51 - الفصل 51: الأشياء تبقى كما هي، لكن الناس يتغيرون (3)

الفصل 51: الأشياء تبقى كما هي، لكن الناس يتغيرون (3).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ضوء الشمس ألقى بِـ آخِر ظلاله على العالم، حيث بدأ الليل يلتهم البيئة شيئًا فـ شيئًا مُغرِقًا إياها في الظلام.

في هذا الوقت من اليوم، بدأ الطلاب و الأستاذة في العودة إلى مساكنهم بعد يوم عمل و إرهاق طويل.

كانت الراحة أساسية للمخلوقات، حتّى هؤلاء الخارقين لم يكونوا إستثناء.

داخل الغابة كثيفة الأشجار، أصوات حفيف الأوراق و عويل الرياح كان يتصاعد وسط الصمت.

حفيف … حفيف.

لمعت عيون رجل شاب في الظلام تحت ظلال الأشجار بـ بريق بارد، كان خلفه مجموعة من الأشخاص معه.

آذان غريبة عليها بعض الفرو، أنياب شرسة حادّة، عيون فضية تُذكِّر المرء بالذئب، الذيل المتمايل خلف ظهورهم في العادة كان ساكنًا بلا حراك.

كان هؤلاء هم أفراد قبيلة ذئاب العاصفة، لقد كانوا إحدى قبائل أنصاف البشر المسيطرين على الغابة الشمالية، حيث أن قبيلتهم كانوا جيرانًا لـ قبيلة ذئاب البرق.

كانت علاقة القبيلتين في العادة غير عدائية، حيث أن مصالحهم لم تكن متضاربة.

السبب الأكبر لـ عدم الصراع أنهم لا يستطيعون تحمل تكلفة الدخول في صراع، حيث لم يكونوا المسيطرين الوحيدين في الغابة رغم كونهم إحدى القوى الأكبر.

من هذا المنطلق، حافظوا على علاقتهم و كانوا حلفاء إلى حدٍّ ما.

مع تحالف الإثنين، كانوا ملوكًا للمكان بلا منازع، و كانت هناك علاقات بينهم و القبائل الأخرى، حيث قيدو بعضهم البعض.

لكن منذ مرض زعيمي القبيلتين في حادثة غريبة، أصبحت المشاكل أكبر، حيث أن الأسياد الشباب من النسل الرئيسي كانوا الوحيدون الذين يستحقون الزعامة.

كانت المشكلة هي أن الشباب — في طبعهم، أشخاص ذوي طموحات عالية و دماء حارَّة، و كانت القوة بالنسبة لهم هي ميزان كل شيء و الحل.

لم يكونو يفهمون عقلية الشيوخ في تقسيم الموارد و الصراع، حيث كان هناك مكائد و أساليب دبلوماسية في حل الصراعات.

بسبب هذا، كان هناك تنافس داخل كل قبيلة على وراثة منصب زعيم القبيلة، أغلقت القبائل الأبواب تجاه بعضها البعض خوفًا من هجوم الآخرين.

الرجل الشاب الواقف تحت شجرة كان إسمه هو راغنار، كان إبن أخ زعيم قبيلة ذئاب العاصفة، حيث كان والده هو شيخ كبير في القبيلة.

على عكس الآخرين، لم يكن مهتمًا بالمنصب، لقد كان يفضل أن يأخذ إبن عمه الذي هو صديقه العزيز ذاك المنصب، و هكذا، كان يدعمه في حملاته ضد إخوته الآخرين.

الصراع في الفترة الأخيرة بدأ يتصاعد داخل الغابة، حيث أنه كان هناك بعض المشاكل في الإتفاقية بين قبيلة ذئاب العاصفة و قبيلة ذئاب البرق.

حيث أنهما قبيلتان قويتان في المنطقة، كان صراعهما مصدر قلق للعشائر الأخرى، و كل قبيلة بدأت تختار جانبها من بين الإثنين، بطبيعة الحال، سيكون هناك عداء عندما يكون العدو واضحًا.

إذا كان هناك إنقسام في أطراف عديدة، التحالف سيكون له مصادر كثيرة، حيث أن كل العلاقات متشابكة، كان هذا ما يقيدهم و يمنعهم من مهاجمة بعضهم البعض.

لكن عندما كان هناك جانبان فقط للإختيار بينهما، يصبح الصراع هو الحل الوحيد!

