الفصل 17: المقيّدون بمعايير الأخرين، لا يستحقّون التطلّع نحو السّماء (4).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
يعيش المرء حياته مع إرتباطه بالعالم و بيئته.
إرادة والدها و حلمه، تطلّع والدتها نحو والدها بدورها.
هذا هو إرتباطها الوحيد بالعالم.
بالنّسبة للفتاة، هذه هي حياتها، و على الأغلب هكذا سيكون موتها.
حتّى ما تصبوا إليه لم يكن من أجلها، كانت تلك أحلامًا عابرة بالنّسبة لها.
لكن بالنّسبة لوالدها، فقد كان ذلك معنى عيشه.
لهذا، بعد أن تكمل إرادته، فلن يبقى لها شيئ.
و مع ذلك.
لأول مرَّة في حياتها، نشأ الشّكُّ في ذهنها.
هل كان ذلك لأنَّها شعرت بقربها من هدفها؟.
أصبحت متردّدة.
سيفٌ يقطع كلَّ شيئ.
هذه العبارة ومضت في ذهنها، مراراً و تكرارًا، هذه الكلمة وخزت قلبها.
شعرت بصدى العواطف في كلِّ مرَّة قالت الكلمة في عقلها.
تعبيرها اللّامبالي إنصهر، ما بقي هو وجهٌ فارغ.
عيونها كانت ضبابيّة، لم يكن ذلك سببه البكاء أو الحزن.
لقد كانت تلك هي الحيرة.
رفرف شعرها بينما حدّق بفراغ في السّماء، و مع ذلك، لم تنبس ببنت شفاه.
وقف الجميع بصمت، بينما ينتظرونها.
ماذا كانوا ينتظرون؟ لم يعرفوا.
لقد شعروا فقط لالحاجة لذلك.
هكذا في الغالب عملت الغريزة.
عرف الجميع هنا ما عناه التّعبير على وجه الفتاة.
لقد كان تعبيرًا حمله شخصٌ فاقد للأمل في الحياة.
بعد كلِّ شيئ، لقد عاش الجميع هنا لحظاتٍ كهذه في الحياة.
في بعض الأحيان، عندما لا يملك الشّخص ما يتطلّع له في الحياة، للإستمرار في العيش، سيضعون لأنفسهم أهدافًا للقيام بها.
ماذا بعد ذلك؟ بعد تحقيق هذه الأهداف، سيبقى الفراغ فقط.
لماذا كان فرناندو مستميتًا ليصبح رئيس العائلة؟.
كان ذلك لتحقيق طموحه، لكن السّبب الأكبر لم يكن ذلك.
السّبب الأكبر كان شيئًا أعمق.
ذلك لأنَّه كان خائفًا.
الموت شيئٌ مخيف، لكن هناك أشياء أكثر رعبًا.
أنت ستموت مرَّة واحدة، لكن هذا الشّعور يبقى مع المرء دوام العيش حتّى الوفاة.
ما هو ذلك الشّعور؟.
“ الشّعور بالفراغ و الوحدة، أنا خائفٌ من ذلك أكثر من الموت بكثير ”
قد تعيش حياتك كاملة معافًا، سالمًا و أيضاً غانمًا، لكن هل كل بمهرب من الفراغ و الشُّعور بالعزلة؟.
هو دائماً يراقبك.
إنَّه كالمفترس تماماً، يتربّص ذلك الشعور على المرء في جهله و أمانه الزّائف.
كلُّ ذلك حتّى يأتي وقتٌ يرخي فيه دفاعاته تماماً.
و في يومٍ ما، عندما لا تلاحظه، سينقضُّ عليك بوحشِيَّة.
هذه هي ما هي عليه عواطف الوحدة و الفراغ.
الأمر مخيف.
العيش بلا معنى و لا هدف يصبوا إليه المرء.
و هكذا، للهروب من هذا الشُّعور، وضع فرناندو لنفسه هدفًا يصبوا إليه، هكذا لن يصيبه الخوف.
لكن ماذا بعد ذلك؟.
لم يكن يعرف.
هذا ما تهرّب من التّفكير فيه دائماً.
