بشرته الشاحبة شحوب الأموات، خيط الدماء المتشكل خلفه لم يكن بالمنظر الجذاب، في موضع الصدر يمكنك رؤية بقعة السائل القاني في وضوح، هذا رجل على وشك الموت إن لم يكن بالفعل.

تبادلا النظرات الصامتة قبل أن يكون الحاصد أول من كسره "

يبدو بأنهم ما يزالون يبحثون عنك سيد بلانس "

ابتسامة مرارة على وجه الرجل كانت إجابة كافية لكنه تحدث في خفوت

" لن يجدوا شيئا أبدا، جسدي قد تم حرقه ونثر رماده في كل مكان بالفعل، هم يضيعون وقتهم "

" يبدو بأنك كنت مجرد وغد لتستحق كل هذا "

اتسعت الابتسامة المريرة فيما أجاب بنبرة ظهر الحزن فيها جليا

" هل تصدق لو أخبرتك أن هذا غير صحيح؟ ، توليت إدارة البلدة للسنوات العشر الماضية، احتاج الأمر من الكثير من الجهد، العرق، الوقت وحتى الدم لأصل بها إلى حيث رأيتها الآن، لكن الأنانية بين البشر لن تتغير، زوجتي لم تحب كون أرفض تلقِ الرشاوي والهدايا وإكتفائي بمرتبِ البسيط، كان خطأ علي أن أختار من كانت مدللة أهلها ولكن المرأ يزداد حكمة بأثر رجعي للأسف"

" ماذا حدث ؟ "

" إحدى الأسر النبيلة ذات السجل المقرف أرادوا السيطرة على البلدة، قد نكون مجرد مكان صغير حاليا ولكن من المتوقع أن نتحول خلال بضع سنوات إلى نقطة توقف على إحدى الطرق التجارية النشطة، بالتأكيد هذا يشي بمستقبل مشرق، حاولوا مع كل شيء من الإغراء وحتى الترهيب، رفضت كل ذلك وإعتقدت أن كوني أمثل العدالة كاف لأنتصر ولكن الواقع شيء والخيال شيء أخر"

توقف عن الحديث مع تلك الغصة التي سكنت حلقه وبدا للحاصد أن الدموع قد ترقرت في عينيه، مع ذلك اكتفى بالصمت حتى عاد إلى مواصلة الكلام

" حينما يئسوا من توجهوا إلى من حولي، نائبي الذي كنت أعتقد بأن مخلص نزيه و زوجتي العزيزة، لا أدري بماذا تم إقناعهم ولكن هذا كان كافيا لينقلبوا ضدي، أتتني زوجتي يومها والذي كان موافقا لذكرى زواجنا السنوية، تدللت علي ودعتني إلى نزهة برية نستعيد بها ذكريات حبنا، وافقت على الفور، كنت في قمة السعادة بأن علاقتنا المتوترة رجعت للتحسن ولم أشك للأسف بأي شيء، حينما وصلنا إلى المكان المقصود حدث كل شيء بغتة، هاجمنا بعض الأشخاص الملثمين دون سابق إنذار، ثبتوني أرضا وقد أغلقوا فمي بقطعة قماش مهترئة، على الرغم من ذلك كان أكثر ما أثار قلقي هو زوجتي لكن الصدمة كانت حينما أدرت رأس باتجاهها، هل تصدق كانت واقفة إلى جوار نائبي والنبيل الوغد، الجميع يبتسم في شماتة، لحظتها أدركت حقيقة الموقف ولكن متأخرا جدا "

تهدج صوته أكثر وقد ترك لدموعه أن تجري على وجنتيه في حرية، استغرق الأمر منه مدة هذه المرة حتى أكمل

" في النهاية منحوا زوجتي الحقيرة، خنجرا ماضيا وطلبوا منها أن تقوم بالطعنة اللازمة، أملت بأنه ستعود إلى عقلها وتتوقف عن هذا الجون، لكن الضدمة كانت من نصيبي، دون تردد تناولت السلاح وتقدمت غارزة إياه في صدري، ليس مرة واحدة أو اثنيتن بل أكثر، راحت تشتمني في عنف وتعلن أن سنوات زواجنا كانت أسوء أيام حياتها وأنها قد ملت من عيش التقشف والفقر كما تسميه ، بالنسبة لي كان هذا أكثر ألما من كل الطعنات، وجهها المنتشي كان أخر ما رأيته في هذا العالم قبل أن ينتهي كل شيء "

هنا سقط على ركبتيه وقد غطى وجهه بكفيه باكيا في ألم وقد فقد أي قدرة على كتم مشاعره أكثر، بعد مضي وقت لا يعلم مقداره أحد رفع رأسه هاتفا في رجاء