كان راغنار في إنتظار إبن عمه غونار، حيث أخبره أنه قد وجد طريقة للتحالف مع قبيلة ثعالب النهر الأبيض.

كانت تلك أخبارًا جيدة، لا، إنها أخبار عظيمة!

قبيلة ثعالب النهر الأبيض هي قبيلة تعيش بالقرب من النهر الأبيض، حيث أن النهر يعتبر موقعًا إستراتيجيًا.

كان العبور منه صعبًا بسبب التيارات المائية، و التي كانت تتحكم بها تلك القبيلة، كانو سبّاحين ماهرين و قاموا ببناء خنادق يحتمون بها أثناء الفيضانات.

هذا يعني ببساطة أنَّ لهم المبادرة في الهجوم طالما يقومون ببناء أسوار في منطقتهم.

مع تحكمهم بتيارات النهر، كان الأمر مثل التحكم بطريق الإمدادات!

في معارك شخص أو إثنين، لا يهم، يمكنه فقط إستخدام وسائل أخرى، لكن في حرب كبيرة، كانت البيئة عاملاً حاسمًا.

كانت هذه نعمة غير متوقعة.

بعد سنوات من الجُمود، كانت صفوف الأعداء والحلفاء على وشك ترتيبها، حيث أن الصراع سوف يندلع بلا ريب!

“ … غونار ذلك الوغد، لقد فعلها حقًا ” إبتسم راغنار من الأذن إلى الأذن.

أن يستطيع غونار التحالف مع هذه القبيلة و ضمهم إلى جانبهم، حتّى لو كان الإبن الثاني، فقد كان هذا إنجازًا سيعطيه المبادرة!

بدأ القمر يسطع بـ نوره في العالم المظلم.

نظرَت عيون راغنار إلى القمر البديع فوقه.

كان هذا القمر غريبًا حقًا، عندما يراه الشخص، فهو قد شعرَ بالقرابة منه، و في نفس الوقت، شعور بالإنفصالية لا يمكن تفسيره يسيطر على فؤاده.

“ لقد كانت تجربة صعبة حقًا ”

لم يسعه سوى إطلاق تنهيدة.

الصراع و القتل، التحالف و تدبير المكائد، لقد أثقل ذلك قلب راغنار و جعله يرغب فقط بالإبتعاد عن كل هذا.

لقد كان شابًا يحب القتال و تطوير قوته، لكنه لم يكن يحب هذه الصراعات الملتوية، و لم يحب أن يكون مندفعًا أيضاً.

لقد كان هادئًا شخصًا ذو شخصية مباشرة، أقتل العدو، ساعد الحليف، بهذه البساطة.

“ وصلتَ بالفعل؟ ”

مع وقوفه بجانب أتباع إبن عمه و أصدقائه المحلفين، سمع راغنار صوتًا هادئًا من خلفه.

“ نعم، هذه الأخبار، فور سماعي إياها، كيف لن أسارع إلى هنا؟ أنت ستصبح الزعيم الشاب بالتأكيد إن قمتَ بالتحالف مع قبيلة ثعالب النهر الأبيض! ”

“ هاهاها، لا شيء مؤكد بعد، في الواقع، أنا لم أخبر أحدًا سوى الذين أثق بهم في هذا الأمر ”

“ هل ذلك بسببهم؟ ”

قام راغنار بمنع نفسه من الإبتسام في ملاحظة غونار حول ثقته به، و قام بإظهار شكوكه تجاه سرية القضية.

“ نعم، لم أرغب في أن يسمع إخوتي بذلك، حيث سيحاولون منعي بكل الوسائل! ”

عندما قام غونار بذكر إخوته، أصبح صوته باردًا.

“ لا عليك … ما فائدة التفكير في ما لا يمكن السيطرة عليه؟ من الأفضل التركيز على مهمتنا ”

“ أنت محق ”

حاول راغنار مواساة صديقه، حيث عرف أن التعمق في الأمر سيسبب في إنزعاجهم فقط.

“ لنذهب الأن، سوف أشرح في الطريق ”

يبدوا أن غونار كان مستعجلاً، حيث قام بوضع غطاء رأس عباءته على رأسه، و قفز نحو الأشجار.

قام راغنار باللحاق به، و الأتباع كانوا خلفهم.

سووش!

سرعة راغنار كانت هائلة، حيث أنه سبَق الأخرين، صوت الرياح إخترق آذانه بينما يحلِّق فوق الأشجار.

