23 - الفصل 23: أنا أعلمُ ذلِك، لكِن لا يُمكِنُني الإهتِمامُ أقلَّ حتّى (6)

الفصل 23: أنا أعلمُ ذلِك، لكِن لا يُمكِنُني الإهتِمامُ أقلَّ حتّى (6).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

فجأة، تغيّرت البيئة.

كان هناك مجال غير مرئي يشوِّه الفضاء.

غطَّى هذا المجال الثلاثة منهم.

لم يكن للمجال أي تأثير عليهم، لكنَّه منع الأصوات الخارجيّة من الولوج إليهم.

حدَّق الثلاثة في ليون.

‘ هذا سيمنع الأذان المتطفِّلة، قوموا بدعوتي إلى وجبة لاحقًا إن أردتم شكري ’

قام ليون بإرسال صوته في أذهان الثلاثة، كما تحدث بهزليّة.

من حديثه، فهذا يعني أنَّ المجال يمنع الأصوات من الدخول، و يمنعها من الخروج.

‘ لا تقلقوا، لم يسمع أحدٌ شيئًا بعد ما قالته الشقيّة بشأن إنهاء حياتها ’

بعد قول هذا، صمت صوت ليون، و تركهم ليتحدَّثوا بأريحيَّة.

“ أمَّا الأن … أشعر بصفاء ذهني ”

فتحت فمها كما تحدّثت بلامبالاة.

لكن الإثنان منهما عرف ذلك.

كانت يدها ترتعش قليلاً.

ذلك أوضح مدى صعوبة الحديث عن الأمر لها.

لم يكن ذلك لأنَّه مؤلمٌ لها، بل ذلك لأنَّها أول مرَّة تحكي عن نفسها لأحدٍ أخر.

لم تعرف كيف تتفاعل مع الأمر، لذلك تحدَّثت بطريقتها المعتادة.

“ أعتقد أنَّ الأمر هو شيئٌ أخر الأن؟ ”

نظر إليها في عينيها كما تحدّث.

ديو كان دائماً على هذا النحو.

لقد كان كلامه شرسًا مثل عيونه.

“ لا أعرف لماذا، لكن أشعر أنَّني أعرف ماذا أريد ”

رحلة كفاحها و ما عاشته في حياتها، لقد حكت كُلَّ شيئ.

بالطبع، لم تحكي عن والدها و والدتها.

كان هناك ما لا يمكن قوله بسهولة.

هذا غريب، فقط غريب.

هذين الشَّخصين الذين إلتقتهما اليوم فقط، شعرت بالتقارب معهما.

كان ذلك غريبًا، هم لم يعرفوا إسمها حتّى، لكن إستمعوا إليها بحرص.

سواء كان بسبب الثقة، أو ربَّما لأنَّها لم تعد تحتمل الوحدة مرَّة أخرى، فقد تحدَّثت الفتاة بلا تردُّد.

كان غريبًا، و في نفس الوقت كان طبيعيًّا.

“ في الواقع … أنا مثلك، لقد كنت طوال حياتي أعيش بعزلة و وحدة ”

فتح فرناندو فمه.

لقد عاش الفتى حياته بلا رفقة أو شخصٍ يعتمِد عليه.

كانوا مختلفين بكل تأكيد، لكن تقاربهم كان نفسه.

الخوف من الوحدة و العزلة.

من حينٍ لأخر، كانت الفكرة تعبر رأسه.

أصدقاء.

كان هذا شيئٌ لا يملكه الفتى، و لم تملكه الفتاة.

لم يعرفوا ماذا يعني الصديق أو ما هي قيمته.

تمنَّوا أن يحصلوا على مثل هذا الشخص الذي يسمّى بصديق طوال حياتهم.

لكن العالم كان قاسيًا ببساطة.

هكذا عاشوا حياتهم.

راقب ديو الإثنان الواقفين بصمت.

بعد أن حكى كُلٌّ منهما حكايته، وقع الصمت على المكان.

لحسن الحظ أن ليون قام بإغلاق الأذان المتطفِّلة عنهم.

هذه القصص لم تكن شيئًا يُحكى بسهولة.

البشر يمكن أن يكونوا قساةً حقًّا.

سبب بؤس الناس كانوا أناسًا أخرين بقدر ما يمكن أن يكونوا سبب سعادتهم.

هكذا هي الحياة مع الأخرين.

“ لقد كنتم وحيدون لفترة طويلة ”

تحدَّث ديو ببطئ.

