الفصل 72: درب البائسين مليئٌ دائمًا بالنوايا الحسنة (4).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بركان المعدن الأحمر، المنطقة الغربية، البحيرة المتفحمة.
سووش ~
الرياح الباردة كانت تصدر أصواتًا مبهمة عند اصطدامها بـالحمم المتجمدة.
الأصوات كانت تشبه العويل، عويل المخلوقات التي حُبِسَت في الجليد ولم تخرج أبدًا.
فتى شاب يرتدي ثيابًا سوداء مشى فوق جليد الحمم، على جانب صدره شعار تنين أحمر، كانت الثياب طويلة ورفرف رداءه مع الرياح.
المنطقة بأكملها كانت قرمزية كما الدم القاني، عند النظر من فوق، يمكن رؤية أن الشكل الذي إتخذته المنطقة يشابه الشمس.
شمس جلبت عصرًا متجمدًا وغيرت البيئة بأكملها.
داخل تلك الشمس تقبع وحوش ملتهبة، داخل الجليد الدموي بدت تعابيرهم مليئة بالحياة، كما لو أنهم لم يحصل لهم شيء.
مصدر تلك الكارثة كان شخصًا عاش مع اللهب منذ طفولته، شخصًا إحتضنَ طيبة النيران وقسوتها بكل إخلاص.
وكان هذا هو رافاييل.
“ يا أخي … مع مثل هذه المعلومات، من المستحيل أن لا يتم إغرائي ”
كان رافاييل الآن متجِهًا نحو أحد الكهوف الغامضة في هذا البركان.
روى أحد المستكشفين عن أسطورة.
قبل وقتٍ غير معروف، كان مخلوقٌ غامض قد قضى نحبه هنا، وبقايا جثته قامت بتشكيل بحرٍ من النيران، والذي أصبح فيما بعد أرضًا للمعادن النادرة.
تلك الأرض كانت مثوى الهلاك لـساكنيها، ولم ينجو سوى من ذاقوا مرارة اللهيب وتكيفوا.
وأولئك، كانوا ما قيل عنهم اليوم، أنهم وحوش اللهب.
“ بعدها أتى الجان الحُمر، نواياهم الغامضة لم تنكشف يومًا، لكنهم نصَّبوا أنفسهم كـ حراس هذه الأرض، ثم لم يقبلوا الحِلف مع أحد سوى الأقزام الحُمر، الذين كانوا من سلالة متقاربة … ”
لم يكن ذلك ما إهتم رافاييل به في الوقت الحالي.
بل كان صدى الكلمات التي دخلت أذنيه قبل ثلاثة أيام.
“ رافاييل، في مهمتنا القادمة، أنت سوف تذهب إلى بركان المعدن الأحمر، ويُفَضَّل لو تذهبُ وحدك ”
“ … لن أسألك عن سبب ذهابي، لكن لماذا وحدي؟ ”
“ ما يوجد هناك لا يستحق أحد معرفته قَبلكَ ”
“ عن ماذا تتحدث حتّى-”
“ ماذا حدث لـ ڤوكان قبل أن يأتي يوم لقائكَ به، لماذا كان عليه الرحيل، ما الذي تَرَكَتهُ آثَار خطواته المنسية، ماضٍ لم يخبر به أحدًا يومًا، لقد تركه هناك من أجلك ”
“ حتّى مع رغبتي لـ كشف الآثار بنفسي، أعتقد- لا، إنِّي أؤمن أيَّما إيمانٌ أنَّ لا أحد أحَقُّ منك البتَّة ”
أنا أناشدك، فهيَّا شُدَّ بأسكَ وأقبِل، يا أخي العزيز.
بكلماته تلك، إختفى ليون ببساطة، تاركًا إيَّايَ، فراغ الصمت يبتلع جوفي.
ومُذ ذاك الكلام، معظم عواطفي كانت في تضاؤل، ولم تبقى سوى رغبة السعي الخالصة تنهش فؤادي.
حتّى مع معرفتي بالخطة الكبرى وما يُقبِلُ علينا في المستقبل القريب، أصبح كل شيئٍ غير مهم منذ أن ذكر أخي بشأن ذلك الشخص.
الشخص الأقرب إلى قلبي، من آمنتُ بـ كونه حليفي، من عاهدتُه على أن لا أنساه ولو طالت بي حياتي.
“هو” لم يكن مجرد شخصٍ لاقيته في دربي، لقد كان الأمل الذي جعلني أتطلع نحو الأمام، من جعلني أتعلم أن أثابر، أن لا أخاف، ولو أدَّى بي ذاك الدرب إلى وفاتي.
كانت آخر مرة شعر رافاييل بهذا التضارب العاطفي منذ وقتٍ طويل.
مشى ومشى فوق الحمم المتجمدة، في الليل البارد لبقايا الشتاء، أضواء الحمم المنتشرة خلف الجليد قشعت الظلام الحالك، ولو قليلاً.
هزَّ رافاييل رأسه وتوقف عن التفكير في الأمر.
مهما كان ما حدث، سوف يراه عندما يصل إلى هناك.
كانت وِجهته موجودة بالقرب من قرية الجان الحُمر، كانت تلك غابة الكهوف المحترقة.
الغابة تشكلت من الحمم والأشجار الملتهبة وبعض أنهار الحمم، مما جعلها أرضًا وعِرة وصعبة العيش للبشر، وكانت بـبسيط العبارة منطقةً ينموا فيها الإيغو الناري والمعادن النادرة.
مثلما كان للإيغو تفاوت بين القدرات والمستويات، كان للمواد مثل الأخشاب والمعادن تفاوتات طبقيَّة أيضًا.
المعادن تتشكل في بيئاتها الخاصة، والبيئات الخاصة لها قيمة دائمًا، لذلك سوف يتزايد الخطر مع تزايد غرابة البيئة.
كانت غابة الكهوف المحترقة أحد تلك الأماكن، أي شخص في القمر الأول لن يستطيع النجاة من مدخل الغابة، ناهيك عن أي أحد، حتّى أن الذين وصلوا للقمر الثالث لم يكونوا محصّنين تمامًا.
يمكن للشخص في القمر الثالث أن يستكشف الغابة إلى حدٍ معين فقط، كان ذلك لأن وحوش التسلسل الثالث كانت موجودة، والتي كانت رغم ندرتها بقوة القمر الثالث.
