10 - الفصل 10: المقيّدون بمعايير الأخرين، لا يستحقّون التطلّع نحو السّماء (1)

الفصل 10: المقيّدون بمعايير الأخرين، لا يستحقّون التطلّع نحو السماء (1).

ـــــــــــــــــــــــــ

شمس الظّهيرة سطعت على السّاحل الشّرقي.

في منطقة قريبة من الأشجار، وقف شابٌّ أسود الشّعر، كما ومضت عيونه الدّمويّة.

بدا ساقطًا في تفكيرٍ عميق.

بجانبه، كان هناك جثث 12 شخصًا فاقدين للوعي.

“ من المفترض الأن، أن يأتي الأخرون في أيّ وقت ”

تمتم بصوتٍ خفيض، كما حدّق في المجموعة الساقطة بلا حولٍ أو قوّة.

“ أوي! أنت، إستيقظ! ”

تحرّك نحو جثّة أحدهم و حرّكها بفظاظة.

“ امم-مم ”

صوت الأنين المنخفض خرج من فمه، تعابيره الجامدة لشخصٍ نائم، أصبحت مضطربة.

“ ليس وقت النّوم الأن! لقد نوّمتك لسبب، الأن إستيقظ! ”

“ واااااه! ”

صرخ في أذن الشّاب، و خرجت صرخة من الرّعب و وقف الفتى بهلع.

ماذا يحدث!.

حدّق في يمينه ثمّ يساره بفزع، كانت الهالة في جسده هائجة، كما لو كانت عادة له.

حدّق أخيراً في الشّخص الواقف أمامه، قبل أن تستقرّ وضعيّته، حاملاً سيفه.

“ … هذا أنت ”

رغم أنَّه لم يفهم بالضّبط ما حدث، لكن شعر بالخطر قادمًا من الفتى — و الذي وقف بأريحية — أمامه.

عقله لم يتدارك جسده، غرائزه صرخت له بالهروب، لكنّه شعر حدسيًّا أنَّ هذا غير ممكن.

اليد الحاملة للسّيف إرتجفت، لكن صرَّ على أسنانه، و شدّ بيده على سيفه.

“ أنظروا إلى هذا؟ ”

خرج صوت الفتى أمامه بمرح، مستمتعًا على ما يبدو.

تقدّم خطوة للأمام، و عليه تراجع الفتى — الذي هو فرناندو — إلى الوراء غريزيًّا.

لم يقل الفتى شيئًا، و مشى للأمام خطوة أخرى.

شعورٌ بالخوف يجتاح القلب.

عندما تكون في خطر.

عندما يكون أمامك وحشٌ مفترس.

ستشعر دائمًا بشعورٍ يملؤه العجز، أطراف الجسد تصبح خدرة، العرق البارد ينصبُّ عبر مسامك.

أكثر من أيّ شيئٍ أخر، نبض القلب غير المنتظم، ذلك هو كلُّ ما ستسمعه.

عقل المخلوق يصبح فارغًا عندما يخاف.

شعر فرناندو بدمه يجف.

كان ذلك لأنَّه، شعر بيدٍ تلمس ظهره.

“ … ااه …؟ ”

صوت تعجّب خرج من فمه.

إبتلاع.

صوت بلع الرّيق تردّد عبر الأذان.

كان عقله فارغًا، و لم يفهم ما حصل.

لسببٍ ما، طالما كانت اليد تلامسه، لا يمكنه الحراك.

حاول التّحرّك، لكن جسده أبى و لم يستمع إليه.

بدا وزن اليد المستقرّة على جسده هائلاً.

حبس أنفاسه كما لو أنَّه نَسِي التّنفّس.

“ لا داعي للخوف، لستُ مهتمًّا بفعل شيئٍ لك ”

صوت شخصٍ من خلفه، ومضت عيناه الحمراء كما نزع يده.

بعد إختفاء اليد، تقدّم فرناندو بسرعة للأمام كما لو كان يهرب، قبل أن يتوقّف عبر المسافة.

“ هاه … هاه … هاه … ”

لم يكن هناك جهد جسدي كثير، لكن إحساس الخوف أجهد عقله، لقد شعر بالعجز، كما لو كان أرنبًا في مواجهة نمر.

حبس الأنفاس تمّ زفيره بقوّة، بعد الخروج من قبضته، تسارعت أفكار الفتى.

“ الأن … كيف وصل إلى … ”

لم يفهم أيًّا ممّا حصل، كان الشّخص أمامه يتّخذ خطواتٍ بطيئة، متى وصل إلى ظهره؟.

حاول غريزيًّا إمساك سيفه مرًّ أخرى، لكن يده أمسكت بالهواء فقط.

“ همم، أوه؟ يمكنني رؤية الخدوش العديدة على الغمد، ناهيك عن النّصل! سيفٌ جيّد! ”

“ هكذا يجب إستخدامه! السّيف ليس سيفًا ما لم يكن عليه ندوبٌ و خدوش كهذه! ”

بينما يتجاهل وجود فرناندو المحدّق فيه بذهول، حدّق الفتى في السّيف بين يديه بعيونٍ مشرقة، كان يتفحّصه بعناية.

بينما يراقب ما يفعله الفتى و هو يحمل سيفه، إرتباكه السّابق أصبح رعبًا.

متى؟ كيف؟ هذ- هذا …

أصبح فرناندو عاجزًا عن الكلام.

“ … السّيف كان في يدي، متى أخذه منِّي؟…؟ ”

شعر بالبرد يخترق كيانه.

هناك في كثيرٍ من الأحيان ذلك الشّعور بالخوف و الإرتباك عندما يواجه المرء الأقوياء.

لكن هذا الشّعور، إنَّه عميق، عميق لدرجة لم يشعر بها فرناندو من قبل.

