52 - الفصل 52: الأشياء تبقى كما هي، لكن الناس يتغيرون (4)

الفصل 52: الأشياء تبقى كما هي، لكن الناس يتغيرون (4).

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

في الغابة حيث لم ينتهي الشتاء بعد، يمكن رؤية كوخ بسيط المظهر، لكن مع جانب ساحر له بين الأشجار.

على عكس البرد في الخارج، داخل الكوخ كان شعور بالدفئ ينتشر، حيث من الممكن رؤية مدفئة قريبة من كرسي الفتى الشاب.

كان جالسًا على كرسي، بينما تغطيه بطانية من وسط جسده و حتّى ساقيه، مستمتعًا بالدفء في هذا الشتاء البارد.

إبتسامته كانت مليئة بالسلام.

“ هممم … إذاً، كيف أستفيد من هذا الشخص الأن؟ ”

على عكس أفكاره تمامًا.

كان الشاب أحمر العينين جالسًا بالقرب من جثة شخص ملفوف بالضمادات، حيث كان مستلقيًا في السرير بلا حراك.

ضوء الشمس لم يكمل ظهوره بعد، حيث كانت آخر بقايا الليل موجودة.

لقد بزغ الفجر.

لم يمتلك ليون مسكنًا ثابتًا، و كإجراء مؤقت، قام بإستخدام إيجو بيت المسافر للسكن.

كان ذلك الإيجو هو ما يستخدمه الرَّحَّالة عبر أسفارهم في العالم، كان من غير الواقعي النوم في العراء، حيث الوحوش و الأخطار منتشرة في جميع الأماكن.

هذا الإيجو يتشكّل طبيعيًا في بيئات خاصة بعض الشيء، أو يتم صقله من قبل شخص ما.

مثلاً، هناك إيجو الكهف الصغير، و كان يتشكل في رواسب صخور الكهوف القديمة لمدة 30 عامًا قبل أن يصل لمرحلة البلوغ، ويصبح جاهزًا للاستخدام.

في الجانب الآخر، هناك الإيجو الذي يستخدمه ليون، إيجو بيت المسافر، و كان هذا الإيجو هو نوع فريد، حيث كان شكله يتغير بحسب شخصية و خبرات مستخدمه، و كان له متطلبات عالية بعض الشيء في صقله.

لكن مهما كانا مختلفين، تشارك النوعين من الإيجو في نقطة معينة، إستهلاك الطاقة السحرية و الإرادة للعيش.

كانت متطلباتهما للإستخدام بسيطة، عندما يتم الاستخدام، هناك حاجة لكمية معينة من الطاقة السحرية، و إن لم تكن كافية، يتم اقترانها مع الإرادة و العواطف و الأفكار.

ما هي الكمية المطلوبة، ما هي المدة الكافية؟

كان ذلك يختلف بحسب الإيجو، حتّى الذين من نفس النوع كان لهم اختلافات، لذلك كان جواب ذلك غير معروف حتّى يتم إستخدام الإيجو المستهدف لفترة معينة.

كانت هذه هي المخاطر الكامنة في هذه الأدوات، حيث أن بعض الإيجو يمكنهم إلتهام إرادة المستخدم لإيقاظ وعيهم الخاص.

إن كانت علاقة الشخص و الإيجو جيدة، لا بأس.

لكن في حالة وجود عداوة خفية؟

يمكن تخمين الباقي بسهولة.

“ مع ما جمعتُه من معلومات، دخل زعماء قبائل ذئاب العاصفة وذئاب البرق في حالة مرض مجهول، و السادة الشباب يتنافسون في قيادة عشائرهم … و الجميع يختار جوانبهم، هذا يعني أن الحرب في الغابة على وشك الحدوث ”

هذا يفسر الكثير.

على ما يبدوا، كانت الأكاديمية خائفة من دخول الطلاب في قلب الصراع من غير قصد، لهذا تم إلغاء القِسم الثالث من الإختبار.

