الفصل 28: إمتحانات تحديد الفئة داخل الأكادِيمِيَّة (5)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تميل الحياة لأخذ منعطفاتٍ غير متوقعة غالبًا، و لا تسير الأمور كما تشتهي أنفُسُنا.
في حينٍ تكون قضايا هائلة، كحريقٍ يأتي على بغتةٍ في منازلنا، و يحرق عزيز أملاكِنا و أحِبَّتِنا.
و حينًا أخرى تكون صغيرة، كالقلق من نزول المطر فجأة في يومٍ مُشمِس.
الكثير و الكثير من الأمور غالِبًا ما تحصل على غير ما نرغب.
هكذا فقط هي الحياة.
في مثل تلك المواقف، ما لنا من مخرج سوى الكِفَاحِ و الإتيانِ بالحلولِ.
بدلاً من البكاء على ما فات و شرِبَ منه الزَّمَنِ، الأفضل التكيُّف مع التَّيَّار و جَعلُ الموقِفِ حَسَنِ.
قضيتهم كانت بسيطة و غير مثيرة للإهتمام.
عندما تطوَّعت الأميرة لوسيا لمطاردة ليون، لم يستطيعوا رفضها بِلَا مُبَالاةٍ تامَّة بسبب منصبها عالي المقام.
رغم ذلك، السبب الأكبر كان لأنَّهُ — على الأغلب — لن يتصاعد الموقف.
كان موقفها كأميرة بمثابة رادع لكي لا يتهوَّر ليون كثيراً، لذلك أمر ديوس إمساكه و توبيخه.
كانت قضية غير مهمة.
بالطبع، لم يعني ذلك عدم وجود أجنِدة خفية في القضية.
لم يستطع الأستاذ المشرف ديوس بسبب منصبه، التحدث عَرضِيًّا مع ليون، لذلك كان بحاجة لعذر لكي يحادثه على إنفراد.
كل ذلك بسبب أنَّه قد يكون المفتاح.
سليل الجيل السابق للشَّفَقِ الأقدم.
قال المدير أنَّه سيحضر إلى هنا مع رفاقه.
العالم كان على وشك دخول عصرٍ جديد.
هذه معلومة لم تخفى على كبار المسؤولين.
كان ليون و أصحابه قطعة مهمة في مجرى التَّغيير، لذلك أراد تأكيد ما إن كان هو أم لا.
هل هو سليل ذلك الشخص؟
مع موقفه الوقح جداً، أصبح لدى لديوس عُذرٌ لكي يمسك به و يُحادثه بدون أذانٍ تتطفَّل.
لقد إستوطن أوغاد كايرو و نانمان في هذه الجزيرة بعمق، و تلك كانت مشكلةً عَوِيصَة، لذلك لم يستطع التقرُّب من ليون بلا مبالاة.
كانت هناك حاجة لعُذرٍ مقبول.
مع ذلك، للأسف، ذهبت الأمورُ جنوبًا بدلاً من الشمال.
بينما يفحص الأساتذة الطلبة، كان ليون يقف في وسط مجموعة من الأشخاصِ حامِلي المناصِبِ العُليا.
بينما هي جالسة على الرِّمال، كانت الأميرة لوسيا تتلقٌَى العلاج من قِبل نائب ديوس.
دخلت في تفكيرٍ عميق، مُستمِعةً لكلمات ليون، بينما يشرح ما حدث.
قاموا بمطاردتي، أنا هربت.
قاموا بمهاجمتي، أنا قاومت.
بعد أن قمت بالدِّفاعِ عن نفسي، عرضت عليهم تحدي.
الأن أنا واقف، و هم على الأرض مستلقيين، فقد خسروا و أنا فزت.
ملخصٌ شديد، شديدٌ جداً.
هكذا كيف شرح نفسه.
بينما الأستاذ المشرف ديوس يسأل عن هذا و ذاك، يجيبه ليون بهذا و ذاك.
كان ليون ماكِرًا كالثَّعلب، و لم يكُن في كلامه أي شيئٍ خاطئ، بالنظر لعدم إجابة أحد بالنفي بين الضحايا.
كان من الواضح أنَّه يكذب، لكن لم يكن هناك دليلٌ دامِغٌ على ذلك.
إذا أخذنا الأدِلَّة من مسرح الجزيمة و الضَّحايا، فسيكون هناك أدِلَّة كافية.