“ لا ننسى أن هناك شائعات عن وجود وحش في مستوى الزعيم الأكبر والذي يوشك على إيقاظ سلالته، مما يجعله يتطور إلى زعيم فائق، فوق ذلك أن تلك الغابة تنتمي إلى أراضي الأقزام والجان الحُمر، لن يقترب أحدٌ من هناك ما لم تكن الفوائد مغرية للغاية ”
الخوف من الخطر؟
هيهيهي، كان من المستحيل أن يصل الجبناء إلى القمر الثالث أبدًا، لأن الوصول إلى ذاك المستوى كان له شروط قاسية للغاية.
الجبناء يخافون من المخاطر، لا يوجد قدر من الأمان يمكنه أن يطمئن قلوبهم، في هذا الكرب المَاحِق، كان مصيرهم مثيرًا للشفقة.
ما يتبيَّن العِلمُ إلا من سعى مثابرٌ، لا يشتدُّ عود إمرؤٌ إلا هو مخاطرٌ.
القوة لا يكتسبها سوى الشجعان، الكارثة تتعايش مع النعمة، وفقط مع وجود فائدة كبيرة، يمكن للجميع التجرؤ على إستكشاف هذا العالم.
المخاطر لا تُخاض إلا مع وجود الكنوز، هكذا هي الحياة.
فكر رافاييل في خطواته التالية بحرص.
رغم أنه يمكنه نسف المكان بما فيه، الخسائر ببساطة لا تحتمل، كان من المقرر أن يصبح بركان المعدن الأحمر نطاقه الخاص، لذلك تنمية الموارد هنا واكتساب الأتباع ضروري.
بعد التفكير بعناية والبحث في المغارات العديدة وحتّى إستكشاف المواريث الغامضة، لم يجد رافاييل أي منطقة تلبي معاييره الخاصة.
كان ذلك حتّى مجيئه إلى هنا، المخاطر كانت عالية، لكنه يمكنه تحمل ذلك.
كان بركان المعدن الأحمر مثاليًا للغاية بالنسبة إلى تخصص رافاييل ودربه، إن تنميته والإستثمار فيه له عدة فوائد.
إنَّ إهلاك البحيرة المتفحمة وتوسيعها كان الخطوة الأولى، ما بقي من المخطط ليس مستعجلاً للغاية …
غالب الأوقات، التدخل في البيئة يسبب الخراب، لكن بعض التدخلات لها نتائج مرغوبة، طالما تم حساب كل شيئٍ جيدًا.
من غير الممكن حَلُّ جميع الأمور بالقوة، في بعض الأحيان، عليك إنتظار الوقت المناسب للتحرك.
في النهاية، الرجل الحكيم يخضع للظروف.
كان مشروع تطوير المكان شيئًا على المدى الطويل، لم يكن من الممكن فعله بسهولة.
الأمر يحتاج الموارد والأيدي العاملة، الموارد يجب أن يكون لها خط إمتداد متجدد، والأيدي العاملة بحاجة إلى الفوائد من أجل تحقيق النتائج.
الحياة عبارة عن خيوط مترابطة، كل خيط يتصل بـخيطٍ آخر، يتشابك المعلوم والمجهول معًا، مما يشكل حلقة وصلٍ غامضة.
العبقري الحقيقي هو من يمكنه رؤية خيوط الترابط الخفية لبيئته، والإستفادة من ذاك الترابط.
عندما يأتي شروق الشمس، سيتم إستخراج سحالي الحمم من الجليد ودراسة سبب نموهم المفاجئ، وإن لم يسيطر عليهم الفساد، قد يكون بيعهم خيارًا جيدًا.
“ … مع نشاطنا المستمر في هذا البركان منذ أسبوع، ناهيك عن الضجةِ التي أحدثتُها، يجب أن يتم تنبيههم الآن، بقي أن أتوجه نحو غابة الكهوف المحترقة ”
من حيث مرور الوقت، يمكن إعتبار أن مهمة الإبادة في مستنقع السموم الألف قد تمَّت، والباقي على وشك الإكتمال.
كان تجميد المنطقة الغربية خطوة مهمة للخطة التي أعدَّها ليون، كان لدى رافاييل تخمين حول ذلك، لكنه لم يتعمق كثيرًا.
“ في أفكار ليون ترى العجائبُ، مِن مكر ما يحيكُ يجهل العالِمُ، ما إنفكَّ إمرؤٌ يتبصَّر نواياه، إلا على ضبابٍ أعمق يُقبِلُ … ”
لكني ليس لي من نواياه ما يثير في فضولي رغبةٌ، فؤادي يجول فيه هدفٌ عالقٌ.
وكان ذلك الشيء المهم هو السبب من المجيء إلى هنا.
بالطبع، لم يجعل رافاييل حركاته علنية لمجرد تنفيذ شروط الخطة، كان لديه نيته الخاصة في الإعتبار عندما قام بتجميد البحيرة المتفحمة.
هدف رافاييل الأكبر الآن كان الوصول إلى الكهوف المحترقة، مكانٌ كذاك كان غامضًا حتّى بالنسبة إلى ساكنيه.
إرسال إشارة تحذير منذ الآن كان خطوة حكيمة.
الجيد أنني لم أقتل هؤلاء المتطفلين، هذا يوفِّر الوقت.
“ من المفترض أن أذهب بتروي، عندها تكون الأخبار منتشرة، ما بعد ذلك مَنُوطٌ بتعاملهم معي، إن لم يكن العداء، يمكن التوصل إلى توافق مرضي … ”
وإن كان العداء؟
أصبحت عيون رافاييل خامدة، كما الشعلة التي أضحت جوفاء.
تسرب عطش الدماء عبر جسده للحظة.
الهواء في المنطقة الغربية بأكمله قد ارتجف.
كيانٌ شرس، تعبير ينضح به المفترس لا غير.
إذا اعترضوا طريقي …
لأحيلنَّهُم رمادًا هشيم.
فإمَّا قَبِلوا الخلاص أو من مَهلَكِهِم لا مناص.
عيون رافاييل توجهت نحو الشمال.
في لحظة، إختفى جفاء الهلاك ونذير الموت الذي أصدره جسده، ثم مشى منطلقًا صامتًا.
درب مشيه كان نحو دار أهل اللهب من قَبِلو لَظَى البركان واختبروا مشقتها.
حيث تواجدت قرية الجان الحُمر.