لماذا لم يقوموا بإبادة أنصاف البشر هؤلاء فقط؟

“ ليس جميع البشر و الوحوش أعداء، ناهيك عن أن النظام الطبيعي السائد في الغابة الشمالية سيقع في الخراب إن قاموا بذلك، قبائل الوحوش هم من كانوا يرسون أساسات التوازن في المكان، إبادتهم تتطلب موارد و تضحيات غير ضرورية ”

كان ليون فضوليًا قليلاً، ماذا سيكون موقف الأكاديمية تجاه صراع القبائل؟

“ هذا الشاب هو الإبن الوحيد للشيخ الأكبر في قبيلة ذئاب العاصفة، موته سوف يسبب الكثير من التداعيات، حيث كان الأحمق الأخر غير مدرك أن معظم أسباب خوف القبائل الأخرى منهم كان بسبب موهبته الوحشية، و مع إختفائه، يمكن للسادة الشباب الآخرين التألق ”

بسبب خوفه الذي لا معنى منه و غيرته، أغفل غونار عن تلك الحقيقة الواضحة.

“ لكن مهلاً، علي شكرك بدلاً من ذلك، صحيح؟ ”

بينما كان يجلس على كرسيه الهزَّاز، متأرجحًا للأمام و الخلف ببطئ، حدَّقت عيون ليون في الشاب المصاب الذي كان نائمًا.

رغم نومه العميق، لم يمنع ذلك الدموع الغزيرة من التدفق عبر عينيه.

كان على الأغلب يلوم نفسه.

فقدان والدته الذي لم يعرف حقيقته، فقدان صديقه العزيز، الذي تبيَّن أنه كان هو عدوه.

حقائق مثل تلك أكبر من أن يتحملها معظم الناس، و لا علاقة للعمر بالأمر.

“ بالنسبة لي، كانت رؤية مشاهد مثل هذه حيث يقتل الأقارب بعضهم البعض أمرًا طبيعيًا، لكن ليس بالنسبة له، لا بد أن هذا يثقل قلبه ”

منذ بداية حياته، كان اللون الأبيض هو ما يتذكر ليون رؤيته.

لم يكن هناك ذكريات عن وجه الأم أو الأب، فقط أشخاص يرتدون اللون الأبيض ينظرون إليه بلا عاطفة.

مع مرور الوقت، تعلم أن يصبح بلا عاطفة أيضاً.

في الحالات الطبيعية، شخصٌ مثل ليون لن يفهمه أبداً.

و لكن، لا تسري أمور الحياة في إتجاه واحد فقط.

الحوادث تنشأ في بعض الأحيان، و يرى الناس أشياءً جديدة.

تنهد ليون قليلاً.

يمكنه فهم ألم هذا الشاب المسكين.

لكن هذا كل شيء.

لم يعني فهم ليون له أنه يتعاطف معه.

إن كان يريد الإستفادة منه و السيطرة على المكان، كان بحاجة لإخراجه من بؤسه أولاً.

إن تخطى راغنار هذا الأمر، فسوف يرتقي نحو آفاق جديدة.

ربما يجد حتّى معنى جديد في حياته.

إن لم يتخطى الأمر ....

الأفضل له أن يبقى ميتًا.

“ عديم الوجه، أعرف أنك هنا، أظهر نفسك ”

بعد إغلاق عيونه لفترة من الوقت، فتح ليون فمه.

“ أوامرك، مولاي ”

خارج إيجو بيت المسافر الذي كان الأن على شكل كوخ بسيط المظهر قليلاً، انتشر الضباب في المنطقة.

عندما انقشع الضباب، شخص كان يرتدي قناع أبيض الشكل ظهر، حيث كان نصف راكع.

العيون وراء القناع كانت مزيجًا بين الأحمر والأسود، شعره كان فضي اللون.

“ هل نشرتَ أخبار قدومي للآخرين؟ ”

بينما كان يتحرك عبر كرسيه للأمام و الخلف قليلاً، سأل ليون بصوت هادئ.