إقترب من الإثنان بهدوء.

كان هذا القتال يصل إلى نهايته.

بقي فكُّ العقدة عن قلوبهما لا غير.

لقد أعطى الفتاة سيفها.

لكن لم يأخذ سيفه، مازال يريدها أن تحمله.

واقفًا أمامهما، تأمَّل بصمت.

“ هل تعلمان؟ أنتم لم تعودوا كذلك ”

بمثل هذا البيان غير المتوقّع، إبتسم ديو بلطف.

“ … ماذا؟؟ ”

“ هاه؟ ”

كان الإثنان مرتبكان بطبيعة الحال.

كلماته كانت غير مفهومة.

“ لم تلاحظا؟ لقد بنيتما علاقة الأُخُوَّة بالفعل! ” ضحك ديو كما أجاب على شكوكهما: “ لقد قاتلتما معًا بنسق لا شائبة فيه، حتّى أنكم حميتم بعضكم بلا تردُّد، أكثر من أي شيئ، لماذا حكيتما عن أنفسكما بلا تردد لبعضكما؟ ”

كان كلامه صحيحًا.

في المقام الأول، لم يكن فرناندو سيحكي عن نفسه هكذا و بمنتهى السهولة، لكن شيئٌ ما في نفسه حثَّهُ على ذلك.

ليس هو فقط، حتّى الفتاة شعرت بالأمر.

شعرت الفتاة بعدم النفور من هذين الشابين، لسبب أو لأخر.

الثقة، و الراحة.

هذه عواطف جالت في قلوبهم بعد القتال و الحديث معًا.

“ هذا هو ما يسمّى بالصديق ”

“ … هذا كُلُّ شيئ؟ ”

“ نعم، هذا هو ”

“ فقط؟؟. ”

علامات الإستفهام في رؤوس الإثنين رفرفت.

“ … نعم؟ هذا هو فقط! في المقام الأول، لم تكن الصداقة معقّدة، مجرد أن تستطيع الإتِّكال على شخصٍ ما يمنح النفس الراحة ”

“ إنَّه شخصٌ تثق به، تدعمه و يدعمك، تحميه و يحميك، هذا هو ببساطة ”

“ لكن الأمر ليس سهلاً، منح الثقة في هذا العالم ليس سهلاً ”

“ على أي حال! ”

بعد النظر للأخرين لفترة، إلتفت للإثنين الواقفين.

“ أجيباني الأن! ”

كان سؤاله لا يزال بلا إجابة.

كما لو كان ينتظره للسؤال، أجاب فرناندو فورًا.

“ لقد كنت دائماً محتاراً بشأن ما أفعله في حياتي … لكن الإجابة تشكَّلت عندما تمَّ الكشف عن موهبتي ”

“ ما إعتقدته أسوء أيّام حياتي، في الواقع ربَّما يكون أفضلها ”

“ الشعور بسيفي … هذا هو ما أريده ”

كان في عينيه نفس التصميم الذي كان عنده طوال حياته.

لكن كان هناك فرق.

على عكس كل المرَّات السابقة، فقد كانت عيونه صافية.

كان هذا هو اليقين.

“ اومو، جيد، هذه الإجابة، أنقشها في قلبك، فهي ستدُلُّك عندما تضيع ”

أومأ ديو برأسه كما لو كانت كلماته مرضية.

إقتربت الفتاة بحرج من ديو.

لسببٍ ما، كان ما تريد قوله محرجًا لها، و لم ترد أن يسمعه أحدٌ سوى المعني بالأمر.

كما لو أنَّه فهم ما يحصل، مشى فرناندو بعيدًا.

“ سأترككما لتتحدَّثا بأريحيَّة ”

حتّى مع رحيل الفتى و بقائهما وحدهما، مازالت الفتاة قريبة من ديو، كما لو كانت تريد الهمس له.

لم تعرف كيف تتصرَّف، إعتدى عليها شعور بالإحراج فقط.

“ لقد عشت حياتي بلا يقين دائماً … ”

فتحت فمها بصعوبة، بينما تحدق لأسفل.

لم تستطع حمل نفسها على النظر في عيني ديو.

“ اااه … هل هذا صحيح؟ ”

لم يعرف هو بنفسه أين ينظر، لذلك حكَّ رأسه و نظر لأعلى، قبل أن تلتقي عيناه بليون.

كان لديه ميول للتراجع بسبب الإحراج.