شَدَّ الرِّحال وله من التعابير ما يُجهل، أفكاره تتوارى عن المعلوم وما يُفهَم.
تاركًا المنطقة الغربية التي طَفَقَت فيها شمسٌ دموية جلبت ثلجًا قرمزيًا.
المكان الذي تركه رافاييل كان صامتًا، لكن أشكال الحياة لم تفنى بالكامل.
“ … هل- هل ما تراه عيناي حقيقي…؟ ”
آذان طويلة وشعر أحمر يرفرف كما لو كان مشتعلاً، وشم يرسم تنينًا يظهر بوضوح في الأذرع، لون بشرتهم كان أبيضًا مضيئًا بـلون شعلة الشمعة.
خارج حدود ما كان سابقًا بحيرة ضخمة ذات أرضٍ ترابية سوداء، وقفت مجموعة صغيرة العدد من الجان الحُمر، مرعوبين، خطر الموت السابق ينهش عقولهم.
الفتاة الشابة غطّت فمها، ارتجافها لم يكن قيد الزوال.
كانت صدمة بقايا طاقة الجوهر التي إنتشرت خارج حدود البحيرة المتفحمة خطيرة للغاية، لولا وجود أحد كبار القبيلة للدفاع عنها، لـكانت أصيبت بجروحٍ بالغة.
نية سفك الدماء الخفيفة داخل طاقة الجوهر تلك أشعرت الفتاة الشابة بالغثيان وكادت تتقيأ.
“ لا نستطيع- لا نستطيع مواجهته … لا يمكننا! ”
تمتمَت السيدة الصغيرة بإرتجاف.
لقد ذهب مصدر الخطر منذ بعض الوقت، لكن الخوف بقى في قلوب الجميع.
“ هييك! هيك! هيك! ”
إستنشقت الفتاة الهواء بقوة، وكان توترها في أقصى مراحله.
تقيؤ!
خرجت السوائل من فمها بقوة، وشعر جسدها بالضعف.
عطش الدماء قد إنتشر للحظة.
رغبة رافاييل في سفك الدماء قد إنتشرت للحظة فقط، لكن لم يسلم أي مخلوق في المنطقة الغربية منها.
كان هذا هو الفرق الشاسع بين القوي والضعيف.
هذا هو الفرق بينهم، هذا هو طغيان الأقوياء.
ذاك الرعب … إنه ليس بـشيئٍ شهِدَت عليه منذ الولادة.
كان الآخرون في حالة من الرعب كذلك، لكن وضعها كان الأسوأ.
“ غانيشا؟ غانيشا! ”
هناك ثلاث جوانب لإستخدام طاقة الجوهر في هذا العالم.
الإستشعار، الإمتصاص، الإستخراج.
كان لدى الجميع في إحساس بالطاقة السحرية، مدى إحساسهم بـ تلك الطاقة يعتمد على متغيرات عديدة.
بطبيعة الحال، هناك دائمًا من هم أفضل وأسوأ فيما يتعلق بذلك، هناك سلالات متفوقة في هذا الجانب، الجان الحُمر كانوا إحدى تلك السلالات.
لماذا كانت الفتاة الشابة في حالة مريعة؟
كان السبب بسيطًا، إستشعارها لـطاقة الجوهر مهول للغاية، كانت موهوبة بين الموهوبين، حتّى أن هناك بعض الكيانات القوية لا تقارن بها من هذه الناحية.
لذلك، تأثير بقايا هجوم رافاييل المتناثرة على قلب الجوهر خاصتها كان مدمرًا إلى حدٍ ما.
كان الجان الحُمر مخلوقاتٍ عاشوا في الطبيعة، من المنطقي، أنه مع تعرضهم لطاقة الجوهر البركانية، إحساسهم تجاه اللهيب كان أفضل من البقية.
مع مثل هذه المعطيات، يمكن تخيل مدى قوة هجوم رافاييل، الذي كان يحاكي إنفجارًا شمسيًا باردًا.
تقدمت إمرأة تجاه الفتاة بسرعة.
مدت يدها على وجه السرعة نحو السيدة الصغيرة، ظهر ضوءٌ أحمر وإنتشر عبر جسدها.
هوووو …
بدأت الرجفات تَقِلُّ، شحوب وجهها إختفى، الدوار لم يعد يقيد تفكيرها.
“ غانيشا … هل أنتِ بخير؟ ”
“ … نعم، خالتي، أنا بخيرٍ الآن ”
وقفت السيدة الصغيرة على قدميها، كانت تحدق في البحيرة المتجمدة، كان من الممكن رؤية أن الوحوش في الداخل محبوسة.
“ سيدتي، أعرف أن هذه وقاحة مني لكن … أعتقد أن علينا العودة وتبليغ القبيلة بسرعة ”
أحد المرؤوسين ركع على قدم واحدة، مع نبرة صوت محترمة للغاية قام بذكر حقيقة تجاهلوها حتّى الآن.
الجان الأنثى التي تحدث معها كانت ذات رأس أحمر ذهبي قليلاً.
علامة التنين على يدها تشابهت مع لون شعرها، الخط الأبيض في عيونها الحمراء كان واضحًا، وكان إسمها هو ديشا، خالة سيدة قبيلتهم الشابة.
“ هممم … ” فركت ديشا ذقنها وفكرَت بعمق، “ يبدوا أنه يمشي نحو قبيلتنا بوتيرة بطيئة، إن نواياه غير معروفة، لكن آمل أن هذه البادرة تعني أنه يعطينا وقتًا لتبليغهم، طالما لا يوجد خلاف عميق، علينا أن نتوصل إلى توافق معه ”
كان من المستحيل أن رافاييل لم يكتشف وجودهم، عدم قتلهم كان يعني أنه لم يهتم بهم، أو أنه يريد منهم توصيل أخبار ذهابه إلى قبيلتهم.
من الأفضل القيام بذلك بسرعة.
حتّى مع تجمد البحيرة المتفحمة، كان لا يزال هناك وحوش في البركان، من الأفضل التحرك قبل تجمعهم مرة أخرى.
كانت البحيرة المتفحمة مجرد جانب كبير من المنطقة الغربية.
لم يتم تجميد المنطقة الغربية بأكملها، وكان هناك وحوش كثيرة العدد ومتزايدة الخطر.