لم يكن للفتى أمامه نيّة قتلٍ حتّى، إذاً لماذا؟ شعورٌ غريب لامس قلبه.

هل كانت تلك مجرّد غريزة طبيعيّة؟ كان عقله يشعر بالوخز في هذه اللّحظة.

“ إنَّه … إنَّه قوي ”

هل إلتقى بشخصٍ في عمره، يملك مثل هذه السّرعة العبثيّة؟ أو أشعره بالخوف و العجز لهذه الدرجة من قبل؟.

هزُّ رأسه بالنَّفي هو كلُّ ما يمكنه فعله.

و لا مرّة واحدة، مرّة واحدة لم يلتقي بشخصٍ كهذا.

على الأقل، كان ذلك حتّى اليوم.

“ تبدو خائفًا يا فتى، لكن كما قلت لك، لا أنوي إيذاءك، كما ترى … ذلك سهلٌ جدًّا علي ”

أخرجه صوت الفتى من ذهوله، كان يمشي بخطى بطيئة، بينما يحمل سيفه.

“ بصراحة، أنت تعجبني، بدلاً من الصراخ بكلام لا معنى منه، أوّل ما فعلته هو حمل سيفك نحوي، و عندما شعرت بفرق القوّة، تركت مسافة بيننا بدلاً من الهرب، و الذي هو عقيم ”

“ كان قراري بإفقادك وعيك سليمًا، الفتاة ستعاني إن قمتَ بقيادة المجموعة، أنت جيّد في إتّخاذ القرارات ”

“ … ماذا؟ ”

كان فرناندو مذهولاً: “هل هو يطري علي؟ ”.

“ حسنًا، هذا غير مهم، الأن، قم بمساعدتي ”

“ مساعدة؟ ”

هذا الشّخص، في ماذا يفكّر؟ منذ إستيقاظ فرناندو، و الإرتباك لم يزل عن عقله.

“ بالتّأكيد، أنت لا تخفى عنك قوّتي، لذا لا حاجة للقول، هل تعتقد حقًّا أنَّ هناك من يستطيع الإمساك بي في هذه الأكاديمية؟ ”

بلا وعيٍ منه، حرّك فرناندو رأسه من جانب إلى جانب.

الأن فقط، بعد التّفكير بالأمر، هل هناك فرصة للأخرين، لكي يمسكو به؟.

فرناندو ليس قويًّا جدًّا، لكن بكلّ تأكيد، فهو لديه حكمٌ ممتاز على الأخرين، ناهيك عن أنَّه شهد بنفسه العديد من الأشخاص الأقوياء.

عندما كان يأتي لهذه الأكاديمية، قام بجمع المعلومات عن جميع المواهب البارزة هنا، لذا كان على دراية بهم، و بقوَّتهم.

رغم ذلك، هل يمكن لأحدهم مقارعة السّرعة و القوّة التي أظهرها ليون؟.

كان من المستحيل، هناك فرقٌ كبير بين شبل النَّمر و الجاموس البالغ.

بصوتٍ هادئ لا يشوبه الشّك، قال: “ من غير الممكن، بالنّسبة لي على الأقل، لا أستطيع تخيل أحدٍ بين الطلبة الجدد بقادرٍ على ذلك ”

نبرته الهادئة، و تعابيره الواثقة، جعلت ليون يشيد به داخليًّا.

الإرتباك الأوّلي إختفى بسرعة، التكيف مع التغييرات، كانت هذه أكثر صفة يفتخر بها فرناندو.

لم يكن يعرف ما يريده الفتى أحمر العينين أمامه، لكنَّه عرف، بما أنَّه لا يمكن للطّلاّب فعل شيئٍ له، فمن الأفضل أخذ جانبه.

بالطّبع، سيكون حذرًا حتّى لا ينجرَّ مع التدفق، و يدخل مشكلة مع الهيئة التدريسيّة.

مع مثل هذه الأفكار، تحدّث بحزم.

“ ماذا تريد منّي فعله؟ ”

كما لو كان يخمّن أفكاره، فتح ليون فمه.

قال بصوتٍ عميق: “ ليس بالكثير، قبل ذلك، لديَّ سؤال، ذلك سيحدّد جوابك مدى قيمتك لي ”

“ … سلْ ما شئت، سيجيب هذا الصّغير بقدر إستطاعته ”

لقد غيّر طريقته في الحديث بسرعة، و إتَّخذ وضعيّة خاضعة.

“ هيهي، يا له من مرن ” ضحك ليون ذهنه، كما قال: “ هل ترغب في القوّة؟ مِن ما أراه، أنت موهبة من الدّرجة د، هل ستخضع لهذه الإنتكاسة؟ أم تريد السمو، حتّى مع ذلك؟ ”

“ ماذا؟!!! ”

خرج صوته كالصّراخ بينما قفز من الرّعب.

“ أ- أنت… كـ-كيف؟! ”

من المستحيل أن يعرف ما هي موهبته، ذلك غير ممكن.

عندما أتى، لم يتمّ الإعلان عن موهبته أمام أحدٍ سوى الأساتذة، كان للطالب حريّة الإختيار في ما إذا أراد القيام بمراسم كشف المواهب علنًا أم سرًّا.

كان الأمر غير مهم في النّهاية، لأنَّ نتائج الشخص سيتم إعلانها في أول يومٍ لتقسيم الفصول.

كان ذلك أمراً مفروغًا منه، لا يجب خلط الذئاب مع الخراف، بعد كل شيئ

و هكذا، إختار فرناندو القيام بمراسم كشف المواهب سرًّا، لقد كان دقيقًا و لم يكن متعجرفًا كما أظهر للنّاس.

لو حدث و كانت موهبته ضئيلة، ثمّ أظهر سلوكًا ضعيفًا، ألن يستفيد أعداء عائلته من ذلك؟ لقد أراد تمنّي أن تظهر بشرى سارَّة، لكن يجب أن لا ينجرف، عليه دائماً توخّي الحذر.

