الفصل 3:مضى وقتّ طويل، أيها الأوغاد (3).
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
هذا الصبيّان اللعينان.
لماذا —على الرغم من كونهما مختلفين، يبدوان متشابهين كثيراً؟.
‟ لماذا ينظر للسماء كعجوزٍ حزين؟ ‟
‟ ألا تعرفين؟ عندما يكبر الشخص في العمر، فهو يصبح خَرِفًا ”
‟ … يا له من مسكين ”
‘ أنا أسمعكما! هل أنتما تتعمّدان هذا؟! أنا لست سهل التنمر كما أبدوا! ’
كما لو كان يعطي نفسه عذراً مثيراً للشفقة، فكّر بحزن على مأساته.
‟ بصرف النّظر عن ذلك، أنا ذاهبٌ الأن ”
قال ليون بينما يحدِّق في الأفق.
‟ إلى أين أنت ذاهب، سيدي الشاب؟ ”
‟ أيها الشقي، مازال لدي ما أسأل عنه، إلى أين؟ ”
ظهرت علامات الإستفهام على أوجه الإثنين و هما يحدّقان بالفتى الشاب.
ضحك الفتى بهدوء و لم يجب.
في اللحظة الّتي كانا يتسائلان بها ماذا بحق الخالق يحدث …
بااه!.
سووش!.
الرياح الهادرة ضربت المنطقة!
كان ذلك تأثير قفزة، صوت الإصطدام كان بفعل قدم ليون، عندما ضرب سطح السفينة ليطير.
قفزة عالية نحو السماء، كانت سريعة جداً لدرجة أنك لن تلاحظ.
عند النظر بعمق، يمكن رؤية الفتى يتشقلب في الهواء.
‟ هنـ... هناك شخصٌ ما في الجو! ”
‟ يا إلهي! ألن يكون لدينا يومًا واحدًا لعينًا مسالماٌ في هذه السفينة؟! باه! فقط أقتلوني و خلِّصوني! ”
‟ تباً للشرف! تباً لكوني نبيلاً، و تبًا للحفاظ على الأخلاق! فقط إجعلوا هذا يتوقف! ”
“ في ماذا فكّرتُ عندما أتيت لهذا المكان؟ هاه؟ ماذا؟ تريد الذهاب لأفضل أكاديمية؟ أنظر! حتّى العالم يقول لك توقف! اااه... ”
لاحظ بعض الناس شيئاً يطفو في الجو قبل أن يسقط.
ظنًا منهم أنهم قراصنة، أو شيء سيء، إنتشر الذعر.
الخوف السابق لم يختفي بعد، كانوا قد خرجوا من الكارثة فجر اليوم فقط.
بدأت العواطف المكبوتة بالتأجّج، و صاح البعض لتهدئة أنفسهم.
للأسف، لم يكن هناك بالنسبة إلى ليليث أو الرجل العجوز الوقت لتهدئة الناس، فهم مثلهم، كان على رؤوسهم علامات الإستفهام.
ماذا....؟.
ماذا حدث الأن؟ هل قفز هذا الفتى الشّقيُّ نحو السماء؟.
سلاش!.
صوت إصطدام، و بعده كان تطاير قطرات المياه.
يمكن للمرء التخيل، كان ذلك صوت شيئٍ ما يصطدم بالماء.
كان الصوت عالياً إلى حدٍّ ما، و ذلك لا يعني سوى أن الشيء الذي سقط في الماء كبير بعض الشيء.
يمكن رؤية قطرات المياه تتطاير في الهواء، و تقوم بتشكيل لوحة فنية جميلة.
لم يكن هناك وقت بالنسبة للإثنين، لكي يستمتعا بالمنظر الخلاب.
هل قفز في الماء؟ ماذا؟
هل يريد صيد السمك؟ في هذا الوقت؟
فكرة غريبة فكر فيها الإثنان، و لسببٍ ما، يمكن بسهولة تخيل ليون يفعل مثل هذا الشيء الأحمق.
سووش~!.
قام العجوز بضرب ساقه نحو الأرض الخشبية، و إندفع نحو مقدمة السفينة.
ليليث، كانت أكثر تهذيبًا، و قفزت برشاقة نحو المكان نفسه.
هبطت أجساد الإثنين برشاقة نحو الأرض.
إستخدم الرجل العجوز و الفتاة الشابّة الطاقة السحرية داخل جسديهما.
قاما بتخفيف سقوطهما نحو السياج الذي يمنع سقوط الأطفال عندما يقتربون من حافة السفينة.
هبط العجوز و ليليث فوق المقدّمة و قاما بملاحظة المنظر أسفلهما.