رغم أنهم لن يجرؤو على التحرك لفترة بسبب نية سفك الدم السابقة، إلا أن الوحوش لن تطيل قبل التوحّش.
كان هذا الوقت من السنة قريبًا من موعد بداية المد الوحشي، والذي يحصل في فترات تزاوج وحوش جزيرة القمر.
في الواقع، كان حال وحوش بركان المعدن الأحمر غريبًا في الآونة الأخيرة، كان المستكشفين يحللون الأوضاع، ولم تكن تصرفات وحوش اللهب مألوفةً البتَّة.
هذا مدعاةً للقلق، لكن لم يكن مستعجلاً بقدر الوضع الحالي.
بعد تجميع أفكارها، أعطت ديشا أوامرها بسرعة.
“ أنت محق، غانيشا، أعرف أن هذا مرهق قليلاً، لكن علينا التحرك ”
“ أنا أفهم، أيضًا … هناك ما علي إخبار والدي عنه، إنه ذاك اليوم، أخيرًا قد وصل ”
“ … بسرعة! لنذهب بسرعة! ”
كانت كلمات السيدة الصغيرة، والتي إسمها غانيشا، صادمة للغاية، ذلك زاد حافزهم للوصول إلى قريتهم أسرع.
اليوم الموعود!
كان ثٌقل هذه الكلمات كبيرًا للغاية، بل هائلاً حتّى!
بسرعة! بسرعة! بسرعة!!
سووش! سووش! سووش!
خلال الصمت المُحدِق، ظلالٌ حمراء تشابكت حركاتها عبر الجليد المتجمد، كما لو كانت العوائق وفرق البيئة بدون صلة بالنسبة لهم.
نحو قريتهم، حملوا معهم أخبارًا مهمة.
لقد كان رد فعلهم تجاه الغارة الوحشية سريعًا، وحملوا تقاريرًا تجاه التغيرات الغريبة مؤخرًا.
بالتأكيد، لقد كانوا أسرع من المستكشفين الخبراء في هذه الناحية.
لكن.
الأوان قد فات.
الوحوش قد هاجمت تجاه قريتهم بالفعل.
لقد كانت غابة الكهوف المحترقة في هياجٍ لم يُبصِره خَلقٌ منذ أمدٍ مديد.
هلاكٌ من هوله شَملَ جزيرتهم، تثار فيه صرخات القوي والضعيف.
ومِن بؤس ما كان حالهم.
كانت هذه الليلة مجرد البداية.
ليلة النذير الدموي.
ــــــــــــــــــ
كان حقل الأراضي المتفحمة عبر الأفق مشتعلاً، الحرارة تزايدت مع كل خطوة، وكان الهواء وقودًا تسلبه النيران الطاغية.
هدير—!! هدير—!! هدير—!!
أصوات الزئير أصدحت، مسببةً هزَّةً لا ضحك عليها المرء أو فرِح.
سيل ضوارٍ إشتعلت بها اللَّظَى في منتصف ليل الدَّجَى، تاركةً القلوب تهلع وعلى حالها تخشع.
في مكانٍ متعرج المعالم، الكهوف الضخمة وقفت شامخة كما الأهوال، كانت هناك ثقوب صغيرة على الكهوف ترسم إبتسامة مشؤومة.
بدلاً من الصخور السوداء العادية، أضاءت الكهوف بالنور الأحمر، مشتعلة مهيبة.
زئير—!
كشَّر الوحش عن أنيابه مهاجمًا عدوه.
أسد ذا فراء لهيبٍ وفي ثنايا أقدامه صخور سوداء تلمع، ثلاثة ذيول تراقصت في الهواء كما السياط تجلد الآثمين.
طار الأسد في الهواء بطغيان وحرك مخالبه الصلبة مع ذيوله الثلاث.
سووش—!
لكن الوحش المفترس الآخر لم يكن هينًا أيضًا، إشتعل ريش جسده وطار بعيدًا في لحظة، كان هذا طائرًا ذا وقارٍ وكبرياء، لم يقبل قتال الخسيس من الأعداء.
كان هذا صراع الملوك الأقوياء!
كوووووه—!
أصدر الطائر الملتهب صوتًا يهلك الآذان ويترك فيها نزيفًا.
كواك! كواك! كواك!
مع تراقصه في الهواء برشاقة، تحركت أجنحته وأطلق ريشه كما الأسياف تقطع أعدائها.
زئير—!
لم يتوانى الأسد ثلاثي الذيول، مع هديره تناثر اللهب في فراءه نحو الهواء حول جسده، مما حماه من الهجوم وعافاه.
بام! بام! بام!
إنفجر الريش مع إصطدامه بالأسد والأراضي التي شابهت الجمر المحترق.
الحشرات الصغيرة تنازعت وتكاتفت، بعضهم فنى إثر المعارك، بعضهم إقتاتو على جثث الضواري النافقة وجثثهم.
حدق الأسد ثلاثي الذيول في الطائر الملتهب بحدة، الأخير لم يتوانى في عدائه.
زئير—!!
كوووووه—!!
بوووووم!
إصطدم الإثنان ببعض، المخالب تقطع الريش، الريش يطعن في الجسد، يدمران البيئة حولهما.
كان هذا حال كل ما في هذه الأرض المحترقة.
كان هذا يوم ولادة ملك.
يجب تحديد التسلسل الهرمي بشكلٍ واضح، من يبقى ومن يفنى، من يُشرَّف ومن يُذل.
في السماء إنفجر اللهب هشيمًا، في الأراضي أضحى الرماد عواصف، ولم يكن لأحدٍ مهرب أو مضجع.
مثوى الضعيف هو الفَنَاء!
كانت غابة الكهوف المحترقة في فوضى، ولم يكن حال خارجها أفضل البتَّة.
غوب! غوب! غوب!
أصدرت أصوات خطواتهم نغماتٍ تنذر بالموت، كان في عِدَّتِهم ما لا يُرغب.
هدير! هدير! هدير!
مدٌّ من الوحوش المختلفة، ما لا يجب حدوثه كان أمام عيون قوم هذه القرية.
كان مدُّ الوحوش يحدث حين يكثر عدد سلالةٍ ما عن ما يفوق المحتمل، فتحدث الصراعات بين الوحوش على الغذاء فيبقى الفائز يُنفى الخاسر.
كان من المفترض أن يكون مدُّ هذا العام عبارة عن سحالي الحمم العملاقة وعلى رأسهم سحلية صخور الحمم.