و مع ذلك، كانت موهبته هي الأسوء على الإطلاق، و هكذا، فقد رباطة جأشه تماماً، كان إختياره حكيمًا.

على الأقل، عنده وقتٌ لبناء العلاقات و إبقاء نفسه هادئًا حتّى يوم كشف موهبته للعلن.

لم يتخلّى عن أمل إمساك زمام عائلته بالكامل، بعد اليوم الذي لوّح بسيفه — و كان ذلك هو اليوم الذي أحسَّ أنَّه سيافٌ حقيقي — شعر بنسبة قليلة من الأمل.

لم يكن سيتخلّى عن الأمل ببساطة، و لو كان غير موجود تقريبًا.

هذا الفتى أحمر العينين أمامه، رغم أنَّه يراه لأوّل مرَّة، و من المؤكّد أنَّه أتى لهذه الأكاديمية اليوم فقط، قد كشف موهبته بهذه السهولة؟.

هذا، هذا …

“ إنَّ هذا عبثيٌّ للغاية! ”

لقد إعترف بنفسه أنَّه قوي، لكن أن يكون بتلك القوَّة، و في هذا العمر …

كان هذا لا يصدّق.

أن يستطيع المرء كشف موهبتك بدون التّحقق، ذلك يعني شيئًا واحدًا.

أنَّ فرق القوّة هائل!

“ مهما نظرت إلي، فلن تكشف شيئًا، لذا إمسح هذا البريق عن عينيك ”

خرج صوت ليون المنزعج، بينما يحدّق في الفتى أمامه.

إرتباك الفتى فرناندو الأوّلي إختفى، و ما بقي كان عيونًا مشرقة تتوجّه نحو ليون.

رغم أنَّ المرء يمكنه كشف موهبة الأخرين عند الوصول لمرحلةٍ ما من القوّة، إلاّ أنَّ السبب الأكبر هو أنَّ هناك لكلّ موهبة نوعًا من الهالة الخاصّة بها.

و هكذا، لا يمكن للمرء معرفة أيُّ نوعٍ من المواهب يملكه الشّخص قبل أن يقوم بمراسم كشف المواهب.

و مع الموهبة، تظهر الرّتبة التي ينتمي إليها الشّخص بشكلٍ أكثر وضوحًا، و تظهر آفاقه المستقبليّة.

قبل أن يعرف الأشخاص نوع موهبتهم، فهم يقومون بتنمية مرتبتهم بإطراد.

لما يقومون بالأمر عندما يكونون صغار العمر؟.

لسببٍ ما، لم يمكن للمرء معرفة نوع موهبته قبل دخول سنِّ السّابعة عشرة، لكن ذلك لم يمنع النّاس من معرفة نوع رتبهم و كيفية تنميتها.

لكن كان أهمُّ شيئ هو معرفة رتبة الشخص، كان ذلك ليعرف كم سيبذل من جهد، و ما إن كان يستحقُّ بزخ الموارد عليه أم لا.

و هكذا، كان نظام المواهب هذا ببساطة مجرّد طريقة لكبار المسؤولين لتصيّد المواهب و جعلهم ملكًا لهم.

ذوي المواهب المنخفضة ليس لهم قيمة، و في بعض الحالات، يمكن أن يكون إمتلاك المرء لموهبة ضئيلة سببًا لهلاك عشيرته.

إنَّها طريقة لا ترحم للتّفريق بين مكانة الأشخاص في المجتمع، لكنَّها كانت فعّالة بكلّ تأكيد.

“ يا له من هراء ” ضحك ليون ببرود في ذهنه: “ موهبة؟ هيهيهي، هذه مجرّد وسيلة لشدِّ السّلاسل على أعناق الأشخاص لا غير! ”

ما يسمّى بنظام المواهب، لقد كانت مجرّد خدعة متقنة قام كبار المسؤولين في العالم بإختراعها، لكي يمنعو أيَّ نوعٍ من المخلوقات ببلوغ أفاقٍ عالية من دون دعمهم.

لو إستطاع الجميع بلوغ أفاقٍ عالية بدون الحكومات، فماذا كانت فائدتها؟ السّبب الأكبر، و الذي يجعل النّاس يتبعون الحكومات و المسؤولين، بصرف النظر عن القوة و النفوذ، هي المصداقيّة.

لو لم يكن لهم مصداقيّة، ففي ماذا يختلفون عن أوغاد المسار الشّيطاني؟ يجب أن يكون لهم شيئٌ يمكنهم به مراقبة الشّعب، و في نفس الوقت، قمعهم بحجّة إعطاء الفوائد.

و قد كان نظام المواهب هو الحل.

بالطَّبع، لم يكن الأمر كلّه هراء، لقد كانت مرتبة الموهبة ضروريّة إلى حدٍّ كبير، لكن السبب كان مختلفًا.

و ذاك السبب، لقد عرفه ليون بطبيعة الحال.

“ هيا، أجب، في هذا العالم الظّالم، حيث لم يعترف أحدٌ بك، عندما بذلت جهودًا لا تحصى، تمّ إعطائك أسوء موهبة، حتّى مع ذلك، هل لك رغبة باقية في القوّة؟ ”

بينما يحدّق في الفتى أمامه بنظرة جليلة، قام بسؤاله، مع يديه خلف ظهره.

كان صوته مهيبًا، في صوته، كان هناك قوّة غريبة جعلت المرء يخرج شهقة من العجب.

لسببٍ ما، كانت كلماته محدّدة، محدّدة أكثر من اللّازم.

بالنّسبة لفرناندو، هو لمثل هذه التفاصيل لم ينتبه على الإطلاق.

“ هل أريد القوّة؟ ”

ومض الشّك عبر عينيه، عدم اليقين، و حتّى عدم التّصديق.

