هي عيون حادة، و بنرة باردة كالجليد: ‟ألم تسعموا؟ قلت لكم، ماذا يحدث هنا…؟ ”.

.

توتر الحشد من هذا المشهد المتكشف، أي خطأ، و ربما على اسوء تقدير، سيفقدون حياتهم الدراسية، حتى الذين تم إعتبارهم مثيري شغب هنا لم يكونوا أغبياء، لذلك حاولوا التفكير في حل سريع للموقف.

.

رغم الأفكار السريعة التي مرت، إلا انها كانت مجرد بضع ثوان، على الأكثر أنه لم يمضي على الموقف سوى دقيقة.

.

قبل أن يتحدث احد، تحدث احد ما بصوت أجش، بينما تم سماع أفاسه المتقطعة، كان يتنفس بخشونة.

.

‟انا…أعرف ما حصل.. ”. عندما توجهت الأنظار إليه، شعر الجميع بالقشعريرة، الأن بعد إستعادة عقلانيتهم، عرفوا أنهم في الحقيقة، لم يشعر أي أحد منهم أنه سدد ضربة حرجة لريو.

.

كان الأمر كما لو انهم يضربون بعشوائية ماء يتدفق عبر الشلال، كل ما كان أحد على وشك تسديد ضربة مؤذية، كان يتم إحباطه على الفور.

.

لكن المنظر الحالي لريو يقول عكس ذلك، لقد كان زيه ممزقاً، و كان المخاط يغطي وجهه، بينما تمت رؤية كدمات حمراء على بعض أجزاء جسده التي تمزق الزي منها.

.

لقد كان ذلك مشهداً مثيراً للشفقة، عند رؤيتهم لهذا المنظر، عرف البعض انهم قد تمادو أكثر من المتوقع…

.

لكن عدد قليل منهم، و بالأخص المراهق قوي البنية و الفتى النحيل، عرفوا أنه لم يكن كذلك، لأنهم موجودون في مدرسة مثل هذه، كان الهدف من ضرب ريو هو قمعه و تخويفه لا غير، لذلك كان من المستحيل أنهم فعلوا أكثر من اللازم.

.

في الواقع، ما جعلهم متأكدين أكثر هو أنهم حتى عندما كلنوا يركلونه، قاموا بتحذيرهم أن لا يتمادوا و راقبوا الآخرين للحرص من عدم فعلهم شيء غبي.

.

لذلك عندما رأو هذا، شعروا أن هناك شيء ما خطأ!.

.

لم يكن ذلك سوى حدس، لكن شعورهم المشؤوم تصاعد بدل التراجع.

.

تحدث ريو بصوت ضعيف، لكن مليئ بالصدق: ‟قبل فعل هذا، لدي سؤال لك يا معلمة ”

.

‟همم…؟ ”.

.

أعينها الزرقاء الصافية، لكن الباردة، إلتقت بأعين ريو الباهتة، كان التناقض بينهما واضحاً، حملت نظرتها سلطة و قمعاً لا يتقبل المعارضة.

.

البعض قد خفض نفسه بلا وعي عند رؤيتها، لكن ريو واجه ذلك بعزيمة كبيرة، إرتجفت يديه قليلاً، لكنه حدق فيها مباشرة، كان السبب في رأي سايوري هو أن رغبته في قول الحقيقة كبيرة.

.

خفت الحدة في عينيها، و تحدثت بخفة أقل من صوتها قبل قليل: ‟تفضل ”.

.

‟أعرف ان ما يحصل هنا قد يبدوا سيئا…” كما قال ذلك، ألقى نظرة جانبية للطلاب، جعل ذلك البعض يتجنبون نظراته.

.

كيف لا و حياتهم الدراسية تعتمد على ما سيقوله الأن؟ لقد فقدوا زمام المبادرة لحل الموقف منذ بدأ ريو في الحديث-!!.

.

رغم فهمهم الموقف، إلا أنه بسبب تأجج مشاعرهم، قاموا بإقتراف مثل هذا الخطأ الجسيم، المتمثل في تعنيف ريو هنا.

.

بالطبع، لا فائدة من البكاء على اللبن المسكوب، كل ما يستطيعون فعله الأن، هو الرجاء بأن ريو لن يوقعهم في موقف صعب.

.

‟لكن ليس كما تظنين، لذلك، أمل أن تلبي لي طلبي الأناني الأن ” كما قال ذلك، حملت نبرته العجز و الترجي، و حتى الأمل، أمال طفل يطلب من اهله الحلوى.

.

‟لا داعي للإلتفاف و الدوران، أدخل في صلب الموضوع- ” لم تكمل كلامها، عندما رأت أن ريو يترنح بعض الشيء.

.