هذا ما إعتقدوا وفي عقولهم رسَّخوا.
بالطبع احتاطت قبيلتهم بعض الشيء من غابة الكهوف المحترقة، إذ لم تكن هذه الأرض ملاذًا آمنًا بالكامل، لكن هذا فاق ما يعقله عاقل!
من توقع أن تهيج هذه الضواري ضد الجان الحُمر الذي هم أقوى منهم، فجأة؟
“ … هذا لا يُبشِّر بالخير ”
طاف في الهواء رجلٌ حسنُ المظهر، في عيونه ترى من الحكمة مبلغًا، رزانة وهدوء لا يمتلكه من القادة إلا عددًا.
كان يُبصِر أمامه نذيرًا لمثوى الهلاك، لكن قلبه لم تتموج فيه أي تقلبات.
رداءٌ منيرٌ كما الشمس باديًا عليه الوقار، سيفه يتمايل مع الريح كما شعلة الجحيم الدائم، لم يكن السيف صلبًا ولكن لم يكن ناعمًا، لقد كان لهبًا بالمعنى الحرفي.
خصلات شعرٍ أحمر ذهبي طويل، عيونٌ باردة قرمزية يحدُّها خطٌّ أبيض ناصع.
هالته الطاغية ما لبِث خَلقٌ إلا رَجِفَ كيانه أمامها.
وكان هذا هو ملك قبيلة الجان الحُمر، أخيل لوغانوس، الذي كان لقبه هو الجمر المنسي، بطلٌ عبقري، ذاق من الحياة أهوالها وخَبِرَ فيها الكثير.
“ يا شعبي، يا إخوتي، يا محاربيَّ الشجعان! ”
صدى الكلمات الهادئة دخل كما الهمس في القلوب، ولم يشرد عن حديثه أحد.
كان يطفو أمام القرية رَجلٌ واحد، مقارنة بحجمها كان أصغر بما لا يقارن.
لكن هذا الشخص لم يكن مجرد أي شخص … إنه قائد، إنه ملك، إنه محارب!
وقف جيشٌ من الجان الحُمر أمام أسوار موطنهم.
كلاك! كلاك! كلاك!
الأسياف والرماح ضربت الأرض الجرداء بإنسجام.
“ أقبِلو يا إخوتي—!! ”
كما الرعد الكاسر إنتشر صوت أخيل عبر الهواء.
أمام جنوده وإخوته طاف بكل كبرياء!
“ ها هي لحظة البداية! فـهيا أقبِلو! ما هو آتٍ ما أبصرته عينٌ قبلها أو رأت! فـهيا أقبِلو! إنِّي لكم حاميًا وأخًا، إني لكم قائدًا ومُرشِدًا! فـهيا أقبِلو—!! ”
ردَّ الشجعان بأصواتٍ تصدح، هديرهم يزلزل السماء.
“ يا مَلِكَنا لك مُخلِصون! ”
“ حتّى مماتنا إنَّا لكَ مُخلِصون! ولو كانت الصعاب في دربنا ما نحنُ بـخاضعون—!! ”
ومع أصوات صرخاتهم، مسيرهم نحو الأمام قد بدأ، ببطئٍ مشوا في نظام، في إنتظار إشارة الملك.
بعيونه الباردة نحو الأمام، أمسك أخيل سيفه بهدوء، ثم …
سووش ~
السيف المشتعل قطع الهواء بخفة، إذ فبـجمرةٍ صغيرة تظهر كما شكل النصل الذي هو سببها.
هذا الجمر تباهى في شرره منطلقًا في الهواء.
وفي لحظة لم يتداركها لا وحوش اللهب أو جنود أخيل، أضحى الجمر شعلة ضخمة حرارتها أحرقت حتّى الهواء من حولها.
مدّ سيفه ثم بتلويحة أخرى، ضرب نحو الشعلة.
سوووش!!
إنطلقت الشعلة بسرعة هائلة فجأة!
بااااااام—!!
“ كرررراااااغغ!! ”
“ هدير—!!! ”
“ كاااااااه—!! ”
تم تحميص الوحوش وإبادتهم على الفور.
بام! بام! بام!
إنتشر الإنفجار أكثر فأكثر، وإحترقت الوحوش بما يفوق ما تَقدِر فصاروا رمادًا هباءً.
حفرة ضخمة من الجمر المحترق ينثر بعد حلوله الرماد نشأت.
سيل ضواري اللهب تباطأ ودخل في الفوضى، جثث القتلى أعاقت السبيل وكان لهم عِدَّةٌ من الجرحى.
كانت هذه هي الإشارة.
هذا التباطؤ لم يلاحظه الجان الحُمر إلا واستغلوه.
“ الآن! هاجمو! هاجمو! رااااااه—!!! ”
“ آآااااااه—!! ”
“ أورياااااا—!! ”
“ قتل! قتل! قتل! ”
سوووش! سووش! سووش!
ظلالٌ حمراء تشع لهيبًا إختفت برهةً وسرعان ما تظهر وتختفي.
باااام! كواانغ! كوااانغ!
إنفجر اللهيب الساطع في الجو فتسقط شظاياه على الوحوش المرتبكة.
ذوي الأسياف والحِراب إنطلقو مندفعين بقوة جبارة، طاعنين في أجساد الوحوش، تارةً أسدٌ فتارةٌ أخرى نمر، ذئب غزال وحتّى طير.
بام! بام! بام! بام!
نملٌ مشتعل بحجم الإنسان له من العدد القليل لكنه ذا قوة جبارة، ضرب النمل بأجسادهم تجاه المعتدين، كمّاشاتهم القاطعة تنفتح فتنقبض، على أمل أن تمسك بين ثناياها، رأس فريسة.
كوانغ! كوانغ! باااام!
إيغو سيف اللهب الأحمر!
إيغو صولجان شعلة الأهوال!
ضرب أحد قادة القبيلة بسيف في ذراعه اليسرى وصولجان في ذراعٍ أخرى بلا هوادة.
يقطع بقوة نملة من قريب، فيمد الصولجان ليطلق لهبًا من بعيد.
“ الوحدة الرابعة، تراجعوا بسرعة! الوحدة الخامسة، غطوا فراغ الوحدة الرابعة! وحدة الدعم، ألقوا جرعات ضباب الأحلام الوردية! رماة السهام، أبيدو الميمنة! ”
لا تتوانوا ولا تنهزموا!