من مِنّا لم يرد القوّة؟.

أن تكون قويًّا لحماية الأخرين، القوّة لعدم التقيّد بالأخرين.

أن تكون قويًّا لحماية نفسك، القوّة لتحقيق طموحاتك.

مهما كان السبب، و مهما تعدّدت الطّرق، ألم يفعل الجميع الأمر للحصول على نفس الشيئ؟

القوّة.

القوّة، و المزيد من القوّة.

هذا ما سعى نحوه الجميع، لكن لم يبلغه الجميع أيضاً.

في المقام الأوّل، لم تكن القوّة شيئًا يمكن الحصول عليه فقط لأنَّ الشّخص يرغب بها.

لو لا ذلك، لما كان هناك صراعات على الموارد أو فروقاتٌ و تمييز بين المخلوقات.

طالما هناك قويٌّ و ضعيف، فالعالم لن يكون متساويًا.

لقد كان مفهوم القوّة متأصّلاً بعمق في كيان فرناندو، منذ الصّغر، تمنّى إمتلاك القوّة.

لأنه معها، كلُّ طموحاته ستتحقّق، و كلُّ ندمه و ألامه ستندثر.

ليس الرّغبة ما يحدّد إمتلاكك للقوّة.

ما حدّد إمتلاك الشّخص للقوة أم لا، هي الجهود المبذولة.

رغم ذلك، بالنّسبة لفرناندو نيكولا، لم تكن جهوده مفيدة أبداً.

إن كان في الذّكاء، فقد كان هناك من يتفوّق عليه، القوّة؟ لم يكن قويّ البنية بشكلٍ خاص.

ما بقي كانت موهبته غير المؤكّدة.

و الأن، مقارنةً بذكاءه الحاد و قوّته البدنيّة فوق المتوسّط، فقد كانت موهبته هي الأسوء.

الشّيئ الوحيد الذي إمتلكه فرناندو أكثر مقارنةً بالأخرين هو عناده، كان يبذل جهوده القصوى في ما يفعله.

ليلاً أو نهاراً، لم يكن هناك فرق، لم يرضا عن ما يفعله إلاّ بعد إكماله.

حتّى بعد بذل تلك الجهود و تحصيل الخيبة، ما فائدة بذل الجهد؟ هل ما زال لديه رغبة في القوّة؟.

ومضت عيناه بالعزم، كما أجاب بثقة: “ نعم! ”

“ حتّى لو تركني الجميع، حتّى لو لم يثق بي أحد و قال أنَّني قمامة، فلا أهتم! أنا أرغب بأن أكون أقوى! ”

“ حتّى لو كان ذلك يعني فناء جسدك في سبيل ذلك؟ ”

سأل ليون عمدًا، عند رؤية عناد الفتى، ومضت عيناه بإشراق.

“ حتّى مع ذلك! نعم! إن كان جسدي سيموت في سبيل هدفي، فهذا جيّد! إن إستغرقني الأمر عقدًا، فسأعيش عقدًا أجتهد بسرور، لو كنت سأستغرق حياة، فحياتي ستكون من أجل هدفي! ”

تدفّقت الكلمات من فم الفتى فرناندو بسلاسة.

لم يكن يعرف السّبب، لكنَّه أراد إخراج ما في قلبه.

أراد الصّراخ للعالم أنَّه لن يستسلم!

الجهود المبذولة لم تكن كافية؟

هذا يعني أنَّ المرء لم يبذل الجهد الكافي!.

إن كان هناك، و لو فرصة واحد بالمليون ليصبح قويًّا، فماذا هناك للخسارة؟.

“ لهذا … أطلب منك- لا، أنا أرجوك! لو كان هناك فرصة لي للصبو نحو القوّة، فساعدني لأصبح أقوى! ”

بينما ضرب جبهته بالرّمال، قال فرناندو بصوتٍ لا يرتجف.

إهتزّت البيئة مع صراخه.

في أعماقه، لقد فهم لماذا حكى ليون عن رغبته بالقوّة، كان السّبب بسيطًا.

إمّا للسّخرية منه، أو ليُدارِكه القوّة التي تحدّث عنها.

لو كان السّبب الأخر هو الجواب الصّحيح، فيجب عليه أن يثبت أنَّه ذو قيمة!

و هكذا، سارع فرناندو في الطّلب من ليون بجعله قويًّا، ذلك ليظهر له أنَّه سريع البديهة.

“ هاهاهاها! ” ضحك ليون بحرارة: “ هذا هو! أحسنت، أحسنت! إرفع رأسك، ليبلغ الإنسان علُوَّ السماء، ألا يجب أن يملك هذا النّوع من العزم؟ أنت تعجبني أكثر فأكثر يا فتى! ”

تردّد صوت ضحك ليون عبر الشّاطئ.

هذا الفتى جوهرة ثمينة!

لم يهتمّ ليون بشيئٍ ضحل كالموهبة، كيف تحدّد قيمة المرء بالموهبة فقط؟ كان ذلك هو ما يسمّى بضِيقِ الأُفُق!

ما إهتمَّ ليون به كانت العقليّة، كيف يتعامل الشّخص مع مشاكله، و كيف ينظر للحياة، هذا ما حدّد أفاق المرء

على الأقل، هذا ما إعتقده ليون بعمق.

يمكن دائماً حلُّ المشاكل الجسدية، لكن ما بداخل عقل الإنسان لا يمكن فعل شيئٍ تجاهه!.

الموهبة الفطريّة؟ يمكن حلّها ببعض الأكاسير النّادرة و الموارد العديدة.

ماذا عن العقل؟ هاها، هذا غير ممكن!.

حتّى لو أحضرت شخصًا ذو موهبة من الرّتبة أ، طالما كان شخصًا ضيّق الأفق، متعجرف و عاطفيٌّ جدًّا، فلا يعني ذلك سوى الأسى له و للأخرين.