ذلك قد أسقط بعضا من عزمها، و سارعت من اجل دعمه حتى لا يسقط، و الغريب في الأمر، أنها فعلت ذلك لا شعورياً.

.

‟لا بأس، أنا بخير… ” أجاب على لفتتها المراعية بينما إبتسم بضعف، حرك جسده ‟المصاب” محاولاً الوقوف بنفسه، لكن ليس قبل التعثر .

.

الأشخاص الذين كانوا معه قبل أن تاتي الأستاذة، شعروا بالبرودة في قلوبهم، ألم يكن هذا هو الشخص الذي جعلهم يشعرون بالحذر؟ و حتى أنه أخاف البعض، لكن لماذا يبدوا هشاً و لطيفاً الأن؟!.

.

مع تكشف الأحداث، بدأ الإدراك يضرب عقولهم، فهموا الأن ما يحدث، لقد تم التلاعب بهم تماماً!!.

.

نفوا هذا الفكر على الفور، لكن عند التفكير في كل ما حدث، كان من الصحيح التفكير في هذا، أكبر دليل، كان ذلك هو الوقت الذي تعثرت فيه ساق ريو، أي شخص ذو عقل، كان سيتجنب ذلك بسهولة، حتى انه لم يحاول الوقوف.

.

حتى الصرخات و الأهات التي أطلقها، ربما كان ذلك مجرد تمثيل، بقوته الساحقة، لم يكن من غير الواقعي ضرب الإثنين الذين تعاركا معه، كان أكبر دليل هو الشخص الفاقد للوعي الأن-!.

.

كلما فكروا أكثر، ساد شعور من عدم الإرتياح الطلاب، ظنوا أنهم هم المتحكمون بالموقف، لكنهم لم يكونو مخطئين أكثر.

.

من دون وعي، بدأ البعض في تطوير عقدة نقص تجاه ريو، و كان ذلك فقط بسبب موقف واحد، لكن الأثار كانت كبيرة، بالطبع، لم يلاحظوا ذلك.

.

على الأقل ليس بعد.

.

دينغ-!.

.

رن مثل هذا الصوت في الفصل، كان إشعارا برسالة قد رن في هاتف بعض الطلاب.

.

حدقت أنامل ريو و الأستاذة في الأشخاص المعنيين، طالبين شرحا عن ذلك.

.

أجاب أحدهم بعد رؤية الصمت، لم يكن سوى الفتى ذو البنية الضخمة، يبدوا أنه القائد بين الطلاب الموجودين في الفصل.

.

‟ااه، أسف، يبدوا أنها دردشة الفصل الجماعية…” قال و هو يخدش رأسه بحرج.

.

فقدت المعلمة سايوري الإهتمام و حدقت في ريو.

.

‟أرجوك سينسي، أطلب- لا، أتوسل إليك أن لا تتركي ما حدث اليوم يتسرب خارج الفصل! ” كان صوته مليئا بالعزم، و عيناه تحمل بريقا، رغم انها حمراء قليلا، بدى كما لو كان على وشك البكاء.

.

‟هاه…؟ ” بدى كما لو أن الوقت توقف بالنسبة لها للحظات، قبل أن تستوعب الكلمات التي قيلت.

.

لم تكن هي وحدها، حتى الطلاب كانوا ذوي عيون مفتوحة على مصراعيها، البعض كان يحدق في هاتفه و هو مصدوم، و البعض الأخر في ريو، غير مصدق لما قاله للتو.

.

كان هذا ببساطة هو الشيء الوحيد الذي يمكنهم فعله، فما قاله الأن شيء لا يصدق-!.

.

بتجاهل الصدمة المحيطة بهم، أكمل ريو قائلاً: ‟ أعرف أن ما أقول صعب التصديق لكن… هذا لصالح الجميع! لكي تفهمي الموقف جيداً، علي الشرح من البداية، الأمر و ما فيه، كان زميلي الفاقد الوعي هناك في خلاف مع اماني كن و ريجو كن، لذلك حاولت تلافي المشكلة، لكن سيشي كن غضب و حسب انني ضده، لذلك غضب ”

.

كان صوته صادقا و اسلوب حديثه مؤدب، كان كما لو كان شاهد على قضية في المحكمة، لكنه كان هو الضحية، و هذا اثار الريبة و مشاعر معقدة لدى الجماهير، لم يتحدث أحد و بقي الجميع منتظرا لكلماته التالية.

.

‟ عند رؤيته يتهجم علي، حاول اماني كن إيقافه، و هذا جعل الأمر معقدا، حاولت أن اوقف الأمر و أهدئهم، لكنه أتى بنتائج عكسية و تصارع الجانبان معا، دخلت في الأمر بنية القتال لكن تم صدي، و تلخبط الأمر على الجميع، معلمة، انت تعرفين بسمعتي، كوني طالبا مشكلة لا يخفى على أحد ”

.