المشكلة أنَّ الضحايا أبَوا الإعتراف بأي شيئ، مؤكِّدين صِحَّة كلمات ليون بكونِها صحيحة.
ماذا حدث لجعلهم يصمتون؟ هل هو التهديد و الخوف؟
كان من غير المُرجَّح، لأن هناك من يحكم عشيرة، و من يحكم دولة، و أبناء عائلاتٍ دوقِيَّة و أقماط حتّى بين الطلبة. [1]
هل هناك شيئٌ أخر؟
لم يكن أحدٌ من بين الحاضرين بأحمق، لذلك شكَّكوا بأقوالِ ليون.
لا، لم يصدِّقوه و لو قليلاً.
“ يا أستاذ، ألا تعرِف المثل القائل: ما يحدُثُ في الجزيرة، يبقى في الجزيرة؟ لا حاجة لكونِنا فضولييِّن كثيراً ~ ”
“ قد لا تعرف، لكن الجيل الشاب يهتمُّ بكبريائه كإهتمامهم بحياتهم الخاصَّة ”
“ لا يجِب على الكبار التَّدخُّل في مشاكل الصِّغار، أو أنَّ هناك ثعالب قديمة قد تتدخَّل ~ ”
في مواجهة الأعين المُتشكِّكة، لم يقل ليون الكثير، و ترك بيانًا كهذا للجمهور.
لم يفكِّر ديوس كثيراً في كلماته، فقد عرف تمامًا ما قصده ليون.
نظرًا للمعلومات المُجزَّأة التي حصل عليها، فهم ما ينوي عليه ليون بشكلٍ ما.
كان من بين هؤلاء الأشخاص الذين يقومون بالجري كالريح.
من المضيعة محاولة الحديث إليه الأن.
من الأفضل التركيز على إسعاف الطلبة و فهم ما يحصل بأنفِسِهم.
لما لم يلجأ للقُوَّة؟ كانت لديه أسباب عديدة.
الموقف لا يسمح، و ليس هناك عذرٌ كافٍ ما لم يشهد على الحقيقة كاملة.
لكن السبب الأكبر كان …
أنَّ الخصم قوي.
لقد كانت للحظات فقط، لكن كيف سيخفى ذلك عنه؟
العالم كان مختلِفًا في أعين الخبراء.
ثانية واحدة يمكن لها تقريرُ حياتك و موتك.
لذلك عرف بسهولة، كيف كان ذلك ممكنًا؟ مدى عدم واقعية الأمر، كل ذلك لم يهم.
الحقيقة الواضحة بسيطة، ليون قوي.
كانت تلك الحقيقة الوحيدة كافية لكي لا يهجم بتهور.
الآثار ستصيب الطلاب، بعد كل شيئ، إن قاموا بالقتال هنا.
هذا هو تأثير القوة.
بعد أن شهِد على ردود فعلهم، ضحك ليون بإستخفاف.
إن لم يُظهِر مثل تلك القوة الساحقة، هل كانوا سيدَّخِرون الوقت للحديث معه حتّى؟
كان من الأرجح القول، لا!
القوي فقط من له حقوق للحديث، النَّمِر لا يحذر من الأرنب، بل يفترسه!
قام ليون بإظهار القليل مِمَّا يمكِنُه القيام به، هذا سيجعل الأخرين حذرين في معاملته.
كان ذلك الحذر القليل كافٍ له لِفَرزِ قِطَعِه و الإنتهاء من هذه المهزلة.
“ بطريقةٍ ما، الموقف في صالحك، سيدي الشاب ليون ”
وقفت الفتاة بجانبه، كما دخل صوتها العذب أذنيه.
شعرٌ أبيض يُذكِّر المرء بالشتاء، و عيون تحاكي المجرَّة تلمع، كان في بؤبؤ العين لونٌ مختلط.
ليليث كرونوس.
لقد كان ينتظر هذه الفتاة.
معطفه كان معها، بعد كل شيئ.
“ هاهاها! أنا محظوظ دائمًا بعد كل شيئ، سيدتي الشَّابَّة! ”
كما لو يستقبل صديقًا عزيزًا، ضحك ليون بحرارة كما أجاب.
