الفصل 58: العالم بارد جدًا على أن يعيش فيه الضعيف سعيدًا (5).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
في الممرات، كان ليون يمشي بهدوء، و خلفه كان زملاءه.
ذلك إجتذب إهتمام الحشد بطبيعة الحال.
“ أليس ذلك هو ليون؟ ”
“ صاحب الترتيب الأدنى في الأكاديمية؟ ”
“ هيهيهي، إن كنتَ تعتقد ذلك، إذهب إذاً و واجهه، إن استطعتَ لمسه حتّى، سوف أكون خادمك إلى الأبد! ”
“ اوي، أيها الحثالة، أنا لست أحمق، هل نسيت ما فعله بـ زينوس في الحلبة؟ ”
“ كيف لي أن أنسى؟ لقد جعله لحمًا مفرومًا تقريبًا … بعدها كلماته التي مازال صداها في القلوب ”
“ لماذا يمشي وراءه زملائه؟ ”
“ ربما هو يقودهم؟ لكنهم ضعفاء جداً على ذلك … ربما يتنمر عليهم؟ ”
“ لا … لم يقم بذلك منذ مجيئه، كل من سحقهم كانوا هم الذين بدأوا حتّى الآن، ناهيك عن أيديولوجيته في رد الإحسان و العداء، هل نسيت؟ ”
“ أرأيتم ما فعله ڤايرون و ليون بالأمس؟ لعبة غريبة لعبوها في الفصل! ”
“ لقد كان مشهدًا مذهلاً … ”
“ و مشهد مطاردة لجنة الإنضباط لهم أيضاً، لقد كان ذلك مضحكًا ”
ثرثرة الطلاب في الممرات جعلت زملاء ليون يشعرون بالتردد، حيث كانوا هم نجوم الحدث مع ليون و رافاييل.
لكن رغم ذلك، لم يعطي ليون أي كلمة، و كان يتقدم دون إهتمام.
بينما كان يمشي، إستدار و بدأ يمشي بالعكس، لقد كان يمشي نحو نفس الإتجاه، لكن هذه المرة، كان يمشي في إتجاه ظهره.
“ … المشي متعِب ”
غمغم ليون بـ صوت منخفض، أسقط جسده إلى الخلف و استلقى على الأرض.
لا، كان من المفترض ذلك، لكن بدلاً من السقوط، كان جسده يطفو.
وضع يديه خلف رأسه بينما يطفو نحو الخلف، و أغلق عينيه.
بينما يطفو في الرواق الكبير و الممتلئ بالحشود، جميع من رآه أفسح له الطريق.
كانت تلك هيبة القوي.
“ … أريد أن أطير هكذا أيضاً ”
“ أنا أيضاً يا لوغان ”
“ يا للأسف، ذلك صعب، أتذكر أن خالي قال لي عندما كنتُ صغيرًا، أن هناك بعض الأساليب التي تجعل الشخص يمكنه الطيران، لكنها نادرة ”
قال فرناندو في خيبة أمل.
هناك بالفعل أنواع من الإيجو التي يمكنها جعل الشخص يطير في السماء و يطفو، لكنها نادرة.
لكن حتّى لو وجد الشخص مثل هذه الإيجو، في معظم الحالات، لا يمكن للطاقة السحرية للقمر الأول و الثاني أن تكفي لهذا النوع من الإيجو.
الأساليب الأكثر شيوعًا تنطوي على تطوير درب مرتبط بالسماء، مثل الرياح، أو المخلوقات الطائرة، ربما النار، البرق و ما إلى أخره، أو ببساطة أن تكون قدرة سلالة الشخص مرتبطة بالطيران.
“ المزعج أكثر هو أنه تحت القمر الثالث، من الصعب جدًا محاولة إيجاد إيجو أو أساليب تجعل الشخص يطير بسلاسة ”
بينما يشاهد ليون يطفو بسهولة، كان لوغان يشعر ببعض الغيرة.
“ لماذا في رأيكم ذلك؟ ” سأل ديو بينما كان يمشي مع الإثنين.
“ إنه الإختلاف في الجودة ”
كيفن، الذي لم يتخلف عن الرُّكب، هو الذي أجاب هذه المرة.
كان الجواب واضحًا.