‘ ماذا تفعل أيها الوغد! لا تبتعد عنها، سأشيح بنظر الجميع، لذات تصرف جيّدًا!! ’

‘ هاه!!؟ منذ متى صرت محبًّا للنصح أيها اللقيط؟! ’

‘ ما شأنك؟! إفعل ما قلته فقط! ’

بالطبع سأكون، حياتي منوطة بالأمر، من يهتم ما يحصل لها! لكن سأتلقّى العواقب لو لم ينجح ذلك الأحمق في إحلال العقدة من قلبها!

تذمّر في ذهنه كما لو كان يشتكي، لكن كلماته لم تصل لأحد.

كلن فرناندو يقف بجانب لويد الجالس، و الذي على ما يبدوا ينظر إلى ديو بنظرة غير سارَّة.

بااه! هذا الوغد…! أنظروا إليه و هو يتحدث مع فتاة محرجة، و يتصرف بخجل؟ هاه؟ تبًّا لك أيها اللعين!

شعر لويد بالخيانة لرؤية رفيق الكفاح الخاص به يتحدث مع فتاة، بينما هو جالس مع ذكر.

سقط الدموع من عينيه.

الحياة ليست عادلة.

طقطقة.

طقطق ليون أصابعه و أصبح المجال المُشوِّه للفضاء أكثر ضبابيّة.

الشخصان داخله أصبحا غير مرئيين على الفور.

الأن، لا الأذن تسمع، و لا العين تبصر.

“ اممم ” الفتاة، إستجابة لكلام ديو، أومأت برأسها و هو لأسفل.

“ لكن أنت معاكس لي تماماً، دعني أسأل مرَّة واحدة، أرجوك أجبني بصدق ”

بعد الوقوف لفترة، رفعت الفتاة رأسها.

كانت وجوههم قريبة جدًّا.

كان ديو أطول من الفتاة، لذلك نظر إلى الأسفل، بينما الفتاة نظرت لأعلى، لكن لم ينفي ذلك مدى قربهما.

كانوا بشكلٍ حرفي على بعدِ بضع بوصات عن بعضهم البعض.

وجهها كان أحمرًا كغروب الشمس.

هل كان ذلك صدفة، أو عن عمد؟ بدأت الرياح ترفرف بشعر الفتاة.

عيونها الميتة سابقًا كانت صافية.

جميلة.

لم يرى ديو فتاةً أجمل من هذه الفتاة في حياته.

في عينه، هو لم يرى شخصًا أجمل منها.

سواء كان شعرها الأشقر الذهبي.

سواء كانت أعين الكرستال الحمراء الخاصة بها.

أو حتّى وجهها المشوّب بالإحمرار، كان كل شيئٍ فيها جميلاً.

كان يشعر بالحرج حقًّا.

هل كان في موقف كهذا من قبل؟

بكل تأكيد لم يحصل!

هو كان سيَّافًا طوال حياته، و لم يكن مهتمًّا بالنساء.

ماذا لو كان قد إختبر تجارب الحياة و أصبح حكيمًا و ناضجًا جداً بالنسبة لعمره؟

كان لا يزال شابًا في مقتبل العمر!

على عكس ليون، هو لا يزال ذو دمٍ حار!

“ اللعنة …! أشعر أنَّ أحداً ما يشمت بي الأن … ”

شعر ليون بالقشعريرة و إلتفت يمينًا و يساراً.

ضحكت لوسيا في موقفه، كان هذا الشاب مضحكًا.

هي الأن متأكدة.

“ هو لا ينوي شرًّا للأكاديمية ”

كان سبب ما فعلته هو أن تقيس نوايا هذا الشاب.

لم تكن تخطط للمكر أو أي شيئ، كانت فقط طبيعتها الطيبة هي ما قادها للحاق به.

هذا هو فقط.

“ … تفضلي ” فتح ديو فمه بهدوء لتهدئة نفسه.

أراد تجنُّب أعينها الصافية، لكن شعر أنَّ هذه إهانة لعزم الفتاة، لذلك بقي يحدق بها.

وقعت البيئة في صمت.

مهما طال الصمت، لم تبتعد الفتاة، و جمعت أفكارها.

“ لماذا أنت واثق جداً من سيفك، ألا تراودك الشكوك أنك قد تعيش في عزلة يومًا ما؟ ”

“ … ألست خائفًا؟ ”

كانت كلماتها مقتضبة، لكن خرجت بصعوبة.