طالب مشكلة، لقد كان هذا هو الزناد الذي أطلق الأمر، هذا منطقي-! بسبب كل ما قيل فيه، كان سوء الفهم واضحا، فكر الغالبية في الأمر من هذه الناحية، كان الغريب هو انه لم يقل أحد من الطلبة أي شيء في حقه.

.

كانو قد نظرو في هواتفهم جميعا في منتصف حديث ريو، و كلما حدق أحد في هاتفه، كان يغلق فمه بشكل تام.

.

كانت المعلمة سايوري بطبيعة الحال تفكر في الأمر هكذا، لكنه لديه وقع أكبر عليها، كمعلم، و بالغ، و حتى كشخص.

.

كان ريو مجرد شقي مراهق، لكنه تبنى بالفعل فكرة أنه شخص مثير للمشاكل، قد يبدو الأمر بسيطا، لكنه أكبر من ذلك.

.

لقد ذاقت سايوري نصيبها العادل من قسوة الحياة، لذلك شعرت بالبعض من عدم الإرتياح عند سماعه يقول ذلك، لكنها إبتلعت شعورها ذاك و وضعته في مؤخر رأسها.

.

‟لا أعتقد انهم مخطئون كثيراً يا معلمة، من الصحيح أن ما فعلوه قد يبدو خطأ، لكنني لم أصب بأذى شديد، أنظري ”

.

قامت بتوجيه نظراتها تحت توجيهه إلى جسده، كان يبدو مثيرا للشفقة، لكنه محق، كانت مجرد جروح سطحية، لم يكن بالأمر الجلل.

.

‟لكن ذلك لا ينفي حقيقة أنهم إعتدو على طالب ”

.

نفته على الفور و لم تتأثر بكلامه، كان مجرد طفل في سن المراهقة، ما الذي سيفهمه مثل ذلك الشخص؟.

.

‟كنت أنتظرك لقول هذا…” إبتسم ريو ببرود في ذهنه و قال.

.

‟هذا صحيح، أستاذة، أنا لا أطلب أن تلغي العقوبة، بل أريد أن تخففي منها ”

.

‟ماذا تقصد…؟ ” كانت مرتبكة في إستجابته الحالية، كانت تعتقد أنه سيطلب إلغائها خوفا من النقد و إنتقام زملائه لاحقا.

.

‟الأمر بسيط، إنه مجرد سوء فهم، لو حددت موقفي بثبات، لم يكن هذا ليحدث، لو حكم زملائي جيدا على الموقف، لما تم الإعتداء، لذلك أقول أن كل جانب مخطئ ”

.

كلمات الشخص ستكون ثروته أو خرابه، يصلح حالك بلسانك، و يخرب بخرابه.

.

لم يكتفي ريو برد التهمة لهم، بل قام بضم نفسه ايضا، و هذا غير كيفية إستجابة الأخرين لحديثه، كان موقفك من الكلام و كيف تقوله أولى من الكلمات نفسها.

.

لأنه كان الضحية طوال الوقت، كان كلامه له تأثير لا واعي على الأخرين، حتى أنه وصل لحد التغيير في مشاعر أستاذته سايوري.

.

‟منذ اليوم، أرغب بتغيير موقفي من الحياة بشكل كامل، كانت فترة التوقيف التي تم وضعها لي صعبة علي، لكنها جعلتني أقيم نفسي من منظور جديد، أول ما سأفعله هو تثبيت موقفي هنا، و أنا أريد أن انسجم مع الأخرين ”

.

ماذا؟ لماذا؟ ماذا قال؟.

.

لاحت هذه الأفكار في الأفق، هذا الفتى… هل هو مريض؟.

.

كما لو لم يفهم ما تعنيه تعبيراتهم، أكمل ريو قبل ان تقول معلمته أي شيء.

.

‟لذلك … بدلا من العقاب بالطرد او الحرم و التوقيف، ما رأيك بترك القضية مع تعويض من قبل كل الأشخاص المعتدين؟ ”

.

ترك كلامه الجميع هنا عاجزا عن الكلام، لم ينبس أحد ببنت شفة، كان كلامه يحتاج للإستيعاب، بالطبع لن يتركهم ريو ليستوعبو الأمر.

.

”بالطبع لا اطلب تعويض كثيرا، إنه مجرد شيء على امدى المتوسط و ما تقدر كل عائلة على القيام به، ايضاً… هناك تقرير المفتش الدراسي بعد بضعة ايام، اليس من الأفضل حل الأمر قبل ان يحصل اي شيء؟! ”

.

كانت هذه هي الطلقة الأخيرة، لقد اصاب المكان الحساس في الكل، كان هناك الطلبة من جانب، لقد جعل الأمر في حدود قدرتهم و لم يطلب أي شيء كثير، لقد قام بإضافة العائلة.