آممم ~ هذا الكرسي مريح جدًا، أكاد أذوب …

إبتسامة مريحة شقَّت طريقها نحو فمه.

“ نعم يا مولاي، قاعة الضباب، وحدة الشيطان المجنون، قاعة القمر الأسود، مبنى طبيب الحقل الأصفر، إذا قمنا بـ تنحية الفروع الأخرى خارج الجزيرة، فـ جميعهم على عِلمٍ بقدومك و ينتظرون أوامرك ”

“ جيد، هل هم بصحة جيدة؟ آمل أنهم لم يقوموا بإصدار أي جلبة ”

“ … الجميع بصحة جيدة يا مولاي، البعض كانت دموعهم تتدفق بغزارة، و البعض كانوا يريدون إقامة إحتفال بعودتك، غير ذلك، لم يتم إصدار أي مشاكل ”

“ هيهيهي ” ضحك ليون قليلاً، “ أعتقد أنني أعرف من بكى بغزارة، سوف اضايقهم بشأن ذلك لاحقًا ”

“ مولاي، إن سمحت لي، هل لي بالإنضمام إليك في هذا؟ ”

“ همم؟ هل ربما أتعبوك لتلك الدرجة؟ ”

لم يقم عديم الوجه بالإجابة، لكنه أومأ برأسه كما لو كان مرهقًا.

“ أعتقد … لا بأس بذلك ”

“ شكراً لك يا مولاي ” أصبح صوت عديم الوجه أكثر إشراقًا قليلاً، “ إذاً، ما هي أوامرك لي؟ ”

“ هذا الشاب القابع خلفي، هل تعرف من هو؟ ”

“ … أليس هذا هو إبن راينار، الشيخ الأكبر لـ قبيلة ذئاب العاصفة؟ ”

“ صحيح، في رأيك، ما سبب حالته هذه؟ ”

“ هل ذلك نتيجة هجوم من العدو أم حرب داخلية؟ لا … من المستحيل أن تغفل قاعة الضباب عن مثل هذا الأمر، إذاً فهو ضحية للخيانة ”

“ سريع الفهم كعادتك، هل يمكنك تخمين الخائن؟ ”

“ كان هناك تحركات مشبوهة من قِبلِ الإبن الثاني لـ زعيم القبيلة، بما أنه الوحيد الذي كان قريبًا من إبن الشيخ الأكبر، هذا يجعله الأكثر إحتمالاً لفعل مثل هذا الأمر ”

“ من الصعب توقع هذا، أليس كذلك؟ كنتُ أراقبهم سرًا حتّى أبيدهم و ألقي باللوم على قبيلة ذئاب البرق، و بالطبع، كنتُ سأقتل أبناء ذئاب البرق أيضاً و أفعل المثل ”

فهم عديم الوجه خطة سيده، قال بجدية “ هذا سيترك الغابة في حالة من الفوضى، مما يمنحك يا مولاي فرصة لكي تستولي على صفوفهم وسط الإرتباك في ضربة واحدة قبل أن تتدخل القبائل الأخرى، لكن من كان يتوقع ”

“ كان هناك مثل هذه المؤامرة من قِبل ذلك الشاب الأحمق بالفعل ” ضحك ليون بحرارة.

“ هل … لهذا السبب قمتَ بإنقاذه يا سيدي؟ ”

“ أنت تفهمني بالفعل، نعم، أنا أنوي جعله حاكم الغابة تحت إمرتي، فـ كما ترى … أنا أكره الضجة في المكان الذي أعيش به ”

“ سيتم التخلص من الضجيج كما ترغب يا مولاي ”

لم يحتاج ليون إلى ذكر مقاصده كي يفهمه مرؤوسه.

