لفصل 14: المقيّدون بمعايير الأخرين، لا يستحقّون التطلّع نحو السماء (1).
ـــــــــــــــــــــــــ
شمس الظّهيرة سطعت على السّاحل الشّرقي.
في منطقة قريبة من الأشجار، وقف شابٌّ أسود الشّعر، كما ومضت عيونه الدّمويّة.
بدا ساقطًا في تفكيرٍ عميق.
بجانبه، كان هناك جثث 12 شخصًا للوعي.
“ من المفترض الأن، أن يأتي الأخرون في أيّ وقت ”
تمتم بصوتٍ خفيض، كما حدّق في المجموعة الساقطة بلا حولٍ أو قوّة.
“ أوي! أنت، إستيقظ! ”
تحرّك نحو جثّة أحدهم و حرّكها بفظاظة.
“ امم-مم ”
صوت الأنين المنخفض خرج من فمه، تعابيره الجامدة لشخصٍ نائم، أصبحت مضطربة.
“ ليس وقت النّوم الأن! لقد نوّمتك لسبب، الأن إستيقظ! ”
“ واااااه! ”
صرخ في أذن الشّاب، و خرجت صرخة من الرّعب و وقف الفتى بهلع.
ماذا يحدث!.
حدّق في يمينه ثمّ يساره بفزع، كانت الهالة في جسده هائجة، كما لو كانت عادة له.
حدّق أخيراً في الشّخص الواقف أمامه، قبل أن تستقرّ وضعيّته، حاملاً سيفه.
“ … هذا أنت ”
رغم أنَّه لم يفهم بالضّبط ما حدث، لكن شعر بالخطر قادمًا من الفتى — و الذي وقف بأريحية — أمامه.
عقله لم يتدارك جسده، غرائزه صرخت له بالهروب، لكنّه شعر حدسيًّا أنَّ هذا غير ممكن.
اليد الحاملة للسّيف إرتجفت، لكن صرَّ على أسنانه، و شدّ بيده على سيفه.
“ أنظروا إلى هذا؟ ”
خرج صوت الفتى أمامه بمرح، مستمتعًا على ما يبدو.
تقدّم خطوة للأمام، و عليه تراجع الفتى — الذي هو فرناندو — إلى الوراء غريزيًّا.
لم يقل الفتى شيئًا، و مشى للأمام خطوة أخرى.
شعورٌ بالخوف يجتاح القلب.
عندما تكون في خطر، عندما يكون أمامك وحشٌ مفترس.
ستشعر دائمًا بشعورٍ يملؤه العجز، أطراف الجسد تصبح خدرة، العرق البارد ينصبُّ عبر مسامك.
أكثر من أيّ شيئٍ أخر، نبض القلب غير المنتظم، ذلك هو كلُّ ما ستسمعه.
عقل المخلوق يصبح فارغًا عندما يخاف.
شعر فرناندو بدمه يجف.
كان ذلك لأن، شعر بيدٍ تلمس ظهره.
“ … ااه …؟ ”
صوت تعجّب خرج من فمه.
إبتلاع.
صوت بلع الرّيق تردّد عبر الأذان.
كان عقله فارغًا، و لم يفهم ما حصل.
لسببٍ ما، طالما كانت اليد تلامسه، لا يمكنه الحراك.
حاول التّحرّك، لكن جسده أبى و لم يستمع إليه.
حبس أنفاسه كما لو نسي التّنفّس.
“ لا داعي للخوف، لست مهتمًّا بفعل شيئٍ لك ”
صوت شخصٍ من خلفه، ومضت عيناه الحمراء كما نزع يده.
بعد إختفاء اليد، تقدّم فرناندو بسرعة للأمام كما لو كان يهرب، قبل أن يتوقّف عبر المسافة.
“ هاه … هاه … هاه … ”
لم يكن هناك جهد جسدي كثير، لكن إحساس الخوف أجهد عقله، لقد شعر بالعجز، كما لو كان أرنبًا في مواجهة نمر.
حبس الأنفاس تمّ زفيره بقوّة، بعد الخروج من قبضته، تسارعت أفكار الفتى.
“ الأن … كيف وصل إلى … ”
لم يفهم أيًّا ممّا حصل، كان الشّخص أمامه يتّخذ خطواتٍ بطيئة، متى وصل إلى ظهره؟.