كانت المياه مضطربة قليلاً و يمكن رؤية الموج المتحرّك.
الماء لونه أزرق صافي، يشعر المرء بشعور بالدفء عند رؤيته، و مع ذلك فهو في نفس الوقت، يجعل الشخص يشعر بالبرودة.
كانت هذه أواخر أيام فصل الشتاء، لكنّ الجو مازال بارداً.
لم يكن أيّ من ذلك غريبًا، بدلاً من ذلك، المنظر أمام عينيهما كان أكثر غرابة.
خاطف للأبصار.
منظر بديع لشخص واقف.
قطرات المياه كانت تطفو ببطء في الهواء.
كانت تتساقط لأسفل بصورة بطيئة، لِتُشَكِّلَ ما يشابه قطرات المطر الساقطة في منتصف البحر.
كما لو أن الزمن يتباطئ نحو العدم.
عدد لا يحصى له من قطرات الماء.
عند النظر إلى أسفل ذلك، يمكن رؤية دوامة صغيرة تدور حول شيئٍ ما.
صبي في السابعة عشر من عمره يقف هناك.
مع شعره الأسود الداكن، مع عيونه الحمراء كالدماء، بينما تدور المياه مِن حوله، أصابعه كانت تلمس ثنايا شعره المبلل.
بدلاً من غرقه في المياه .... كان جسده فوقها.
لم يكن داخل المياه، و لم يكن خارجها أيضاً.
هل كان يطير؟ لم يكن كذلك، هل كان يسبح؟ لم يكن كذلك أيضاً.
في الواقع ... كان واقفًا على قدميه.
كما لو كانت المياه الصافية كالمرآة، لم يكن هناك تموج تحت قدميه.
على عكس الحركة العشوائية حوله، ما تحته كان مستقرًا كالأرض الصلبة.
بينما يغسل شعره، وقف الفتى على المياه كما لو كانت أرضية منزله الخاص.
لم يهتم بزيه أو قميصه المبلل، و قام بغسل شعره بإستخدام المياه التي كانت تطفو في الهواء.
و قد كان من الجدير ملاحظة، أنه على عكس مياه البحر، كانت المياه في الهواء منفصلة اللون عن البيئة، و كانت شفافة تمامًا.
كما يبدوا، تمت تصفية المياه و تم فصلها عن أي شوائب أو موالح بحرية.
شكله البديع و منظره الساحر، لسببٍ ما، لم تستطع ليليث نزع عيونها عنه.
الأفكار في الدماغ تسارعت.
أن يستطيع الوقوف فوق المياه هكذا ... ناهيك عن التحكم بالبيئة المائية حوله.
لم يكن هناك شكوك، هذا الفتى، إنه قوي.
يمكن حتّى القول، قوي حقًّا.
لو تم إعتبار الطاقة السحرية كالدم الذي يجري في الجسد، فيمكن قول، أن الجسد هو تجسيد لتلك الطاقة بحد ذاتها.
و على عكس الدماء، فالطاقة السحرية كانت شيئًا يتفاعل مع البيئة بطريقة معينة.
في هذه القارّة، كان هناك إختلافات ثقافية عديدة، حيث كان هناك أربعة ثقافات دون غيرها تهيمن.
بطبيعة الحال، إستخدام الطاقة السحرية و التسمية بذاتها، كانت تختلف من ثقافة إلى أخرى بين هؤلاء الأربعة.
لندع باقي القارة جانبًا في الوقت الحالي.
لنضع تفكيرنا نحو إتجاه الأكادِيمِيَّة التي هم ذاهبون إليها، و التي تقع جزيرتها في الحدود بين دولتين على خط الساحل، و الذي هو البرُّ الرئيسي.
الخط الفاصل بين شرق القارة، و جنوبها.
في الفاصل هناك، كانت الدولتين الأقرب لجزيرة القمر، حيث واحدة من أكبر أربعة أكاديميات في القارة، هما دولة كايرو، و دولة نانمان.
كايرو، حيث كان نظام نقاء الدم، و هناك ما يمسى بالفرق بين النبلاء و العامة، و كان ذلك مسقط رأس ليليث.
و الطاقة السحرية هناك، كانت تسمى بالمانا.
كان أسلوب القتال الرئيسي يقوم على العناصر المختلفة، مبارزة السيف، و ما إلى أخره.
و في الجانب الأخر، كان هناك نانمان، حيث كانت قرابة الدم، و نظام الطوائف يسود.
حيث — المحسوبية هي الأهم بالنسبة للعشائر، كما يقول المثل، القريب أهم من الغريب.
بالنسبة للطوائف، رغم كونهم غير متماسكين كالعشائر، فقد كان نظام الجدارة أهم، و يمكن قبول أي شخص بينهم.