مع ذلك، قبل أيّامٍ معدودة، تغيّر كلُّ شيئ.
“ لم يتغيّر هدفي، لكن ما تغيّر هي أفاقي ”
كان يرى أنَّ من المنطقي السعي نحو ما يمكن للمرءِ تداركه، لكن هل هذا حقًّا صحيح؟.
في وقتٍ ما من حياته، لقد شكَّك في المنطق العام للمجتمع، العالم مكانٌ خادع.
إتبع بشكلٍ أعمى الأعراف و المثل العليا للأخرين، طابق العالم.
إمشي كما يمشي الجميع، هكذا ستنجح في المجتمع.
تربية و تعاليم الأسرة ومضت في ذهنه مرّاتٍ عِدَّة، لكن في كلِّ مرَّة، كان هناك بذرة للشك تنمو في قلبه.
عندما لوَّح بسيفه في يوم فشله الأكبر، شعر بالحريَّة.
ذِهنُهُ أصبح صافيًا، عندما لم يكن عبئُ الهروب من خوفه و أوزارُ حلمه تثقل عليه، كيف شعر الفتى؟.
شعر بالخفَّة.
شُعورٌ بالنّشوة يجعل المرء واضحًا.
في بعض الأحيان في الحياة، تأتي أيّامٌ مثل تلك.
عندما تقع على رأسك مصيبة، تعتقد أنَّ البؤس و الأسى ما ينتظرك، لكن الأمر ليس كذلك.
على العكس، يشعر المرء بالتّحرّر و يصبح حضوره الذّهني أكثر قوّة.
هذا ما يسمّىَ بصفاء الذهن.
لطالما كان ذلك الشُّعور موجودًا فينا، لكن نظرًا لإنشغالنا بهمومنا في الحياة، ننسى مثل هذا الشّيئ الواضح.
بالنّسبة لفرناندو، حمل اليوم الذي كشف فيه موهبته معنىً كبيرًا في قلبه.
لم يكن فقط يوم فشله، بل كان لذلك اليوم معنى أعمق.
في كثيرٍ من الأوقات، لا تكون أوجُ لحظاتنا في الحياة هي أيّام نجاحاتنا.
لقد كانت تلك مجرّد قصصٍ خياليّة كتبها النّاس ليحكوا عن عواطفهم.
لم تكن الحياة الواقعيّة مجرّد هرجٍ و مرج.
على الإنسان النّظر في الأيام السّيئة أيضاً.
و هكذا، في ما إعتقد أنَّه أسوء يومٍ في حياته، فُتِح له بابٌ جديد.
طريقٌ سعى لسلوكه، لكن لم يعرف من أين يبدء فيه.
الخوف ليس شعورًا سيِّئًا كما نعتقد في الواقع.
على المرء السّعي لما يخاف من الخوض في غماره.
لو لم يفعل، ذلك الخوف سيبتلعه.
كلّما هربت من مخاوفك، كلّما سارعت في اللّحاق بك.
مواجهتها هو أفضل ما يمكن للمرء فعله.
و ذلك هو ما يجب عليه فعله.
ومضت أعين فرناندو بإشراق.
لقد مشى في الظّلام وحيدًا لسنين عديدة، و أخيراً، إنتهت رحلة العزلة هذه.
ذلك لأنَّه في النّهاية.
“ لقد وجدتٌ ما أعيش من أجله ”
بدلاً من القلق بشأن ما إذا كان ممكنًا أم لا، من الأفضل أن يمشي في الطّريق.
هكذا لن يشعر بالنّدم.
لم يكن مِلئُ فؤاد المرء هو شعورٌ واحدٌ فقط.
ليس فقط فرناندومن فهم هذه الحقيقة.
“ هل تعلمين؟ نظرتك هذه، أنا مدركٌ لها جيّدًا ”
خرج صوتٌ هادئ من فم ديو.
حاول لويد أن يقول له شيئًا ما، لكن أوقفه ليون.
أشار بفمه للجميع للصمت.
أومأ الإثنان برؤوسهما.
وقف شابٌّ و فتاة في الشّاطئ.
إمتداد البحر العميق هو ما يمكن رؤيته في الأفق.
