وسط الفراغ كان هناك، الظلمة تحيط به من جميع الإتجاهات، الأسود هو لون كل شيء، أغلق عينيه وفتحهما عدة مرات ليجد النتيجة نفسها، يشعر بجسده يطفو وكأنه فوق سطح الماء، فتح فمه ناويا النطق لكن صوته أبى الخروج، حاول مرة واثنتين بنفس المحصلة، راح يسعى لتحريك أطرافه بلا نجاح.

" ترى هل مت ؟ "

تردد ذلك الخاطر المزعج في رأسه مسببا لنبتة التوتر بأن تنمو في داخله، عاود المحاولة بعصبية أكبر، في النهاية لم يجد سوى أن يترك جسده يرتخي من جديد وقد أيقن من عبثية المحاولة

" الخير أم الشر؟ "

الصوت القوي الذي تردد في عقله أجبره على فتح عينيه باتساع، أدار رأسه في لهفة بحثا عن المصدر دون جدوى

" الروح البائسة التي تشربت الظلم والألم، لك العرض الذي لن يتكرر، انهض من مرقدك واسعى للثأر من أعدائك، لا يغسل النفس منثل بحر الدم، استيقظ من براثن الندم والأسى وأثبت لهم أن الحقد أقوى من العفو وأن الإنتقام أعمق من الألم"

دوت العبارات في داخله، يشعر بنيران الغضب داخله تشتعل وتنتشر، براكين الكره انفجرت لتندفع حمم الظلام مذيبة ما في طريقها الضباب الذي انتشر داخل عقله راح يتبدد في سرعة، الذاكرة راحت تعود إليه ليزداد الحقد في نفسه أضعافا مضاعفة

" بلانس ميراس، دع كيانك لي وسأحقق لك الإنتقام بأشنع الطرق، يا ابن الأرض التي لم تشرق عليها الشمس ولم تعرف سوى قانون الغاب، امنحني جسدك وروحك وياله من شرف لو تعلم عظيم"

هنا وللمرة الأولى شعر به، على الرغم من الظلام إلا أنه – في تناقض عجيب- بدا له شديد الوضوح، ظل بدا له ضخما مهيبا، أحس بإرادته تتخلى عنه، في نفسه تصاعد شعور بأن عليه أن يخضع لهذا الشيء، لم يفكر حتى ولو لحظة بمدى صحة هذا الخيار، كل ما شغله في هذه اللحظات هو الإنتقام ولا شيء سواه.

" هل ستحقق لي إنتقامِ ؟ "

لم تتحرك شفتاه ولكنه أدرك أنه قد سأل، ابتسامة شيطانية ظهرت على الكيان المخيف لتصله الإجابة على الفور

" قلت كلمتي ولم يولد بعد من سيمنعني من ذلك "

كمية الثقة والوضوح التي ارتبطت بالكلمات دفعته هو الأخر ليبتسم

" الشر والإنتقام هو ما أختار "

في اقتناع قالها لتخرج من فمه لأول وأخر مرة

" تم الإتفاق "

صدحت في رأسه ليندفع الظل نحوه متغلغلا في كيانه وغائصا في جسده، شعروكأن النار قد اشتعلت داخله وراحت تلتهمه دون رحمة، الألم راح يمزقه، عضلاته انقبضت، أسنانه اصطكت فيما عيناه قد احتقنتا في شدة، مضت لحظات قبل أن يستكين من جديد لكن لثوان لم تطل، مقلتاه أصبحتا بلون الدم، أسنانه قد أصبحت إلى الأنياب أقرب، شعره الأسود قد تحول إلى النقيض ليبدو شديد البياض

" أخيرا بعد ألف عام من النفي امتلكت جسدا من جديد، لتبرق السماء وتهتز الأرض ولترتجف الأجنة في بطون أمهاتها، أنا الحاصد قد عدت وليكونن ثأري ممن ألقوا بي في هذا المكان جديرا بأن تتناقله الأجيال، والآن ليبدأ كل شيء "

أنهى عبارته لتندفع النيران الأرجوانية من جسده منتشرة في الفراغ للحظات قصيرة لكنها لم تكد تخبو حتى كان قد اختفى دون أي أثر

لقد انطلق الحاصد في إنتقامه و ياله من انتقام

2019/05/05 · 582 مشاهدة · 488 كلمة
abalmaghrabi@
نادي الروايات - 2024