كانت تسميتهم للطاقة السحرية ببساطة هي التشي.
بالطبع، كما يمكن للمرء التوقع، أسلوب القتال الرئيسي يقوم على فنون القتال، و الطاقة الداخلية.
من هذا المنطلق، حتّى مع النظام العام، فقد كان هناك أساسيات لا تتغير، حتّى عبر القارة بأكملها.
و قد كان ذلك — الموهبة، الرتبة، التقنيات، و أخيراً، الأدوات السحرية.
غير ذلك، فقد كان هناك إختلافات جَلِيَّة بين الدولتين.
يمكن القول، كان هناك تباين في كيفية إستخدام الطاقة السحرية من شخص إلى أخر، و مع ذلك، حتّى بين الإختلافات، فقد كان هناك دائمًا أساسيات يعرفها الجميع.
القدرة على التحكم بالطاقة السحرية، لقد كان ذلك من الأساسيات.
عندما يختار المرء النار كمسار قتالي، بحسب تقدمه و فهمه لمساره، ناهيك عن متغيرات أخرى — كدرجة الموهبة، ومرتبته، تقنيته القتالية و أدواته.
سيقوم، حسب قدراته، بشكلٍ طبيعي بتوليد النيران.
و مع ذلك، حتّى لو تم تشكيل البيئة المناسبة، فقد كان هناك حدود لما يمكن للشخص فعله بمساعدات خارجية، و هكذا، كان هناك حاجة لأن يكون الوعاء جيدًا.
الشخص — لكونه الوعاء، بحاجة للخبرة و التعامل مع الطاقة المحيطة به، ليصبح فهمه و تحكمه بقدرة مساره أفضل و أكثر وضوحًا.
لنأخذ على سبيل المثال شخصًا ما، لو قام بنفس ما قام به ليون، فسيكون هناك ضغط شديد على جسده.
ستكون النتيجة نزيفًا داخل أعضاء جسده، و ربما ضرر حاد في قلب الجوهر الخاص به.
قلب الجوهر هو المكان الذي تأتي منه الطاقة السحرية و يتم ضخها فيه، و وظيفته تشبه القلب.
و الأن، لنعد للموقف الحالي، و الذي قام به ليون إيڤينيوس.
كان ما يفعله يسبب العبئ للشخص، و بحسب مساره الرئيسي في القتال، إما أن يكون ما فعله أسهل، أو أصعب.
لنأخذ مسار النار على سبيل المثال.
كان من الأصعب الوقوف فوق المياه — و التي هي مشبعة بجوهر طاقة المياه، عندما يكون المسار الرئيسي للمرء هو النار.
لم يكن ذلك مستحيلاً، لكن الجهد المبذول كان أكثر مقارنةً بشخص يستخدم مسار أخر.
ناهيك عن المقارنة مع شخص يستخدم مسار المياه، و الذي يعتبر المياه موطنه الطبيعي.
بطبيعة الحال، إذا إستخدم شخص مساره الرئيسي و الذي يكون النار في منطقة مائية، فستقل الجودة كثيراً مقارنة بالوضع الطبيعي.
و في الجانب المعاكس، عندما يكون المرء قريبًا من الحمم، سيكون لمستخدم مسار النار الأفضلية.
و نظرًا لأن جوهر عنصر النار كان هو الأكثر عددًا و جودة في تلك المنطقة، فسيكون هناك تعارض مع جوهر العناصر الأخرى.
إذا كانت المسارات متعارضة، فبالطبع، الأفضلية ستكون للمسار الذي يمتلك جوهر أعلى.
و بالتالي — من منظور منطقة الحمم، ستقل فاعلية المسارات الأخرى كلما كانت معاكسة للنار.
كان ذلك صحيحًا نظرًا لكون المياه و النار متعاكسين.
من هذا، يمكن الإستنتاج، أن المسار الرئيسي الخاص بليون، قد يكون الماء، أو شيء متشابه.
عند رؤيته يقوم بتبليل شعره و مسح وجهه بالمياه، شعر الإثنان بالغباء.
العجوز، لم يشعر بالصدمة حقًا، و مع ذلك، كان يُظهِر تعبيرًا مصدومًا من الخارج.
كانت تعابيرهما مشوّبة بالصدمة.
نزع ليون سترة قميصه المدرسي، و بقي القميص الأبيض فقط، و الذي كان مبللاً.
شكله العضلي كان يظهر بشفافية قميصه قليلاً.
ضحك الفتى بسخرية في مواجهة تعابير الإثنين، و خاصةً ليليث، التي نظرت إليه بعمق.