“ هل آخذه نحو طبيب الحقل الأصفر لشفاء جراحه الأن؟ ”

“ نعم، لكن لا تقم بتوصيل ساقه المفقودة على الفور، هناك ما أرغب بتأكيده، غير ذلك، تعامل معه وفقًا لـ حكمك الخاص ”

“ سمعًا و طاعة ”

خرج ليون من منزله المؤقت، طاف بجسده في الهواء، تاركًا أوامره الأخيرة.

مع إختفاء ليون، انتشر الضباب و ابتلع المنطقة.

سووش ~

مع موجة من الرياح، إختفى البشر من المنطقة، تاركين المنزل فارغًا.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

كراك!

الدمية أمام الفتى الصغير تحطّمت، و تم قطعها إلى ثلاثة قطع متناثرة في الهواء.

بام! بام! بام!

كما لو كان غير راضٍ بعد، قام بِرَكل بقايا دمية التدريب نحو الهواء، و بتلويحة من مخالبه، تم تقطيع البقايا إلى قِطع أصغر.

حتّى بعد الإنتهاء من التدريب، الإنزعاج لم يختفي.

كان لا يزال غاضبًا.

بعد مرور بعض الوقت من الصمت واقفًا، شعرَ الفتى بالفراغ.

عندما يختفي الغضب و الانزعاج، يلاحظ الناس أفعالهم، رؤية نتيجة أفعالهم تلك تترك لهم شعورًا غير سار دائماً.

عندما نظرَ إلى الساحة حوله، نفس الشعور بالضيق كان يتملَّكُه.

الصخور تملأ الأنحاء، الدمى المكسورة مترامية في الأطراف، الخدوش على الرمال و السياج في منطقة تدريبه.

مع مثل هذا المنظر، شعرَ أنه قد بالغ، و ذلك تركه مع عواطف غير سارة فقط.

“ … فقط لأنني قوي بعض الشيء، كل ما يفكرون فيه هو هذا و ينبذوني ”

ليست غلطتي أنني ولدتُ هكذا.

راغنار كان منزعجًا بسبب معاملة أبناء عمه له، حيث كانوا خائفين منه ويصفونه بالوحش في كل مرة يرونه.

ناهيك عن الصغار، حتّى الكبار كانوا مخيفين بالنسبة له، حيث كانت عيونهم مليئة بالجشع، كما لو كانوا ينظرون إلى شيئٍ ذي قيمة، و ليس مخلوق حي.

ولِد راغنار مع جسد قوي و غرائز جيدة، لهذا كان سريع التعلم و يستطيع تطبيق تلك المعرفة في فترة قصيرة، كل ذلك و ناهيك عن أنه إبن الشيخ الأكبر في القبيلة.

كان شخصًا محظوظًا، و هو بنفسه قد عرف ذلك.

لم يكن يهتم بـ إعتراف الآخرين أو رأيهم به كشخص موهوب، لقد كان حساسًا تجاه مثل هذه الأمور، و لم يُحِب أن توضع عليه التوقعات.

آااه للأسف، الأمور ليست سهلة لتلك الدرجة.

عندما يكون شخصٌ ما قويًا أو موهوبًا أكثر من اللازم، لم يفهمه الناس أو يحاولوا ذلك.

بالنسبة لمعظم المخلوقات، كان الموهوبين أشخاصًا عاشوا في عوالم مختلفة عنهم، لم يكلِّفوا أنفسهم عناء فهم مثل هؤلاء المخلوقات الغريبة.

هذا شيء لم يعرفه راغنار عن الآخرين، و هذا شيء لم يعرفه الآخرين عنه.

كانت هذه حقيقة، و الحقيقة غالبًا ما تكون مؤلمة، مؤلمة لدرجة تجعل من الشخص يتغاضى عنها.

“ … يبدوا أن شخصًا ما على وشك البكاء؟ ”

بينما كان الصغير راغنار يجلس محاولاً كبح إحباطه، سمع صوتًا يضحك من خلفه.

“ أمي! ”

لم يحتاج إلى الإلتفات حتّى، على الفور قام بالقفز نحو والدته و عانقها.