حاول غريزيًّا إمساك سيفه مرًّ أخرى، لكن يده أمسكت بالهواء فقط.
“ همم، أوه؟ يمكنني رؤية الخدوش العديدة على الغمد، ناهيك عن النّصل! سيفٌ جيّد! ”
“ هكذا يجب إستخدامه! السّيف ليس سيفًا ما لم يكن عليه ندوبٌ و خدوش كهذه! ”
بينما يتجاهل وجود فرناندو المحدّق فيه بذهول، حدّق الفتى في السّيف بين يديه بعيونٍ مشرقة، كان يتفحّصه بعناية.
بينما يراقب ما يفعله الفتى و هو يحمل سيقه، إرتباكه السّابق أصبح رعبًا.
متى؟ كيف؟ هذ- هذا …
أصبح فرناندو عاجزًا عن الكلام.
“ … السّيف كان في يدي، متى أخذه منِّي؟…؟ ”
شعر بالبرد يخترق كيانه.
هناك في كثيرٍ من الأحيان ذلك الشّعور بالخوف و الإرتباك عندما يواجه المرء الأقوياء.
لكن هذا الشّعور، إنَّه عميق، عميق لدرجة لم يشعر بها فرناندو من قبل.
لم يكن للفتى أمامه نيّة قتلٍ حتّى، إذاً لماذا؟ شعورٌ غريب لامس قلبه.
هل كانت تلك مجرّد غريزة طبيعيّة؟ كان عقله يشعر بالوخز في هذه اللّحظة.
“ إنَّه … إنَّه قوي ”
هل إلتقى بشخصٍ في عمره، يملك مثل هذه السّرعة العبثيّة؟ أو أشعره بالخوف و العجز من قبل؟.
هزُّ رأسه بالنَّفي هو كلُّ ما يمكنه فعله.
و لا مرّة واحدة، مرّة واحدة لم يلتقي بشخصٍ كهذا.
على الأقل، كان ذلك حتّى اليوم.
“ تبدو خائفًا يا فتى، لكن كما قلت لك، لا أنوي إيذاءك، كما ترى … ذلك سهلٌ جدًّا علي ”
أخرجه صوت الفتى من ذهوله، كان يمشي بخطى بطيئة، بينما يحمل سيفه.
“ بصراحة، أنت تعجبني، بدلاً من الصراخ بكلام لا معنى منه، أوّل ما فعلته هو حمل سيفك نحوي، و عندما شعرت بفرق القوّة، تركت مسافة بيننا بدلاً من الهرب، و الذي هو عقيم ”
“ كان قراري بإفقادك وعيك سليمًا، أنت جيّد في إتّخاذ القرارات ”
“ … ماذا؟ ”
كان فرناندو مذهولاً: “هل هو يطري علي؟ ”.
“ حسنًا، هذا غير مهم، الأن، قم بمساعدتي ”
“ مساعدة؟ ”
هذا الشّخص، في ماذا يفكّر؟ منذ إستيقاظ فرناندو، و الإرتباك لم يزل عن عقله.
“ بالتّأكيد، أنت لا تخفى عنك قوّتي، لذا لا حاجة للقول، هل تعتقد حقًّا أنَّ هناك من يستطيع الإمساك بي في هذه الأكاديمية؟ ”
بلا وعيٍ منه، حرّك فرناندو رأسه من جانب إلى جانب.
الأن فقط، بعد التّفكير بالأمر، هل هناك فرصة للأخرين، لكي يمسكو به؟.
فرناندو ليس قويًّا جدًّا، لكن بكلّ تأكيد، فهو لديه حكمٌ ممتاز على الأخرين، ناهيك عن أنَّه شهد بنفسه العديد من الأشخاص الأقوياء.
عندما كان يأتي لهذه الأكاديمية، قام بجمع المعلومات عن جميع المواهب البارزة هنا، لذا كان على دراية بهم، و بقوَّتهم.
رغم ذلك، هل يمكن لأحدهم مقارعة السّرعة و القوّة التي أظهرها ليون؟.
كان من المستحيل، هناك فرقٌ كبير بين شبل النَّمر و الجاموس البالغ.
بصوتٍ هادئ لا يشوبه الشّك، قال: “ من غير الممكن، بالنّسبة لي على الأقل، لا أستطيع تخيل أحدٍ بين الطلبة الجدد بقادرٍ على ذلك ”
نبرته الهادئة، و تعابيره الواثقة، جعلت ليون يشيد به داخليًّا.