“ تواضعك يخجلني بحق، سيدي الشاب! أنى للحظ أن يفعل شيئًا في هذا الوضع؟ من الواضح أنَّ جبروت قُوَّتِك طغى على الجميع، صلاحك و تواضعك أعجب هذه الصغيرة! ”
بصقت ليليث بعض الهراء بينما تستقبله بحرارة، هي بدورها.
“ هيهيهي! أنى لَرَجَاحَةِ عقل إنسَانٍ أن تكون بهذا العُلِيِّ و الرُقِي؟ لقد كشفتني يا سيدتي الشَّابَّة ~”
رد كما لو كان يشعر بالحرج.
“ همف! أمامكِ ألف عامٍ لتجاريني في هذا يا شقية! ” ضحك ليون بشماتة أمام عيون الفتاة، و بكل وقاحة، رغم أنَّه لم يدلي بأفكاره علانية.
“ ثعلبٌ ماكِر … ” فكرت ليليث بينما تبتسم بغضب قليلاً، بينما تراقب البيئة.
كلماته المُضلِّلة للأساتذة كانت واضحة، كما لو كان يبحث في ردود فعلهم عن شيئٍ ما.
الأحمق فقط من لن يفهم كلماته.
كان من الواضح قصده، هل بين الحاضرين جواسيس لكايرو و نانمان؟
من الواضح أنَّ ما يحصل الأن كان عُذرًا للوصول لغايةٍ ما، ما هي تلك الغاية، هذا ما لم يكن معروفًا.
لم تتوقع ليليث الحصول على شيئٍ من محادثتهم في الأصل.
“ بما أنَّ دوري إنتهى … ” لمعت أعين ليون بضوءٍ غامض، بينما يحدِّق في لوسيا: “ فقد حان الوقت للحديث مع الشخصية الرَّئيسية هنا؟ ”
كما قال ذلك، تقدم نحو لوسيا و المعالج بجانبها، و تبعه الأخرون.
صادم و غير معقول.
لم يستطيعوا تصديق ما سمعته أذانهم، ما قالته الأميرة كان على عكس جميع توقُّعاتهم.
لقد أكَّدت بنفسها على صِحَّة بيانِ ليون.
شرحت بالتفصيل كل ما حدث.
من وقت هروبه، إلى وصولهم و هجوم البقية عليه.
لم يهاجم أولاً، لقد هجم على من حاول ذلك فقط.
و قد تفحصت ذلك بنفسها، لم يكن هناك سوى إصابتين خطِرتين، و ذلك يُعزى لكونهم حاولوا فعل المثل لليون.
لكي يخرج من الموقف بدون الإساءة كثيراً للشخصيات البارزة هنا، فقد عرض عليهم تحدي.
إن فازوا، فسيُسلِّمُ نفسه، إن خسِروا، فلن يُضمِروا له ضغينة.
فحوى التحدي كان غير معقول، لمسة واحدة و يخسر.
من كلماته السابقة، الجميع هنا خسِروا، بلا إستثناء.
لو كان قتالا، فقد يصبح قبول الأمر أيسر للعقول، لكن الأمر ليس كذلك.
مجرد لمسة كافية و ينتهي الأمر.
هذا … هذا …
فقط غير معقول!
كان للأمر وقعٌ أكبر على أعضاء مجلس الطلبة، فقد كانوا بدورِهم طُلَّابًا.
هل إستطاع أحدهم فعل ذلك؟ من الواضح الجواب، لم يكن لهم الجُرأة حتّى لمحاولة ما فعله ذلك الفتى.
لقد عرفوا حدودهم، كان لديهم تفاهمٌ تام بشأن ما يستطيعون فعله، و ما لا يستطيعون.
“ ر- رئيسة … هل لكِ القدرة على القيام بذلك؟ ”
همس أحد الأعضاء لأوليفيا، بصوتٍ مذعور.
“ … أنا أعرف ذلك بمجرَّدِ النَّظر، ما فعله هذا الطالب، لا يمكنني القيام به ”
كان صوتها صافِيًا و واضِحًا، و لم يظهر ذعرها على وجهها.
لقد قبِلت حقيقة أنَّ هذا الشخص قوي بسهولة، و لم تُحبط.
منصبها في هذه المدرسة لم يكُن من فراغ.
التكيف مع مواقف الحياة غير المتوقعة.
لقد كانت أهم مهارة يجب إمتلاكها للعيش في هذا العالم المليئِ بالمكائد.
إكتفى ليون بالبقاء صامتًا.