“ هوهوهو ~ هل الشمس سوف تشرق من الغرب في الغد؟ من الغريب أن تكون متشبثًا بي هكذا يا صغيري ”

تفاجئت والدة راغنار قليلاً، لكنها قبِلَت الفتى في أحضانها، و قامت بـ كشكشة شعره بلطف.

لم يتحدث الفتى الصغير راغنار، حيث دفن وجهه أعمق في أحضان والدته.

“ … ماذا يزعجك لهذه الدرجة؟ ”

كانت تنوي مضايقته قليلاً، لكن برؤية صمت إبنها، عرفَت أن الفتى يمر بوقتٍ صعب.

لم يتحدث الصغير.

لم تفعل الأم شيئًا أو تقوم بِإجباره، و كانت تعانقه كما قامت بحمله فوق الأرض، مسحَت على رأسه بمحبة.

مضى الوقت في صمت.

كان يا مكان، في قديم الزمان.

“ كان هناك فتى صغير ”

فتحت الأم فمها بينما كانت تقوم بحمل صغيرها الذي كبِر كما لو كان رضيعًا.

كان الفتى الصغير يحمل من القوة و الحكمة ما ساعده على فهم العديد من الأمور، و بسبب ذلك، كان الناس يتوقعون منه أشياء عظيمة.

كان الصغير راغنار يستمع بصمت، في كل مرة يكون حزينًا أو في مشكلة، كانت والدته تحكي له قصة.

كان الفتى مصدر الأمل بالنسبة لشعبه، حيث عاملوه كبذرة تحمل في داخلها مستقبلاً مشرقًا.

كان ذلك خبرًا مفرحًا.

لكن.

بسبب أنه كان قويًا و ذكيًا أيضاً، لم يشعر الكثيرون بالرغبة في التواصل معه لمعرفته، بل كانوا يريدون ما يمتلكه، حيث أنه يستطيع مساعدتهم.

شعرَ الفتى بالحزن، كل ما أراده هو أن يكون طبيعيًا، أراد أن يتم معاملته كشخص منهم، ومع ذلك، كانوا بعيدين كل البعد عن فهم بعضهم البعض.

الناس العاديون، الفتى الموهوب.

كان هناك جدار يفصل بينهم، و قد كان ذلك الجدار يسمى بالتطلعات و المعنى.

إرتجف جسد الصغير بين يديها قليلاً، كما لو كان غير مصدق.

لقد فعل ما بوسعه كي يخفي الأمر، كيف عرفَت؟

إبتسمَت والدته و شدَّدت عناقها على الفتى.

“ لقد فعل ما بوسعه حتّى يتحدث مع الآخرين و يصبح صديقًا لهم، في البداية كان قد نجح، و لكن مع مرور الوقت، كان يلاحظ ما يقوله الآخرون وراء ظهره، حيث كانت كلمات مسيئة. ”

“ كان غاضبًا و سألهم لماذا يفعلون ذلك إن كانوا أصدقائه حقًا، جوابهم كان شيئًا لم يرغب بسماعه ”

“ … لأنه كان قويًا؟ ”

أجاب الصغير راغنار بصوت خافت، لماذا هذه القصة تشبه ما حدث معه كثيراً؟

“ صحيح، قالوا أنه قوي و ذلك مفيد بالنسبة لهم، لكن لا أحد يحبه، و بل يعاملونه مثل الوحش لأنهم يخافون منه، قالوا له أنه ليس شخصًا ”

“ يا بني، هل تعرف ماذا حصل لذلك الفتى؟ ”

“ هل شعر بالحزن؟ ”

“ في البداية، نعم ”

جلَست الوالدة في كرسي قريب، و حدَّقت عيونها الصافية في عيون صغيرها الحزين.