الإرتباك الأوّلي إختفى بسرعة، التكيف مع التغييرات، كانت هذه أكثر صفة يفتخر بها فرناندو.
لم يكن يعرف ما يريده الفتى أحمر العينين أمامه، لكنَّه عرف، بما أنَّه لا يمكن للطّلاّب فعل شيئٍ له، فمن الأفضل أخذ جانبه.
بالطّبع، سيكون حذرًا حتّى لا ينجرَّ مع التدفق، و يدخل مشكلة مع الهيئة التدريسيّة.
مع مثل هذه الأفكار، تحدّث بحزم.
“ ماذا تريد منّي فعله؟ ”
كما لو كان يخمّن أفكاره، فتح ليون فمه.
قال بصوتٍ عميق: “ ليس بالكثير، قبل ذلك، لديَّ سؤال، ذلك سيحدّد جوابك مدى قيمتك لي ”
“ … سلْ ما شئت، سيجيب هذا الصّغير بقدر إستطاعته ”
لقد غيّر طريقته في الحديث بسرعة، و إتَّخذ وضعيّة خاضعة.
“ هيهي، يا له من مرن ” ضحك ليون ذهنه، كما قال: “ هل ترغب في القوّة؟ مِن ما أراه، أنت موهبة من الدّرجة د، هل ستخضع لهذه الإنتكاسة؟ أم تريد السمو، حتّى مع ذلك؟ ”
“ ماذا؟!!! ”
خرج صوته كالصّراخ بينما قفز من الرّعب.
“ أ- أنت… كـ-كيف؟! ”
من المستحيل أن يعرف ما هي موهبته، ذلك غير ممكن.
عندما أتى، لم يتمّ الإعلان عن موهبته أمام أحدٍ سوى الأساتذة، كان للطالب حريّة الإختيار في ما إذا أراد القيام بمراسم كشف المواهب علنًا أم سرًّا.
كان الأمر غير مهم في النّهاية، لأنَّ نتائج الشخص سيتم إعلانها في أول يومٍ لتقسيم الفصول.
كان ذلك أمراً مفروغًا منه، لا يجب خلط الذئاب مع الخراف، بعد كل شيئ
و هكذا، إختار فرناندو القيام بمراسم كشف المواهب سرًّا، لقد كان دقيقًا و لم يكن متعجرفًا كما أظهر للنّاس.
لو حدث و كانت موهبته ضئيلة، ثمّ أظهر سلوكًا ضعيفًا، ألن يستفيد أعداء عائلته من ذلك؟ لقد أراد تمنّي أن تظهر بشرى سارَّة، لكن يجب أن لا ينجرف، عليه دائماً توخّي الحذر.
و مع ذلك، كانت موهبته هي الأسوء على الإطلاق، و هكذا، فقد رباطة جأشه تماماً، كان إختياره حكيمًا.
على الأقل، عنده وقتٌ لبناء العلاقات و إبقاء نفسه هادئًا حتّى يوم كشف موهبته للعلن.
لم يتخلّى عن أمل إمساك زمام عائلته بالكامل، بعد اليوم الذي لوّح بسيفه — و كان ذلك هو اليوم الذي أحسَّ أنَّه سيافٌ حقيقي — شعر بنسبة قليلة من الأمل.
لم يكن سيتخلّى عن الأمل ببساطة، و لو كان غير موجود تقريبًا.
هذا الفتى أحمر العينين أمامه، رغم أنَّه يراه لأوّل مرَّة، و من المؤكّد أنَّه أتى لهذه الأكاديمية اليوم فقط، قد كشف موهبته بهذه السهولة؟.
هذا، هذا …
“ إنَّ هذا عبثيٌّ للغاية! ”
لقد إعترف بنفسه أنَّه قوي، لكن أن يكون بتلك القوَّة، و في هذا العمر …
كان هذا لا يصدّق.
أن يستطيع المرء كشف موهبتك بدون التّحقق، ذلك يعني شيئًا واحدًا.
أنَّ فرق القوّة هائل!
“ مهما نظرت إلي، فلن تكشف شيئًا، لذا إمسح هذا البريق عن عينيك ”
خرج صوت ليون المنزعج، بينما يحدّق في الفتى أمامه.