بحسب إجابته، كانت العقدة في قلبها ستنفك أو ستصبح متشابكة أكثر.

“ خائف؟ بالطبع أنا كذلك! ” ضحك ديو من سؤالها ببساطة.

كانت إستجابته مختلفة عن ما إعتقدته الفتاة.

كانت تتوقع شيئًا على غرار: أنا لست كذلك! الخوف شيئٌ غبي! أو شيئٌ مشابه.

لكنه إعترف بسهولة أنَّه خائف.

بالطبع لم تفهم الفتاة على الفور.

هكذا هو الطموح.

كان هذا شيئًا سيمر به الجميع يومًا ما.

عندما يسعى الناس لشيئٍ ما، كانوا يخافون من اليأس و عواطف القلق و الحزن النَّاشئة من ذلك الطموح.

السعي لما يمكن تحقيقه بيقين يجلب الراحة للنفس.

هذا هو الرَّأي السائد في العالم.

لكن ذلك ليس كل شيئ.

لا يمكن الحكم على الأشياء بنظرة أحاديّة.

الحياة معقدة و صعبة للبعض.

و الحياة بسيطة و سهلة للبعض الأخر.

هل كانت القدرة أو الحظ هو ما شكَّل الفرق؟

هذه رؤية خاطئة تمامًا.

كان الأمر منوطًا بكيف نرى الحياة نفسها، كيف نرى الأخرين، و كيف نرى أنفسنا.

لا توجد حياةٌ صعبة، فقط من يراها صعبة موجود.

لا توجد حياةٌ سهلة، فقط من يراها كذلك موجود.

“ أليس الأمر مخيفًا؟ العيش بقلق و عدم يقين حول ما يفعله المرء، هل سيحقق هدفي يومًا ما؟ هل سأموت قبل أن تشهده عيني؟ ماذا لو حققته، ماذا بعد؟ ”

“ هذه الأسئلة ستصبح أشياء يومية يجب على المرء التعامل معها عندما يملك هدفًا، الأمر يصبح واضحًا أكثر كلما كان الطموح أكبر ”

“ أنت تقول مثل هذه الأشياء المحبطة لكن … لماذا تبدوا سعيدًا؟ ”

هو غير مفهوم.

هذا السَّيّاف الشاب، كانت تصرُّفاته غريبة.

له من عتيِّ القوّة ما يهُّزُّ العالم، لكن لا يتفاخر.

بمثل هذه الموهبة، لا توجد شكوك أنَّه سيصبح الأفضل في العالم.

كان هذا مؤكدًا تماماً.

لكن كان سعيه شيئًا محطِّمًا للفؤاد، فهو غير مؤكد.

سعى الناس طوال حياتهم لليقين.

لو كان شخصًا أخر، كان سيمشي للمسار المتوقع للأحداث، و يستمتع بملذَّة كونه الأفضل.

لكن هذا الشخص …

كان يسعى للعكس.

“ هل كان ذلك واضحًا؟ ”

إبتسم بشراسة كما كانت عيناه.

إقترب وجهه من الفتاة، حتّى كادت تتلامس وجوههم.

على الرجل فعل ما على الرجل فعله!

لا وقت للشعور بالآحراج!

“ أنا خائف من أن لا أحقق طموحي، هذه حقيقة، هل تعلمين حقيقة قاسية أخرى؟ هذا الخوف سيلازمني دائماً، طالما أنا حيٌّ أُرزق، فهذا هو ”

تلاقت الأعين.

أعين الفتاة كانت صافية كما لم تكن من قبل.

التساؤل فقط ما بقي.

ليس الخوف أو القلق، فقط الفضول.

عينا الفتى الشاب كانت كما هي دائماً.

شرسة، لا قلق أو مخاوف، لقد كانت حادَّة.

أعينه بدت حادة كالسيف.

“ مع ذلك، هل تعتقدين أنكِ ستمضين قُدُمًا بدون مثل هذا الشعور؟ ”

“ … بدون هذا الشعور؟ لا يمكنني المضِيُّ قُدُمًا؟ ”

أليس الإنسان بحاجة للدافع للقيام بشيئٍ ما؟

تقول لي أنَّ الخوف الذي يهرب منه الجميع هو الدافع؟

كيف هذا؟

لم تدحض الفتاة كلماته، و لم ترد ذلك، أرادت فقط سماع ما عنده.