“ لكن مع مرور الوقت، شعرَ أن الأمر لا بأس به ”

“ لا بأس به؟ هل هناك معنى من هذا؟ ”

التطلعات السابقة للفتى الصغير كانت أن يتوافق مع الآخرين، تطلعات شعبه كانت أن يصبح قائدًا لهم، حيث كانوا خائفين من تحمل تلك المسؤولية.

شعبه، الذين أرادوا أن يمشي أمامهم، الفتى الذي أراد المشي بجانبهم.

لم يكن هناك من طريقة لـ يقبلوا أفكارهم المختلفة.

المعنى الذي فهموه كان يتعلق بقدرات الصغير.

لم يكونوا يريدون أن يقودهم “هو” ما أرادوه هو “قدراته”.

بعد الحزن لفترة من معرفة الحقيقة، أصبح عقله في حالة من السلام.

المعنى الذي فهمه أخيراً، كان أمام عينيه طوال الوقت.

“ يا صغيري، ما هو ذلك المعنى؟ ”

رفع الفتى رأسه المنخفض لتقابله إبتسامة والدته المشرقة.

“ … الحقيقة؟ ” فتح فمه غير متأكد.

“ هذا نصف الجواب، لكن سأعطيكَ علامة كاملة بما أن وجهك غير المتأكد لطيف ”

دغدغَت الأم أنف الفتى قليلاً بابتسامة ناعمة.

“ الشيء الذي فهمه هو أن الحقيقة قاسية، لكن … ”

“ لكن ماذا؟ ” قال الصغير بفارغ البصر.

“ الحقيقة هي ما يجعل القلب صافيًا، مهما كانت الكذبة حلوة، نهايتها تكون مؤلمة، و مهما كانت الحقيقة مؤلمة، نهايتها تكون الصفاء ”

“ لماذا؟ ”

لأنه هذا ما كان يجب أن تكون عليه الأمور.

الكذبة تعني سير الأمور كما نرغب أن تكون.

الحقيقة تعني سير الأمور كما ينبغي أن تكون.

لهذا كان الناس يحبون الكذبة، و يخافون الحقيقة.

“ مع فهمه لذلك، ما هو المعنى الذي تغاضى عنه الصغير؟ ”

عيون راغنار الصغير كانت وامضة كما سأل، لم يفهم الأمر تمامًا، لكنه ركّز على كلام والدته.

ربما …

ربما سيأتي يومٌ ما في حياته حيث يدرك المعاني من كلماتها.

“ يا صغيري، بين أن تقوم بما يريده منك الآخرين، و بين أن تقوم بما تريده أنت، أيهما تفضل؟ ”

“ … أن أقوم بما أريد؟ ”

“ هذا ما أغفل عنه الصغير في القصة، و هذا ما كان صغيرنا غافلاً عنه أيضاً ”

بدلاً من القيام بما أراده شعبه.

بدلاً من القيام بما كان يعتقد أنه يريده.

كان يحفر عميقًا في قلبه، و في النهاية، رغبته كانت أبسط من ما يتخيل أي شخص.

“ قوي، ذكي و ذو وضع ممتاز، يمكنه الأكل كما يشاء و سقف فوقه يحتمي به، يحمل توقعات الكثيرين، ماذا كان يريده بينما يمتلك الكثير بالفعل؟ ”

“ … أن يكون محبوبًا ” صوت الصغير كان مرتجفًا.

صحيح، ما أراده الفتى ليس أن يتم التعامل معه كموضوع إعجاب وإحترام.

لقد أراد أن يضحك مع الآخرين، أن يبتسموا على نكات بعضهم البعض و يتدربون معًا.

أراد أن “يحبه” الأشخاص كما هو عليه، و ليس على ما جعله ما هو عليه.

بدلاً من معرفته على أنه أمل شعبه، أراد أن يتم معرفته كـ “شخص”.

“ عندما فهم الصغير ذلك، كان يضحك على نفسه، لماذا في رأيك؟ ” سألَت الأم بغموض.