على الأكثر، كان ذو قيمة أعلى بقليل من الأكاسير النّادرة، شخصٌ موهوب فطريًّا لكن ضعيف عقليًّا، إنَّه كالطّفل الذي يحمل سبيكة من الذّهب.

إنَّه أفضل حالاً كمادّة للصقل!.

الموهبة الفطريّة، ماذا كانت؟ إنَّه بسيط.

الموهبة الفطريّة هي مجرّد نسبة نقاء التشي داخل الجسد، نقاء التشي في جسد المرء يحدّد سرعة دورانه داخل الجسد و قابليّته لإمتصاص التشي في البيئة المحيطة.

و هكذا، في كثيرٍ من الأحيان، ذوي المواهب الأعلى يرتقون في الرّتب بشكلٍ أسرع من الأخرين.

الرّتبة تحدّد كلّ شيئ.

هذه العقليّة عالقة في عقول الجميع.

لكن هناك دائماً إستثناء.

و ليون، لقد كان أحد هذه الاستثناءات.

بينما تلمع عيناه بإشراق، تحدٌث ليون بنبرة قويّة: “ طالما تتبع ما أقوله لك، ليس فقط طموحك، بل ستبلغ ما لم تحلمه به في حياتك قط! ”

ضحك ليون و هدر بصوتٍ عالٍ: “أنا أحبُّ الأشخاص مثلك، طالما يشدُّ المرء بأسنانه، فما الذي لا يمكن فعله؟ هاهاهاها! ”

“ شكراً لك! هذا الصّغير يفهم! ”

لقد كان فرناندو يرتجف من السَّعادة، حتّى أنَّه بدأ ينادي نفسه بالصّغير.

باه! ما هو العمر؟ القوّة هي التي تحدّد الفرق بين الكبير و الصغير!.

كان من غير الممكن طلب أيِّ دعمٍ من العائلة بعد الأن، بعد إنتشار أخبار موهبته، ستركّز العائلة جميع جهودها على أخته.

ناهيك عن أيِّ شيئٍ أخر، كلّ داعميه سيديرون ظهروهم له، الأن، غير إسم عائلته النّبيل، ما الذي يملكه؟.

لا شيئ!

كان فرناندو سريعًا في فهم موقفه، لم يكن أحمق.

نظرته للأمور لم تعد كالسّابق.

بعد تجربة الحياة و الموت عندما أراد بنفسه الإنتحار، تغيّرت أفكاره.

كان يرى الأمل في كلّ شيئ، طالما بذل المرء و شدّ على أسنانه، هل هناك ما لا يمكن فعله؟.

إنَّه كما قال له ليون بالضّبط.

لو كان ليون سيجعله أقوى كما يقول، ما الذي لن يفعله؟.

هو في الحضيض بالفعل، ماذا هناك لإستغلاله فيه؟.

الجواب كان واضحًا!

و هكذا، وقف فرناندو في صمت، لسماع ما أراد ليون منه فعله.

“ للوقت الحالي، سأوقِظ هذه الفتاة، أنت إحمل هؤلاء الفتية نحو مكانٍ بعيد عن الشّاطئ ”

“ بينما كنتُ نائمًا، ماذا حصل؟ ”

“ اوه هذا؟ لقد هزمتهم تلك الفتاة ”

بينما يقترب منها ببطئ، أخبر ليون فرناندو بما جرى أثناء غيابه عن الوعي.

كان وجه فرناندو مشوّبًا بالصّدمة، كما لو تذكّر شيئًا، إعتذر له عن ما بدر منه، و عن كلامه المتعجرف سابقًا.

قال ليون أنَّه لا يمانع.

كلامه المهين في السّابق؟ هاها، لم يهتم ليون حتّى!

طالما وافق فرناندو على فعل ما قاله له، فأين المشكلة؟.

“ … إتّضح أنَّها كانت بهذه القوّة ”

بينما يحدّق في الفتاة النّائمة على شجرة، غمغم فرناندو بصوتٍ خفيض.

ضحك ليون بهدوء على لفتته، يجب أن تكبر صورته في عيون فرناندو الأن.

كيف لا، و بسببه، فازت فتاةٌ وحيدة على عشرة أشخاص؟.

في قصّته، ركّز ليون بشدّة على موضوع عددهم و أنَّهم حملوا الأدوات، و أنَّ المعركة كانت صعبة حقًّا!.

رغم ذلك، بتوجيهٍ منه، هي فازت.

كانت فَبْرَكَة و مبالغة، لكن ماذا في ذلك؟ ليس كما لو أنَّ هذا الفتى سيسأل الأخرين بلا خجل، صحيح؟.

لنفترض أنَّه سأل كإحتماليّة للشّك، هل هناك كلامٌ خاطئ في ما قاله ليون؟.

بطبيعة الحال، لا يوجد!

على العكس، لو سأل الأخرين و قام بقياس ردِّ فعلهم، ألن تكبر صورة ليون ذهنه حتّى؟.

كان المظهر الذي أظهره ليون للأولاد العشرة اليوم، على أقلّ تقدير، إنَّه لا يُنسى.

طالما يترك الأمر لخياله، ألن يجمح في تخيّلاته، و يعتقد أنَّ ليون أكبر من ما كان يعتقد؟.

حتّى أنَّه سيعتقد بعض الهراء و يعتقده خبيرًا متنكّرًا!

لم تكن تلك مجرّد تخمينات ليون، لقد قابل العديد من أنواع النّاس في حياته، لذلك لم يكن هذا غريبًا عنه.

خيال المرء، لو ترك بدون قيود، فقد كان بلا حدود.

كما قال المثل: لو أُحِيل المستحيل كإحتمال، فكلّ شيئٍ يمكن أن يكون الحقيقة!.