“ يبدوا أن الأثار الجانبية كانت بسببها، هاه؟ ”
هذا غير متوقع، لكن مفيد أيضًا.
“ نظرًا لكون باقي الرحلة مملاً، سوف أسبقكم ”
ضحك بحرارة، كما قام بلفتة للمغادرة.
“ … السيد الشاب؟ ” كانت ليليث تميل رأسها قليلاً.
“ شقي، ماذا تقصد؟ ”
“ أنت تعرف قصدي ” نظر إليه ليون بعمق.
لم تفلت هذه المبادرة من عيون ليليث، و شكَّكَت في شيئٍ ما.
لكنه ليس الوقت بالنسبة لذلك.
“ اه صحيح، السيدة الشابة ليليث، لو لم يكن هناك مانع، أمل منك أن تعتني بمعطفي حتّى وصولك للأكاديمية ”
نظرَت نحوه قليلاً، قبل أن تبتسم، “ لا أمانع، سيدي الشاب ”
“ حسنًا، وداعًا! ”
بقوله ذلك، ضرب بقدمه المياه و ذهب لإتجاه الجزيرة.
سووش~!.
كما لو كان يضرب الأرض، إصطدمت رجل ليون بالمياه بقوّة و قفز قفزة عالية.
يا لها من قوة جسدية وحشية!
إصطدم الموج بالسفينة بقوة.
تحت أعين الجميع غير المصدّقة، قفز شابٌّ أسود الشعر كسواد الليل عبر المياه.
في كلّ مرّة تصطدم رجله بالمياه، كانت المياه تتطاير في الهواء.
عندما وصل لمسافة كافية، بدء في الجري بسرعة مثيرة للسخرية.
سووش~! سووش~! سووش~!
‟ باه! ما هذا! هل هو برمائيٌ أم ماذا! ”
تذمّر الرجل العجوز، لكنّه لم يُكَلِّف نفسه عناء اللحاق به، فهو سيراه في الأكاديمية على أي حال.
‟ هذا … شيئٌ نادراً ما يراه المرء، أليس كذلك؟ ”
إبتسمت ليليث بسخرية لنفسها كما فكّرت.
‟ عِوضًا عن ذلك، أعتقد أنَّ علينا تهدئة الرُكّاب؟ ”
‟ أعتقد هذا ”
إبتسم الإثنان لبعضهما بمرارة.
كان الوضع فوضويّاً بالنسبة للركاب.
إبن العاهرة هذا، لقد ترك لنا المشاكل حتّى النهاية.
بالعودة إلى ليون، كان يجري بسرعة هائلة نحو الجزيرة القابعة أمامه.
‟ ذلك العجوز الخَرِف، يبدوا أنَّه تنَكّر و إدَّعى بلقائي لأول مرّة ”
‟ جيد، هكذا لن يضع علي عناء شرح الوضع ”
‟ أمّا تلك الفتاة، ليليث كرونوس، ممّا أراه، فربّما هي من قادت الركّاب لبرّ الأمان و حافظت على عقلانيٌتهم، هذا يفسّر أيضاً نظرات الإعجاب التي تلقّتها ”
ناهيك عن إنجذابها المفاجئ نحوي.... نداء الكوابيس، لقد وقعت فيها.
حسنًا، ذلك الإنجذاب لم يكن له علاقة بالعواطف الشاعرية، و كان أكثر من ذلك فضول.
كان ذلك مفيدًا لخططه.
كان بحاجة لشريك تجاري، بعد كل شيء.
تذكّر مشهد الرّكاب ينظرون إليها بود و يبتسمون من أذن لأذن.
هذا يفسّر الكثير.
‟ألقيتُ بالطعم الأن، بقي أن تبتلعه السمكة ”
نظّم أفكاره و توجّهت أعينه ذات اللون الدموي نحو الجزيرة أمامه.
سووش-!.
تم جرف المياه كما لو أنَّ سمكة قرش تسبح على السطح.
الأكتاف منتصبة، الجذع العلوي يميل للأمام قليلاً.
تمّ شدُّ عضلات الجسد لتحمّل ضغط الهواء.
لننطلق أسرع!.
أعينه الحمراء القرمزية ومضت بضوءٍ لامع كما ضحك بشراسة.
‟ كواهاهاها! إنتظروني أيها الأوغاد! أنا قادم! ”
زاد سرعته للضعف على الأقل!.
أصبح يشبه القذيفة المدفعية!.
قفز!.
بعد أن رأى البرّ في الأفق، قفز بقوة نحو ما يبدو كمكان ترسوا فيه السفن.
يمكن بشكلٍ غامض رؤية مجموعة من الناس تقف هناك، ليس واحداً أو إثنين، بل مجموعة كبيرة.