“ … لا أعرف ”

“ لأنه نسي أن يحب نفسه ”

“ أن يعطي لـ نفسه الحب؟ ”

أجاب الصغير بينما يرتجف.

كيف نسي مثل هذه الحقيقة البسيطة!

ضحكت الأم عندما رأت عبوسه، كان صغيرًا، و مازال أمامه حياة بأكملها، لكنه كان يحاول فهم كل شيء مرة واحدة بالفعل.

أي شخص يرى الفتى هكذا سيكون فرحًا.

لكن ليس هي، قبل أن يكون صغيرها ذكيًا و موهوبًا، فهو كان إبنها.

ليس من الجيد أن يكون الطفل ذكيًا دائماً.

على الأطفال التصرف كالأطفال.

البلوغ المبكر، كان ذلك شيئًا هي سوف تمنعه من أن يمتلكه بكل ما تملكه من قوة.

“ أنت ذكي ” أشادت الأم، “ لكنك غبي بنفس القدر، بينما أنت حزين لـ عدم قبول الآخرين لك، لما نسيت أن المحبة تنبع من الداخل؟ ”

“ ليس هناك حاجة لقولها بصراحة … ” الفتى اشتكى قليلاً.

“ بل هناك حاجة، صغيري، ربما لن تفهم ذلك الأن، لكن سيأتي يوم ما في حياتك قد تحتاج فيه لمعرفة ذلك، لا تتوقع من الآخرين أن يستطيعوا قبول ما فيك إن لم تقم بذلك بنفسك ”

“ لكن … ماذا لو لم يحبني أحد حتّى مع ذلك؟ ”

قال الفتى بقلق.

“ همف، تلك هي خسارتهم إذاً لعدم قبول إبني الرائع! ” قالت الأم بفخر، “ حتّى مع ذلك، لا بأس، أليس كذلك؟ ”

“ لا بأس؟ ”

“ بالطبع، هل نسيت؟ أنا هنا معك، والدتك ستحبك دائماً، مهما تغيرت الحياة أو حتّى إن لم يقبل بك أحد، فهذا لن يتغير أبدًا، هذا لأنك يا بني، أكثر شخص أحبه في الحياة هو أنت”

“ … الأب سيحزن إن سمعكِ تقولين هذا ” ضحك الفتى الصغير.

“ يجب عليه أن لا يعلم ”

كان الإثنان يضحكان معًا لفترة، حيث إنتشر الصمت.

صوت الرياح فقط ما يمكن سماعه.

بعد مرور مدة وجيزة، أغلق الصغير عينيه قليلاً كما أصبحت نظراته ضبابية.

لم يعرف لماذا، كيف، أو حتّى متى.

لكن في اللحظة التي لاحظ فيها ذلك، كانت الدموع تتدفق من عينيه.

إبتسامة والدته في رؤيته الضبابية كانت جميلة.

“ بني، لا تدع الحزن يجعلك تندم، إبقى قويًا دائمًا، أنا سوف أراقب ظهرك دائمًا ”

“ و من يدري؟ ربما سوف تجد أشخاصًا يتعرفون عليك أيضاً، حتّى و إن لم يكن بالطريقة التي تتوقعها ”

“ لهذا لا تنسى أبداً ”

أنا سوف أبقى أحبك دائمًا.

كان الفتى الصغير سعيدًا، حيث لم تخلف الأم وعدها، راقبَته في كل أحداث حياته حتّى أصبح شابًا و كانت معه.

لقد كان يعتقد أنهما سوف يتغلبان على الصعاب معًا.

و لكن.

في يومٍ من الأيام.

ماتت أمه في ربيع الفتى الخامس عشر.

رحلَت والدته في ذلك اليوم، آخذةً معها قلبه إلى الأبد.

في ذلك اليوم، لم يمت شخص واحد فقط.

لم يكن جسد راغنار الذي مات.

لقد كانت روحه.

2024/11/28 · 14 مشاهدة · 2994 كلمة
نادي الروايات - 2025