.

لم يعد لديهم ما يستطيعون فعله بشأن هذا، كانت الدراسة من أهم الأشياء التي يهتم بها القانون، لذلك خرج الأمر عن كيفية الحل بالنسبة لهم، لكن ريو قد قدمه لهم.

.

و من جهة أخرى كانت المعلمة سايوري، كادت ان تنسى ذلك، كان مؤتمر المعلمين و تفتيش المدارس العامة على الأبواب، لقد أصبحت القضية أكبر من ما توقعته، و هذا فقط في وقت قصير-!!.

.

كانت سمعة المدرسة على المحك، لا داعي لذكر الأضرار الناتجة عن ذلك، لأنه ببساطة سيكون مشهدا كارثيا، لقد كان الحل الوسط لريو مدروسا، لم يكن يتعدى حدود القدرة للطلبة، و لم يهن المدرسة ايضا لأنه لم يرد إنتشار الخبر.

.

‟أنا … سأفكر لأمر و أحدد ما يجب فعله، باقي الحصة ستأخذونه دراسة ذاتية، ساعدو سيشي على الذهاب للمستوصف”

.

بقولها هذا، خرجت سايوري من الفصل بخطى مترنحة، لقد كان مازال الصباح، لكن مزاجها قد خرب بالفعل.

.

كما غادرت سايوري، أصبح تعبير ريو جامدا مرة أخرى، إخترقت نظراته الباردة الطلاب.

.

‟أنتم … لقد قدمت لكم معروفا بفعل هذا، لكن الباقي منوط بأفعالكم، ايضاً، أنصح الجميع أن لا يتسرب الخبر، لأنه لو حصل، أنتم تعرفون ما قد يحصل، صحيح؟ ” صوته الجليدي و القمعي إخترق قلوب الجميع.

.

لم يكن كلامه مجرد تهديد فارغ، لقد جعلهم ذلك يفكرون في الرسالة التي رأوها.

.

‟سأحل الأمر، قررو بسرعة، تعاونو و أنقذو حياتكم الدراسية، أو لن اتردد في جعلكم تعانون معي ”

.

لم يصدق أحد في البداية، لكن مع تقدمه في الحديث، فهم الجميع خطورة الموقف، لقد شمل ذلك عائلاتهم و حتى المدرسة-!!.

.

لم يتوقعو تطور الأحداث بهذه السرعة، لقد كان لديهم صداع رغم أنه اول النهار، و كل ذلك بسبب شخص واحد.

.

‟هيهيهي، الأن، تم ضمان أمر المال، بقي فقط أمر التوصية و الميراث، و لحسن الحظ لدي فكرة لضرب العصفورين بحجر واحد ”

.

كان رد فعل الطلاب و المعلمة على أفعاله ضمن توقعاته بالفعل، لم يكن يهتم بالعدل أو العواقب، كان سيقوم في حالة إعتراض الأخرين بحصر الطرد على شخص واحد، و ذلك سيبث الخوف في نفوسهم، و هكذا ستتحطم دفاعاتهم و يجعل ذلك التلاعب بهم أسهل.

.

لم يكن الأمر صعبا، فقط جد نقطة ضعف الشخص و أستغلها بالطريقة المناسبة، كان للكل إهتمام ما، لم يحب أحد الواقع، بل يريدون دوما ما يجعلهم يشعرون بأنهم أفضل، قدم ريو لهم أسوء سيناريو، لقد خاف الجميع من ذلك.

.

ثم بعدها القى لهم حبل النجاة، و هو تقديم التعويض، لو طلب التعويض فقط لكان قد تم رفضه على الفور، لكن عندما قدم لهم ما هو اسوء، بدا ذلك بسيطا جدا، لم يدعهم يرتاحون للتفكير و ذلك كي لا يكون لهم عقل للإعتراض.

.

ببساطة، منذ أن دخل الفصل، كان الجميع قد وقع في الشبكة، و ذلك من دون علمهم حتى.

.

‟ريو، المالك السابق لهذا الجسد… إنه مثير للشفقة جداً ”

.

لقد فكر في ذهنه قبل أن يحدق في السماء الصافية بجانبه، تلى الجو في السماء تناقضا يعاكس الجو الكئيب في الفصل.

.

لقد كانت مجرد حقيقة بسيطة، تم التخلي عنه، و تمت خيانته و الإعتداء عليه، إنه مجرد ضعيف لعدم مواجهة ذلك، كان لديه خيار مواجهة نقد و كراهية الجميع و الوقوف في القمة، لكنه إختار الموت بدلا من ذلك.

.

ذلك لم يعد مهماً بعد الأن، لأنه أصبح مجرد غبار تحمله الريح.

2023/06/17 · 161 مشاهدة · 3879 كلمة
نادي الروايات - 2025