“ إذاً؟ ما هي وسيلتك لـ كسب ثعالب النهر الأبيض؟ ”

قام بإبطاء وتيرته، حيث كان الأن بجانب غونار.

“ … إنه أمر بسيط، في الواقع ”

“ ما هو؟ ”

كان غونار صامتًا لـ بعض الوقت، حيث لم يجيب على الفور.

“ … أوعِدني أنك لن تضحك ” تمتم غونار مع صوت منخفض.

“ هاه؟ لما سأضحك؟ ” كان راغنار مرتبكًا.

ماذا يقول هذا الأحمق بالضبط؟

“ فقط أوعِدني! ” قال غونار بفارغ الصبر.

“ حسنًا حسنًا، أعدك! ”

لم يفهم غونار بالضبط ما يحصل، لكنه تماشى معه على أي حال.

“ إبنة … زعيم قبيلة ثعالب النهر الأبيض … نحن واقعان في الحب ”

“ ماذا، حقًا؟! ”

هل سمعتُه جيدًا؟

هذا الوغد … لقد كان واقعًا في الحب؟

بقي راغنار صامتًا لـ بعض الوقت.

نظر إليه غونار بترقب، منتظرًا إجابته.

“ حسنًا … مبارك؟ ”

“ هاه؟ ”

“ لما أنتَ مرتبك؟ اوه … أنت تعتقد أنه شيء أحمق للوقوع في غرام فتاة من قبيلة أخرى؟ ”

“ … ليس كذلك؟ هذا ما يقوله الأخرون عندما يحاول أحد إثبات علاقته في القبيلة ” قال غونار غير متأكد.

“ و؟ لم يستطيعوا حماية حبهم لأنهم ضعفاء! لكنك مختلف يا غونار، إن أصبحتَ الزعيم الشاب للقبيلة، من سيجرؤ على معارضتك؟ ”

ضحك راغنار في مواجهة شكوك صديقه؛ “ حتّى مجلس الشيوخ سيفكرون مرتين قبل محاولة الحديث معك عن الأمر،ناهيك عن معارضتك ”

كانت عيون غونار مفتوحة على مصراعيها، كان في السابق يبدوا كما لو أنه شبه غير متأكد من قراره، لكن بعد سماع كلمات راغنار، أصبح ثابتًا على قراره.

“ … شكرًا يا صديقي ”

“ اوهوهوهو، لا شكر بين الآصدقاء، إذاً، هل ستستخدم ذلك لتوحيد القبيلتين عن طريق الزواج؟ ”

“ نعم، لقد حصلتُ على موافقتها بالفعل، و كان علي فقط جلب شخص ذو منصب آخر في قبيلتنا ”

“ بما أنني إبن الشيخ الأكبر، و علاقتنا كأصدقاء معروفة، ظهوري معك هناك مثل أخذ موافقة مجلس الشيوخ؟ أنت عبقري يا رجل! ”

في هذا الوقت، تباطأت وتيرة غونار قليلاً و أصبح صامتًا، جسده يرتجف قليلاً كما لو كان يمنع نفسه من الضحك.

بينما كان أمام صديقه، إستمر راغنار في الضحك معتقدًا أن صديقه محرج و سعيد بجني ثمار تعبه في الحصول على منصب زعيم القبيلة الشاب.

دندن راغنار لحنًا و هو يتخيل المستقبل المشرق الذي ينتظر الإثنين.

و في تلك اللحظة.

بام!

سمعت آذان راغنار صوتًا قويًا، قبل أن ينتشر شعور من الألم الحارق إلى ظهره.

“ هاه؟ ”

للحظة، لم يفهم راغنار ما حدث.

هل … تمت مهاجمتي؟

لكن كيف؟

لم يدرك عقله ما حصل.

سووش! سووش! بااك!!

موجة من الأسلحة كانت تطير في السماء قبل الإصطدام بجسد شخصٍ ما.

كما لو كانت تلك آلية تلقائية في جسده، ومض ضوء بارد في عيون راغنار و ظهرت الرياح العاتية في المنطقة.

سووش—! سووش—!!

الأسلحة التي كانت على وشك ضرب جسده قد تم صدها بموجة من الرياح التي تجمعت حوله.

هدير—!!

مع صوت الهدير من فمه كما لو كان وحشًا، تم توجيه الأسلحة نحو المكان الذي أتت منه.