قفز!.
قفز مرّة أخرى، لكن هذه المرّة بشدّة أعلى.
‟ مـ-ما هذا؟! ”
صرخ أحد الحشد عندما أشار بإصبعه نحو شيئٍ ساقط في السماء.
كان يسقط نحوهم بسرعة عالية!.
‟ إنـ- إنه شخص! يا إلهي! ”
إصطدام!!.
إصطدم ذلك الشيئ المسمّى ‟شخص” بقوّة نحو رمال الشاطئ القريب من مرسى السفن.
سوووش~!.
سحابة من الغبار إنتشرت عبر الأرجاء، الرياح الناتجة عن الإصطدام جعلت جلابيب الحاضرين ترفرف بعنف.
‟ إنـ-إنه خطر! إبقوا خلفي يا طلّاب! ”
قبل أن تختفي سحابة الغبار حتّى، تقدّم المعلّمين للأمام و أعادوا الطلّاب للخلف.
يمكنهم الإرتباك لاحقاً، عليهم الأن حماية الطلّاب.
في مكانٍ كهذه الأكاديمية، لم يكن مستغرباً أن يأتي القراصنة في أوقاتٍ نادرة لنهب الجزيرة.
أكديمية ضوء الهلال، أو أكاديمية ضوء القمر، سمّها ما شئت، كانت لها بيئة خاصّة بعض الشيء.
على عكس معظم الأماكن، فهي لم تكن تحت حكم الإمبراطوريّة، كانت مكاناً تعليميّاً مستقلّاً متعمدً في حالاتٍ عديدة على دخلهم و محصّلتهم الخاصة أكثر من تعاونات الإمبراطوريّة.
على أي حال، بما أنَّ العلاقات بين الأكاديمية و الإمبراطوريّة كانت غامضة، سواء كانوا على توافق أو بغضاء فهو غير معروف.
على الأكثر، كانوا حلفاءً يستفيدون من بعضهم البعض.
ذلك السبب في تجرؤ بعض القراصنة الحمقى بمبادرة الهجوم على الأكاديمية، فقد يستحصلون بعض الفوائد.
لكن لم يفكّر معظمهم في سبب وقوف هذه الأكاديمية بفخر رغم هدم إمتلاكهم دعم الحكومة بشكلٍ كامل.
لا تعبث مع الوحوش، هذه قاعدة مهمة يجب فهمها، و لم يفهم القراصنة الذين أتوا على مرّ الأعوام الماضية تلك القاعدة.
كان عدم الفهم ذاك هو سبب موتهم.
بصرف النظر عن أي شيئٍ أخر، إنقشع الغبار عن "الشخص" الساقط من السماء.
إبتلاع.
تمّ سماع صوت شخصٍ يبتلع ريقه، شحذ الأساتذة غرائزهم في مواجهة "الشخص" بينما يظهر شكله غير الواضح ببطئ.
… هاه؟.
شخص؟ لا، فتى شاب؟.
‟ آخخ، تباً، رأسي يدور، لقد بالغت حقاً في القفز هذه المرّة، كان عليّ التحكّم بوزن جسدي قبل الهبوط ”
سمع الحضور صوتاً منزعج خرج من فم الفتى.
بعد رؤية الزي الذي يلبسه الفتى، أرخى المعلّمون حذرهم قليلاً.
تقدّم أحد الأساتذة نحو الفتى الذي ينظف الغبار عن جسده و سأل مع إبقاء مسافة.
‟ أيها الفتى … من أنت؟ و لماذا سقطت من السماء؟ أكثر من ذلك كلّه، لماذا مازلت بخير بعد هذه السقطة؟ ”
‟ همم؟ ” حدّق الفتى في الحشد أمامه كما أمال رأسه بإرتباك.
‟ من تقصد؟ أنا؟ ”
'هل هناك شبح خلفك أم ماذا؟! لماذا تنظر ورءاك؟!'.
فكّر الأستاذ الواقف أمام ليون بصمت.
‟ نعم، أنت ”
‟ حسناً، من أنا؟ هذا سؤال يجب التفكير فيه بعمق، همم، ”
وضع الفتى يده على ذقنه كما سقط في التفكير.
'… هذا الشقي'.
لم تمضي ثوانٍ على حديث الفتى و أحسّوا بوقاحته بالفعل.
‟ صحيح، هل أجيب على من أكون أنا؟ ”
‟ … تفضّل ”
‟ أنا أكسجين ”
‟ ماذا…؟ ”
‟ أكسجين ”
‟ … سمعتك من المرّة الأولى، هل ترى هذه مزحة؟ ”
‟ أنا جاد، أنا لست شخصاً، أنا أكسجين ”
إنتشر الصمت على المنطقة.
