74 - الفصل 74: درب البائسين مليئٌ دائمًا بالنوايا الحسنة (6)

الفصل 74: درب البائسين مليئٌ دائمًا بالنوايا الحسنة (6).

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

المحارب الأقوى في جيل الشباب، أسطورة مدينة كايتونا، والحارس الأوفى للطائفة.

كلب الحراسة البارد، باي سانغ.

لقد هُزِمَ أمام إخوته ببساطة.

مِن قِبل الفتى الشاب الذي يمشي في ساحة الدماء الفوضوية.

“ التالي ”

لم يكن ما صدر عن الفتى طلبًا، إنه شيئٌ قاله، وهُم سيقومون به.

لقد كان الجسد يمتثل للكلمات كما لو كان ممسوسًا.

“ اااااااه! ”

هاجمه أربعة محاربين بسرعة

كان لدى ثقافة شعب كانغهوا محاربٌ يشبه مصطلحه كلمة الساحر في الثقافات الثلاث الأخرى، وقد كان يسمى المشعوذ.

كان أحد الأربعة مشعوذًا، قام بالتراجع لمسافة كافية، مستعدًا لإطلاق تعاويذ الجليد، كان في الأمام محارب ضخم البنية، يمسك درعًا ضخمًا ويستعد للإصطدام.

الإثنان الآخران قاما بتطويقه من الجهتين.

بام!

ضرب المحارب الضخم جثة ليون، مما جعله يطير للخلف.

كان الآخرين مستعدين، ولم يضيعوا فرصة الهجوم.

كواك! كواك!

رياح صقيعٍ حادة كما الأسياف طارت في الجو!

كان ليون الذي يتشقلب في الجو يبتسم ساخرًا.

ثم!

باي يرين الفاقدة للوعي طافت وأصبحت أمام جسده!

كما درع اللحم!

“ هذا اللعين! ”

“ الا تعرف الشرف! ”

كاد يبصق أفراد طائفة الصقيع الأحمر الدم من الغضب!

عديم الشرف! هذا الوقح!

كواك!

قام أحد رماة الأسهم بضرب شفرات الرياح الصقيعية قبل اصطدامها بجسم باي يرين المغطّى بحاجز شفّاف.

بينما كان في الهواء، وقبل أن يتحرك أحد، لوح ليون بذراعه وطار جسد باي يرين للخلف، نحو حلفائه بسرعة فائقة.

“ هذا الفاسق! ”

ضحك ليون بجفاف، يسخر بشدة “ هيهيهي، إن لم تكونوا حذرين، سوف يُشوّه وجه طفلة سيدة طائفتكم، ربما لم تولد في أحضان الزواج، بل ربما هذه الزانية حملت بها فجأة بدون تخطيط! هذا إن كانت زعيمة طائفتكم إمرأة حتّى، هاهاها! ”

قام بسحق الأسهم المتجهة نحوه كما لو كان يلعب مع الأطفال، بينما يعلو صوته.

“ أنت! أنت- ”

أشار أحد الشيوخ بإصبعه تجاه ليون غضبًا، لكنه لم يجرؤ على التقدم.

الجيش الجرّار خلف هذا الصبي أثار حفيظة أي عدو.

“ اصمت ”

ضربت قدمه الهواء، مما جعله يندفع بقوة نحو الأسفل.

إنحنى الفضاء عبر المكان، مما جعله يتشوه!

بام!

تم سحق المحاربين الثلاثة حتّى الموت وأصبحوا عجينة لحم مفرومة!

وقف ليون فوق الأجساد، قدمه تدوس الدم اللزج، يمكن رؤية العيون متناثرة في المكان، والجماجم المكسورة تُظهِر بوضوح الأدمغة.

توجهت عيونه نحو الضحية الأخيرة.

سووش!

موجة من اللهيب الأزرق الضخمة كانت تتجه نحوه فجأة!

“ هيه ”

مدّ ذراعه ببساطة، وبتلويحة بسيطة، إنعكس إتجاه موجة اللهيب.

سريع للغاية.

كان إختلاف السرعة ببساطة سخيفًا.

لا مقارنة!

بانغ!

أعضاء طائفة الصقيع الأحمر، الذين كانوا في المقدمة مع المشعوذ، لم يتداركوا ما حصل عندما شعروا بحرارة غريبة تغطي أجسادهم.

“ كيااااااااغغغ!! ”

بطبيعة الحال، ألم الإحتراق هو أسوأ شيء، ولا يمكن التعبير عنه سوى بصراخٍ بائس.

لكن هذا لم يكن أسوأ ما في الأمر.

ضحكة دامية مشؤومة شوّهت تعابير ليون.

مد أذرعه مرة أخرى، فإذ بالفضاء حول الإنفجار ينضغط.

“ ااااااااه—!! ”

“ كوااااا! لا—!! ”

“ أغيثوني! أغيثوني!!! ”

الذين حاولوا الهروب من الإنفجار تم حبسهم، وكان إنفجار اللهيب يحرقهم أكثر فأكثر.

رأى الجميع أمام أعينهم منظرًا واضحًا للأجساد تحترق حتّى الموت داخل مجال يمنع خروج اللهب.

“ هاهاهاها! ”

وسماع ضحكٍ شيطاني يخرج من فاه فتى شاب، تسبب في برودة العمود الفقري.

“ … هذا الشقي اللعين! ”

حاولَت باي يون أن تنقضّ عليه، إن طغيان هذا اللعين في المعركة سوف ينهك معنويات أتباعها، هذه مشكلة، هكذا لن يستطيعوا توفير الوقت، ناهيك عن إنقاذ إبنتها!

كان هذا الوغد منذ فترة يستخدم جسدها كدرع أمام هجمات الأعداء القوية.

هذا أجبر الشيوخ على تشتيته كي يحاولوا إرجاعها، أو على الأقل تغطيتها بدرع.