تواصل بصريًّا مع ديوس و رئيس قسم الإغاثة.
وقف الثلاثة بلا تعابير، كما لو كانوا يُقيِّمون بعضهم.
بدا من السخيف لفتى مراهق أن يُقَيِّم أشخاصًا أكبر منه، لكن ذلك يحصل الأن.
كانت ليليث الواقفة خلف ليون عميقة في التَّفكير.
كيف ستتعامل مع ليون منذ الأن؟ لماذا كانت فضولية بشأنه؟ و كيف ستستفيد من الموقف الحالي؟
التُّروسُ في عقلها عملت بسرعة.
في النِّهاية، ظهرت إبتسامة خفيفة على شفتيها الرقيقتين.
همهمت بصوتٍ غير مهموم خلف ليون، بينما تنتظره لأكمال صفقاته الصغيرة.
لقد عرفت بالفعل ما هي هوية رئيس قسم الإغاثة، كلمات الأستاذ المشرف ديوس الغير مكتملة، و زِد عليهم القرائن هنا و هناك، ضع رشَّةً أخيرة من حكمها الخاص.
ذلك سيؤدي لإجابة واحدة، مدير هذه الأكادِيمِيَّة.
لقد كان متنكِّرًا.
مجيئه للسفينة للإجلاء … ذلك فقط أكَّد خطورة الوضع.
كان هناك العديد من الأعضاء المهمين في السفينة الضخمة، وفاة أحدهم فقط سيكون كارِثِيًّا، لكن موت الجميع؟
سيثور غضبٌ لا يُحتمل، و كان على أحدٍ ما تحمل اللوم.
من هو أفضل من هذه الأكادِيمِيَّة لتحمله؟ بطبيعة الحال كان أوغاد المملكتين سيُلقُون اللوم عليهم!
كان هناك عدة أسباب واضحة، لكن جميعها كان باهِتًا أمام السبب الأكبر.
الفوائد.
كانت فوائد الأمر عالية.
لم تتوقع ليليث أن يتدخل حتّى المدير في الأمر.
لكن بما أنَّه قام بالتنكر، فهذا يُظهِر أنَّ هناك أجنِدة خفية في القضية.
لقد شرح لها لوكي في وقتٍ سابق عبر التخاطر بعض الأشياء، و في المقابل، كان يجب عليها تقديم بعض المعلومات.
في البداية فكرت في تجنب الأمر و عدم الإهتمام به، لكن في اللحظة التي عرفت جُزءًا المعلومات، عرفت مدى أهميتها.
كان للأمر تأثير على القوى المستوطنة، بإعتبارها إبنة أقوى عائلة تجارية عبر الدولتين، فقد كان للأمر تأثير عليها أيضاً.
مخيف … المعلومات التي يحملها هؤلاء الأشخاص، و قُوَّتُهُم … لقد كان مخيفًا بعض الشيئ.
رغم ذلك … لم يسعها سوى إشتمام رائحة العملات النقدية.
كان هناك عملتان يتم تداولهما في العالم.
النوع العالمي، و النوع المحلي.
الأحجار السحرية التي تسمى: أحجار الإيجو.
كانت أحجارًا مشبعة بالطاقة السحرية تستخدم في تعبئة المخزون الناقص من الطاقة السحرية للمخلوق، تستخدم في الأسلحة، المركبات و وسائل أخرى.
و هي عملة يستخدمها الأشخاص الخارقين في جميع أنحاء القارَّة.
كانت هذه القارَّة ضخمة جداً.
إن قارنَّاها بكوكب الأرض، فقد كانت أكبر بقليل منه.
هذا هو مدى ضخامتها.
على أي حال، بالنسبة للإنسان العادي، حجر الإيجو الواحد يكفيه هو و أسرته للعيش لسنة كاملة برخاء.
كان لتلك الأحجار قيمة عالية، ليس فقط في التجارة، بل و في التدريب أيضاً.
كانت الأحجار السحرية أحد الشروط الأساسية للتقدم في الرتب، و حتّى لزيادة رتبة السلاح، فقد كان هناك حاجة إليه.
و هناك العملة المحلية، و التي تختلف بحسب الدولة: العملات النقدية.
كان هناك عملة تستخدم في معظم الدول.
لكن بشكلٍ عام، تستخدم بعض الدول علمتها الخاصة لكي لا تتدخل دولة أخرى في إقتصادها.