وجَّهت الفتاة نظراتها الفارغة نحو الفتى، كانت عيناه مليئة بنورٍ غريب.
شعرت الفتاة بالإنجذاب نحو عينيه.
على عكسها هي، كان هناك يقينٌ مطلق في عينيه.
“ ماذا تقصد؟ ”
فتحت فمها، خرج صوتٌ فارغ من ذلك الفاه.
على عكس نبرتها السّابقة، كان صوتها متعبًا.
قام ليون بالضّغط على نقاط طاقة معيّنة في جسدها ليستعيد جسدها عافيته مؤقتًّا، لكن لا يعني ذلك أنَّ عقلها كذلك.
لقد كان ذهنها متعبًا قبل مجيئها.
و حتّى عند مكوثها هنا، لم ترتح للحظة واحدة.
ناهيك عن أنَّها واجهت ليون و خاضت معركة مع عشرة أشخاص.
لو زدنا على الأمر تقلّب عواطفها بلقائها أشخاصًا أقوياء في نفس سنّها، فقد كانت معجزة عدم سقوطها و غيابها عن الوعي لأيّامٍ بالفعل.
لقد وصلت الأن لحدودها، التّعب أزهق ذهنها و نهش قلبها ببطئ.
لكن ما ركّزت عليه لم يكن هذا.
لقد كان شيئًا واحدًا.
ركّزت الفتاة عينيها لمواجهة الفتى أمامها.
عيونه شابهت عيون النّمر في الحدَّة.
“ السّيف … الذي يريد قطع كلِّ شيئ … ما هو ذلك السّيف؟ ”
سألت الفتاة، كلُّ كلمة تطلّبت منها جهودًا عالية.
ملاحظًا مظهر الفتاة، حدَّق في عينيها مباشرةً: “ إنَّه بالضّبط كما تنصُّ الكلمات، سواء كانت البحار أم الجبال، المادَّة أم الفراغ، بعيدًا كان العدو أم قريبًا، أنا أصبوا لسيفٍ يمكنه قطعهم جميعًا ”
“ هذا الشّيئ … أليس مستحيلاً؟ ”
كانت عينيها مرتبكة، لقد فهمت أنَّ كلمات الفتى بدت غير واقعيَّة.
أن تقطع الجبال و البحار ليس شيئًا يفكّر فيه المخلوق بالفعل.
لكن قطع الفراغ؟.
كان الأمر مثل أن تحاول قطع أصل ما هو موجود في العالم.
قطع الفراغ يعني قطع القوّة بذاتها.
أصل كلِّ قوّة موجودة، لقد كانت تلك هي المانا.
لكن لماذا؟.
لماذا لم تحمل عيناه مجالاً للشّك؟.
كانت الثّقة و اليقين هو ما يمكن رؤيته.
مهما نظرت بعمق، فلن ترى القلق أو عدم اليقين أبداً.
و كان ذلك ما تسائلت عنه الفتاة.
ضحك ديو بحرارة: “ إذاً أليس علي قطع المستحيل بذاته؟ هكذا هو الأمر ببساطة! ”
“ … ماذا؟ ”
“ أنتِ لم تفهمي الأمر؟ ذلك بسيط، أنا لا أريد أن أكون سيّافًا يفتخر بطريق السّيف فقط، السعي للأفضل في العالم ليس كلّ شيئ، أليس كذلك؟ ”
بقيت الفتاة صامتة، لم تعرف كيف تستجيب، لكن لم تستطع لسببٍ ما إزاحة عينيها عن الفتى.
شعورٌ غريبٌ إخترق قلبها.
عند رؤية المنظر يتكشّف أمام عينيه، إبتسم ليون بخفّة: “ نجحت خطّتي ”
كان يتوقّع ردَّ فعلها ذاك منذ البداية، أكثر من ذلك، جعل الموقف يتحوّل إلى حديثٍ فردي بين ديو و الفتاة.
لم يكن أحدٌ يفهم السّيّاف أكثر من سيّافٍ أخر.
بإستغلال فهمه للفتاة و السّياف ديو، جعل الموقف هكذا.