“ نصف صحيح … لكن السبب الأكبر يعزى إلى نقص الخبرة في إستخدامهم الطاقة السحرية ”
“ ماذا؟ ”
“ ماذا تقصد يا معلم؟ ”
كان زملائهم الآخرون يستمعون أيضاً، السبب الأكبر هو الرغبة في تجاهل عدم الإرتياح الذي يأتيهم من نظرات الحشود.
“ الطاقة الكمية و النوعية تختلف و تصبح أفضل كلما تطور الشخص في المستويات العليا، هذا شيء واضح، و من الأفضل أن يصبح الشخص أقوى بشكل أسرع، لكن كما يوجد إيجابيات، توجد دائمًا سلبيات ”
“ هذا … منطقي ” فرك لوغان ذقنه قليلاً.
بالتأكيد، الترقي في المستوى أفضل كلما كان أسرع، لكن … هل هناك سلبيات في ذلك لا يعرفها؟
لم يفكر في ذلك من قبل.
“ ما هو نوع السلبيات الذي تقصده بالضبط؟ ”
إستجمعت ستيلا بعضًا من شجاعتها، و سألت ديو، بينما كانت تراقب تعبير تشاي نايون بحذر.
“ إنه التعمق الجذري ”
“ التعمق الجذري …؟ ”
تمتمت ستيلا، و عندما رأت أن تعبير تشاي نايون لم يتغير، زفرَت بإرتياح.
في عقلها، كانت تعتقد أن ديو و تشاي نايون في علاقة بالفعل، لذلك كانت حذرة من سؤال ديو عرضيًا فقط، لكنها لم تستطع قمع فضولها.
كلمات ديو كانت تبدوا كما لو كانت تخرج من شخص ذي خبرة.
“ حتّى لو شرحتُ الأمر، لن تفهموه بسهولة، لكن … لا بأس ”
الكلمات، حتّى لو كانت معقولة، طالما لا يفهمها الشخص، فهي بلا فائدة.
حتّى لو قام ديو بشرح ذلك لهم، لن يؤدي ذلك سوى إلى الإرتباك.
في النهاية، من يسعى للفهم فقط من سوف سيبلغه، من يجرب الشيء فقط من سيفهمه.
“ فقط عندما تقومون بتجربته، سوف تفهمون قصدي ”
مع قوله لذلك، ضحك ديو كما لو كان كبيرًا يقدم المشورة للصغار.
“ ضحكتك تذكرني بالعجوز المتسول ”
“ يا معلم، حتّى ليون ساهيونج يمكنه التحدث بشكل أفضل ”
“ لو قمتَ بتقليد أحد الزنوج، ربما كان وضعك أفضل، اوه إنتظر، أنت زنجي بالفعل ”
“ يا إيد، هذا السياف لا يجيد إلقاء النكات ”
“ صه! أخفض صوتك، سوف تجرح مشاعره ”
بينما سخر منه رفاقه، كان الآخرون يتهامسون فيما بينهم.
“ … هؤلاء الأوغاد؟ ”
مثلما قرر ليون سابقًا، وعَد ديو نفسه في قلبه.
سوف أجعلكم تصرخون كالعاهرات أيها الفاسقون!
“ راف، لا أعرف لماذا لكن … لدي هذا الشعور الغريب، أننا قد نسينا شيئًا ما ”
“ نسيان؟ نسيان ماذا؟ ”
نظر رافاييل إلى لوكي بتعبير يقول ‘هل التعرض للضرب في السنين الماضية جعلك أحمق؟’ بينما يتساءل عن ما يقصد.
“ لا أدري بالضبط لكن … هذا الشعور لا يفارقني ”
“ ميه، أنت تفكر هكذا لأنك خامل فقط، التدريب سوف يجعلك تفكر أفضل! ”
“ أنت محق ”
إبتسم لويد الذي كان يحدق في الإثنين بإشراق.
‘ يا رفاق، هذا ليس جيدًا لكن … كان المفترض أن نلتقي بالمعلم المشرف اليوم، سوف يبكي إذا سمع أنكم نسيتم أمره ’
و بدلاً من قول أي شيء، قرر لويد فعل الشيء الأكثر منطقية بالنسبة له الأن.