لم يتحدّث أحدٌ لبضع ثوانٍ.
'دعني أمسك بك، و سأدعك تعرف ما هو الأكسجين الحقيقي!'.
حاول التقدم و خنق الفتى لكن أمسك به المعلّمون الأخرون.
‟ هيهيهي، إنها مزحة، مزحة، كنت أريد تخفيف الجوّ قليلاً بعد أن أحسست بتوتر الوضع ”
لوّح بيده بخفّة و ضحك، بدى كما لو أنَّه لم يرتكب خطأ.
‟ مزحة؟! تباً لك أنت و مزحتك، دعوني! دعوني أمسك بهذا الشقي! ”
في نوبة غضبه، قاطعه صوت الفتى كما لو أنَّه لم يلاحظ ما يفعله المعلّم.
‟ أنا هو الطالب المنتسب لهذه السنة، ليون إيفينيوس، سيدي المعلّم ”
قام بإنحناءة محترمة و قدّم إبتسامة مهذّبة كما قدّم نفسه.
تفاجأ المعلّم قليلاً كما سعل بحرج و أمر الأخرين بتركه.
‟ سعال، على الأقل لديك بعض الأخلاق ”
‟ أنا مؤدّب دائماً يا أستاذ، هاهاهاها ”
‟ هاهاها، يا لها من نكتة جميلة ”
‟ لم أكن أمزح، رغم ذلك ”
ضحك الإثنان لبعضهما بودّية قبل الصمت.
‟ على أي حال، هلّا تجيب على الأسئلة الأخرى؟ ”
قالت المرأة الواقفة سابقاً بينما تمسك الأستاذ الذي يريد خنق ليون و تمنعه بالإقتراب منه.
‟ حسناً، كيف سقطت من السماء؟ لقد أتيت عبر البحر قفزاً، لماذا لم أصب بأذى؟ لأنني قوي، قويٌّ جداً ”
أعلن بفخر.
هذا واضح! قل ما لا نعرفه، أيها اللقيط!.
كانت عيون الأشخاص هنا مشتعلة و هي تحدّق بالفتى الشاب الذي يضحك بلا هموم.
هذه الوقاحة يجب أن تنتهي هنا!.
تقدّم أحدُ الطلبة و تحدّث بجراءة نحو ليون.
‟ أنت، أمامك المعلّمون الأن يتكرّمون بالحديث معك، و بدلاً من كونك شاكراً، تتحدّث بوقاحة، ألست خجلاً من نفسك؟ ”
فتى وسيم بأجواء تشِعُّ نبلاً، خرج صوته الحازم لكن الهادئ بسلاسة.
إرتعشت شفتي ليون قليلاً.
أنظروا لهذا المخنّث؟.
فكّر الفتى الوسيم بينما تنضج منه أجواء الشخص الواثق.
كان من المفترض أن يرتبك ذلك "الفتى الوقح" بعد كلامه، كلّ ما عليه الأن هو جمع الحشود معاً و التحكم بزمام المحادثة و سينصاع الفتى.
في كثيرٍ من الأحيان، كان التحكّم في الحشود مهارة يجب تعلّمها، هكذا يمكن للمرء جعل الشخص ينصاع.
لكن يا للأسف، كان يتعامل مع شخصٍ لا يجب الحديث معه عن الأخلاق.
من كان ليون؟ لقد كان من نوع الأشخاص الذين جعلوك ترغب بتقيؤ الدم غضباً.
سأجعلك تلعن والدتك على ولادتها لك! يا أبن الساقطة المخنّث!.
بالطبع، هذا الفتى سيتعرّف على هذا الأمر بالطريقة المؤلمة.
‟ ماذا؟ خجل؟ هاه؟! من يتحدّث؟! أنت؟! ندع كلّ شيئٍ أخر جانباً، ألا تخجل من مظهرك الناعم؟! أنت تبدو كالفتاة أكثر من الفتاة نفسها! ”
خرج صوتٌ وقح و منزعج من فم ليون.
‟ فـ- فتاة؟! ”
‟ و تجرؤ على الحديث عن الأخلاق معي؟! ماذا؟! أكون شاكراً؟ وجهك أكثر بياضاً و نعومة من حياتي بأكلمها أيها المخنّث! لقد إعتقدتك فتاةً لوهلة! أغرب عن وجهي يا ذا وجه الفتاة! ”
تُرك الفتى عاجزاً عن الكلام.
‟ أيـ- أيها الوغد! ”
خرجت كلماتٌ نابيّة من فم الفتى بينما يحمرّ خجلاً.