هذه أفضل طريقة لإبراز موهبة ديو، و بعد الفراق الطويل، أراد ليون معرفة مدى نموِّه أيضاً.
هناك جانبٌ أخر في نداء الكوابيس جعل ليون يستخدمها رغم مخاطرها.
“ عن طريقها، يمكنني التّدخّل في عواطف الأخرين و فهم مشاعرهم، ناهيك عن ذكرياتهم ”
كلّما كانت عواطف الأخرين السّلبيّة أعمق، كلّما كشف ليون المزيد.
بالطَّبع، يجب أن يكون ليون أقوى منهم ليكون لها تأثير.
إمَّا ذلك أو سيصير العكس، لو كان الشخص أقوى من ليون، فذكرياته و عواطفه ستنتقل للشّخص الأخر.
ناهيك عن أنَّه، بحسب مدى الفرق في القوّة، طالما كان كبيراً، فسيصبح ذهن ليون فارغًا، و يصبح دمية للشخص الأخر.
هناك وصيّة واحدة في نداء الكوابيس يجب إتّباعها ليصبح تأثيرها ساريًا.
“ الشّخص الذي أستخدم عليه التّقنيّة، بحسب نواياي تجاهه، يجب علي تحقيقها، لو كانت بغضاء، فيجب أن يموت، أو أنا سأموت، و من أريد مساعدته، يجب عليّ فعل ذلك، أو سأصبح عبدًا لذلك الشّخص ”
لكن لو لم تكن لدى ليون عواطف تجاه الشّخص المستخدمة عليه التّقنيّة، فسيكون تأثير المهارة على الشخص الأخر فقط.
المشكلة كانت أنَّ ليون لا يمكنه التّعاطف مع الأخرين، لذلك جعل جانب فهم العواطف و الذكريات تركيزه.
هكذا، حتّى لو لم يتعاطف مع الشّخص الأخر تماماً، فسيفهم شعورهم، و يتعاطف معهم و لو قليلاً.
بطبيعة الحال، يجب أن تكون المساعدة إمَّا عن طريق ليون أو شخصٍ أخر.
عندما ينشّطها على شخصٍ ما، طالما ليون يكون بجواره، فحضور ذلك الشّخص الذهني سيصبح أضعف.
هكذا كيف عملت تقنيّة نداء الكوابيس.
لم يكن يسعى لفكِّ عقدة الفتاة فقط، بل الفتى فرناندو أيضاً.
الأمر الأن في يدي ديو، لقد فعل ليون ما يمكنه فعله بالفعل.
بدء الأمر بالسّيف، و سينتهي بالسّيف.
بينما لمعت عيناه، حمل ديو سيفه نحو السّماء.
بعدها وجّه السّيف نحو الفتاة، في عينيه، لم يكن يرى سوى الفتاة.
و بالنّسبة لها، مظهر ديو الممسك بالسّيف هو كلُّ ما جذبها.
إشتبكت أعين الفتاة الحمراء و أعين ديو الشّبيهة بالنًمر في الهواء.
“ بالنّظر لعينيك فقط، كسيّاف، يمكنني معرفة أنَّ ذلك الشُّعور يراودك أيضاً، أليس كذلك؟ ”
“ أيُّ شعور؟ ”
كانت تتجاوب عن عمد، لقد فهمت مقصده، كشخصٍ لوّح بالسّيف طوال حياته، كيف لن تعرف الأمر.
حتّى لو كان الأمر لإحياء ذكرى والديها الرّاحلين، بعد مزاولة السيف طوال عمرها، من المستحيل أن لا يكون لديها و لو رغبة صغيرة في السّعي لأعلى.
البشر مخلوقات ولدت بالعاطفة، و ليسوا دمى بلا مشاعر.
الأمر فقط …
“ أنا خائفة من العيش وحيدة ”
لقد إستمرّت بالعيش في عزلة لأنَّها كانت مثقلة بهدف والدها الذي وضعته على نفسها.
هناك فرقٌ كبير بين العيش بهموم الأخرين و أهدافهم، أو العيش مثقلاً بمخاوف المرء الخاصّة.
عندما تنتهي من تحقيق صبوِّ والدها، لن يبقى لها شيئ.