طالما تزال أيُّ أدلّة أو لم تستطع التّأكيد على شيئٍ ما، فعقلك سيبدأ تلقائيًّا في وضع إفتراضٍ ما، و مع الوقت، سيقبله العقل كحقيقة مطلقة.

أنت ستصدّق الهراء في عقلك مهما كان سخيفًا، هكذا كيف يعمل العقل!

و هكذا، كلّما جامح هذا الفتى و فكّر في الهراء داخل ذهنه، كلّما كان أفضل.

سواء كان هذا أو ذاك، لم يرد ليون التّخلّي عن قطعة مفيدة كهذا الفتى.

السّيف يتمّ صقله في أفضل بيئة و يتمّ شحذه بإستمرار، بدلاً من البقاء صدئًا و بلا قيمة.

السّيف موجود للقتال، و ليس للعرض.

من الخسارة ترك هذا الفتى يتعفّن كالقمامة و يذبل مع الضّعفاء.

إنَّه جوهرة.

ليون سيشحذ هذه الجوهرة لأقصى أفاقها، و قد عرف أفضل شخصٍ لذلك.

“ سواء كان هو أم مهووسة السّيف هذه، فالأمر هو نفسه، إنَّهما يستحقَّان أن يكونا معه ”

من كان يتوقّع؟ لقد كُلِّل حظّه بالنّجاح!

لم يتوقّع إيجاد شخصين موهوبين بهذه السّرعة.

قام ليون بالضّغط على بضع نقاط في جسد الفتاة، و إستيقظت على الفور.

“ ماذا تفعلين نائمةً هنا؟ أمامنا عملٌ كثير ”

إبتسم ليون بإشراق كما قال لها.

ماذا؟ تركها ترتاح؟ أسف، سترتاح هذه الصّغيرة بعد أن أنتهي من العمل!

هيهيهي.

واحد … إثنان … عشرة … ثلاثون … خمسون!

ما يقارب الخمسون شخصًا إجتمعوا معًا، بينما كانت أصوات خطواتهم الجرّارة تملأ الأنحاء.

كان السّاحل الشّرقي يلوح عبر الأفق.

“ أنا سأمسك به أولاً! ”

“ هيهي، لا تحلم! هذا الوغد ملكٌ لي! ”

“ من يصل أولاً يُخدم أولاً! سأصل قبلكم جميعًا! ”

“ هاهاهاها! من كان يتوقّع! في أولى أيامي هنا، حتّى قبل بدأ الفصول الدّراسيّة، سيكون هناك مثل هذه الفرصة! ”

“ يجب أن نشكر ذلك الوغد المعتوه على هذا، بدون فمه الثّرثار، كيف ستتاح لي الفرصة لعرض مهاراتي! ”

كانت أصوات الضّحك تشوب المكان، بينما يجري الشّباب و يقفزون بجنون كمجموعة من الضّباع التي رأت طعامًا دسمًا.

قلق الجميع مرتكز على شيئٍ واحد، من سيمسك به أولاً.

الطّائر المبكّر هو من يحصل على الدّودة.

نظراً لأعدادهم البالغة خمسين شخصًا، لم يكن شخصٌ واحد يكفيهم جميعًا.

لولا أنَّ شخصًا ما قد نشر مكان ليون على نطاقٍ واسع، لقاموا بمباغتته سرًّا في مجموعاتٍ صغيرة.

ناهيك عن أيّ شيئ، لم يكن الجميع حاضرًا بعد حتّى، معظم الطّلاب كانوا في مهاجعهم داخل الأكاديمية.

إنَّها مسألة وقت قبل أن تصل إليهم الأخبار أيضاً.

إنَّه سباقٌ مع الوقت!

بمثل هذه الأفكار، كان الجميع يجري بسرعة، بينما يعرقل و يخرّب على الأخرين.

“ اللّعنة! هذان الإثنان، إنَّهما سريعان جدًّا! ”

“ كنت ألحق بهم منذ مدَّة، لكن لم أقلّل المسافة قيد أنملة! ”

حدّق الأشخاص بلا حولٍ أو قوّة في الشّخصين أمامهم.

لم يكن هناك تعبٌ أو إرهاق في تعابيرهما، على العكس من ذلك، كانت وتيرتهما تبدو مريحة، رغم السّرعة العبثيّة التي أظهراها.

كانت الأجواء التي حملوها مناقضة للمجموعة خلفهم، و التي كان جميع من فيها يائس للوصول قبل أيِّ أحدٍ أخر.

“ تسك تسك، لماذا أشعر أنَّ ليون خدعني مرَّةً أخرى؟ هذا الموقف، إنَّه غير مريح أبداً ”

“ نفس الشّعور هنا، دعنا نفكِّر بعناية، بمعرفتي لليون، من المستحيل أن يقترب من فتاةٍ تعسّفيًّا، أكثر من أيّ شيئٍ أخر، كان هناك مجموعة أخرى معه ”

بينما قفز الإثنان عبر الأشجار بسرعة عبثيّة، تبادل ديو و لويد أطراف الحديث.

“ … معك حق، ناهيك عن أنَّه، مع إستشعاره المخيف للطّاقة في أيّ مكانٍ و زمان، من المستحيل عدم معرفته بوجودنا ”

“ يجب أن يملك نوايا من نوعٍ ما، إنتظر … هذا هو! ”

بينما كان لويد يقوم بتحليله، ومضت فكرة في عقل ديو كما صرخ.

“ هل إكتشفت شيئًا؟ ”

لمعت عيون ديو بإشراق: “ فكّر في الأمر، لماذا، بالضّبط عندما هرب منَّا و رأيناه، كان برفقة فتاة و بدا كما لو أنَّه يتحدّث معها؟ ”

“ أليس فقط لأنَّه … آاه، هذا ما تقصده! ”

كان لويد مرتبكًا في البداية، لكن فهم جوهر الأمر أخيراً.