بينما يسيطر على وحدة الهجوم الأولى، قام هذا القائد بتوجيه الجنود بسرعة، بينما يبقى الأول في الأمام.
لكن رغم ذلك، لم يتم تسمية الوحوش بكنيتهم عبثًا، لم يكن قتالهم سهلاً.
“ كيااااغ! ”
“ اللعنة! إنهم كثرة العدد! لا تدعوهم يصِلوا إلى الأسوار! ”
“ آااااك!! ”
كانت مقدمة المعركة مليئة بالدماء، حيث اختلطت صيحات البشر والوحوش، مما ينقش في القلب لوحةً بديعة لما تعنيه المآسي.
كان محاربٌ شاب يمسك بما كان سابقًا ذراعه اليسرى، جارًّا جثة نحو الخلف، بينما يتصدى للوحوش بجسده كالدرع.
“ … لن، لن أدعك تموت، أنا لن … أنا لن أدعك تفنى! ”
كان هذا المحارب فاقد الوعي هو صديقه.
بينما كان يقتل النمل، لم يلاحظ المحارب الشاب أن هناك سحلية تهاجمه من الخلف، فإذ بصديقه يعيق الهجوم، مما ترك وطأة الهجوم تصيبه.
لكن المحارب الشاب تدارك الموقف بسرعة، وبإختياره التضحية بذراعه، أغاثَ صديقه من التهلكة، لكنه على وشك ذلك إن لم يُعالَج.
إنِّي لـسفيهٌ، لولا تكابري … لما حصل ذلك.
لا، لو لم أكن ضعيفًا، لما كان في حالنا الرثاء أو المهانة.
تراجع المحارب الشاب بأقصى ما يقدر، جسده النازف رسم عبر الأرض المتفحمة دربًا، إختلطت رائحة الدم والحرائق المتناثرة، مما يجعل التنفس أصعب.
ضعيف … ضعيف، ضعيف أيَّما ضعف!
تصادمت أضراسه ببعضها دلالةً على مدى سخطه، جسده الدامي حمى صديقه بكل ما يقدر.
كان على وشك فقدان الوعي.
… لا-لا.
لا … ليس بعد … لا، لا، لا!
ناشد جسده المتعب للتحرك.
تحرك! تحرك! تحرك أيها اللعين!!
لكن لم يكن الأمر بيده.
تم إستنفاذ طاقة الجوهر بالفعل، الإيغو في حالة حرجة، قدرة تحمله أستنزِفَت مع سيلان دمه وفقدانه.
لم يكن هناك ما يمكنه فعله.
سووش!
لم تترك إحدى الطيور تلك الفرصة، وإنقضَّت نحو الإثنان بسرعة مرعبة.
زحف المحارب الشاب بكل قوته وبالكاد سحب جسد صديقه.
بام!
ضربت المناقير الأرض وأحدثت ثقبًا كبيرًا.
“ كاااااك! ”
فتح الطائر منقاره غاضبًا، مصدرًا موجة صوتية تسببت في نزيف آذان المحارب الشاب.
“ كيااااغغغ! ”
أحسَّ بالداور، بالكاد أغمي عليه، لكنه جاهد نفسه واضعًا يديه عبر آذان صديقه.
لم يحصل للفاقد وعيه شيء.
يبدوا أن تأثير هذا الهجوم الصوتي لا يؤثر في فاقدي الوعي.
“ … لا فرصة للنجاة ”
تمتم في نفسه والقنوط ينهش فؤاده.
“ لكن لا يهم، سوف أحمي وطني وشعبي! تعال! تعال أيها الطائر اللعين!! ”
أمسكَ المحارب الشاب سيفه وحمى صديقه بجسده، مستعدًا للهلاك مع هذه الوحوش!
إنَّك لـهالكٌ! إني لـقاتلك! لأحرقنَّك رمادًا!!
“ أورياااااا—! ”
هاجمَ نحو الطائر الغاضب بكل قوته.
بام! بام! بام!
تساقطت كرات كبيرة متفحمة عبر ساحة المعركة، إنفجر اللهيب وتناثرت شظايا الفحم بسرعة فائقة.
الطيور المسيطرة على السماء تخرج فضلاتها التي كانت قنابلاً متفجرة بأعدادٍ مهولة.
“ اللعنة! رماة السهام! اقضوا عليهم بسرعة! ”
“ أغيثوا الجرحى! أغيثوا الجرحى! لا تلبثوا هالعين يا إخوتي! ”
“ يا لوسيوس! سوف يضحى الجنود أقوى بـسحر الدعم خاصتي! إحمِني حتّى أنتهي! ”
“ حسنًا! ”
أمسك لوسيوس ترسه ورماه بقوة نحو الحشرات الكبيرة أمامه، بينما يقطع برمحه الطيور الهائجة المهاجمة نحوه.
إيغو ترس رماد الشعلة البيضاء!
إيغو رمح اللهب العاصف!
كواك! كواك! كواك!
“ كرررررر!! ”
“ هدير—! ”
“ كاااااااه! ”
يمد لوسيوس ذراعه فإذ بالترس يندفع كما لو كان دمية تتبع مسار ذراعه، الترس ذا لهيبٍ أبيض، كل ما يلامسه يضحى رمادًا أبيض.
الرمح يطلق هجومًا قاطع وتشي اللهب الذي يقطع البعيد.
بووم!
دفع لوسيوس بقدمه على التراب المتفحم والرماد، مما جعل ذاك الرماد ينتشر كما العاصفة.
ممسكًا رمحه المهيب، قطعَ الهواء بقوة طاغية فتمسي العاصفة إعصارًا ملتهبًا.
ضرب الإعصار تجاه النمل والحشرات العملاقة الأخرى.
بام! بام! بام!
كان عدد الوحوش مرعبًا، لكن عيوب إختلاط عدة أجناس بدون قيادة تفوق المزايا، تلك هي الفوضى.
ناهيك عن أن معظم هذه الوحوش كانت وحوشًا في التسلسل الأول، والذين في التسلسل الثاني كانوا أقل عددًا.
حتّى أنه لم يكن هناك سوى وحش زعيم أصغر واحد، والذي يقارن بالقمر الثاني لا غير، وحوش التسلسل الثاني لن ينصاعوا له حتّى لو كان أقوى.