هكذا إعتقدت الفتاة.
لم يحتج ديو للكلمات لفهم ما أرادت الفتاة نقله.
“ الشُّعور بأنَّ هناك شيئًا ناقصًا، هل تعلمين؟ منذ الصّغر، مهما وصلت لمستوى جديد في السّيف، لم أشعر يومًا بالرِّضا ”
“ تفوّقتُ على الأخرين بعد بذل جهودٍ لا تحصى، لكن شعور الفراغ بقي في قلبي ”
أشار الفتى إلى قلبه.
بعدها، توجّهت أصابعه بشكلٍ طبيعي نحو إتّجاه قلب الفتاة.
“ … شعورٌ بالفراغ … في القلب … ”
أنا أفهم هذا الشُّعور.
كانت تريد قول هذا، لكن لسببٍ ما، لم تستطع إكمال جملة بعد كلمة القلب.
كان للكلمة صدى في الفتاة.
“ شعرت بالأسى و الحزن العميق، في هذا العالم حيث لم يبقى لي الكثير، كيف لي أن أعيش بقلبٍ مثقل؟ ”
سواء كانت السّيَّافة أم الفتى المبارز، فقد شعروا بالإرتباط لسببٍ ما.
هذا شعورٌ لن يفهمه سوى الشّخص الذي حمل سيفه دائماً.
“ هل تعرفين؟ ما يمكن بلوغه هو حلمٌ زائف، لماذا حلمكِ يبدو واهيًا؟ هذا لأنَّكِ واثقة من بلوغه بالفعل! ”
لم يحتج ديو للكثير من المعلومات لفهم الفتاة، بضع كلماتٍ تكفي.
مطرقة الحدّاد تكشف عن أيِّ نوعٍ من النّاس هو.
و مثل ذلك، السّيف يكشف عن طبيعة السّيّاف.
رغم إمساكها بسيفها بإحكام، فقد كانت القبضة الممسكة بالسيف ترتعش.
هذه الرّعشة لم تأتي من التّعب.
لقد أتت من يد شخصٍ لا يعرف اليقين.
“ هـ- هذا ”
لأول مرَّة في حياتها، خرج صوت الفتاة بضعف.
لقد عرفت بالفعل كلَّ ما قاله الشخص أمامها.
أرادت الصراخ له بأنَّه مخطئ، لكن فمها لم يستطع إخراج صوت.
“ سيفك يفتقر للإرادة لكسر عد اليقين! قلتِ سابقًا أنَّ قطع كلِّ شيئ مستحيل؟ إذاً سأقطع ذلك المستحيل بدوره! هذا هو سيفي! ”
و هذا هو المسار الذي قرّر ديو المشي فيه.
في حياته، لقد عاش لحظات ألمٍ عديدة و أيّامًا لا تحصى من عدم اليقين.
لكن هل إستسلم أو هرب يومًا؟ لم يفعل!
و لا مرّة واحدة، لا مرَّة واحدة لعينة تمكّن منه اليأس!.
حتّى عندما لم يرى أملاً في أن يرغب بالتّلويح في السّيف مرَّة أخرى، لم يتخلّى عنه.
هل كان ذلك بسبب الخوف؟
هذا مستحيل!
لقد كان الأمر مجرَّد غريزة بالنّسبة له، لقد أراد قطع مخاوفه و توتّره.
طالما لديَّ سيفي، طالما أصبوا إليه بلا توقّف، هل سيكون لديّ مجالٌ للنّدم؟.
تحرّك الفتى خطوة للأمام، أرادات الفتاة التّراجع للخلف، لكن لم تستطع.
أبى جسدها الحركة.
“ إفهمي هذا، عندما يعيش المرء في سبيل هدفٍ لا يرى له طريقًا، من الطّبيعي أن يصاب بالخوف، لكن أتعلمين شيئًا؟ ”
خطوة ثانية، خطوة ثالثة.
تقدّم الفتى نحو الفتاة كما لو كان ممسوسًا.
هي بقيت واقفة فقط، لم تشعر بالنُّفور أو الرّغبة في الهروب.