سوف يلقي باللوم على ليون.
“ سوف يغضب العجوز ديوس إذا لم نلتقي به، لكن بصراحة، تدريب هؤلاء الأطفال أكثر أهمية ”
بينما كان يطفو مستريحًا، فكر ليون في موضوع المعلم المشرف على هيئة الأكاديمية، و الذي تجمعه معهم علاقة فريدة من نوعها بعض الشيء.
كان من المفترض أن يلتقوا اليوم لـ يتحدثوا بشأن موضوع ما، لكن الأمر ليس عاجلاً لتلك الدرجة، لذلك يمكن تركه لـ وقتٍ لاحق.
بينما كان يغرق في الشعور بالراحة مِن الإستلقاء في الهواء، حدث ذلك فجأة.
إنه ليس بالأمر السريع، و ليس مفاجئ لدرجة أن يقول أن حواسه لم تتداركه.
ليس بالأمر الخطير حتّى.
على العكس، لأنه لم يكن خطيرًا، حواسه قد تجاهلت الأمر.
“ … هممم؟ ”
شيئٌ ما إصطدم بـرأس ليون.
بدلاً من القول أنه إصطدم بـ ليون، ليون هو من إصطدم بذلك الشيء.
لم يكن صلبًا، و لم يكن خشنًا.
بل بالأحرى كان ناعمًا و سلسًا، كان الأمر مثل الإصطدام بـ وسادة.
“ … ماذا؟ ”
فتح ليون عينيه المغمضة، فوق رأسه، كان يرى وجه شخصٍ ما.
وجه خالٍ من التعبيرات، عيون سوداء صافية، القزحيّة كانت سوداء عميقة مثل الهاوية.
بؤْبؤ العين كان أبيض اللون، تم رسم خط في منتصف العين، كما لو كان المنظر يتشابه مع عيون قطة.
البشرة البيضاء كانت شاحبة قليلاً، يمكن رؤية الشفاه قد أصبحت حمراء بعض الشيء، و ربما كان ذلك بسبب الشتاء.
لقد كانت أنثى.
بينما كان رأسه مصطدمًا بالمنطقة تحت رأسها، كانت عيون ليون تحدق في الفتاة الشابة أيضاً.
لم تتحدث الفتاة، بقيت تنظر إليه فقط.
شعرها الطويل الأسود كان مختلطًا مع بعض الخصلات البيضاء.
مع هبوب رياح الشتاء الأخيرة، رفرفت بعض خصلات شعرها بالقرب من وجه ليون.
“ أنتِ تسدين الطريق ”
لم يكلف ليون نفسه عناء التحدث بالهراء، و قال لها أن تبتعد ببساطة.
“ … أليست تلك هي نائبة رئيسة مجلس الطلاب، الأميرة الباردة هيليا؟ ”
“ تلك العيون الفريدة من نوعها … إنها بالتأكيد هي، ماذا تريد بالضبط، حتّى تأتي بنفسها إلى ليون؟ ”
“ بطبيعة الحال، لقد أتت بسبب العقوبة المفروضة عليه ”
“ عقوبة؟ ”
“ هل نسيت؟ سوف تتم مراقبته طوال الفصل الدراسي من قِبلِها ”
“ اوه … هذا يبدوا مزعجًا بالفعل ”
“ إنها رغم ذلك، جميلة بالفعل ”
“ نعم، لن أكذب، ليون … إنه شخص غريب حقًا ”
“ لو كنتُ أنا، لربما أصبت الإرتباك إذا كانت قريبة مني لهذه الدرجة ”
“ هذا الشخص لا يتوانى البتة حتّى أمام هيئة التعليم، ليس من الغريب أن يكون هكذا أمامها أيضاً ”
“ محق … أتذكر الوقت الذي طاردتُه فيه مع الآخرين في يوم مجيئه، لم يكن رحيمًا حتّى مع النساء ”
“ في هذا الجانب، أفهم سبب بغض بعض الطالبات له ”
انتشرت الضجة في المكان، و كانت الكلمات تنتقل بين الحشود كالنار في الهشيم.
بقيت الفتاة الشابة صامتة، و تعابيرها الباردة كانت رصينة، لم تبتعد عن ليون، بل بقيت تنظر إليه كالحجر الغير متحرك.