إرتباك الفتى فرناندو الأوّلي إختفى، و ما بقي كان عيونًا مشرقة تتوجّه نحو ليون.
رغم أنَّ المرء يمكنه كشف موهبة الأخرين عند الوصول لمرحلةٍ ما من القوّة، إلاّ أنَّ السبب الأكبر هو أنَّ هناك لكلّ موهبة نوعًا من الهالة الخاصّة بها.
و هكذا، لا يمكن للمرء معرفة أيُّ نوعٍ من المواهب يملكه الشّخص قبل أن يقوم بمراسم كشف المواهب.
و مع الموهبة، تظهر الرّتبة التي ينتمي إليها الشّخص بشكلٍ أكثر وضوحًا، و تظهر آفاقه المستقبليّة.
قبل أن يعرف الأشخاص نوع موهبتهم، فهم يقومون بتنمية مرتبتهم بإطراد.
لما يقومون بالأمر عندما يكونون صغار العمر؟.
لسببٍ ما، لم يمكن للمرء معرفة نوع موهبته قبل دخول سنِّ السّابعة عشرة، لكن ذلك لم يمنع النّاس من معرفة نوع رتبهم و كيفية تنميتها.
لكن كان أهمُّ شيئ هو معرفة رتبة الشخص، كان ذلك ليعرف كم سيبذل من جهد، و ما إن كان يستحقُّ بزخ الموارد عليه أم لا.
و هكذا، كان نظام المواهب هذا ببساطة مجرّد طريقة لكبار المسؤلين لتصيّد المواهب و جعلهم ملكًا لهم.
ذوي المواهب المنخفضة ليس لهم قيمة، و في حالاتٍ ما، يمكن أن يكون إمتلاك المرء لموهبة ضئيلة سببًا لهلاك عشيرته.
إنَّها طريقة لا ترحم للتّفريق بين مكانة الأشخاص في المجتمع، لكنَّها كانت فعّالة بكلّ تأكيد.
“ يا له من هراء ” ضحك ليون ببرود في ذهنه: “ موهبة؟ هيهيهي، هذه مجرّد وسيلة لشدِّ السّلاسل على أعناق الأشخاص لا غير! ”
ما يسمّى بنظام المواهب، لقد كانت مجرّد خدعة متقنة، قام كبار المسؤلين في العالم بإختراعها، لكي يمنعو أيَّ نوعٍ من المخلوقات ببلوغ أفاقٍ عالية من دون دعمهم.
لو إستطاع الجميع بلوغ أفاقٍ عالية بدون الحكومات، فماذا كانت فائدتها؟ السّبب الأكبر، و الذي يجعل النّاس يتبعون الحكومات و المسؤلين، بصرف النظر عن القوة و النفوذ، هي المصداقيّة.
لو لم يكن لهم مصداقيّة، ففي ماذا يختلفون عن أوغاد المسار الشّيطاني؟ يجب أن يكون لهم شيئٌ يمكنهم به مراقبة الشّعب، و في نفس الوقت، قمعهم بحجّة إعطاء الفوائد.
و قد كان نظام المواهب هو الحل.
بالطَّبع، لم يكن الأمر كلّه هراء، لقد كانت مرتبة الموهبة ضروريّة إلى حدٍّ كبير، لكن السبب كان مختلفًا.
و ذاك السبب، لقد عرفه ليون بطبيعة الحال.
“ هيا، أجب، في هذا العالم الظّالم، حيث لم يعترف أحدٌ بك، عندما بذلت جهودًا لا تحصى، تمّ إعطائك أسوء موهبة، حتّى مع ذلك، هل لك رغبة باقية في القوّة؟ ”
بينما يحدّق في الفتى أمامه بنظرة جليلة، قام بسؤاله، مع يديه خلف ظهره.
كان صوته مهيبًا، في صوته، كان هناك قوّة غريبة جعلت المرء يخرج شهقة من العجب.
لسببٍ ما، كانت كلماته محدّدة، محدّدة أكثر من اللّازم.
بالنّسبة لفرناندو، هو لذلك لم ينتبه على الإطلاق.
“ هل أريد القوّة؟ ”
ومض الشّك عبر عينيه، عدم اليقين، و حتّى عدم التّصديق.