“ الصخرة تتجمَّع عليها الطحالب لأنَّها ثابتة، تتحلَّل الجثث لأنها قابعة في مكانها ”

“ مهما كانت روعة المرء و مدى مواهبه أو ثقته، لو عاش في رخاء فهو بنفسه سيتراخى، هذه هي سموم العيش بيقين ”

“ لن يقبل الجميع هذه الحقيقة، الخوف و الإحباط هو ما يُحرِّك المرء بشكلٍ أسرع، في واقع الأمر ”

“ هل لهذا أنت …؟ ”

“ نعم ”

أجاب بشكلٍ قاطع.

نظرت إليه الفتاة لفترة، قبل أن تنزل رأسها.

حرّكت الفتاة يديها ببطئ.

عناق.

لماذا، كيف، متى.

لم يسأل الفتى شيئًا.

بقي واقفًا معها فقط.

عانقته الفتاة.

هي بنفسها لا تعرف لماذا، لقد أرادت فقط ذلك.

لم يدفعها بعيدًا.

لقد تركها تفعل ما تشاء بتلك البساطة.

دفنت الفتاة رأسها في صدر الفتى.

كان جسده يشعرها بنفس ما شعرت به من سيفه.

لقد كان يشعرها بالأمان.

“ كما تعتقدين، أنا سعيدٌ لأنَّني خائف ”

“ إنَّ ذلك يعني أنَّني لست خاملاً، طالما هذا الخوف و عدم اليقين يلاحقني ”

“ هذا ببساطة معناه أنَّ الطريق لم ينتهي بعد ”

“ لهذا لستُ متردِّدًا، حالما تركت شكوكي و قطعتها بدلاً من الهروب أو قمعها، إرتاح قلبي ”

“ القبول هو مفتاح البصيرة. ”

الفتى تحدَّث عن ما جال في خاطره.

“ هل كانت إجابتي مرضية؟. ”

للإجابة على كلامه، زادت الفتاة من عانقها، و دفنت رأسها أعمق في صدره.

كانت متعبة تماماً.

“ أنا … لا أعرف ماذا أريد فعله في حياتي ”

“ لطالما تظاهرت بأنَّ الأمر لا يهُمُّني، لكن ذلك عاد لعضي في النهاية ”

لقد تأٓكل فؤادها ببطئ منذ صغرها بلا أن تشعر.

كانت لامبالية دائماً، لكن عدم المبالاة تلك نهشتها من غير إدراك منها.

عندما لا تبالي بمَشَاكِلِك، فهذا لا يعني أنَّها ستختفي.

إنَّك فقط تدفنها بعمق داخلك.

لم يتِمَّ حلُّ أيِّ شيئ، المشكلة مازالت باقية.

الطريقة الوحيدة لِلإعتِياد على العزلة هو قبولها كحقيقة لا مفرَّ منها.

وفاة والدتها و والدها، لقد كانت دائماً حزينة على الأمر.

لكن ماذا يمكنها فعله؟ لم تكن سوى فتاةٍ صغيرة.

كان قبول وفاة أهلها كثيراً عليها لتحمُّله وحدها، و هكذا، أغلقت الفتاة عواطفها.

أو هكذا ظنَّت.

أيدي دافئة عانقت جسدها البارد.

كان الشتاء لا يزال حاضرًا.

بما أنَّ المكان بجانب البحر، فقد كانت البرودة أعلى من الأماكن الأخرى.

“ هكذا هي الحياة دومًا، يجب علينا المضي قُدُمًا مهما حصل، هكذا ينموا الإنسان ”

طمئنها الفتى بعناق.

لم يعرف كيف يتصرَّف، لقد قام فقط بما يتبادر لذهنه.

العناق هو وسيلة فعَّالة لتهدئة الأخرين.

ذلك ساعدها على الهدوء قليلاً.

“ بعد أن أريتني سيفك … لقد جال الأمر في ذهني ”

“ لقد حقَّقت أخيراً هدف حياتي، لم تعد هناك أعباء أحملها ”

الحركة الأخيرة في تقنية سيف والدها، لقد قامت بإتقانها.

كانت حركة بسيطة، لكن إفتقرت دائماً لشيئٍ ما.

اليوم، لقد عرفت ما هو النُّقصان.

كانت الحركة تفتقر للأساس.

الرجوع للأصل، بدلاً من بهرجة الحركات الأخرى، كان يجب على المرء أن يكون صادقًا مع طبيعته، و يُسائل نفسه.