الوقوف هناك و إنتظاره، هذا هو كلُّ ما فعلته.
“ عندما يسلك المرءُ طريقًا مظلمًا، سيتطلّع بشكلٍ طبيعي إلى النّور في نهاية الطّريق، هكذا هي الحياة ”
الخطوة الثامنة، الخطوة التاسعة، الخطوة العاشرة.
بعد عشر خطواتٍ بالضّبط، توقّف الفتى أمام الفتاة.
كان قريبًا منها، لكن ليس كثيراً.
في المسافة بين بعضهما، أمكن للفتى أن يرى بوضوح بإهتزاز جسد الفتاة.
“ إذا سعيتِ إلى ما يمكنك فعله، فأين المتعة في الأمر؟ الحياة متعلّقة بعيش المستحيل، عندما يكون للمرء شيئٌ صعب يفني فيه حياته، سيكون كلُّ يومٍ تجربة جديدة ”
وقف الفتى في مواجهة الفتاة، قبل أن تظهر إبتسامة مشرقة على وجهه.
كانت هذه إبتسامة صادقة تحمل مشاعره بالكامل.
“ أن تغضبي لأنَّكِ لم تصِلي بعد، شعور الفرح عندما تحقّقين إنجازاً، و بذل الجهود كلَّ يوم لأنَّ الهدف مازال بعيدًا، و حتّى عدم اليقين الذي يجب أن تقطعيه بسيفك في كلِّ مرَّة ”
مدَّ يده للأمام كما أكمل حديثه: “ مثل هذه الأشياء ستصبح وقودًا تجعلك تعيشين كلَّ ثانية من الحياة، هكذا هو طريق السّيف، فهو موجودٌ ليقطع ”
يده ممدودة للأمام.
لقد كانت تبدو قريبة، لكن بدت أيضاً بعيدة.
هذه يد شخصٍ أتى للمساعدة.
هل تمسكها، أم تتركها في الهواء؟.
“ لماذا تنظر إليَّ بهذه العيون؟ ”
عيونٌ صافية كمدِّ البحر.
نواياه لم تكن شرّيرة، لم يرد الفتى منها شيئًا.
لقد كانت رغبة خالصة للمساعدة.
كانت هذه عيون مبارزٍ شريف و صادق.
و هي عيونٌ لم تراها من قبل.
“ … أنا ”
عضّت الفتاة شفتيها.
الإبتسامة على وجهه لم تزل، و على العكس، بدت أكثر دفئًا كما أجاب بلطف: “ لا بأس ”
“ أنا هنا معك ”
واجهته بعينيها، قبل أن تشيح الفتاة بنظرها.
لسببٍ أو لأخر، لم تستطع مواجهة عينيه.
بقيت الفتاة صامتة، و بقيت يد الفتى ممدودة، لكنَّه لم ينزلها.
كنا لو كانت الفتاة عازمة أخيراً.
فتحت فمها، لقد إعتدى عليها شعورٌ غير مألوفٍ بالحرج.
“ أنا أريد … ”
أمال رأسه في حيرة: “ أنت تريدين؟
تجنّبت بصرها كما قالت بضعف: ”إذا كان لا بأس معك في هذا، هلّا تريني سيفك؟ ”
“ تفضّلي ”
لم يمانع، حمل سيفه و أعطاه للفتاة.
“ مـ-مستحيل … ؟ ”
هل هذا هو ديو الذي أعرفه؟.
فتح لويد فمه بصدمة.
ديو يعطي سيفه لشخصٍ أخر؟ هذا لا يصدّق!
“ لا حاجة لك للتفاجؤ، يومًا ما، عندما تجد شخصًا يتشابه معك و تشعر بالقرب منه، فستفعل الأمر نفسه، إنَّ مبادلة السيف بين السّيّافين يعني مبادلة الثقة، ديو يفعل هذا ليريها أنَّه لا يملك نوايا سيئة ”
تحدّث لويد و ليون، بينما يحدّقون بما يحصل.
“ لا أعرف ما إن كان سيحصل هذا يومًا ما، لكن من يدري؟ تقلّبات الحياة دائماً غير متوقّعة ”
أجاب لويد بصوتٍ هادئ، لطالما كانت نبرة صوته هكذا.