في المقام الأوّل، من غير المنطقي معرفة ليون لشخصٍ ما في بداية دخوله لهذا المكان، ناهيك عن أنَّه مطارد تقنيًّا من قبل الطلبة، كيف سيملك مثل هذا الشّخص الرّفاهيّة للحديث مع فتاة؟.

لماذا إذاً لم يبدي أيّ ردّ فعل عندما كانوا بالقرب منه؟.

هل تقول لي أنَّه لم يلاحظ وجودهم لأنَّه يتجاذب أطراف الحديث مع فتاة؟.

هل كان من النّوع المحب للفتيات، في المقام الأوّل، هل يعترف بالفتيات كإناثٍ من البداية؟.

أكثر من أيّ أحدٍ أخر، ذلك الشيطان مهتم بفتاة؟ هاه؟ مستحيل!

يجب أن يكون لديه نوايا أخرى بكل تأكيد!

“ هذا يعني شيئًا واحدًا! ”

“ ذلك النّذل! مرَّة أخرى، هو لم يخبرنا بما يخطّط له! ”

لقد تلاعب بهم، هو يعرف شخصيّتهم، مع مكوثهم برفقة فايرون، الذي لديه حظٌّ سخيف مع الفتيات، سيثير ذلك الحنق، لكن ما هو الأسوء؟.

قدوم ليون و حديثه مع فتاة قبلهما!.

كيف يعرف ذلك؟ أنَّهما لم يتحدّثا مع أيّ إمرأة؟.

لم يكن ذلك مهمًّا، إن كان مخطئًا، فهذا هو كلُّ شيئ.

لكن ماذا لو كان على حق؟ سيثار حنقهما.

هم يقبلون أن يحادث فايرون الفتيات، و في حالٍ أسوء، سيكون ذلك هو لوكي، لكن ليون؟.

هذا غير مقبول!

لماذا؟ لأنَّه من البداية، ليون ليس مهتمًّا بالنّساء، على العكس، رجلاً كان أم إمرأة، الأمر نفسه بالنّسبة له.

لم يكن يعامل النّاس على أساس الجنس الخّاص بهم أو أيٍّ من تلك المعايير الشّائعة.

إنَّ له معاييرًا غريبة للحكم على الأشياء، مثل هذا الشّخص، إستطاع الحديث مع إمرأة لأي سببٍ من الأسباب، أليس هذا مهينًا لكبريائهم؟.

لم يكن لويد أو ديو من الأشخاص الذين ينجرفون وراء شهواتهم أو لديهم إهتمامٌ خاص بالنّساء، لكن هل هذا يعني أنَّه ليس لديهم أي إهتمام؟

بطبيعة الحال، مازالو رجالاً، سيكون لهم بعض الإنجذاب تجاه النّساء.

ماذا عن ذلك الوغد؟ لقد شكّو في كونه بشريًّا في مناسباتٍ كثيرة.

و هكذا، سينزعج هذان الشّخصان، و لتخريب موعده، سيحضران بعض له “الجماهير”، و سيتمُّ إفساد وقته اللّطيف مع الفتاة.

هل كان هناك قلقٌ من القبض عليه؟ ذلك أقل همومهم.

مهما كثرت الأرانب في الأعداد، ماذا يمكنهم فعله للأسد الضّاري؟ القلق عليه يبدو كالوقاحة هكذا.

بل أكثر من ذلك، يبدو الأمر ظلمًا تجاه تلك الأرانب!

“ أسرع … أسرع! إنَّه يخطّط لشيئٍ ما، يجب أن أعلم ما هو! ”

حثَّ لويد ديو و زاد من سرعته.

“ أيّها الوغد! إنتظرني! ”

هدر ديو كما زاد من وتيرته بدوره!.

كان حديثهم غير مسموع للمجموعات خلفهم، كلُّ ما سمعوه هو هدير ديو الذي هزَّ الأركان، قبل أن يختفي الشّخصان من أمامهم.

بدا الأمر كالإنتقال الآني!

هذا سريعٌ جداً! يا رجل! أبطئ قليلاً!.

إشتكى الجميع في قلوبهم، و زادو بيأس سرعتهم، كانت المانا تدور في الجسد بقوّة.

سوويش! سوويش!.

في الشّاطئ، وقف ثلاثة أشخاص بهدوء، كما لو كانو ينتظرون.

في المكان قبالة هؤلاء الثلاثة، سحابة من الغبار إرتفعت، كما سُمع صوت الرّياح.

الفتاة الواقفة بجانب أحد الإثنين الأخرين، رفرف شعرها الأشقر بفعل الرّيح القادمة بلا سابق أنذار.

كانت عيونها بلا عاطفة، و حدّقت بهدوء، بلا أن تنبس ببنت شفاه.

كانت أردية الثلاثة ترفرف بقوّة.

هذا أظهر لأي مدى كانت سرعة الأشخاص الذي أتوا.

رغم ذلك، لم تلامس أيّ حبّة رمال الأشخاص الثّلاثة.

حاجز غير مرئي تصاعد و منع الرّمال من الإصطدام بهم، إصطدمت الرّمال بالحاجز و سقطت على الأرض.

توجّهت أنظار الإثنين على الشّخص الواقف بينهما بلا وعي.

إنقشعت سحابة الغبار ببطئ، و ظهرت صورة ظلّيّة لشخصين.

“ لقد تأخرتُم ”

كان لليون إبتسامة باهتة، كما قال بسخرية.

“ ذلك الوغد … كنت أعرف! ”

“ كفى ثرثرة! أخبرنا، على ماذا تنوي يا ليون! ”

إنقشعت الرّمال تمامًا و ظهر شخصان وسيمان يحملان علامات على الإنزعاج في وجوههما.

أحدهما حمل السّيف، بينما الأخر وقف برمحه.