“ … مزعج ”
تنهد ليون قليلاً، كانت العقوبة في الواقع من إختياره، و بطبيعة الحال، لديه أسبابه الخاصة كي يختارها لمراقبته على وجه الخصوص.
لم يكن لديه مصلحة في إزعاج نفسه و سحق نائبة رئيسة مجلس الطلاب، التي كانت تعتبر مثل الدعامة الرئيسية بالنسبة لأخت لوكي.
عندما يعيش الشخص التجارب و يرى العالم الواسع، سيكون هناك وقتٌ يتعلم فيه أن هناك دائمًا حاجة للفصل بين ما يمكن للشخص القيام به، و ما لا يمكنه.
ليس الأمر أنه لا يستطيع فعلها، بل لا يجب أن يفعلها.
بينما كان غير متأثر بالموقف أو إستمتاع بأن يُنظر إليه هكذا، لم يتحرك ليون من مكانه، بينما كان يفكر قليلاً.
“ … هذا هو ”
إبتسم قليلاً كما ومضت عيونه الحمراء بضوء مشؤوم.
“ أنتِ، سوف تأتين معي أيضاً ”
ضحك بحرارة، كما أنزل جسده، وقف على الأرض و مشى إلى الجانب مكملاً طريقه.
“ ماذا تفعلون؟ تعالوا أنتم أيضاً ”
برؤية إرتباك زملائه، إستخدم ليون بعض القوة، مما جعل الهواء يدفعهم نحو الأمام.
“ … وااه ”
“ توقف، توقف! أستطيع المشي بنفسي، أيها الشرير! ”
“ غرر! هذا الشيء! ”
إشتكى الآخرون، لكنهم تبعوه، لم يكن لديهم خيار في الأمر على أي حال.
لم تتحدث هيليا، لكنها تبعته صامتة.
لم يكن معروفًا ما كانت تفكر فيه.
“ … الأمر، غير متوقع؟ ”
“ إنها هي من تراقبه، لكن لما يبدوا هذا كما لو … ”
“ كما لو أن خادمًا يلحق بـ سيده؟ ”
كانت عيون الطلبة خائبة و متفاجئة قليلاً.
كانوا يرغبون في رؤية ليون يكسر التوقعات مرة أخرى.
لقد فعل ليون ذلك، لقد فعل ذلك لكن …
الأمر غريب بطريقة ما.
بينما كانوا يتقدمون نحو الخارج، ترك طلاب الفصل (D) الناس في إرتباك و تساؤل بعض الشيء.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بالنسبة للناس العاديين، لم يكن البقاء في هذا العالم سهلاً.
على عكس الأشخاص الذين مَرُّو بالصحوة، كان إستخدام الطاقة السحرية مفهومًا غامضًا لمعظم المخلوقات.
بالنسبة للناس الذي مرُّو بصحوة إيقاظ الموهبة و لم ينجحوا، يصيبهم الإكتئاب و الإحباط.
في بعض الأحيان، يقعون في الجنون و يصبحون مجرد مخلوقات تمشي وراء الشهوة، و في النهاية تتشوه طاقتهم السحرية و يصبحون كالوحوش بلا عقل.
ما لم يكن للمرء السبل لتثبيت عقله و تخفيف الأعراض، فقد كانت نتيجة الفشل في الصحوة كارثية.
كانت عملية الصحوة خطيرة بقدر ما هي مرغوبة، ناهيك عن كونها باهظة الثمن.
معظم البشر لم يقوموا بإيقاظ إمكانياتهم، و بقوا مجرد أناس طبيعيين، سواء كان بسبب الخوف من خوض مراسم الصحوة، أو ببساطة بسبب عجزهم عن خوضها.
كان هذا العالم ذو مخاطر عالية و غوامض غير مكتشفة، الوحوش و النباتات الغريبة، البِحار و حتّى الجبال و المستنقعات، النظام الطبيعي بأكمله كان خطيرًا.
ناهيك عن الشخص العادي، حتّى الأشخاص الأقوياء مثل زعيم عشيرة كبيرة لم يكن أمنًا تمامًا من الأذى.