" أرجوك، لقاء بك في ذلك المكان لا بد من أنه القدر، انتقم لي من تلك الخائنة وذلك النبيل وطبعا مساعدي الوغد، أتوسل إليك "

بلهجة امتلأت انكسار خرجت الكلمات من فمه، ابتسم الحاصد في قوة وهو يهتف

" قلت لك منذ البداية، امنحني نفسك وسأحقق لك الإنتقام وهذا ما سأفعله، قد أكون شريرا لكن أنا أحترم وعودي دائما "

كلماته بعثت نوعا من الأمل في نفس الرجل وساعدته على كفكفة دموعه قبل أن يبتسم بدوره فيما يهمس

" شكرا جزيلا لك "

لم يكد يتم حديثه حتى راح جسده يتفتت إلى قطع صغيرة أشبه بالرماد تطايرت في كل مكان

" يبدو بأن وقت قد نفذ، أمل أن تحقق انتقامك بدورك يا زميل "

كان هذا أخر ما قاله قبل أن يتحول وجهه إلى جزيئات انتشرت في الفراغ ثم اختفت بدورها. فتح الحاصد عينيه متأملا السماء الصافية والعشب الأخضر من جديد بعينين خاويتين، مضت الثوان فيما أًصوات الأطفال والطيور هي ما يملأ سمعه "

لا يهم كم يمر، مائة أو حتى ألف عام، البشر لن يتغيروا أبدا "

فتح الحقيبة الجلدية التي حصل عليها من قائد الحرس ملقيا نظرة على محتوياتها، العديد من القطع النقدية النحاسية مع عدد أقل من القطع الفضية

" إن كانت ذاكرتي تعمل بشكل جيد فإن هذه هي نفسها العملة المستخدمة في الإمبراطورية الشرقية ولكن لون العلم والرمزمختلف، هذا أمر مربك بعض الشيء "

تنهد وهو ينهض معاودا سيره باحثا هذه المرة عن نزل الورقة الزرقاء التي نصح به، لا يعتقد مما رأى أن الإنتقام سيكون أمرا صعبا، بحسب ما وجد من قوى الناس الحالية، اقتحام منزل النبيل وتحويله إلى كومة من الرماد ليس بالأمر الصعب ولكنه لن يتسرع، جرت العادة بأن يرتبط هؤلاء الفاسدون ببعضهم من خلال شبكات محكمة من العلاقات والمصالح المتبادلة، هذه النوعية بقدر ما فيها نفسها من قذارة إلا إنها تحمي ظهرها جيدا، الهجوم المباشر دون الحصول على أدنى معلومات ممكنة ليس أسلوبه وهو نوع من الإنتحار، عليه معرفة البلدة وأهدافه جيدا، وأهم شيء هو معرفة ما جرى له بالضبط.

هم لم يكتفوا بإلقائه في ذلك السجن فقط بل إنهم قد قاموا بشيء أخر لا يقل سوء بالنسبة له، عليه في البداية أن يفحص هذا الأمر جيدا قبل التسرع.

تنهد في سخط محاولا كتم إنفعالاته بقدر ما يستطيع، قبل أن ينشغل في البحث عن النزل.

بالإستعانة بإرشاد البعض لم يكن العثور على الورقة الزرقاء صعبا، بدا من الواضح أن هذا المكان يتمتع بسمعة حسنة بين الناس، وقف أمام الواجهة الخارجية متأملا إياها، مبنى من عدة طوابق و من خشب الصنوبر العتيق تم البناء، النوافذ تبرق في نظافتها في حين خط اسم المكان بالحبر الأسود في كتابة أنيقة، تقدم دافعا الباب الخشبي إلى الداخل، وجد نفسه في قاعة متوسطة الحجم، الموائد الدائرية انتشرت في تنسيق، في الزواية بإمكانك رؤية مكتب استقبال بني اللون استقر فوقه جرس صغير ذهبي اللون، لم يكن فارغا، العديد من الناس قد استقروا وقد انشغلوا إما بتناول الطعام أو ارتشاف الشراب.

" أهلا وسهلا بك أيها السيد المحترم "

قطع الصوت اللطيف تأملاته ليلتفت نحوه في سرعة، اصدمت عيناه بالابتسامة المرحبة لها، متوسطة القامة بالمقارنة له، شعرها الذي عقصته خلفها، قد اتخذ واحدة من درجات الكستنائي الداكنة لونا فيما ينحذر من كتفيها ملامسا لأخر ظهرها، حاجبان صغيران كانا فوق عينيها العسليتين، أما جسدها فكان متناسقا رشيقا، تنبه إلى الطبق التي تحمله خلف يديها ليسأل في بساطة

" أتعملين هنا ؟ "

" أنا ابنة مالكة المكان، مرحبا بك في نزل الورقة الزرقاء، هل تريد حجرة للإقامة أم أنت هنا لتناول الطعام ؟ "

" حجرة من فضلك "

اتسعت ابتسامتها فيما هتفت

" أمي، حجرة بسرير واحد لهذا النزيل "

" على الفور "

استدار إلى حيث هتفت، لم يكن هناك شك في أنهما طفلة وابنتها، الشبه بينهما كبير من ناحية الوجه وإن كانت السيدة تميل إلى البدانة كما أن شعرها كان أقصر بعض الشيء.