“ أنت محق، بالذّات لأنَّ الحياة غير ملموسة و لا طريق واضح لها، فهي تستحق العيش، الحياة بيقينٍ تام يشبه الموت البطيئ، إنَّه ينهش روح المرء ببطئ ”
و هذا هو ما أصاب الفتاة.
لقد عاشت حياتها بنفس الطريقة الرتيبة كلَّ يوم، لم يكن هدفها خارج توقّعاتها و لم تسعى لما هو أعلى.
إعتقدت أنَّها هكذا ستستطيع الوصول للرضا في يوم وفاتها، لكنها لم تلاحظ أبداً.
لقد كانت الفتاة تموت كلَّ يوم.
“ و هذا سينتهي اليوم ”
بينما يحدّق في الشخصين الواقفين بجانب بعضهما، أشرقت عيون ليون.
لم يبقى الكثير من الوقت لإنتهاء مفعول الوهم.
يجب أن ينجح ديو، أو سيعاني ليون أثاراً جانبيّة مريعة!
“ من الأفضل أن تنجح، أيها الوغد! ”
يد الفتاة المرتعشة أمسكت بالسيّف.
نزع.
نزعت الغمد ببطئ عن السّيف.
إنَّه برّاق.
هذه أول فكرة برزت في ذهنها.
و هو جميل.
هذه ثاني فكرة برزت في ذهنها.
لكن أكثر من أيِّ شيئ، يشعرني بالأمان.
و هذه ثالث فكرة برزت في ذهنها.
السيف الذي حملته بيدها حمل شعوراً بالخطر للعدو، لكن عندما حملته هي، شعرت بالأمان.
هل كان ذلك بسبب السيف؟.
لا، لم يكن الأمر كذلك.
“ إنَّها الإرادة ”
إرادة مالكه نضجت من السيف حتّى عندما أمكست هي به.
الإرادة، التي لا تتزعزع لقطع العدو.
الإرادة، لوضع كلِّ الأمل على السيف.
الإرادة، للثِّقة الكاملة بسيفه.
هذا ما شعرت به الفتاة.
أشعرها ذلك بمشاعر لا توصف.
الأمان، الدفئ، و عدم اليقين.
إختلطت المشاعر في قلبها.
“ إنَّه جميل … ”
خرج صوتها كالهمس.
لكن بالنسبة لديو، الذي وقف أمامها مباشرة، كان صوتها واضحًا.
لسببٍ ما، شعرت الفتاة ببعض الحرج.
و هكذا، أعادت له السّيف، بينما رأسها لأسفل.
مال شعرها الأشقر مع الرّيح.
خدودها كانت مصبوغة باللّون الأحمر قليلاً.
“ هـ-هل يمكنني طلب شيئٍ أخير؟ ”
كما لو كانت تشعر بالتّردّد، سعلت الفتاة قليلاً قبل أن تقول بهدوء.
أجاب بإبتسامة لا تتزعزع: “ تفضّلي، طالما هو في إستطاعتي، فسأحاول فعله ”
“ تسك، أنظروا إليه يتصرّف بكلّ روعة ”
“ متى تعلّم معاملة النِّساء بلباقة؟ ”
تذمّر ليون و لويد بهدوء، بينما يهمسان لبعضهما.
لم يستطع فرناندو سوى أن يبتسم بمرارة في أفعالهما.
“ هؤلاء الأوغاد … ”. إبتسم ديو بإشراق.
لا يمكنكم البقاء هادئين بدون تخريب الأجواء، أليس كذلك؟.
تبًّا لكما!.
وضع يده على فمه كما سعل بهدوء: “ آحم، على أيّ حال، سَلِي ما شئتِ ”
لم يسع الفتاة سوى الشعور ببعض الإرتياح.
هذا الموقف الكوميدي قليلاً جعلها تتحسّن.