‟ بفت! ”
كان يمكنه سماع الضحكات المكتومة من الطلّاب.
ليس أنت أيضاً يا أستاذ!.
حاول المعلّمون كبح جماح ضحكاتهم و إرتجفت أجسادهم.
تباً لك أنت و أخلاقك! أطفال هذه الأيام، بجدية!.
‟ يا إلهي! هل هذا الشيئ يجرؤ على شتمي أنا؟! أنا وغد، لكن ما أنت؟ هاه؟! لا أدري أناديك بأنتَ أو أنتِ، أو حتّى هؤلاء لن يكفيك! ”
بصق الفتى الدم من الغضب!.
باه! تباً لك يا أبن العاهرة، إن لم أقتلك اليوم فلن أرقد بسلام عندما أموت!.
كما لو كان مشهداً يكرِّرُ نفسه، كان يمكن رؤية فتى يمسك بسيفه و يحاول الوصول إلى ليون، لكن أمسك به الأخرون!.
‟ توقّف يا إدوارد! لا تندفع! ‟
‟ لا تدعه يصل إليك! سيعاقبك المعلّمون إن فعلت شيئاً له بدون ذريعة! ”
خفف الفتى المسمّى بإدوارد قبضته عن سيفه قليلاً، و أرسل وهجاً من الكراهية نحو ليون و ينظر إليه بغضب.
أوه؟ أنظروا لهؤلاء الأشقياء؟ يبدوا أنهم يجيدون إستخدام هذه الأشياء فوق رؤوسهم؟.
لكن للأسف، سيكون لديّ ذريعة لإخراج هؤلاء "الأوغاد" بعد قليل.
أنا أعتمد عليك يا أستاذ!.
‟ … حسناً، أعتقد أنَّ هذا كل شيئ، لدي خبر حزين يا معلّم، كنت أحاول تخفيف الأجواء لجعل تقبّل الخبر أقلّ صعوبة ”
كان المعلّم المشرف يرغب بشتم الفتى لكن عندما رأى مظهر الجدّية توقف.
أصبحت الأجواء صامتة، إبتلع بعض الأشخاص ريقهم و إنتظروا الفتى ليون ليتحدّث.
كان مظهره كما لو أنَّه يبحث عن الكلمات المناسبة لقولها
‟ كيف أقول هذا … ”
خرجت الكلمات من فمه بصعوبة، كان كما لو أنّه يحاول جاهداً إخراج الكلمات، و حتّى الأحرف.
كان للمعلّمون هاجسٌ مشؤوم.
لا تقل لي...
تمنّوا بصمت أنَّ شيئاً سيئًا لم يحدث.
‟ في الواقع، جميع الأشخاص في السفينة … إنهم … إنهم ”
أغلق المعلّمون أعينهم في صمت.
هذا أكّد شكوكهم، إنَّ ليون هو الناجي الوحيـ-.
‟ أحياء، إنهم أحياءٌ يرزقون ”
تغيّرت لهجته من الكئيبه نحو البهيجة بسرعة مخيفة.
إنهم أحياء، هذا جيد، كان خبراً جيداً و مفرحًا حقاً.
إنه خبرٌ جيد و لكن …
‟ أيها الطلّاب ”
إبتسم المعلّم المشرف، ديوس أورفيوس، بإشراق كما خرج صوته بلطف.
‟ إقبضوا على هذا اللقيط، حالاً ”
تجمّد الطلّاب للحظة و لم يفهموا ما قيل.
‟ ألم تسمعوني؟! إقبضوا إبن العاهرة هذا بسرعة! ”
تقدّم المعلّم المشرف ديوس للإمساك بليون قبل أي أحد.
لكن للأسف، تجنّبه ليون و إبتعد بسرعة.
تُرِكَ ديوس واقعاً على الأرض.
‟إيه؟! يا معلّم، كانت مزحة! ألا تتقبّل المزاح؟! إنهم أحياءٌ يرزقون لذا أليس هذا جيداً؟! ”
‟ إخرس! حالما أضع يديّ عليك سأريك ما هو المزاح! من يقبض عليه سأعطيه نقاطاً إضافيّة في الإمتحان بعد أسبوعين! هيا بسرعة! ”
إنتشر الصمت للحظة قبل أن يبدء الجميع بالتحرّك.
‟ إقبضوا عليه! أمسكو بهذا الوغد بسرعة! ”
‟ إبتعدوا عن طريقي! إنّه لي! ”
‟ سأمسك به أولاً! ”
‟ كيكيهاهاها! هذه هي الروح! أمسكوا بي إن إستطعتم يا صعاليك! ”
سووش!.
إنتشار!.