فضل ذوو المناصب العُليا تأمين مناطقهم الخاصة، و بناء مجتمعاتهم هناك، مع عدم الإستكشاف عميقًا في مخاطر البيئة، على الأقل ما لم تكن الفوائد مغرية.
إن لم يكن المرء محظوظًا و يصبح خادمًا لعائلة ميسورة الحال، فقد كان مصيره الكفاح لمجرد البقاء حيًا يومًا أخر.
كان البشر العاديين يسكنون في القرى البسيطة و يعيشون إما على الزراعة أو صيد الحيوانات أو الأسماك.
بالقرب من الساحل، كانت هناك قرية صغيرة يعيش فيها مجموعة من البشر.
كانت بيوت القرية خشبية، و كانت هناك أعمدة طويلة من حواف البيوت تم غرسها في مياه البحر كالسيقان، كانت تلك قرية مائية.
لقد إعتادوا على ركوب القوارب وصيد أسماك الزعنفة البنفسجية، تلك السمكة هي أحد الأنواع الأكثر شعبية في البر الرئيسي.
كانت تلك السمكة تأكل المخلوقات الصغيرة والروبيان للعيش.
كانت سمينة و غريبة الشكل، حيث لها فقاعة داخل جسدها تستخدمها للبقاء حية إذا خرجت من الماء، حيث كانت تملأ الفقاعة بالمياه و نسبة قليلة من الأكسجين.
زعنفتها كانت تستخدم كدواء لبعض الأمراض، الفقاعة في جسدها مرغوبة أيضًا بالطبع.
كان الصيادون يستخدمون تلك الفقاعة بشكل عكسي، و ذلك بتعبئة الفقاعة بالهواء للتنفس تحت الماء.
و مع ذلك، على عكس الخياشيم الصناعية، فقد كانت الفقاعة تنفجر تحت ضغط المياه بعد ساعة واحدة فقط.
بالطبع، لم يكن للبشر القدرة على البقاء لمدة ساعة كاملة تحت الماء من الأساس.
ناهيك عن كونها مصدر غذاء جيد، فقد كانت سمكة الزعنفة البنفسجية مشهورة و شعبية بين البشر.
و هكذا، كانت هذه القرية تستخدم تضاريسها القريبة نسبيًا من الشعاب المرجانية التي تعيش فيها سمكة الزعنفة، و كان لهم أرباح تكفي للعيش.
للأسف، في السنوات الأخيرة، لم تكن الأوضاع جيدة، حيث كانت الأسماك تتناقص في البر الرئيسي بسرعة، و إنهار التسلسل الغذائي.
حتّى الحوريات و الحيتان كان لهم نفس المصير، و هربوا كما لو كانوا يتجنبون الطاعون.
كانت تلك أخبارًا سيئة للتجارة البحرية التي إمتازت بها كايرو و نانمان.
بالنسبة للبشر الضعفاء؟
لقد كانت الأخبار أسوأ!
سووش~
على متن قارب صغير، يمكن رؤية رجل عجوز على وجهه بعض العواطف المريرة و المعقدة.
كان صيد اليوم فاشلاً أيضًا.
كان الرجل العجوز جائعًا، لكن لم يكن ذلك ما كان يهمه.
حفيدته كانت مريضة.
في الأسابيع الأخيرة، كان هناك وباء قد أصاب أهالي القرية، و مات عدد لا بأس من الناس بسبب ذاك الوباء.
لم يصب الجميع، كان البعض سالمين منه، و البعض أصابهم.
سقط القرويون في اليأس، كيف أن يكون لهم — مجرد أشخاص بسطاء، دواء لهذا الوباء الذي أصابهم فجأة؟
ناهيك عن ذلك، مصدر دخلهم الأكبر لم يكن سوى مجرد أسماك بحرية، مع هِجرَتِهِم المفاجئة، ماذا يمكنهم فعله؟
بطبيعة الحال، تم تركهم بدون خيارات.
و لكن مع ذلك، في الحياة، مهما أنكر المرء ذلك، لم يكن هناك ما يسمى دَاءً بلا دواء.
بالصدفة، قام أحد القرويين بإطعام إبنته حساء سمكة الزعنفة البنفسجية، و قد تماثلت الفتاة للشفاء.