بااااام—!!

بام! بام بااااام—!!

أصوات الإنفجارات تصاعدت في الغابة التي كانت هادئة.

تم تدمير الأشجار القريبة، الحيوانات الصغيرة المختبئة في جحورها و جذوع الأشجار تم سحقها إلى عجينة من اللحم.

كراك! كراك!

الأشجار التي لم تتدمر كانت تنهار و تسقط، بعد تحملها لسنين طويلة في أماكنها، تم اقتلاع جذورها بهذه البساطة.

“ سعال … سعال! سعال! ”

راغنار، الذي بقي على قيد الحياة بفضل ردود فعله السريعة كان يسعل دمًا.

شعرَ بالألم في ظهره، حيث كان عموده الفقري ظاهرًا قليلاً.

كانت تلك إصابة خطيرة بعض الشيء.

لو لم يقم بحماية جسده في اللحظة الأخيرة، لكانت إصاباته أسوأ.

لكن مع هذا … لم يكن ذلك ما يهمه.

عيون باردة تحدق نحوه، أشخاص عديدون كانوا واقفين بصمت، البعض أصيبوا بسبب هجوم راغنار المضاد.

“ سعال … ما … ماذا أنتم فاعلون! ”

كان الغضب واضحًا في عيونه، و رغم إصابته، لم يفقد صوته قوته.

لقد تجرأوا في الواقع على أن يغدروا به!

هل هم تحت سيطرة شخص ما، أم …

كانت الأفكار تتسارع في دماغ راغنار، حيث كان ينظر في الأنحاء لكشف ما يحصل.

“ … حتّى في مثل هذا الوقت، أنت تبحث عن مخرج، هاه … إنك شخصٌ مزعج بالفعل ”

صوت شخص هادئ.

لا، يجدر القول بأنه كان هادئًا، ومع ذلك، كان هناك برودة متسترة في صوته.

فوق شجرة سقطت على الأرض، جلس شخص يرتدي عباءة زرقاء غامقة اللون.

كان يضع يده على سطح الشجرة، بينما كانت يده الأخرى تمسك بفاكهة حمراء اللون.

لقد كان ذلك هو غونار.

عيونه الفضية حدقت في راغنار ببرود، و حتّى أكثر من ذلك، بـ نية خبيثة، و كانت تلك هي الرغبة في القتل.

لم يحتاج الأمر من راغنار سوى أجزاء من الثانية لـ فهم ما حصل.

“ غونار … هل هذا … ما أعتقد أنه ”

صوته كان غير واثق، بالأحرى، صوته غير مصدق، و لا يرغب بالتصديق.

كانت عيون راغنار واسعة، شعور مشؤوم تصاعد في قلبه.

“ لا يمكن … لا يمكن أن يكون هذا حقيقيًا! ”

لم يكن راغنار غبيًا أو أحمق، لقد فهم موقفه على الفور فقط من خلال النظر حوله.

الجميع يمسكون بالأسلحة، يحدقون فيه بلا مبالاة، غونار الجالس بهدوء.

من الواضح أنهم أرادوا قتله.

لقد فهم ذلك، لم يحتاج إلى معلومات أكثر، بالتأكيد، فهم ما يحصل تمامًا.

لكن!

كان هناك فرق هائل بين أن يفهم شخصٌ ما شيئًا ما، و بين أن يقوم بـ قبوله.

هل كان راغنار يصدق ما يحدث الآن؟

لم يصدق، لم يرغب بالتصديق، لقد أراد إنكار الأمر حتّى.

بينما كان يتدفق الدم من شفتيه، صرخ راغنار بيأس.

“ لا، لا، لا، من المستحيل أن يكون هذا صحيحًا! ”

عندما كان في الخامسة عشر من عمره، توفيت والدة راغنار أمام عينيه مسمومة مما ترك له ندبة عميقة.

تم الكشف لاحقًا أن خاله هو من قام بـ قتلها، في مواجهة الأدلة، أنكر خاله الحقيقة حتّى تم إعدامه.

بسبب تلك الحادثة، لم يعد يثق بالآخرين.

لم يكن يمتلك أي أشخاص يثق بهم في قبيلته سوى والده العجوز و غونار.

كان البقية في القبيلة إما يخافون منه أو يغارون بسبب قوته و موهبته.