من مِنّا لم يرد القوّة؟.
أن تكون قويًّا لحماية الأخرين، القوّة لعدم التقيّد بالأخرين.
أن تكون قويًّا لحماية نفسك، القوّة لتحقيق طموحاتك.
مهما كان السبب، و مهما تعدّدت الطّرق، ألم يفعل الجميع الأمر للحصول على نفس الشيئ؟
القوّة.
القوّة، و المزيد من القوّة.
هذا ما سعى نحوه الجميع، لكن لم يبلغه الجميع أيضاً.
في المقام الأوّل، لم تكن القوّة شيئًا يمكن الحصول عليه فقط لأنَّ الشّخص يرغب بها.
لو لا ذلك، لما كان هناك صراعات على الموارد أو فروقاتٌ و تمييز بين المخلوقات.
طالما هناك قويٌّ و ضعيف، فالعالم لن يكون متساويًا.
لقد كان مفهوم القوّة متأصّلاً بعمق في كيان فرناندو، منذ الصّغر، تمنّى إمتلاك القوّة.
لأنه معها، كلُّ طموحاته ستتحقّق، و كلُّ ندمه و ألامه ستندثر.
ليس الرّغبة ما يحدّد إمتلاكك للقوّة.
ما حدّد إمتلاك الشّخص للقوة أم لا، هي الجهود المبذولة.
رغم ذلك، بالنّسبة لفرناندو نيكولا، لم تكن جهوده مفيدة أبداً.
إن كان في الذّكاء، فقد كان هناك من يتفوّق عليه، القوّة؟ لم يكن قويّ البنية بشكلٍ خاص.
ما بقي كانت موهبته غير المؤكّدة.
و الأن، مقارنةً بذكاءه الحاد و قوّته البدنيّة فوق المتوسّط، فقد كانت موهبته هي الأسوء.
الشّيئ الوحيد الذي إمتلكه فرناندو مقارنةً بالأخرين هو عناده، كان يبذل جهوده القصوى في ما يفعله، ليلاً أو نهاراً، لم يكن هناك فرق، لم يرضا عن ما يفعله إلاّ بعد إكماله.
حتّى بعد بذل تلك الجهود و تحصيل الخيبة، ما فائدة بذل الجهد؟ هل ما زال لديه رغبة في القوّة؟.
ومضت عيناه بالعزم، كما أجاب بثقة: “ نعم! ”
“ حتّى لو تركني الجميع، حتّى لو لم يثق بي أحد و قال أنَّني قمامة، فلا أهتم! أأنا أرغب بأن أكون أقوى! ”
“ حتّى لو كان ذلك يعني فناء جسدك في سبيل ذلك؟ ”
سأل ليون عمدًا، عند رؤية عناد الفتى، ومضت عيناه بإشراق.
“ حتّى مع ذلك! نعم! إن كان جسدي سيموت في سبيل هدفي، فهذا جيّد! إن إستغرقني الأمر عقدًا، فسأعيش عقدًا أجتهد بسرور، لو كنت سأستغرق حياة، فحياتي ستكون من أجل هدفي! ”
تدفّقت الكلمات من فم الفتى فرناندو بسلاسة، لم يكن يعرف السّبب، لكنَّه أراد إخراج ما في قلبه.
أراد الصّراخ للعالم أنَّه لن يستسلم!
الجهود المبذولة لم تكن كافية؟
هذا يعني أنَّ المرء لم يبذل الجهد الكافي!.
إن كان هناك، و لو فرصة واحد بالمليون ليصبح قويًّا، فماذا هناك للخسارة؟.
“ لهذا … أطلب منك- لا، أنا أرجوك! لو كان هناك فرصة لي للصبو نحوها، ساعدني لأصبح أقوى! ”
بينما ضرب جبهته بالرّمال، قال فرناندو بصوتٍ لا يرتجف.
في أعماقه، لقد فهم لماذا حكى ليون عن رغبته بالقوّة، كان السّبب بسيطًا.
إمّا للسّخرية منه، أو ليداركه القوّة التي تحدّث عنها.
لو كان السّبب الأخر هو الجواب الصّحيح، فيجب عليه أن يثبت أنَّه ذو قيمة!
و هكذا، سارع فرناندو في الطّلب من ليون بجعله قويًّا، ذلك ليظهر له أنَّه سريع البديهة.