تقدم من مكتب الإستقبال حيث ظهرت خلفه

" أهلا وسهلا بك، ثمن الحجرة هو أربع قطع نحاسيه لليلة الواحدة، الوجبات الثلاثة لها ثمن منفصل، كل حجرة لديها دورة مياه مرتبطة فيها، نوفر خدمة غسيل الثياب مجانا للزبائن الذين يدفعون ثمن الإقامة مقدما "

أدار الأمر في رأسه قبل أن يحسم أمره، تناول عددا من القطع النحاسية من جيبه ليضعها في هدوء على خشب المكتب

" إذا سأبقى هنا لثلاثة أيام بشكل مبدئي "

تناولت المالكة الثمن فيما تشير إلى ابنتها والتي أسرعت بانتزاع مفتاح فضي اللون من اللوح المعلق خلفها قبل أن تتحرك باتجاه السلالم وهي تقول

" من هنا يا سيدي"

تبعها في صمت وهما يصعدان السلالم في بساطة حتى وصلا إلى الطابق الثاني، توقفا أمام إحدى الحجرات، الرقم 8 نقش بوضوح على قطعة نحاسية علقت على الباب، أدارت الفتاة المفتاح في القفل قبل أن يتقدما إلى الداخل، كانت حجرة بسيطة بسرير واحد قد تم فرش الغطاء فوقه في عينايه، منضدة صغير استقرت بالقرب من الفراش كان لها نفس لوس خزانة الثياب في طرف المكان، مائدة صعيرة الحجم ذي شكل مربع كانت مستقرة في المنتصف.

تقدمت الفتاة مزيحة الستائر الزرقاء سامحة لضوء الشمس بالدخول، كانت الحجرة تطل على إحدى الحدائق الهادئة مما زاد من جاذبية المكان بالنسبة إلى الحاصد

" إذا احجت أي شيء فلا تتردد في استدعائي في أي وقت "

هتفت الفتاة وهي تهم بالمغادرة لكنه طلب منها أن تتوقف، نظرت إليه في دهشة تضاعفت حينما دس بعض القطع النقدية في كفها وهو يضيف

" شكرا على جهودك "

نظرة إلى باطن يدها متأملة عددا من القطع النحاسية المستقرة عليها قبل أن تهتف في إرتباك

" ولكن يا سيدي، سياسية المكان، أنا لا أستطيع قبولها "

ربت على كتفها في مودة وقال

" لا بأس لن يعرف أحد إذا ما التزم كلانا الصمت، خذيها لا مشكلة "

ظل التردد على وجهها مما دفعه إلى أن دفعها برفق باتجاه الباب وهو يضيف

" حسنا أنا متعب وأرغب ببعض الراحة، من فضلك أيقظيني على وقت العشاء "

لم يترك لها أي فرصة للرد وسرعان ما كان يغلق الباب خلفها، وقت في الممر لثوان وهي تختلس النظر إلى ما في يدها قبل أن تنبسط أساريرها وهي تنحني في احترام باتجاه الباب المغلق وتهمس

" شكرا جزيلا لك أيها السيد الكريم "

وسرعان ما كان صوت هبوطها السلالم مسموعا، أما على الجانب الأخر فقد أسند الحاصد جبينه على خشب المدخل وانتظر حتى وصل إليه صوت خطواتها مبتعدة لتحل ابتسامة خبيثة على وجهه وهو يتراجع ناحية السرير

" هذا النوع من الفتيات عادة يحب نقل الأخبار، على الأغلب سيكون لديها الكثير من المعلومات المفيدة، عاملها بلطف وسأحصل على الكثير "

ختم حديثه وهو يلقي جسده على الفراش وقد تحولت ملامحه إلى الجدية

" الآن يبقى الأمر الأهم "

همس بها وهو يغلق عينيه تاركا لكرتين من النيران الأرجوانية الظهور على كفيه فيما راح جسده يسكن فيما حرارته تتناقص في سرعة .