‟ آ-آآه! عيني! ”
‟ الرّمل! هذا الرّمل اللعين دخل فمي و حجب بصري! ”
دوى صوت صرخات الألم و الإرتباك.
إنتشرت سحابة من الغبار و ضربت الطلّاب، كان الأمر كما لو أنَّ لها وعيها الخاص.
عندما إنقشعت، لم يكن من الممكن رؤية ليون في أي مكان.
‟ إبحثوا عنه! بسرعة! لا يمكن أن يبتعد كثيراً! ”
‟ أ- أوتش! لا تدس علي! ”
لم يدّخر الحشد أي نظرة على الطلاب الساقطين و داسوا عليهم بلا رحمة لتمهيد الطريق!.
‟ لا يوجد يومٌ سلمي في هذه الأكاديمية اللعينة! حتّى في أول يوم! اللعنة … ”
فكّر المعلّم المشرف ديوس، بينما يرثي لنفسه بأسى و هو يحدّق في الطلّاب المجانين.
كانت هذه الأكاديمية تبدو كحشد عصابة قطّاع طرق أكثر منه أكاديمية مرموقة.
‟ سيستغرقون وقتاً قبل العثور علي بهذه الطريقة! ”
كان ليون جالساً فوق شجرة يأكل فاكهة بينما يستريح.
كانت المنطقة الجالس هو فيها كثيفة الأشجار.
من المفترض الأن أن يتِمّ إلهاء الطلّاب و المعلّمين بالبحث عنّي، هكذا لن يكون هناك أحدٌ يستقبل ذلك العجوز الخرف.
هيهيهي، تستحقُّ هذا أيها الوغد!.
‟ … بصرف النظر عن هذا ”
ظهرت إبتسامة سلمية على شفتي ليون كما إسترخت نبرة صوته.
‟ إلى متى تنوون الإختباء؟ ”
إنتقل صوته عبر الغابة، لكن لم يحدث شيئ.
كان الأمر كما لو أنَّه يتحدث للفراغ.
بعد الإنتظار لصمت لبعض الوقت، لم يحدث شيئٌ أيضاً بعد.
‟ يا له من ألم في المؤخّرة ”
قال ليون في إنزعاج قبل أن يحدّق فوقه.
أربعة.
كان هناك أربعة أشخاص يقفون بصمت في شجرة ما بجانب الشجرة التي جلس بها ليون.
كان شكلهم غير واضح بعض الشيئ بسبب ظلال الشجر.
كان المكان بارداً بعض الشيئ.
يمكن رؤية الثلوج في بعض المناطق و في بعض فروع الأشجار.
سووش~.
نسيم الرياح الهادئ مرّ عبر بشرة ليون.
‟ تسك، تسك، تسك، تدّعون الروعة بوقفتكم تلك؟ بجدية؟ ”
تنهّد ليون و قفز من فوق الشجرة.
حدّق بصمت في هؤلاء الأربعة الجدد.
‟ مضى وقتّ طويل حقاً ”
ضحك ليون بشراسة كما قال.
‟ آيا أيها الأوغاد ”
في صمت الصباح، الجو البارد ضرب أجساد خمسة أشخاص.
كان أربعة أشخاص بجانب بعضهم فوق شجرة، كلٌّ منهم يقف بسلاسة على فرع.
تحتهم، كان هناك فتى يبتسم بسخرية محدّقاً بهم في صمت قبل أن يبادر بحركة مباغتة.
قفز!.
قفز! قفز! قفز! قفز!.
‟ أنتم لن تمسكوا بي حيًّا أبداً! ”
‟ سنمسك بك أيها الوغد! ‟
‟ لا تدعوه يهرب! أموالنا بين يديه! ”
‟ أموالي! ”
هكذا، كان يكف جرى أول أيام الأكاديمية.
هكذا، كيف إلتقى الأصدقاء بعد مَضيّ وقتٍ طويل.
و بعد المرور بالشتاء الطويل، كانت علامات الربيع تضع بصماتها على العالم.
بإبتسامات على وجوههم، كان الإخوة يطيرون عبر الأشجار.
بالنسبة لهم، تلك كانت دلالة على مدى إشتياقهم لبعضهم البعض.
و رغم عدم قول أي شيء، فقد فهموا ذلك جيدًا، حيث في هذا العالم الخطير، شعروا بأهمية الرفقة.
لا يمكن لثروة العالم شراء ثانية واحدة من الوقت.
لتعويض الوقت الذي فات، حان الوقت لهم لنضر أجنحتهم في العالم.
و هذه المرة، كانوا سيفعلون ذلك معًا.
و ذلك كان ما يُسمّى، بعلاقة الإخوة.