“ حسنًا … أنت قلت أنَّ سيفك يريد قطع كلِّ شيئ؟ أرجوك أرِني ”
“ إجعلني أرى كيف يبدو سيف من يسعى للمستحيل، مقارنة بسيفٍ يسعى نحو العُلى فقط ”
“ هذا هو؟ و أنا من إعتقدت أنَّه شيئٌ أخر! ”
“ على المعلِّم أن يتباهى أمام تلاميذه، أليس كذلك؟ هاهاها ”
“ تسك، أنظر إليه الأن، لقد كان يشتكي من قبل تجاه الأمر … ”
“ كلُّ هذا لأنَّها فتاة، تسك تسك تسك! ”
بدلاً من التأثُّر، تذمر ليون و لويد من موقف ديو.
الفتى لم يعرهما إهتماماً.
ضحك ديو بحرارة، محدّقًا نحو السماء.
هذا صحيح، الأمر بسيطٌ جدًّا.
من الأفضل دائماً ترى على أن تسمع.
هكذا هو الأمر فقط.
“ حسنًا! اليوم سترين مدى عنان السماء! سيفي الذي يصبوا لتغطية العالم أجمع! أنا لا أسعى لأن أكون الأقوى! أنا أسعى فقط لأصل إلى سيفي الذي أصبوا له! ”
“ لا يهم لو تفوّق كلُّ أحدٍ أخر في الأشياء الأخرى، لكن سيفي هو من سيقارع الجميع! ”
تردّد صدى هدير ديو في المكان بالكامل.
“ لو سمحتِ لي، هل يمكنني إستخدام سيفك في الأمر؟ سأعطيك سيفي كضمان لو حصل له أيّ شيئ ”
مدَّ الفتى سيفه كما لو كان تأكيدًا لكلامه.
لم يكن هناك تردُّد في تعبير الفتاة، أعطته سيفها على الفور.
بعد تبديل السيوف، لم يتردّد الفتى كثيراً.
مشى بخطواتٍ واثقة نحو الإتِّجاه المعاكس للشّاطئ.
الوقت إنتهى.
“ هاهاها! وصلت أخيراً! ”
“ أمل أنَّهم لم يمسكوا به! ”
“ سيكون هذا الشخص لي! حتى لو كان علي سرقته من الأخرين! ”
تردّدت أصوات البشر كما هاجم الأشخاص الكثر نحو ديو، الذي كان يمشي للأمام بمهل.
لم تنقل عيناه أيّ قلق، حتّى في مواجهة الأعداء.
أمسكت الفتاة بالسّيف في يديها بإحكام.
عانقته و شعرت بالدّفئ يملأ جسدها.
هذا الشُّعور بالأمان.
لسببٍ ما، لم ترد فقدان ذلك الشُّعور.
“ لا يعيش المرء وفق إرادة الأخرين، من يعيش وفق إرادات و معايير الأخرين، لا يستحقُّ حمل السّيف ”
بينما يمشي للأمام نحو العدو، سمع الجميع صوته بوضوح.
كانت كلماته بشكلٍ خاص موجّهة نحو الفتاة.
“ سأثبت لكِ هذا، لذا راقبيه بتمعّن ”
صوته أصبح باردًا عندما إخترقت عيناه الشرسة أعدائه.
عندما حمل السّيف للأمام، إندلعت هالة شرسة من جسده.
سيّافٌ قوي.
صاحب سيفٍ لا يتزعزع، و إرادة لا مثيل لها.
هذا الشّخص إجتاح بصر الفتاة.
كانت البيئة مظلمة، لكنَّه بدا كالنّور المشرق فيها.
“ سيفي الذي يقطع الجميع ”
لقطع كل شكوكها.
لكسر المعتقدات التي تم بنائها على مر السنين، ليفتح عالمًا جديدًا أمام عينيها.
ليتم تخطي ألام الماضي، يجب على المرء تحقيق النتائج في الحاضر.
على المرء التطلع نحو المستقبل.
لهذا السبب ....
تمنَّت الفتاة من كل قلبها.
أن يُثبِتَ الفتى الشاب ما يقوله.
أن يُثبِتَ حقيقة العالم الذي يراه كسياف.
أن يُريها العالم الذي لم تراه من قبل.
مرة واحدة تكفي.
أرادت أن ترى ما يعنيه أن يكون المرء مبارِزًا.