“ هاهاهاها! ” ضحك ليون بحرارة: “ هذا هو! أحسنت، أحسنت! إرفع رأسك، ليبلغ الإنسان علُوَّ السماء، ألا يجب أن يملك هذا النّوع من العزم؟ أنت تعجبني أكثر فأكثر يا فتى! ”
تردّد صوت ضحك ليون عبر الشّاطئ.
هذا الفتى جوهرة ثمينة!
لم يهتمّ ليون بشيئٍ ضحل كالموهبة، كيف تحدّد قيمة المرء بالموهبة فقط؟ كان ذلك هو ما يسمّى بضِيقِ الأُفُق!
ما إهتمَّ ليون به كانت العقليّة، كيف يتعامل الشّخص مع مشاكله، و كيف ينظر للحياة، هذا ما حدّد أفاق المرء
على الأقل، هذا ما إعتقده ليون بعمق.
يمكن دائماً حلُّ المشاكل الجسدية، لكن ما بداخل عقل الإنسان لا يمكن فعل شيئٍ تجاهه!.
الموهبة الفطريّة؟ يمكن حلّها ببعض الأكاسير النّادرة و الموارد العديدة.
ماذا عن العقل؟ هاها، هذا غير ممكن!.
حتّى لو أحضرت شخصًا ذو موهبة من الرّتبة أ، طالما كان شخصًا ضيّق الأفق، متعجرف و عاطفيٌّ جدًّا، فلا يعني ذلك سوى الأسى له و للأخرين.
على الأكثر، كان ذو قيمة أعلى بقليل من الأكاسير النّادرة، شخصٌ موهوب فطريًّا لكن ضعيف عقليًّا، إنَّه كالطّفل الذي يحمل سبيكة من الذّهب.
إنَّه أفضل حالاً كمادّة للصقل!.
الموهبة الفطريّة، ماذا كانت؟ إنَّه بسيط.
الموهبة الفطريّة هي مجرّد نسبة نقاء التشي داخل الجسد، نقاء التشي في جسد المرء يحدّد سرعة دورانه داخل الجسد و قابليّته لإمتصاص التشي في البيئة المحيطة.
و هكذا، في كثيرٍ من الأحيان، ذوي المواهب الأعلى يرتقون في الرّتب بشكلٍ أسرع من الأخرين.
الرّتبة تحدّد كلّ شيئ.
هذه العقليّة عالقة في عقول الجميع.
لكن هناك دائماً إستثناء.
و ليون، لقد كان أحدهم.
بينما تلمع عيناه بإشراق، تحدٌث ليون بنبرة قويّة: “ طالما تتبع ما أقوله لك، ليس فقط طموحك، بل ستبلغ ما لم تحلمه به في حياتك قط! ”
ضحك ليون و هدر بصوتٍ عالٍ: “أنا أحبُّ الأشخاص مثلك، طالما يشدُّ المرء بأسنانه، فما الذي لا يمكن فعله؟ هاهاهاها! ”
“ شكراً لك! هذا الصّغير يفهم! ”
لقد كان فرناندو يرتجف من السَّعادة، حتّى أنَّه بدأ ينادي نفسه بالصّغير، ما هو العمر؟ القوّة هي التي تحدّد الفرق بين الكبير و الصغير!.
كان من غير الممكن طلب أيِّ دعمٍ من العائلة بعد الأن، بعد إنتشار أخبار موهبته، ستركّز العائلة جميع جهودها على أخته.
ناهيك عن أيِّ شيئٍ أخر، كلّ الدّاعمين له سيديرون ظهروهم له، الأن، غير إسم عائلته النّبيل، ما الذي يملكه؟.
لا شيئ!
كان فرناندو سريعًا في فهم موقفه، لم يكن أحمق.
نظرته للأمور لم تعد كالسّابق.
بعد تجربة الحياة و الموت عندما أراد بنفسه الإنتحار، تغيّرت أفكاره.
كان يرى الأمل في كلّ شيئ، طالما بذل المرء و شدّ على أسنانه، هل هناك ما لا يمكن فعله؟
إنَّه كما قال له ليون بالضّبط.
لو كان ليون سيجعله أقوى كما يقول، في سبيل بلوغ القوة … ما الذي لن يفعله؟
هو في الحضيض بالفعل، ماذا هناك لإستغلاله فيه؟