للأسف لم يستطع أحدٌ أخذها من بين براثنه الشيطانية، لكنهم على الأقل وضعوا حاجز الحماية عليها.

لكن ماذا فعل هذا الوغد الشيطاني؟

إستخدَمها كدرعٍ أكثر من أي وقتٍ مضى!

باه! هذا الفاسق اللعين! الشرف! ألم يعلمك أبواك معنى هذه الكلمة!

استخدمَت باي يون إيغو الحركة خاصتها كي تباغتَه.

“ إن أبديتِ حركة، لأهدِمَنّ المكان فوق رؤوسكم فَيَضحَى غبارًا ”

لكن قام يون وو بمنعها، مما تركها عاجزة.

كانت تعرف ما يفعله يون وو، كان يريدها أن تبقى مراقبة، شاهدةً على دمار ما بنَتهُ طوال عمرها.

إجتمع المحاربون حول الفتى الشاب، محاولين إيجاد ثغرة.

“ هذا مزعج بالفعل … ”

تمتم ليون قليلاً.

وهكذا، كان عليه إبعاد الحشرات.

هااااب!

شفط الهواء عبر رئتيه بقوة.

الجاذبية في المكان إهتزّت، نذيرًا للهلاك.

“ أقتلوه! اللعنة! بسرعة! ”

إندفع الذين في المقدمة بأوامر الشيخ.

شدّ ليون عضلات جسده.

“ هدير—!!! ”

صرخة هائلة، لا، إنها صرخة وحشٍ شرس ساحقة!

طاقة الجوهر تضخّمت في البيئة، محدثةً موجة صدمة.

هالة حمراء مختلطة بالسواد ضربت الأنحاء.

الأرض إهتزّت، حواجز الهالة المحيطة بالأجساد إرتجفَت، رغبة سفك الدم جعلت القلب يرتجف!

لم يتوقف هدير ليون، بل أصبح أطغى فأطغى!

رااااااااور!!

موجة الرياح تصاعدت وأصبحت عاصفة!

الذين كانوا في الأرض طاروا، الذين حاولوا التراجع ضربتهم الموجة الصوتية!

كرااااغغ!

أصيب الضعفاء، والأقوياء لم يكُن لهم من القوة ما يقيهم التراجع.

صرخة الملك الأوحد، هديرٌ يرجف من هوله القلب!

تم تطيير الجميع، حتّى الشيوخ تراجعوا قسرًا!

وأصبح مكان وقوف ليون خاليًا.

واقفًا ببساطة، خلفه أكوام الجثث المشوهة.

هذا الهدير أجبر الحاجز الخارجي للطائفة يتفعل.

بام! بام! بام!

في الأماكن الأخرى من ساحة المعارك، كانت المعارك تتدفق بشراسة.

صرخة ليون أشعلت عطش الدماء لحلفائه، بينما العُدَاة خشعت قلوبهم وضعفت معنوياتهم.

عضّت باي يون شفتيها.

إن هذه المعركة بكل وضوح خاسرة، إنتظار الدعم مجرد مقامرة.

لم تكن هذه المحاربة حمقاء لتعتمدَ على حظها، وكانت الآن تنتظر الفرصة المناسبة للتحرك.

ليون وقف بشموخ أمام مبنى طائفة الصقيع الأحمر، عيونه الدامية تلمع بنورٍ قاتم.

[ ساهيونغ، ليستعد الجميع، إنه تخمينٌ محض لكن … هناك كارثة قريبة]

قام بتفعيل إيغو تواصل الدم، وتحدث مع يون وو عبر التخاطر.

[ زعيم، إن هناك بعض الخطر في ما نفعله، لكنك محق، الفوائد تفوق العيوب، من الغباء التفكير في العواقب الآن]

قام ليون بإصدار بعض التعليمات، وما يجب القيام به بعدها وما إلى ذلك …

في وسط الفراغ الذي تركه المحاربون، تقدم رجلٌ عجوز بهدوء.

واقفًا بصمت، حدّق تجاه الفتى، وردَّ الأخير عليه بالتحديق الصامت.

وسط هذا الهدوء، كانت تعابير الإثنان تحملان إبتساماتٍ خفيفة.

“ أيها العجوز، لقد حميتَ هذه الأرض طوال حياتك، في بداية الرحلة، كان هناك معنى، حتّى لو فقدتَ ما هو ثمينٌ في قلبك، كان هناك معنى، لكن ماذا الآن؟ أجوف، أصبح مكان عيشك أجوف، لما أنت مستمر في حماية هذا المكان؟ ”

كان ليون يتساءل في قرارة نفسه، إن هذه الأرض محكومٌ عليها بالفشل، وكان من الأفضل القضاء على الفاسدين فيها.

إذًا لماذا؟

سواء كان هذا العجوز أمامه، أو ساهيونغ الذي ضحى بنفسه، كانا يحميان هذه الأرض مهما إشتدّ عليها الجفاء، مهما تجرّدت بلادهم من معتقدات الجيل الأول، لقد رأى هؤلاء الأمل فيها.

إنه شيئٌ لم يفهمه ليون في قلبه.

“ أعتقد أن شخصًا مثلك لن يفهم بعد كل شيء، كيف ستفعل؟ إنه شعورٌ يذوقه من عاش هنا فقط، مهما زاد الفساد، سوف أحمي هذه الأرض وأغيُّرها، وإن لم أفعل، سوف يأتي من يرث إرادتي يومًا ما ”

هذه هي قناعتي، وهذا هو واجبي.

“ … إنِّي لمُوقِنٌ أشدَّ اليقين، ضع يدك بيدنا، ولننهي هذا الصراع إن شئتَ حتّى ”

كان ليون يعتقد بأنه من المضيعة التخلي عن شخصٍ ذا قناعة راسخة.