كل من إقترب منه كان لهم أجندة خفية، لم يشعر راغنار بأي حزن من تلك الحقيقة، فقد كانت هكذا تجري الأمور في العالم.

لكن لم يعني ذلك أنه متحجر القلب، أراد أيضاً بناء علاقة متساوية مع شخصٍ ما.

لقد أراد راغنار شخصًا يمكنه وضع ثقته فيه، شخصًا يمكنه مناداته بالصديق.

ذلك الشخص لم يكن سوى إبن عمه غونار.

عاش الإثنان الصعوبات بالإعتماد على بعضهما البعض، و ساعده راغنار في تسلق سلم السلطة داخل القبيلة.

كان سعيدًا، رؤية صديقه العزيز يرتقي كانت كافية بالنسبة له لـ يشعر بالفخر.

أنظروا إليه، إنه صديقي.

مثل هذا الشخص الذي يرثى له، تريد منه قبول حقيقة أن صديقه الوحيد، كان يحاول قتله؟

هاهاها، ببساطة، مستحيل!

لماذا فعل غونار هذا، ألم يقم بمساعدته على طول الطريق؟

أي خطيئة قام بها، كي يقوم غونار بمثل هذا له؟

“ لما أنت صامت هكذا! أخبرني! أنا فقط لا أفهم، عقلي يستطيع إعطائي الجواب، لكن روحي و قلبي لا يمكنهم قبول هذا ببساطة! ”

ماذا كانت إجابة غونار على كلمات صديقه الأعز؟

إجابته الوحيدة كانت الصمت.

“ أقتلوه ”

كلمات بسيطة ومحددة.

سريينج!

حمل الجميع أسلحتهم، و بدون مفاجئة كبيرة، هاجموا راغنار ببساطة.

صرَّ راغنار أسنانه، و قام بالتكشير عن مخالبه و أنيابه.

لم يفهم الآن سوى شيئٍ واحد.

عليه قتل الأعداء.

“ آااااااه—!!!!!! ”

بـ عيون تراجعت للخلف مثل وحشٍ فاقد لهدفه، صراخ راغنار الغاضب تسبَّب في إهتزاز الهواء.

بام! بام! كراك! بااااك!

صوت الإنفجارات كان يرنُّ عبر البيئة، حيث تم عرض قسوة الطبيعة في أجمل صورها.

تحت ضوء القمر الساطع، يمكن رؤية شخص مصاب يقوم بتمزيق أعدائه في نوبة من الغضب.

الدماء كانت تصبغ ثيابه و البيئة كالنهر.

كانت حركاته مباشرة و بلا رحمة.

شكله كان كالوحش القاسي.

ومع ذلك … عيونه كانت دامعة بغزارة.

فقط عندما أصدر غونار أوامر قتله، قَبِل الواقع القاسي.

لقد تمت خيانته.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

سقط الصمت في المكان مرة أخرى.

جثث ممزقة في الأنحاء تناثرت دمائهم، العشب الأخضر تم تلوينه بـ لون قرمزي حيوي.

دماء من ماتوا كانت دافئة، لكن جثثهم الباردة المقطوعة هو ما تركوه في هذا العالم.

“ … حتّى النهاية تقاوم، أنت وحش بكل تأكيد ”

تمتم غونار و صوته مهتز قليلاً.

كان قراره سليمًا حقًا.

هذا الوحش يجب عليه الموت … أو قد يكون هو من يتم تمزيقه بـ هذه المخالب يومًا ما.

نظرت عيونه نحو مصدر هذا الخراب في المنطقة.

متكئًا على جذع شجرة ساقط، جسده مصاب بجراح بالغة.

عيونه ميتة و بلا حياة، الدموع السابقة تحولت إلى دماء، كانت ساقه اليسرى مقطوعة.

الجثث حوله كانت متناثرة كالدمى البالية، الدماء التي خرجَت من ساقه كانت تملأ المكان مثل البركة الصغيرة.

كان الأمر واضحًا و لا يحتاج إلى شرح.

بدون أي علاج، كانت هذه هي نهاية الأمر.

مستشعرًا نظرات شخصٍ عليه، حدَّقَ راغنار بضَعفٍ نحو ذلك الشخص.

يده اليمنى كانت مقطوعة، و كان يقف أمامه بعيون حذرة.

كما لو كان ينظر إلى وحش غريب، و ليس شخص من نفس قبيلته.