المكان : منزل لاكارث

الوقت : السابعة مساء

انهمك عميد أسرو لاكارث بالتوقيع على عشرات المستندات المكسة فوق سطح مكتبه الفخم، كان الصداع قد بدأ يفتك برأسه، وضع الريشة في مكانها المخصص وهو يتراجع في مقعده متنهدا في تعب وهو يضغط على محجريه في قوة

" تبا هذا هو الجزء السيء برحيل بلانس أصبح علي القيام بكل هذه الأعمال السخيفة "

مضت لحظات ارتسمت بعدها بسمة خبيثة على محياه وهو يضيف

" لكن لا بأس ببعض التعب مقابل الكثير من الراحة والأموال لاحقا، فكرتي تسير بشكل مبهر، خلال فترة قصيرة أكون قد أكملت الحصول على عدد كبير من الأراضي والممتلكات، بعد بضع سنوات سأكون المتحكم بإقتصاد البلدة وطموحي لمزيد من التوسع في هذا الطريق التجاري سيخطو خطوة إلى الإمام "

اتسعت ابتسامته أكثر حتى أوشك على إطلاق ضحكة قوية لم يقاطعه صوت الطرق على باب الغرفة، انعقد حاجباه في استغراب وهو يهتف بالقادم للدخول، والذي لم يكد يفعل حتى هتف في دهشة

" ميراس؟ ، ما الذي جاء بك في مثل هذا الوقت ؟ "

مسح ميراس على صلعته في نوع من التوتر وهو يضيف على الفور

" أرجو المعذرة ولكن أثناء فحصي للتقارير اليومية القادمة من حراس البلدة كان هناك أمر أثار في نفس الشك "

أشار إليه لاكارث بأن يكمل وهو ينظر إليه في إهتمام

" اليوم صباحا وعند المدخل الرئيسي للبلدة قابل الحراس رجلا بدا لهم مثيرا للشك "

ازدادت الإهتمام في وجه الجالس مما شجع الأصلع على المواصلة

" أخبرهم بأن اسمه هو فاليس زيكس، كما ترى اسم غير معتاد في هذه المنطقة بما يشير إلى كونه غريبا، كما رفض إخبار الحراس من أين جاء "

ارتفع حاجبا لاكارث وهو يجيب

" ربما ليس من النوع الذي يحب الحديث عن نفسه "

هز ميراس رأسه رافضا الفكرة

" لم يكن يحمل أي أوراق وحينما أرادوا توقيفه تدخل الأحمق بيترو وأوقف كل شيء، أليس هذا مشبوها؟ "

أسند السيد ذقنه إلى قبضة يده لوهلة من الزمن وعلامات التفكير بادية على ملامحه

" شيء غريب ولكن ربما لديه تفسير لضياع أوراقه "

" زعم أن العربة التي كان ينتقل فيها تعرضت لهجوم من القبعات السود، هلك جميع من في العربة ولكنه نجا بإعجوبة، ملابسه كانت سليمة ولا يوجد عليه أي جرح واضح، لم يرقني هذا فأرسلت إلى رسيفال وهذا ما أكد شكوكي، لم يهاجموا أي عربة خلال الأسوعين الماضيين على الإطلاق كما طلبنا منهم ، هذا الرجل يكذب لسبب لا نعرفه وأخشى أن يكون عدوا لنا "

خيم الصمت على المكان بعد عبارته الأخيرة، أدار لاكارث المقعد جانبا وقد غرق في تفكير عميق، نهض من جلسته متوجها إلى النافذة متأملا القمر الفضي في السماء

" ما الذي تظنه ؟ "

" ربما أرسله أي من أعدائنا وهم كثر بعد إختفاء بلانس سعيا إلى إيجاد ما قد ينجحون في استخدامه ضدنا، وربما يكون قاتلا خلف حياتك يا سيدي، لهذا علينا الحذر "

" هل تعرف أي يقيم الآن ؟ "

هتف في اهتمام

" بحسب رجالنا لقد استقر في نزل الورقة الزرقاء "

أجاب على الفور

" ياله من حظ، اسمع هذا الرجل يحمل الكثير من علامات الإستفهام، نحن في مرحلة دقيقة وليس لدينا الوقت الكاف للعبث، أبلغ الرجال أن يراقبوه جيدا، إذا بدأ في التجول قرب منزل بلانس أو هنا أو بدأ في دس أنفه قي أي من شؤننا، أكد لنا هذا أنه عدو وعندها لا أريد أن يبقى له أي أثر "

ختم حديثه فيما ابتسامة شيطانية على وجهه سرعان ما انتقلت إلى ميراس وهو يتراجع منصرفا ليبلغ الأمر إلى الرجال، ومشيرا إلى أن المواجهة بين الأطراف لم تعد بعيدة.

2019/05/11 · 484 مشاهدة · 2157 كلمة
abalmaghrabi@
نادي الروايات - 2024