“ حتّى أنا أعرف، أعرف تمامًا، لا مجال للتسوية أبدًا بيننا وبينكم، إني على عِلمٍ بمدى إستحقاق هلاك جذورنا من شدة فسادنا، عند قطع العشب الضار، إقطعه من جذوره، لا تتراجع ”

“ … أنت حقًا ”

كان محقًا في كلامه، ولم يسع ليون سوى التنهد على كلامه.

منذ البداية، لم يكن في قلب ليون الرحمة كي يُبقي على بقايا الفاسدين هؤلاء، لكن رغبته في ضم هذا العجوز لم تكُن بسيطة.

للأسف، للأسف بحق.

“ اليوم، سوف يموت أحدنا، لا تتراجع أبدًا، لا حاجة لي للتفكير مرتين حتّى، أنت أقوى مني، لكنني سأبذل جهدي، حتّى لو إندثرت قصتي عبر بقايا التاريخ، هناك من سوف يمشي عبر ذاك الطريق بالفعل”

تحدثَ العجوز بكلماتٍ غير متوقعة.

[ أنا سوف أنقُشُ أفعالي، حتّى لو بدا بلا معنى، مهما كان غريبًا، لذلك، أطلب منك راجيًا، يا وريث الشفق الأقدم، أرني، أرني ما وراء العالم الذي تراه وتنوي بلوغه]

“ يا للأسف … كان من الممكن أن تكون حليفًا جيدًا، حسنًا، سوف أحقق رغبتك ”

هزَّ ليون رأسه بخيبة قليلاً، لكنه لم يزدري هذا الشخص أمامه.

فقط لأن معتقداتهم مختلفة، لم يكن ذلك سببًا للبُغضِ والكراهية، على العكس، لقد زاد عزمه ذاك من إحترام ليون له.

“ هيا! أرني المعدن الحقيقي للصقيع الأقدم! أي نوعٍ من الناس كان الجيل الأول! ”

“ إذًا! حاول صد هجومي! ”

أصدح العجوز بصرخة المعركة وهو ينقضُّ تجاه الفتى الشاب.

كان شيخ الطائفة فوق السماء، يمد ذراعه ويضخ طاقته بأكملها فيها.

رفع كفه في الهواء ودفع بقوة.

ظهر في الهواء صقيع يشبه الكف تمامًا، ضخم، مهيب للغاية، كان حجم الشيخ الطائفي بالمقارنة صغيرًا إلى حدٍّ ما.

لم يبدي ليون مبادرة للتراجع، وبقي يحدق في الكف العملاق.

سريينغ!

النصل الأسود خرج من ذراعه، متخذًا وضعية تشبه إنقباض الجسد نحو الأرض.

لم يكن هناك حاجة لإستخدام الإيغو حتّى.

أسلوبٌ قتالي بسيط، قوةٌ ساحقة، طاقة جوهرٍ هائلة.

هذا كل ما يتطلبه الأمر.

بتلك البساطة، يمكن إبادة العدو.

مرة واحدة.

وإلى الأبد.

هالة حمراء دامية إنتشرت عبر المكان، الشعور الخانق يجعل الإحساس خدِرًا، غرائز البقاء لم تنفع أمام هذا العطش الدموي.

رفع ليون رأسه نحو الكف العملاق.

“ تراجعوا! تراجعوا بسرعة! من لم يبتغي أن يُقبَر فعليه التراجع! ”

أعضاء وحدة الشيطان المجنون لم يكُن لهم من الإرتباك ذاك المبلغ الكثير، لذلك تداركوا ما عليهم فعله في لحظة.

وهكذا، تراجعوا بسرعة، من لم يكن سريعًا تم جره مِن قِبل الآخرين.

وبطبيعة الحال، ستيلا ولوغان وكانغ وو، الذين في المقدمة، تم جرهم.

كل هذا حدث في أجزاء من الثانية، بينما لا يزال ليون في منتصف حركته.

أخيرًا، أحسّ أعضاء طائفة الصقيع الأحمر بالخطر.

“ تسك! للأسف لم يقتربوا بما فيه الكفاية! ”

“ اللعنة! هاجموا بسرعة! ”

“ اورياااااا! ”

وبطبيعة الحال، هناك من حاولوا ثني ليون عن هجومه.

هجَموا بكل قوتهم.

كانت هذه القلعة مجهزة بما يكفي للدفاع عن المنطقة.

أحجار الإيغو، الأسلحة الثقيلة والإيغو أيضًا …

لهذا، تم بناء تشكيلات دفاعية في المكان، طالما كان الهجوم قويًا بما فيه الكفاية، سوف يتم تفعيل كمية مكافئة من قوة هذه التشكيلات الدفاعية.

كان التشكيل الدفاعي سرًا عن القوات المجاورة، وكان من المقرر إستخدامه ضد وحدة الشيطان المجنون في هذه المعركة عندما يصلون إلى نطاق محدد.

لكن هجوم ليون ثبّط هذه الخطة التي تم القيام بها على عجل.

من هذا فقط، يمكن معرفة أن قوة ليون لم تكُن بالهينة.

وسبب ذلك …

أن جميع التشكيلات الدفاعية تم تفعيلها، بأقصى طاقة ممكنة.

أسهم الصقيع، تعاويذ تزلزل الأرض، حتّى تعاويذ البرق إرباك الدماغ تم القيام بها.

مدافع، أسياف وحِراب، ألغام، وتعاويذ دفاعية وحواجز.

كل ذلك غطّى القلعة.

والهجوم كان يستهدف شخصً واحدًا.

بطبيعة الحال.

كان هناك من هربوا أيضًا.

“ … وريث الشفق الأقدم، الناجي الأقوى في حرب اندثار الجيل الثالث، إنه وحشٌ لا يُقاس بأسه، يجب عليّ بذل قصارى جهدي! السيدة الصغيرة معه، لكن لا يهم! يمكن لسيدة الطائفة إنجاب نسلٍ جديد دائمًا، حتّى لو مُتُّ هنا، يجب أن آخذه معي! ”

كان العجوز قد ترك ميراثه لحفيده بالفعل، والذي كان من المقرر وراثته لمنصبه بعد تقاعده، ليس عليه أن يخاف من الموت.