كان ذلك هو غونار.

“ لماذا … أنت قلت سابقًا ذلك، أليس كذلك؟ ”

بينما يمسك ذراعه المقطوعة، تحدث غونار بـ صوتٍ هادئ.

عندما أصبح متأكدًا من أنه لا أمل لـ راغنار بالنجاة، إسترخى غونار و بدأ بالحديث.

يمكنه علاج ذراعه، لكن ليس الأن، حيث مازال هناك ما عليه فعله.

لم يَرُدَّ راغنار عليه، عيونه الخالية من الحياة أصبحَت عاطفية قليلاً.

السؤال الذي لم تتم الإجابة عليه سابقًا، ها هي آتية إليه، لكن ذلك في لحظات موته.

هذه الحقيقة جعلت غضبه يتصاعد مرة أخرى.

فقط لماذا … بعد كل ما فعلته من أجلك، لماذا قمتَ برد الوفاء بالخيانة!

عيونه كانت تحكي كل شيء.

برؤية التعقيد في عيون راغنار، تنهد غونار بـ حزن.

“ في الواقع أنا … لم أرغب في فعل ذلك أيضاً ”

“ لا تمزح … لا تمزح معي … ” تمتم راغنار بضَعف شديد.

كان رد فعل راغنار متوقعًا، حيث أن غونار سيكون أكثر غضبًا حتّى من هذا إن كان في مكانه.

“ أنا لا أكذب … هل تعتقد أن علي الكذب في مثل هذا الموقف؟ أنت تموت بالفعل ”

“ ماذا عن … ماذا عن زواجك بإبنة زعيم قبيلة … ثعالب النهر الأبيض … سعال! ”

“ لقد كانت كذبة ”

لم يفهم غونار لماذا سألَ راغنار هذا السؤال بالتحديد، لكنه أجاب على أي حال.

كانت مجرد كذبة قام بـ نسجها حتّى يقوم بإستدراج غونار إلى هنا.

لقد قام بالتحالف مع معظم أفراد قبيلة ثعالب النهر الأبيض بالفعل، كان هناك بعض المعارضين، وكانت تلك مشكلة.

من أجل جعلهم مثالاً للآخرين، و في نفس الوقت، اقتلاع الأعشاب الضارة من جذورها، قام بالذهاب مع راغنار إلى هنا.

عندما يموت راغنار، لن يعود غونار إلى القبيلة، بل سيرسل رسالة يقول فيها أن راغنار تم إغتياله.

من سيتلقى اللوم؟

اللوم سيقع على قبيلة ثعالب النهر الأبيض، هذا سيجعلهم في عداء مع قبيلته.

رغم إصاباته، من أجل الإنتقام، سيذهب غونار وحيدًا و يواجههم وحده، كيف سيراه باقي القبيلة؟

بالطبع، سوف يشعرون بالغضب و يقاتلون بجانبه، أولهم هو الشيخ الأكبر، حيث أن هؤلاء الثعالب الأوغاد قتلوا إبنه!

في النهاية، ماذا ستكون النتيجة؟ سيتصرف الشيوخ في قبيلة الثعالب و يقومون بإلقاء اللوم بدورهم على من عارضوا التحالف، و سيتم تقديمهم إلى قبيلة ذئاب العاصفة كـ حسن نية لإعدامهم.

حتّى مع شعوره بالحزن العميق، من أجل القبيلة، سيقود غونار المفاوضات.

مع ذكائه و حكمته، سوف يجعل قبيلة الثعالب تخضع لـ قبيلته في تلك المفاوضات، هذا سيكسبه ميزة ساحقة و حتّى دعم والد صديقه العزيز الذي إنتقم لإبنه.

بلا أدنى شك، سيصبح زعيم القبيلة الشاب!

خطته هذه، لم يعرفها سوى زعيم قبيلة ثعالب النهر الأبيض، حتّى حلفاءه كانوا في الظلام.

“ … فقط لهذا السبب … قمتَ بكل هذا؟ ”

نظرَ راغنار حوله، الدماء المنتشرة في المكان، الأشخاص الذين كانوا حلفاء في وقتٍ ما كانت جثثهم متناثرة و مقطوعة.

“ لا تقل لي … هل قمتَ بإستخدامهم أيضاً؟ ”

الشعور بعدم الإرتياح إزداد، آبيًا الإختفاء من قلبه.