هذه الأخبار تم تبادلها مع الأماكن الأخرى التي إنتشر فيها الوباء، و ربح الرجل في البداية، لكن ذلك إنتهى بسرعة حدوثه.
كان مخزون القرية قليلًا، حيث أنهم باعوا معظم إحتياطياتهم لمصروفات العيش قبل الوباء.
من كان يتوقع، قيمة سمكة الزعنفة أصبحت أعلى بسبب الوباء.
حاول سكان هذه القرية طلب الدعم، للأسف، في القُرى الأخرى كان نفس الشيء، و كانوا يعانون أيضًا.
التجار أصبحوا بلا ضمير، و جعلوا قيمة سمكة الزعنفة أعلى من سعرها الأصلي بضعفين!
الشخص الذي مرَّ بالصحوة و أصبح إنسانًا خارقًا لن يهمه ذلك الوباء، يمكنه حل المشكلة بسهولة حتّى لو كان صاحب أدنى موهبة.
في الجانب الأخر، البشر العاديين لم يكونوا أقوياء، و لم يمتلكوا قدرات غير طبيعية — ما عدا القليل منهم، هذا الوباء كان كارثة لهم.
لحسن حظ البعض في هذه القرية، كان زعيم القرية شخصًا مستقيمًا و عادِلاً، أصوله كانت غامضة و كان زاهدًا يحب البِرَّ و مساعدة الناس.
في هذا العالم القاسي، كان من النادر إيجاد شخص طيب مثل رئيس هذه القرية.
و هكذا، تماشيًا مع طبيعته، قام بإخراج مخزونه الباقي، و قام بتوزيعه على الأهالي.
للأسف، كانت تلك الكمية قليلة، و لم تكفي سوى القليل من الناس، و بادر الأخرون في محاولة صيد الأسماك لشفاء أقاربهم.
لم يكن الرجل العجوز أحد المحظوظين، و كان عليه الإعتماد على نفسه في الصيد، حتّى لو كان ذلك فاشلاً.
مضت ثلاثة أيام منذ مرض حفيدته الوحيدة، وقد ازدادت الأعراض سوءً.
البقع البنفسجية في الجسد، بصق الدماء المفاجئ، القيء و الحُمَّى الشديدة، ناهيك عن الهلوسات الكابوسية.
كان العجوز يصطاد كالعادة، و ثم رأى جسمًا طافيًا في البحر فجأة.
إعتقادًا منه أنه حصاد غير متوقّع، قام بجمع قوته المتبقية — فهو لم يأكل منذ يوم، و قام بأخذ الجثة إلى سطح القارب.
تمت مفاجأة العجوز بجثة بشري بدلاً من ذلك.
لقد كانت جثة رجل في العشرينات على الأقل.
بالنسبة للعجوز، كانت حادثة غير متوقعة.
“ كيف يمكن لهذا أن يحصل … ”
ظهرت نظرة حزينة على وجه العجوز عندما رأى حالة الرجل الشاب.
مظهره كان يرثى له، ثيابه الخضراء كانت سوداء اللون من كثرة الدماء، جرح طويل في منطقة الصدر، يمكن رؤية خيط معدني تمت خياطته في منطقة الجرح.
لم يكن يتنفس، جسده كان باردًا.
كان هناك علامات قليلة على بقائه حيًا، لكن من الواضح أنه سيموت.
لم يكن من النادر أن يموت أحد الأشخاص فجأة في هذا العالم.
حقًا، إنه أمر معتاد لدرجة لا أن القلب لن ينبض في المفاجأة بعد الأن.
كان ذلك شائعًا جدًا لدرجة مشابهته مع الشعور بالملل من رؤية نفس المنظر دائمًا.
وصل عمره إلى الثمانين بالفعل.
الرجل العجوز قد رأى عدده العادل من الوفيات و الأقارب الذين تركوه، لقد أصبح مخدرًا قليلاً تجاه الأمر.
سواء كانت زوجته أو إبنه، إبنتيه أو زوجة إبنه الأكبر، لقد رحلوا عن العالم جميعًا.
أصدقائه الذين تركوه في رحلات الصيد و أخذهم الموت بين أحضانه في الفِراش، أهالي القرى الذين أغلقو أعينهم إلى الأبد بسبب الوباء.