لقد كان مجلس الشيوخ يتصارعون على الفوائد، لكنهم كيان موحد، لا حاجة للقلق.

في الواقع، إن ماتت باي يرين “صدفة” في هذه المعركة، يمكن لمجلس الشيوخ الضغط على باي يون لإختيار وريثها، هذا سوف يعطي للشيوخ المبادرة لوضع رئيس دمية، بينما يتحكمون بالأمور من وراء الستار.

وإن أنجبَت سيدة الطائفة وريثها قبل ذلك؟

هيهيهي.

من المعتاد في هذه المدينة أن “يختفي الأطفال” في ظروفٍ غامضة.

بالطبع، هذه الأشياء قضايا معنية بالأحياء للتعامل معها.

شدائد الحياة هي أمورٌ بشأنها الأموات لا يقلقون.

“ التشكيل الدفاعي يتطلب نصف ثانية ليضرب العدو، أنا بحاجة لضربه قبل ذلك ببضعة أجزاء من الثانية، جيش العدو قد تراجع بالفعل، لكن مع توجيه قوة الإنفجار، يمكنني الإطاحة ببعضٍ منهم، هذا سيوفر الوقت حتّى مجيء طبيبة الحقل الأصفر ”

حتّى لو ماتت السيدة الصغيرة، سوف يطيح بالعدو.

هذه الفكرة البسيطة لم تكن في وعي الشيخ، بل اللاوعي الخاص به.

وهكذا، بدون أن يدري، تصاعدت نوايا قتله، وأصبح هجومه الحذر بلا قيود.

ناهيك عن كل شيء، العدو هو أقوى شخصٍ بين وُرَثاء الشفق، وحشٌ بين الوحوش، مرتكب مذبحة الجيش الدموي في الحرب الأخيرة.

يجب أن يبذل قصارى جهده، نية القتل فقط النافعة ضد هذه القوة.

شعور الضغط قد إنزاح عن قلبه، وكان منغمسًا في عواطفٍ غير مألوفة.

آه، صحيح، لقد سمعتُ عن هذا قبلاً.

نشوة القتل.

عندما لا يفكر المرء في عواقب أفعاله أبدًا، ويصبح وعيه خاليًا من أي أفكارٍ عديمة الفائدة.

كان ينغمس في الشعور بشدة.

“ جدي! لا تفعل! ”

شعورٌ مشؤوم أتى على أحد الشباب فوق أسوار القلعة الخارجية، صارخًا بكل قوته.

حاولَ القفز ومنع العجوز بأي ثمن!

بام!

“ اغغغ! أتركني! أتركني أيها اللعين! ”

لكن حارسه الشخصي ثبّتَه على الأرض، وبقي الحارس صامتًا.

“ جدي! أتركني كي أذهب إلى جدي! إنه يحاول الإنتحار! ”

كان الفتى الشاب يعرف هذا الكف الثلجي، لقد كان أسلوبًا غير مكتمل اخترعه جده، وكان خطيرًا على حياة المرء.

وإذا تم تفعيل ذاك الأسلوب المُركّب بأقصى قوته؟

سواء تم القضاء على العدو أم لا، سوف يموت ميتة بائسة.

لتذهب الطائفة للخراب لكل ما يهمني!

حتّى لو قُطِعت ذراعي! حتّى لو مُتُّ بسبب ذلك! أنا سوف أمنعك أيها العجوز!

أنا سوف أمنع هذا العجوز!

كواك، كواك، كواك.

عندما أراد إستخدام طاقة الجوهر، أحسَّ بالخدر.

تم سد مسارات الطاقة في جسده قبل أن يلاحظ حتّى.

“ لماذا! ااااه! أيها الوغد! لماذا … أنا أريد فقط إنقاذ جدي، لماذا تمنعني! لقد فقدتُ الكثير بالفعل … أنا لا أريد خسارته أيضًا …”

أرجوك …

أرجوك يا جدي، لا ترحل.

تدفقت دموع الفتى الشاب، بينما يلعن ضعفه، يراقب جده عاجزًا.

عضَّ الحارس شفتيه بكل قوته، عيونه كانت ترتجف بقوة، مانعًا نفسه من ذرف الدموع.

أنا آسف يا سيدي الصغير، لكن لا يمكنني تركك تذهب.

أنا فقط … لا يمكنني.

في سماء الليل النجمية، يمكن رؤية عجوز أبيض الشعر يصدر عنه صقيع أزرق خفيف، يعكس مظهره آخذ بقايا النقاء الذي زال في هذه الطائفة.

كان لدى العجوز شعور غريب، ومضت صورة غلامٍ صغير في ذهنه.

حفيدي، هذه آخر هدية يهديها لك هذا العجوز.

مني، إليك، راقب هذا الهجوم وأنقُشهُ في قلبك.

أغمض الشيخ الطائفي عيونه، ذكريات حياته ومضت في لحظة.

العبء، ثِقلُ الماضي، المسؤولية والواجب.

والده كان مجرّد سِكِّيرٍ عصبي، قام ذات مرة بضرب والدته حتّى الموت، ومن ثم بعد بضعة أبام باع إبنه لسوق العبيد خوفًا من عدم قدرته على دفع الضرائب.

بعد ذلك، كافح بين العبيد حتّى وجد بالصدفة يراعة ضوء الغروب، وتم إيقاظ موهبته بالقوة بعد سلسلة أحداثٍ غريبة.

وجده رجل غريب الحال، قام بتدريبه لبرهة ثم رحل، تاركًا إياه في هذه الجزيرة مع طائفة ناشئة، كَبِرَ وأنشأَ عائلة.

لكم سعادته لم تَدُم.

بدأت الصراعات تَكثُر في أنحاء العالم شيئًا فشيئًا.