راغنار حدّق في هذا الشخص أمامه غير مصدق، هل كان يعرف غونار حقًا؟

مثل هذا الوحش الذي لم يذرف الدموع من أجل رفاقه السابقين، هل كان راغنار يعرفه؟

“ لماذا … لماذا تكبّدتَ عناء مصادقتنا إن كان مصيرنا هو التخلص مِنَّا في النهاية! فقط لماذا كل هذا العناء! ”

“ لأنني أريد القوة—!! ”

صراخ غونار كان كالهدير اليائس ضد العالم.

“ لأنني كنتُ ضعيفًا! أنت لن تفهم أبدًا! كيف ستفهم؟ أنت موهوب و قوي جدًا، خلفك الشيخ الأكبر، جميع إخوتي كانوا موهوبين أو لديهم داعمون خلفهم، لكن ماذا أمتلك؟ لا شيء، لا شيء! ”

كما لو أن كل ما حبسه الشاب في قلبه قد إنهمر مثل الفيضان، أصبحت عيون غونار حمراء بشدة.

“ والدتي كانت مجرد محظية من محظيات القبيلة بدون خلفية عميقة، لم يهتم بنا زعيم القبيلة أبدًا، لم أمتلك أحدًا سوى أختي، كانت موهوبة و أنا أحببتها أكثر من أي أحد، و أتعرف ماذا؟ تم تعذيبها بحجّة التدريب من قبل أحد الشيوخ فقط لـ ينتهي بها الأمر ميتة، لم يهتم زعيم القبيلة، و قال أنها غلطتها إن كانت ضعيفة ”

“ والدتي أصابها الحزن العميق، هل تعتقد أنها بقيت من أجل إبنها عديم الموهبة مقارنةً بإخوته؟ لقد فضَّلَت الإنتحار، تركتني أمي و أختي، من بقي؟ لا أحد! ”

“ كان يتم تربيتنا على التضامن و الأُخُوَّة، هاهاها…! أين البِرّ عندما قتلوا أختي، أين البِرّ عندما لم يكلِّفوا أنفسهم عناء دفن والدتي حتّى! في هذا العالم، لا شيء يهم غير القوة! ”

كانت عيون غونار باردة كالجليد، و كان يضحك كالمجنون.

“ … ما شأني أنا! أنا لم أخطئ في حقك يومًا، لماذا فقط عاملتني مثل الجميع، بينما كنتُ أتطلع إليك مثل أخي الأكبر! ”

فوجئ راغنار المصاب بشدة، لم يعرف أيًا من هذا، هل قامت القبيلة بإخفاء هذا كوصمة عار؟

لكنه لم يقبل ذلك ببساطة، مهما فكر في الأمر، من المستحيل أن تكون تعبيرات و تصرفات غونار كاذبة عندما يتعلق الأمر بصداقتهما، لماذا إذن؟

“ أخ أكبر؟ هيهيهي، ساذج، حقًا ساذج! ”

إبتسامة باردة شقت طريقها نحو فم غونار: “ بما أنني لا أمتلك لا الموهبة الكافية أو الدعم، ماذا بقي لدي سوى المثابرة؟ فعلت كل ما في وسعي كي أكتسب السلطة نعم، لقد تركت كل قيودي من أجل القوة! ”

“ فقط عندما أستخدم الأقنعة مثل البِرِّ و الصلاح، فقط عندما أتجاهل مصلحة الأخرين و أهتم بنفسي، فسوف أرتقي بلا ريب، عندما أستخدم وسائل مثل القتل و الإبتزاز، فقط عندما أكون بلا رحمة، فلا أحد سوف يفوقني! ”

“ هذا ليس أسلوب قبيلتنا! أنت فقط مثل المخبول! ما الفرق إذاً بينك و بين الوحوش، فقط لهذا السبب قتلتَ جميع رفاقك؟ أنت وحش! أنت وحش!

“ وحش؟ إذاً أنا أصبحت وحشًا، هل سأحصل على القوة إذا أصبحتُ وحشًا، إذا سأقبل ذلك بكل سرور! ”

“ مجنون … أنت مجنون … ” كان راغنار مرعوبًا.