لم يعد هناك سببٌ للعيش الأن.

يمكنها الراحة أخيراً.

لكن ذلك ترك فراغًا عميقًا في قلبها.

ملأها الشعور بالوحدة.

كان يمكنها التخلي عن حياتها الأن.

لم يترك جسدها ديو مهما أرادت.

لقد تشبَّثت به بقوَّة.

رد الفتى عناقها لا غير.

هذه هي معركتها الخاصّة، و لا يمكن لأحدٍ إنقاذها سوى نفسها.

الفتاة التي فقدت أبويها.

مهووسة السيف.

المكافحة مع سيفها.

و.

الفتاة التي عاشت وحيدة.

هكذا كيف لخّصت حياتها المأساويّة.

هل ستنتهي هنا؟.

حتّى لو بقيت حيّة، ماذا يمكنها فعله بعد هذا؟

لم تكن تعرف، هذه الفتاة ضائعة بشأن كيف تعيش.

“ ماذا بعد؟ من أجل ماذا يمكنني العيش؟ أنا لا أدري … أنا بصراحة لا أعرف … ”

كان صوتُهَا ضعيفًا.

الفتاة خائفة، هذا ما بدا من صوتِهَا.

“ ما هو إسمك؟ أنا إسمي هو ديو أنتاريوس، دورك ”

تربيتة.

مدَّ الفتى يده، و كشكش شعرها النَّاعم بهدوء.

وقف معانقًا لها، يربِّتُ شعرها لبطف.

سأل ديو سؤالاً كان يجب أن يسأله قبل أيِّ شيئ، لكنَّه قاله في نهاية الحديث.

نعم … هو لا يعرف معاملة النساء في الحديث جيداً.

على أيِّ حال!

“ تشاي … تشاي نايون ” [1]

همست الفتاة بإسمها بهدوء.

“ إسمكِ جميل، إذا كنتُ أذكر، فهو يعني النجمة الصغيرة؟ يناسبك حقًّا ”

“ آممم ”

أومأت برأسها في حضنه، كانت الأن تشعر بالخجل.

نعم، فقط لأنَّه مدح إسمها، شعرت بالخجل.

هذه الفتاة … إنَّها ميؤوسٌ منها.

لقد تشابه الإثنان حقًّا بطريقةٍ ما.

بقي الإثنان في صمتٍ مريح.

كان الهدوء و السكينة هو ما ملأ العالم حولهما.

الأصوات في الخارج لا تصل إلى هنا.

فقط الصمت ما سيطر على المكان.

“ تشاي نايون، هل قرّرتِ ما تريدين بعدها؟ أم أنتِ مرتبكة؟ ”

العقدة في قلبها تمَّ حلُّها، كما لو كان عن عمد، سألها ديو بمهارة.

“ أعتقد هذا … ”

لأول مرَّة منذ سنوات، إبتسمت الفتاة.

“ آاااه … هل ستقولين ما هو أم … ”

مرتبكًا من إستجابتها، تحدث ديو بعدم يقين.

“ أريدك معي ”

“ …… هاه؟ ”

الأن، ماذا قالت؟

معها ……

هذا ما قالته، صحيح؟

صحيح؟؟

“ ا-الأن … ماذا قلتِ؟؟؟ ”

“ سيفك، كيف سينتهي مسار سيفك، كيف ستكون رحلتك، أنا أريد أن أراها ”

كما لو كانت غير مرتبكة، تحدّثت الفتاة بصوتٍ واضح.

لقد عاشت حياتها في عدم يقين، و الأن، ستعيش في عدم يقينٍ أخر.

من هدف، إلى هدفٍ أخر.

ما يدفع المرء للمضي قُدُمًا هو عدم اليقين.

هذا ما قاله لها ديو، لقد أرادت فهم ذلك بنفسها.

“ أريدك أن تكون معي، أريد أن تكون مرشدي في حياتي ”

“ المعنى الجديد لحياتي … أريدك أن تكون معنى حياتي و هدفي ”

“ أريد أن تكون دائماً أمامي ”

كسيّاف، و كشخص.

أنا أريد أن تكون هناك من أجلي.

“ هذا … يا له من إزعاج ”

تنهّد ديو بهدوء، و شدّد على عناقه للفتاة.

بقي الإثنان هكذا، حتّى فقدت الفتاة الوعي في أحضان الفتى.

2024/10/11 · 17 مشاهدة · 2749 كلمة
نادي الروايات - 2025