وبعدها، لم يكن هناك الكثير لقوله، فقط الصبر.

عندما تمزّقت جثة إبنته بين براثن الوحوش في ربيعها الخامس تحمّلَ وجع القلب.

عندما توفيت زوجته، تحمّلَ وجع القلب.

عندما خانه أخاه بعد أخذ لقب الشيخ، تحمّلَ وجع القلب.

حتّى عندما عرف أن وفاة إبنه كان سببها سيدة الطائفة، التي قامت بالتضحية به من أجل صقل الإيغو خاصتها، حبسَ دموعه في قلبه.

مهما كانت قذارة ما يفعله، مهما إبتعدَ عن صورة البطل الذي أراد أن يصبحه يومًا، مهما حدث.

رغم كل شيء، كان يتحمّل ويصبر.

في هذا العالم الوحشي، كانت رغبته أبسط ما تكون.

“ أريد أن أجعل عائلتي تعرف السعادة، أن يكون بزوغ الفجر قاشعًا دُجَى الليالي مريحًا لقلوبهم، أن يعرفوا دائمًا المَوَدَّ، حتّى مع إنتشار القسوة، على عكس هذا العجوز الفاسد ”

أن يصبح أحدٌ ما سعيدًا بوجودي معه، وأن أرى ذاك الرفيق يبتسم.

أمنية ساذجة للغاية.

هذا هو كل شيء.

كان دربًا طويلاً.

قام الشيخ بتسريع هجومه بكل كيانه.

وبتركيز جميع غرائزه على أسلوبه المُركّب، وصلت قوته إلى ما لم يستحضره أجمح خياله.

عندما يجتمع المنطق الفكري والغريزة البحتة، تأتي حالة غير معتادة في الوعي، مما يجعل بحر الوعي في قلب الجوهر يتضخم.

كان اسم تلك الحالة هو: التدفق.

التدفق هو نوعٌ من النشوة تأتي للمرء فإذ به يؤتي فوق طاقته، مما يجعل حدود جسده وعقله غير متباينة في شدتها أو شفافيتها.

يمكن ببساطة القول، كان الشيخ الآن في حالة شبيهة بالتدفق، وخطر الموت جعله يُخرِج إمكانياته.

ومع ذلك، هذا لم يكن بالضرورة صحيحًا.

الكف الكبير أصبح ضخم، وغطّى ظله القلعة الخارجية لمبنى الطائفة، متَّجهًا نحو ليون!

كان هذا هجومًا مرعبًا بالتأكيد.

“ إن هذا الأسلوب فتّاكٌ بالفعل ”

لكن.

إبتسم ليون، الذي كانت تطفوا خلفه جثة باي يرين المغطّاة بحاجزٍ شفاف، ببساطة.

“ مهما كان حجم هجومك، إن كان أجوف، فسوف يبقى أجوف ”

هناك خيطٌ رفيع يفصل بين نشوة الإنغماس في الوعي، وحالة التدفق.

كان الإنغماس في الوعي مجرد إستحضارٍ فكري للرغبة، مما يضخّم إلى حدٍّ ما من القوة.

بحر الوعي داخل قلب الجوهر يتأثر بعدة عواطف، ويمكن للعواطف الإشتعال داخل ذاك البحر.

لكن لن تلبث العاطفة إلا وتخبُ.

لهذا السبب، كان الهجوم في عيون ليون أجوف.

الصفيحة الفارغة ليست أكثر من بيت الورق.

ليسقط البيت الورقي، كل ما يتطلبه الأمر نسمة الريح الخفيفة.

إنقباض الجسد كان يولد زخمًا أعلى، هذا الزخم تم توجيهه نحو الذراع.

قفزَ ليون في الهواء، زخم ذراعه جعله يتشقلب.

وببساطة.

تلك الذراع قامت بالقطع.

[ فنون نصل الدَّمار: القطع الأفقي الغاشم]

[ شَقُّ السماء]

كما لو أنه يقطع مرور الزمن ذاته، لم يستطع أحدٌ معرفة متى تحركت الذراع.

إختفت ذراع ليون ثم ظهرت.

من مكان، إلى مكان، لا فجوة زمنية أو مقاومة في الفضاء، بما لا يتداركه عقل أو مخلوق.

وصل هجوم الشيخ إلى مسافة قريبة من ليون، وكانت الهجمات أبعد قليلاً.

يمكن القول، كانوا سيصيبونه قبل إكمال هجومه.

وسرًا، كانت باي يون تخطط للإنقضاض، إمساك إبنتها والهرب.

طالما كانت على قيد الحياة، يمكنها بناء طائفة جديدة فورًا.

وهكذا، أذهان الجميع تسارعت كالبرق، بحثًا عن أفضل مسار عمل بعد وقوع الهجوم.

كان تحرك ليون غير مؤاتٍ من ناحية السرعة، وهكذا إعتقد المهاجمون أن لديهم فرصة جيدة للنجاة إن تم منع هجومه.

ومع ذلك.

مفهوم الوقت لم ينفع أمام القوة الغير معقولة.

بالنسبة للناس المنطقيين، الأشياء الغير معقولة بعيدة عن الفهم.

لا يمكن تفسيره، لا يمكن فهمه، ولا يمكن التعامل معه.

هذا ما يسمى بالكوارث.

“ لا!! ”

صوت إمرأة يائس صدح في القلعة الخارجية لمبنى طائفة الصقيع الأحمر.

كانت تحاول الوصول إلى مصدر تدفق الهجوم، ومنع حدوثه.

لكن لم يكن لجهودها فائدة.

لم يمر أي وقت في الأساس، عندما إنتهت التلويحة.

سووش.

وفي تباطؤ الزمن اللامحدود، نسمة الرياح الطفيفة لامست كل شيء.

فجأة، ظهر نصل أحمر عملاق في الجو.

تضخّم النصل، مما أضاء القلعة الضخمة وخارجها باللون الأحمر الساطع.