برؤية رد فعل راغنار، ضحك غونار، كيف يمكن لمثل هذا الشخص فهمه؟

“ هل تتذكر والدتك الراحلة؟ لم يكن الشيخ من قتلها، لقد كان أنا، أنا من قتلها و ألقيتُ اللوم على خالك، عندها فقط ستبتعد عن الجميع، و سأستطيع التلاعب بك كما أشاء، فقط عندما أعطيك ما لا تمتلكه، سوف تثق بي بلا شروط! ”

في هذه اللحظة، عيون راغنار أصبحَت واسعة، كيف … كيف لهذا أن يكون حقيقيًا!

والدته، التي كان يحبها منذ الصغر، لم يكن خالها هو الذي قتلها، بل هذا الشخص أمامه، صديقه المقرب؟

هذا ببساطة غير معقول!

“ … أنت! ”

شعرَ راغنار بالغضب من خداعه هكذا، آنى له تحمل مثل هذه الخيانة ببساطة؟

“ مصدوم؟ إكرهني، إكرهني من كل قلبك، ماذا يمكنك فعله في النهاية؟ هاهاهاها! كل حياتك كانت كذبة، أنت قوي، لهذا فقط أردتك بجانبي، لكن لأنك قوي أيضاً، كنتُ أخاف من أن تغدر بي يومًا ما، لهذا أنت أمامي على وشك الموت ”

بدأت الدموع تخرج من عيون غونار بينما يضحك نحو القمر بحزن و جنون، “ أنت قوي، لكن ماذا؟ في النهاية أنا قد فزت! أنا قد فزت عليك! هاهاهاها—! ”

كان يضحك لدرجة أنه سقط على الأرض، لكن الدموع لم تتوقف، شيئٌ ما في قلبه تم كسره.

في هذه اللحظة، كان راغنار صامتًا، ينظر إلى الشخص أمامه بغضب، حسرة، كراهية و … حزن.

لقد عاش معه لفترة طويلة، مهما كذب غونار عليه، يمكنه كشف كذبته على الفور.

في هذه اللحظة، كان غونار حزينًا بائسًا.

“ رغم أنك قمتَ بضربي … الوحيد الذي تأذّى، لم يكن سواك أنت ”

أصبحت عيون راغنار باهتة، و إختفت جميع العواطف من قلبه، حيث أغلق عينيه بـ حزن.

هذه الخيانة كانت مؤلمة لـ قلبه و رؤية صديقه الوحيد هكذا … لقد كان ساعد ذلك في أن يفطر قلبه أكثر.

نحو الشاب الذي أغلق عينيه، نظر غونار إليه بصمت، ثم أغلق عينيه.

“ أنا … لم أقتل صديقًا قديمًا … لقد تخلصتُ فقط من عدوٍ جديد ”

فقط بعد وقتٍ طويل، فتح عينيه ، و عندها ، عاد الهدوء و إختفت آثار الجنون السابقة.

أخرج كرة صغيرة من جيبه، و وضعها في الأرض.

مشى غونار بعيدًا عن المكان، تاركًا الصمت يخيم من جديد.

بعد مرور ما يقارب العشرة دقائق.

بووووووم—!!!!!

إنفجر المكان بأكمله، مما أدّى إلى مسح جميع الأدلة.

فقط بعد التأكد، إختفى غونار حقًا و ترك المكان.

ــــــــــــــــــــــــــ

“ يا له من عرض ممتع لـ مشاهدته ”

عيونه الحمراء كانت وامضة تحت ضوء القمر.

كان ليون يحمل جثة شخص ما، بينما كان ينظر إلى الإنفجار الذي حصل.

من كان يتوقع أن يكون محظوظًا هكذا؟

لقد وجد للتو وسيلة تساعده في السيطرة على الغابة أسرع من ما كان ينوي.

بينما كان يحدق في راغنار الذي كان على وشك الموت، الإبتسامة شقَّت طريقها نحو شفتي ليون.

“ وحش، هاه؟ أنت لا تعرف ما يعنيه ذلك حتّى، لكن لا تقلق، أنا سوف أعلمك المعنى الحقيقي لما يعنيه وحش، هاهاهاها! ”

بينما كانت النيران القرمزية تضيئُ العالم كالشمس في غروبها، يمكن رؤية ظل ضخم مخيف يلقي بـ شكله على الأشجار.

لقد كان ذلك فتى شاب يقف فوق شجرة و هو يضحك.

أصوات الضحك كانت مثيرة للقلق، مما يسبب الرعب في القلب.

2024/11/25 · 15 مشاهدة · 3766 كلمة
نادي الروايات - 2025