كانت الوحوش المهولة بحق متواجدة في غابة الكهوف المحترقة، يحاربون بعضهم للممات.
بالطبع، لم يعني ذلك أن الخسائر صغيرة.
“ دووورياااااا—! ”
مع صرخة الحرب الهائلة، تم قطع الرمح تجاه الإعصار.
بوووووم—!!
الإنفجار الهائل عصف بالمنطقة بكاملها!
“ اللعنة! لوسيوس أيها الأحمق! كِدتُ اتشتت بسببك! ”
صرخ الساحر وراء لوسيوس، رغم ذلك حركاته لم تتباطأ.
مدّ صولجانه نحو السماء، كما تلا في قلبه.
أنير درب إخوتي في حربنا، عسى غدًا يضحي مشرقًا لشعبنا.
الصولجان أضاء المنطقة بلونٍ ذهبي لامع، خمدت قوة هجمات العدو قليلاً مع تلامسهم بالنور، لكن العكس حدث للمحاربين.
لقد أصبحوا أقوى.
أضيء أملاً لا إنطفأ أو يخبو، قويٌ أم ضعيفٌ عدونا سيوفنا مسلولة لا تنبو.
فها نحن تحت نور ساحة المعركة المجيدة، ننتصر ولا نخسر أبديةً مديدة!
[ الساعي نحو ضوء الأفق: النجم الثاني]
[ تحت نور ساحة المعركة!]
سوووش!
النور المشرق في الصولجان طاف في الهواء وأنار ساحة المعركة بأكملها!
المصابين بدأت جِراحهم تتعافى، من نضبت عندهم طاقة الجوهر بدأت تمتلئ، بالطبع هذا التأثير لم يشمل الإيغو.
كان الذين يستطيعون تعزيز الإيغو نادرين للغاية.
لكن لم يكن ذلك ضروريًا في الواقع، طالما أن الجِراح تشفى وطاقة الجوهر تُستعاد، حالة القتال سوف تنقلب.
“ الآن! الآن! الآن هاجموا وأقتُلو بكل ما لبِث من غضبكم وبقي! ”
“ اورا! اورا اورا اورا—! ”
مع إنتشار ضوء ساحة المعركة، أضحى الجان الحُمر أقوى، وعلى العكس كانت الوحوش تصبح أضعف بسبب هذا الضوء.
كان أسلوب تحت نور ساحة المعركة في جوهره مزيجًا بين طاقة الجوهر للنار والضوء، من المفترض أن لا يؤثر على وحوش اللهب.
لكن هذا الأسلوب المُركَّب يحتوي على دماء الجان الحُمر، الذين لهم قدرات طبيعية في إخضاع وحوش اللهب.
ماذا يعني ذلك؟
كانت غريزة الخضوع لدى هذه الوحوش تقلل شراستهم تجاه الجان الحُمر، مما يقلل من قوتهم حتّى على حساب غريزة البقاء.
للأسف، لم يكن الأسلوب المركَّب قويًا بما يكفي للسيطرة على الوحوش، نظرًا لكون الساحر ضعيفًا من ناحية السيطرة.
كانت هناك حاجة لكمية كافية من قوة الإرادة والقوة العقلية للسيطرة على حشود الوحوش.
لذلك كان تركيز هذا الأسلوب المُركَّب على دعم الحلفاء وإضعاف العدو.
كان الوحوش أقوى من البشر طبيعيًا، منذ الولادة كانو أقوياء، وتطور قوتهم يتم عبر إفتراس العدو ومدة العيش، كلما تم إفتراس عدوٍ أقوى، أصبحوا أعتى.
لذلك لم يكن قتال الوحوش من نفس المستوى أو أدنى سهلاً.
لو افترضنا أن محاربًا في القمر الثاني يساوي قوة 20 في ذروة القمر الأول، إذًا ماذا لو أضحوا أربعينًا، ثلاثمئة، ألفًا؟
يمكن سد فجوة الجودة بالكمية دائمًا، بالطبع هناك إستثناءات.
على سبيل المثال، القمر الثالث.
وكان هؤلاء قوة لا يمكن التغلب عليها إلا بوجود قوة متماثلة.
كان أخيل على وشك دحر هذا المدِّ الوحشي والإستعداد لامد الذي بعده، والذي هو أسوأ.
وووش ~
نسمة من الرياح الدافئة مرّت عبر ساحة المعركة بأكملها.
كان من المفترض أن لا يهتم أحد.
كان يجدر بهم تجاهل ذلك والمضي قدمًا.
لكن.
بشرًا كانوا أم وحوشًا.
أضحت أجسادهم ثقيلة كما الجبال، الرياح توقفت عن الهبوب.
ما هذا الشعور؟
إنه مألوف …
لأول مرة، تشارك البشر والوحوش نفس العاطفة، إذ عواطف غريبة تجتاح أفئدتهم.
أولئك ذوي الغريزة المصقولة ومن ذاقو مرارة المعارك أحسُّوا بذلك أعمق.
العرق البارد جفَّ في الجو قبل سقوطه، درجة الحرارة المتزايدة أصبحت خانقة.
“ هرغغغ … ”
“ … هييك … هييك … كرغغع ”
البعض لم يسعهم التنفس، الضعفاء فقدوا الوعي بالفعل.
لكن، لم يمتلك أحدٌ الجسارة لمحاولة الحركة.
كما لو أن لحظات الزمن تجمدت، والأصوات انعدمت، كل شيئٍ توقف تمامًا.
تاك، تاك، تاك.
أصوات خطواتٍ خفيفة كما نبض القلب الرزين، عيون الضواري والجان تحولوا نحو مصدر ذاك الصوت.
ما رأته العين كذَّبه العقل، ما قبِله العقل خافه القلب.
وعواطف القلب جسَّدها الجسد.
لهب.
إنه بالتأكيد منظر يرونه كل لحظات اليوم، كل يوم، طول الحياة.
لكن هذا … هذا ما لم تشهده عيونه أبدًا.
لهيبٌ مهول يغطّي السماء بأكملها.
ذهبي يلمع، حتّى أسلوب تحت نور ساحة المعركة باهت بالمقارنة، إنه لا يستحق المقارنة حتّى.
لهيبٌ ما حُكي عنه وما أنا عنه سمِعتُ، في أعتى خيالي لم أتفكَّر به أو صدَّقتُ.
شابٌ في مقتبل العمر كان يمشي عبر اللهيب في السماء.