مرور الوقت تشقق، كما لو كان هناك صدع، مما جعله يتوقف.

زلازل التعاويذ توقفت، سُطِّحت الأرض كما لو أن الفضاء تشوّه.

كما المِرآة، كما لو أن ما يقف فوقه المرءُ ليس سوى مِرآة ترابية.

إختفت أسهم الصقيع، كما ذوبان الثلج عند قدوم الصيف.

الأسلحة التي تم رميها بنية تفجيرها أضحت غبارًا، هباءً منثورًا في الرياح.

إن تراكم الغبار يعطينا الرماد.

ذاك الرماد تطاير في الفضاء ببطئ.

من التراب إلى التراب، من الرماد إلى الرماد.

كما لو أن الواحد يَضحَى إثنين.

كما إنشقاق الفضاء.

تلامس النصل الأحمر وكف الصقيع الضخم.

وبكل سلاسة.

تم قطع الكف إلى نصفين.

لا.

الأمر كما لو أن كل شيء، بما فيه من كيان، قُطِع.

في المنتصف تمامًا.

عند أقصى نقطة لوقفة الزمن الأبدية، ومضت الصور والذكريات في الأذهان.

الطموح، الحلم، الرغبة، الكراهية، الإمتنان.

كان هناك من لديهم رغبة في التألق، ومن ثابروا من أجل عائلاتهم، كان هناك من أرادوا الطيران فوق السماء.

كان هناك من لم تُكشَف قصصهم بعد، في الظلام المتآكل حيث يقبع الجنون الأسمى.

كان هناك من أرادوا تذوق الخلاص، حيث ينتهي عذاب كفاحهم إلى الأبد.

وكان هناك منهم، من أراد التوبة وفتح صفحة جديدة، عسى أن يكون ذاك الدرب مختلفًا عن جفاء الخطيئة الذي ينهش الفؤاد.

هذه الذكريات.

إندمجت معًا، مما شكّل تعابير مختلفة تتجلّى في لمعان الضوء الأحمر.

الخوف، العزم على القتال إلى آخر لحظة، الجمود، الحزن، الإستسلام، القبول، الإرتياح.

كراك.

صوت إنشقاق غريب في الجمود.

هذا الصوت، إختفت بسماعه العواطف المبعثرة في لحظة.

جمود الزمن أصبح تباطؤ، مما جعل التعابير المشابهة للتماثيل حية مرة أخرى.

شعورٌ واحد تخلّلهم أجمعين، وفهمٌ واضح للموقف.

كان لما أتى خلفهم إسمٌ يعرفه كل من عاش، عاقلاً كان أم مخبولاً.

وكان هذا الإسم ببساطة.

الموت.

“ هكذا إذًا ”

في لحظته الأخيرة، كان قلب الشيخ، باي غوان يي، مسالمًا للغاية.

أجوف …

إن هذا التساؤل لطالما أرَّقَ قلبه.

ما معنى ذلك، أليست القوة الكافية هي الحل؟

مهما تطورَ وإزدادَ بأسًا، كان في قلبه شعور غريب بالنقص.

كما لو أن هناك شيئًا قد تم نسيانه.

لكن الآن، في مواجهة هذا الإنشقاق الساحق للفضاء، أغلقَ عينيه.

ما كان يفتقر إليه.

إنها الإرادة.

إرادة للحماية.

إرادة لفهم الذات، وقبول الذات.

إرادة لتحقيق الهدف، وعدم الأنجراف في مغريات العيش أبدًا.

إرادة لا تنحني أبدًا.

حتّى في أشد أعماق اليأس، لن تنحني الإرادة أبدًا.

كان هذا هو الإختلاف بين الفتى الشاب وبينه.

إرادة هائلة، إرادة واسعة.

رغبة لا تنطفئ وشعور ساحق.

كما لو كان طموحه إبتلاع الفضاء.

الطيران عاليًا، أعلى من أي أحد.

مجرد إبصار هذه التلويحة بكفي للشعور بذاك الكفاح.

لم يعتقد في حياته أبدًا أن يأتي عليه هذا الشعور.

بعد كل شيء.

الإمتنان تجاه عدو هو أغبى ما في العيش.

لكن …

تسلّلَت إبتسامة طفيفة عبر شفتي هذا العجوز.

هكذا تتدفق الأشياء في العالم.

نحو مصبّ النهر، نحو النهاية، دائمًا.

هاهاها.

في آذان ليون الذي قطع كل شيء، تدفّقَت ضحكة عجوزٍ يحتضر بسلاسة.

ضحكة مليئة بالحياة.

بوووووم—!

وقع إنفجار.

إنفجار يصدح في السماء عاليًا، كما لو أنه ينذر بالدمار الدائم.

ـــــــــــــــــــــــــ

[ رحلات المستكشف الأول: الفصل الأول، القِسم الثاني]

[ درب الجاهل مرصوفٌ بأشواك المعرفة]

كان الإنسان في مأزق.

طيور اللهب بـلَظَاها ألهَبَت جسده، وحوش الكابوس ما تركت في قلبه عاطفة إلا وبها عبِثَت، الأرض تجرفه نحو هاوية الظلال، الأشجار ذات الأشواك تخنق رقبته.

عواطف غريبة تكتسح ذاك القلب الأجوف، لم يعرف ما هو إسم تلك العواطف، لكنها كانت موجودة بكل تأكيد.

إن هذا مؤلم! مخيف ومرعب!

كما لو كانت لغات هؤلاء المُعذِّبين تخترق عقله، بدأت الكلمات تتدفق بسلاسة في هيئة أفكار وعواطف.

في معاناة جهله بما يحصل، شعرَ باليأس.

إستسلم، أنت لا درب لك في هذا العالم سوى المعاناة.

هذا هو كل شيء.

ثم في تلك اللحظة.