رأى تلك الوفيات كثيرًا لدرجة المرض منهم.
لم يبقى له سوى حفيدته الصغيرة، إن لم يجد لها علاج، ستتركه هي أيضًا.
لم يكن يعرف بالضبط من أين أتى إبنه بهذه الفتاة الصغيرة المحبوبة.
لم تكن حفيدته من نسله، لكن إبنه ربَّاها كإبنته، كان ذلك لأن زوجته غير قادرة على الإنجاب.
رغم عدم الإرتباط بالدم، فقد كان الرجل العجوز يعشقها، لم يكن سيترك صغيرته بين براثن الموت هكذا فقط.
الفتاة الصغيرة ذات الستة أعوام قد بدأت بالعيش قبل بعض الوقت فقط، و مازالت جديدة عن الحياة.
حتّى لو لم يكن موجودًا لرؤية ذلك، ألم يرغب برؤيتها تكبر، تعبر عن إمتلاكها للأحلام، تجد حبها و تعيش بسعادة؟
أي شخص يمتلك عائلة كان سيجيب بنفس الإجابة.
مصدر سعادته و ما يبقيه يبتسم، إن تَرَكَتهُ أيضًا، فماذا يبقى لهذا العجوز الوحيد؟
لا شيء، لن يبقى له في العالم أي شيء.
عندما نظر إلى جثة الرجل الشاب، كان العجوز صامتًا قليلاً.
“ ليس لدي ما يمكنني فعله لك … آسف ”
الجميع كان لهم قصصهم الخاصة، لم يكن شخص واحد فقط الذي يعاني.
بقول ذلك، قام العجوز بمحاولة إلقاء جثة الرجل من على القارب.
- جدي! هيهي! لنلعب معًا!
- صغيرتي، أنتِ تعرفين أن هذا العجوز عاجز على فعل أي شيء بهذا الجسد القديم ....
- لا! أريد أن أعيش مع جدي دائمًا! سنعيش و نلعب معًا إلى الأبد!
مع ذلك، في منتصف محاولته ذلك، لم يسعه سوى تذكر وجه حفيدته الضاحك بينما كانت تزعجه دائمًا.
توقفت أيدي الرجل العجوز فجأة.
“.... حتّى عندما لا أرى وجهكِ، فأنتِ مُصِرَّة على إتعاب هذا الجسد القديم، أليس كذلك؟ ”. ضحك العجوز بجفاف قليلاً.
يبدوا أنه لم يتخدر تجاه الموتى بالكامل بعد، و مازالت إنسانيته موجودة.
قام بإرجاع الرجل نحو سطح القارب الصغير، أخرج فقاعة من حقيبته، و قام بوضعها على رأس الرجل الشاب.
بينما يقوم بإخراج بعض الأعشاب الطبية القليلة الباقية، قام بتمزيق ثياب الشاب، بينما يقوم بتنظيف الجرح و نزع اللحم الفاسد.
بعد تطهير الجرح، قام بتغطية الجرح بالأعشاب الطبية، و قام بإغلاق المكان الذي تمت خياطة الجرح فيه جيدًا.
في تلك العملية، تغير تعبير الرجل بين المعاناة و الأنين الصامت، و أخيراً، إستقرت تعابيره فيما يبدوا كالإرتياح.
حتّى أنَّ درجة حرارته زادت قليلًا، و أصبح شكله يبدوا كشكل بشري أخيراً.
يمكن سماع تنفسه الخافت من داخل الفقاعة.
بالنسبة للصياد الخبير، كان هناك حاجة لتعلم أساسيات الإسعاف بطبيعة الحال، و لم يكن التجهيز لحالات الطوارئ غريبًا.
“ فعل هذا الرجل العجوز ما بوسعه، أيها الصغير، الباقي يعتمد عليك ”
نظر العجوز نحو السماء الصافية، بينما يتنهد داخليًا.
بينما كان يجب عليه إنقاذ هذا الرجل، لم يقم العجوز بالعودة على الفور، فقد كانت حياة حفيدته على المحك أيضًا.
حفيدتي.
إنتظريني.
أنا سوف أقوم بشفائكِ.
حتّى لو تسبب ذلك في وفاة هذا العجوز.