لم يسع أحدٌ التفكير، لا في المقاومة، لا في الهروب، لا شيء.
في عقولهم الخاوية، لم يبقى شيء.
فقط تعبيرٌ أجوف يرى هول ما في السماء.
“ الوحوش لن تفهم كلماتي ببساطة، إذًا … ”
تحدث الشاب بصوتٍ واضح، ولم يجرؤ أحدٌ على إصدار صوت.
لمعت عيون الشاب ذهبي العينين، محدِّقًا في الأرض أدناه.
مدَّ إصبعه نحوهم، فإذ باللهب فوق يسقط ببطئ.
رغم ذلك، لم يتحرك أحد.
[ ملك لهب السماء: النجم الأول]
[ مجال الملك: خضوع البائسين]
اللهب تلامس مع جميع الضواري، رغم ذلك لم يحدث شيء.
فقط رمادٌ ذهبي يخطف الأبصار انتشر عبر المكان.
ثم بعدها …
“ أنزلوا رؤوسكم ”
الكلمات لم تكن ما يدخل إلى المسامع فتدخل العقل.
لا، لقد كان ذلك نقشًا داخل الروح.
الكلمات ذاتها كانت تجسيدًا لما يحرك كيانهم.
القوة تسكن الكلمات ذاتها.
الطاعة المطلقة.
طاعة القوي.
هذا هو كل شيء.
تحركت الوحوش في إنسجام، جميعها، سواء الواقعة في الفساد أو صافية العقل، لم يكن هناك إستثناء.
أنزلوا رؤوسهم في نفس الوقت، ببطئ، بإحترام، بطاعة.
تاك، تاك، تاك.
مشى الشاب عبر سلالم اللهيب المتشكلة في الجو نزولاً.
حيث مازال معظم اللهيب الذهبي يغطي السماء، ضباب الرماد لم يختفي في الأنحاء، وحوشٌ خاضعة بعيونٍ جوفاء.
“ يا شعب الجان الحُمر، يا من كان موطنهم هو لهيب هذه الأرض، إن لي عندكم طلبًا ”
تحدَّث الشاب بهدوء، إبتسامة غامضة ملتصقة بوجهه.
“ … أنا ملك الجان الحُمر، أخيل لوغانوس، أحيي ضيفنا، أتتني أخبار وصولك، أقبِل وأطلب، إنَّا لتلبية طلبك لسنا مُعرِضون ”
رغم هول ما تراه عينه، رغم تكذيب عيونه ما رآه، بقي هادئًا مهما كان الوضع.
“ حسنٌ للغاية ” فكّر الشاب قليلاً، قبل أن يجيب: “ إنَّ لي شأنًا مع غابة الكهوف المحترقة، فإذ بي آتي راغبًا في دخولها ”
“ … هذا لا يصعب على قوة فخامتك، إذًا لك من مجيئك نية أخرى؟ ”
كان رافاييل يمدح الرجل داخليًا، فقد فهم الوضع بسرعة.
“ نعم، كما ترى، أوضاع الغابة لا يسلم منها إمرؤٌ بسهولة، وحال أهلكم تأتيه الوحوش الضارية، ذلك لم يَرُق لي البتّة، فـرغِبتُ بتطهير الغابة من أجلكم، مقابل السماح لي بإكمال شأني هناك بلا نميمة تحكى أو عيون تتطفل ”
“ … إن هذا سهل، لا، أنا أرجو فخامتك، كان في رغبتي أن أفعل، لكن الوحش المعشعش هناك لن يفنى بلا تضحياتٍ كثيرة، إعذِر وقاحتي على طلبي، أرجوك ياعد شعبي، نحن لن نبخل عليك مقابلاً ”
أنزل أخيل رأسه، طالبًا راجيًا من هذا الشاب.
لم يكن هناك حاجة للتفكير حتّى، إنه أضعف من هذا الشاب.
لم يعرف معظم من في القبيلة خطورة الوضع.
كان المد الوحشي يعني أن تطور الوحش الأقوى في بركان المعدن الأحمر على وشك الإكتمال، كان هذا أسرع مما توقع الجميع.
كان ذلك خطرًا هائلاً، ما لم يُقضى عليه قبل إكتمال تطوره، هلاكٌ لا أمل لهم فيه ما ينتظرهم، قبيلتهم والأقزام الحُمر أيضًا، سوف يهلكون.
لكن يوم يقظة هذا الوحش، دخول البدر القرمزي كان علامة.
علامة يوم إزدهارهم أو هلاكهم، ذلك يعتمد على كيف يتعامل أخيل مع الموقف.
“ لستُ خجلاً من التوسل والكرب إن كان من أجل شعبي، سواء كان البناء أو التدمير، لن أتوانى من أجلهم ولو للحظة ”
كان هذا واجبه كـملك، كـقائد وحتّى كـفرد في القبيلة.
لذلك، يجب عليه أن يفتح أبواب قبيلته المغلقة لسنوات مرة أخرى، حتّى لو كان هناك معارضة.
توجهت عيونه نحو الشاب الواقف فوق سلالم اللهيب الطافي.
“ يا ملك الجان الحُمر، يبدوا أننا نتشارك الأفكار بحق، إنِّي كنتُ لهذا الأمر أتفكر، وأعطيك موافقتي بالكامل ”
إبتسم الشاب أمام أخيل.
“ سوف نذهب لدحر غابة الكهوف المحترقة ”
إبتسم أخيل في المقابل، “ آمل ذلك حقًا ”
إني أتمنى ذلك بحق.
أغلق أخيل عينيه، يتذكر وصية الأجداد.
“ سوف يأتي سليل ذاك الشخص يومًا ما، عندها سوف تبدأ رمال الزمن المنسي بالحركة مرة أخرى ”
“ يا أحفادي، لا تتوانوا أو تخافوا، نحن لا نخشى الشدائد، درب النجاح يأتي للذين يمشون نحو المخاطر ”
كيف عرف أخيل هذا؟
كان ذلك بسبب هذه الطاقة الفريدة، إنه يتذكرها بالكامل، من المستحيل له نسيانها البتة.
هذه الهالة يتذكرها كما الأمس، لذلك لن يخطئ في معرفتها.
أخيراً …
اليوم الموعود … لقد أتى أخيرًا.
هذا الشاب.
إنه من انتظروه لفترة طويلة.