“ أيها الإنسان، هذه الأذرع هي سبيل التقدم، إستخدم أذرعك، وتعال نحوي إن أردتَ النجاة! ”

صوتٌ غريب رنّ عبر أذنيه.

كان الصوت غير مألوف، لكنه مألوف بشكلٍ غير مبرر.

مدّ يده وأمسك بالتربة، لكن اليد إنزلقت.

“ أصابعك هي ما يقودك للزحف، إحفرها في تربة أرض الجاهلين وأبصِر درب الخلاص من هلعكَ خشيتك، هذا هو السبيل الوحيد! ”

لم يفهم سبب فشله، وحاولَ مرة أخرى.

حفرَ أظافره في أرض الجاهلين، دمائه الفضية كضوء القمر سالت عبر تلك الأظافر.

في رحلة الشخص للتخلص من جهله، سوف يتألم من بعض الحقائق.

تلك الحقائق منوطةٌ بالاعتراف، إعترافه بجهله.

“ اقبضوا عليه يا إخوتي الكوابيس! حتّى الجمرة لا تلبث يومًا إلا وتخبُ، الضوء في نهاية الأفق لا يصله الجبان، ذاك النور لن يعلُ! ”

كانت وحوش الكابوس ذات شكلٍ أثيري، كتلة حالكة السواد من اليأس والخوف.

هاجَموا الإنسان الذي كان يحاول تعلم تحريك ذراعيه بقوة!

مع تراكم المعرفة، العاطفة تصبح أقوى، ذلك سوف يوَلِّد اليأس.

الجبان لا يخاف، فهو بهموم المعرفة نفسه لا يُثقِلُ.

العَالِمُ يحمل في قلبه المسؤوليات، فهو بما تعنيه المصائب يعلمُ، والخوف إلى كيانه يتسللُ

كان الإنسان مرعوبًا!

تدفقت الدموع من عيونه الدامية، أحرق اللهب جسده، وكانت أضلاعه تنكسر، رغم ذلك، لم يَمُت.

لم يعرف كيف يحرك ذراعيه في البداية، عدم المعرفة يؤدي إلى تقليل الرعب، لم يفهم مدى سوء موقفه.

لذلك كان يثابر، لأنه كان جاهلا، كان عديم الخوف من اليأس، لكن الآن بعد تجربة الشعور؟

إنه مؤلم ومليء بالظلام.

في وسط ذلك الظلام، لم يستسلم، لقد ثابر.

ذلك لأن …

“ لا تنسى أبدًا، لا أحد بإستطاعته إنتشالكَ من جهلك سوى أنت، مهما كان ذلك مؤلمًا وقاسيًا، عليكَ أن تتقدم! ”

رغم أنه واجهَ الفشل، إلا أن صوت البحيرة كان يرشده نحو النجاح.

صرّ على أسنانه وحفرَ أظافره في التربة القاسية بشدة.

كان يتعلم تحريك ذراعيه، لقد هاجمت وحوش الكابوس عقله، لقد شعرَ بالحزن والألم واليأس، لكنه كان يتقدم.

أعداد الوحوش بدأت في التكاثر مع مرور الوقت، مضت الدقائق والساعات والأيام.

لكن لم يستطع هؤلاء الوحوش فعل شيء له.

كان يصبح أقوى مع تقدمه، أصبح النصف العلوي من جسده الذي كان غارقًا في تراب الجاهلين في الأعلى.

هجوم الكوابيس لم يعد يؤثر عليه بقوة كما السابق، وتقدمه في الزحف أصبح أسرع.

هذا الألم الهائل جعله يتقدم أكثر.

أصبحت البحيرة قريبة، وعندما كاد ينجح، أصابته عواطف غريبة أخرى.

لكن على عكس العواطف السابقة، كانت هذه العواطف دافئة ومريحة.

لقد أخذه الشعور، وتشوّهت تعابيره إلى إبتسامة.

“ اوه لا! تقدم بسرعة! لا تفرح بشأن بلوغك النجاح، الفرح العميق هو أكبر حليف للفاشل، عندما تفرح قبل تحقيق الهدف، سوف ترضا وعلى إنجازاتك أنت تتكبُّرُ! ”

مع رنين صوت البحيرة في رأسه، لاحظَ موقفه، من دون أن يشعر، كانت ذراعيه متوقفين عن العمل.

شعورٌ أجوف، فقدان غريب للدافع، ورضا عن الحال مهما كان بؤسها.

هذا خطير!

لقد كان يفقد شغفه، لقد كان ينسى ذاته!

أغلق الرجل العجوز الكتاب، بينما ينغمس في معاني القصة، إستذكرَ ما حدث له قبل الآن.

مضت بضعة أيام منذ بحثه عن سمكة الزعنفة البنفسجية، ولحسن حظه، لقد وجد في نهاية اليوم، الذي أنقذ فيه الرجل الشاب، بضعة أسماك.

مع الدموع الغزيرة في عيونه، قام بشفاء حفيدته، وباعَ باقي الأسماك لزعيم القرية، مما جعله غير قلق بشأن المال لفترة.

وقد كان يعتني بحفيدته والرّجل الشاب منذ ذاك الوقت.

رغم تحسن حفيدته، مازال عليه الإعتناء بها، أما الرجل الشاب لم يستيقظ بعد.

“ اممم~ ”

بينما كان يفكر في المستكشف الأول، إستيقظَت حفيدته.

“ … أنا جائعة ”

أمسكَت ببطنها وتحدثَت بصوت مسموع عمدًا.

“ سو مي ، تعالي، سوف يجعلكِ هذا العجوز تأكلين حتّى الشبع! ”

حملها العجوز بينما يربّت على رأسها، وتوجه نحو طاولة الطعام الصغيرة.

كان إسم هذا الرجل العجوز هو يوجين سايمون، هذه الطفلة الصغيرة كانت هوا سو مي.

لقد كان العجوز يوجين ينحدر من أصول متواضعة في كايرو، بعد العمل كـ تاجر لعقود، تقاعد وعاش في هذه القرية القريبة من الساحل.

مهما كان نوع الحياة الذي عاشه في الماضي، لم يكن الآن سوى عجوزٍ يربّي حفيدته ويعتني برجلٍ مصاب.

“ جدي … لما العم لم يستيقظ بعد؟ ”

بينما كانت هوا سو مي تأكل، تسائلَت بقلق، وهي تحدق في الرجل النائم.

“ هوهوهو، لا تقلقي يا صغيرتي، سوف يستيقظ قريبًا ”

وضع العجوز يوجين الطعام في فم حفيدته بينما يطمأنها.

كلاك.

وفي تلك اللحظة، أصدر السرير صوت صرير.

كان الرجل يُظهِر بوادر اليقظة.

“ جدي! إن العم الغريب يستيقظ! ”

كانت عيون هوا سو مي مضيئة، وبعد بلع طعامها كله، قامت بالجري نحو السرير.

“ لا تركضي داخل البيت، سوف ينزعج ”

رغم تحذيراته، كان الرجل العجوز يضحك قليلاً، طوال الوقت، منذ غشيته وحتّى يقظته الآن، بذلت هوا سو مي جهدًا كبيرًا في الإعتناء به، تبديل المناشف على رأسه، محاولة تبديل جروحه بمساعدة جدها.

في بعض الأحيان حكَت عن نفسها، وفي بعض الأحيان نامَت مع جدها بالقرب من الرجل، حتّى أنها حكَت عن مخاوفها لهذا الرجل المغشي عليه.

الآن، فرحة جهودها تجلّت عبر تعابيرها.

“ عمي ~ العشاء جاهز، إستيقظ ”

همسَت الفتاة الصغيرة للرجل الشاب بهدوء، بينما راقبَته بفضول.

لم يكن هناك رد فعل.

لم يتحدث يوجين، باقيًا كما الشاهد، بلا نية للتدخل.

“ العم؟ الليل قد أتى، العشاء هنا، لما لا تستيقظ؟ ”

بلطف، خوفًا من إصابته، قامَت بهزّه قليلاً.

هذه المرة، تحركت جفونه.

“ … امم ”

صوت أنين خرج من فمه.

“ … إنه، يستيقظ ”

كانت هوا سو مي متحمسة، وفي نفس الوقت متوترة.

عقل الرجل كان ضبابيًا، لم يعرف ماذا يحدث، لكن ضوءًا مؤلمًا أزعج عينيه.

فتح عينيه قليلاً، ورأى فتاةً صغيرة تحدق فيه.

شكلها كان ضبابيًا.

“ … إبنتي … ”

صوتٌ يرتجف خرج من فمه، متحسّرًا، عاجزًا، باكيًا.

ومن دون أن يدري متى، كان يبكي.

“ العم الغريب! لا تبكي! سو مي هنا معك! ”

كان للفتاة شعور غريب، بأنه لا يجب ترك هذا الرجل وحده، وهكذا، قامت بعناقه.

“ صغيرتي، لا تشديه بقوة، سوف ينفتح جرحه ”

إقتربَ يوجين بخفة، ضاحكًا قليلاً، لكنه راقبَ الرجل بحذر.

كان الرجل في حيرة من أمره، لم يعرف لماذا يبكي، لكن شعور الحُرقة آبى الزوال.

شيئًا فشيئًا، بعض الصور الوامضة دخلت إلى عقله.

فتاةٌ صغيرة وإمرأة، بعض الناس الآخرون أيضًا.

تلك الصور كانت مصحوبة بحريقٍ بسيط، كما لو أن لوحة مرسومة تحترق داخل قصرٍ عتيق.

“ … آه ”

الحزن أصبح نحيبًا.

“ آاه … هيك … ”

وهكذا، عانقت ذراعيه الفتاة الصغيرة بخفة، وتساقطت دموعه.

الفتاة هوا سو مي كانت متأثرة، وإرتجف جسدها قليلاً، لكنها منعَت الدموع من الخروج بقوة.

كان هذا الشعور مألوفًا.

نعم، لقد كان ذلك عندما حزن جدها وبكى، لم يكن هناك من يواسي أحزانه، لذلك، قامت بعناقه وبكَت معه.

إنه نفس الموقف.

وهكذا.

تربيتة خفيفة على الرأس.

قامت سو مي بالتربيت على رأس هذا الرجل، وكلمات الطمأنة تجد دربها بسهولة.

“ لا بأس، كل شيئٍ بخير، العم قوي، وأنا هنا معك، سو مي قوية أيضًا ”

لم يعتقد يوجين أنه سيعيش بما فيه الكفاية لرؤية الأمر مرتين.

بكاء رجل كبير بينما تواسيه طفلة.

قد يبدوا الأمر مهينًا، لكن في الواقع، البكاء ضروري للقلب، وحتّى أقوى الناس كان لهم لحظات ضعفهم.

ناهيك عن أي أحد.

لا شعور أسوأ من فقدان الأحِبّة.

بالذات عندما يكون هؤلاء الأحِبّاء هم الأبناء.

“ … يمكن للطعام الإنتظار بعض الوقت ”

الآن، علينا تعبئة هذا القلب الأجوف، ولو قليلاً.

ذهب العجوز لمائدة الإفطار، بينما يجهز الطعام.

في قرية أطلّت عليها نجوم سماء الليل، داخل كوخٍ بسيط، أضاءت الشمعة الليل الحالك، مسلّطةً على ثلاثة أشخاص.

عجوزٌ صامت يحضّر الطعام للإثنين الآخرين خلفه.

فتاةٌ صغيرة تبكي قليلاً لكنها تبتسم.

وأخيرًا.

رجلٌ شاب يبكي، وتنهش فؤاده ذكريات كان يريد نسيانها.

2025/04/23 · 7 مشاهدة · 4722 كلمة
نادي الروايات - 2025