لقد وبّخوا بصرامة و أعينهما تحدّق بشراسة في ليون، الواقف بين فتاة جميلة شقراء و فتى ذو بنية متناسقة مع وجهٍ وسيم إلى حدٍّ ما.

ومضت التّسلية عبر عينيه كما رد: “ أوه؟ أنا لا أدري ماذا تقولان، رغم ذلك؟ ”

“ الكلام لن يجدي معه ”

“ نعم، أنت محق! ”

بدلاً من الحديث أكثر، سيتمُّ تأكيد كلّ شيئٍ في المعركة.

لنتحدّث بقبضاتنا بدلاً من أفواهنا!

ضحك ليون بشراسة كما قال: “ هاهاها! هكذا هي الرّوح! ”

الشّخصان بجانبه قد أخرجا سيوفهما من أغمادها بالفعل.

كانا مستعدان للقتال.

“ أنتما، إبقيا في الخلف ”

خرج صوت ليون البارد، كما لو كان يخرجهما للواقع.

“ إنَّه محق، لا أريد أذيّتكما حقًّا ”

“ على الضعفاء البقاء متفرّجين ”

تحدّث لويد و ديو بإنسجام.

هذين الإثنين سيتعرّضان للإصابة فقط لو قاما بالقتال.

لذلك لا يجب عليهم التّدخّل.

كان فرناندو سيجيب عندما قاطعه ليون.

“ شاهدا فقط، إنَّه أسرع من المتوقّع، لكن اليوم سأريكما ما هو القتال الحقيقي، ”

“ ناهيك عن أنَّه، يجب أن تريا بأعينكما الشّخص الذي ستتبعانه، أليس كذلك؟ ”

نظر إليهما بإبتسامة، لم يكن خائفًا من هجوم لويد و ديو عليه بينما يتحدّث إلى الفتاة و الفتى وراءه.

كان هناك بعض التّردّد في عيني الإثنين، لكن وافقوا على مضض، بينما تراجعوا للوراء.

“ الأن، هلّا بدأنا؟ كما تريان، عضلات جسدي متصلّبة جداً! ”

طقطق ليون بأصابعه، بينما يحرّك رقبته من جهة لأخرى.

ضحك ديو بحرارة، كما أصبح صوته شرسًا: “ كاهاهاها! هكذا إذاً! أمل منك أن تستطيع جعلي أتعرّق حتّى! ”

“ رمحي مستخدم للقتل، لذا سأقاتل بقبضتي ”

ردَّ لويد بهدوء، كما لفَّ رمحه بقماش، حذا ديو حذوه.

أخذ ليون السّيف و الرّمح من الإثنين، و جعل فرناندو يمسك بالرّمح، بينما الفتاة تمسك بالسّيف.

علامات الإستفهام ومضت عبر رؤوس الفتاة و فرناندو، أليسوا أعداء …؟

ضحك الثلاثة على منظرهم، قبل أن يحدّقوا في بعضهم بشراسة.

المعركة ستبدأ في أيّ لحظة.

سووش ~.

مرّت الرّيح الباردة، و لامست مسام البشرة.

كانت الأجواء صامتة، و لم يتحرّك أحد.

نبض! نبض!.

إنَّ الجوُّ هادئ، هادئ لدرجة سماع صوت نبض القلب.

شعر فرناندو و الفتاة بعرقٍ بارد يتساقط عبر وجوههما.

رغم أنَّ الجوَّ صامت، فقد كان في الصّمت شعورٌ خانق بالخطر.

لم يصدر الثلاثة أي هالة أو نيّة للقتل.

رغم ذلك، ما هو هذا الشعور؟.

كما لو أنَّ المرء يشهد معركة بين المفترسات؟.

حدّق الثلاثة في بعضهم، بلا أي حركة.

لكن كان الجوُّ من حولهم مرعبًا.

بام! بوم! بوم! بوم!.

قبل أن تتدارك العين أيّ شيئ، الأذن سمعت صوت دويٍّ عالٍ.

إختفى الثلاثة من أماكنهم، سحابة الغبار و أصوات الإصطدام هو كلَّ ما يمكن الشّعور به.

الحفر تملأ الأنحاء بسرعة.

كانت هناك ظلال تظهر و تختفي من حينٍ لأخر!.

أصبح الشّاطئ بالكامل ساحة معركة بين الثلاثة!.

اللّكمات و الرّكلات لاحت في الأفق، كل ضربة تمّ تسديدها جعلت الريح تهدر!.

بام! بام! بام!!.

يا إلهي!.

فتح فرناندو فمه غير مصدّق، لقد شهد بعض المعارك بين الخبراء في حياته.

لكن هل كان هناك شيئٌ كهذا؟ لم يرى شيئًا كهذا منذ ولادته!

كانوا بشكلٍ حرفي يختفون في مكانٍ و يظهرون في مكانٍ أخر.

الدلالة الوحيدة على معركتهم هو دويُّ الأصوات و الحفر التي تملأ الأنحاء!

هو لا يستطيع تداركهم بعينه حتّى!.

الخوف من أن تصله أثار المعركة إجتاح كيانه!

باه! في ماذا كنت أفكّر! المشاركة؟.

مشاركة مؤخرتي! سأموت إن تدخّلت في هذا!.

لم تكن الصّدمة أقل على الفتاة، تعبيرها لم يتغيّر، لكن عينيها فتحت على مصراعيها!

وميض الضربات في السّماء و الأرض يمكن رؤيته.

يا لها قوّة وحشيّة!.

حتّى بقائها متفرّجة كان خطيراً على حياتها، فما بالك بدخول المعركة؟.

الأمر كما لو كانت تطلب موتها!

في اللّحظة التي كانت ستتراجع فيها غريزيًّا …

ظهر الثّلاثة في مدِّ البصر فجأة.

عشرة ثوانٍ.

هذا هو ما إستغرقته المعركة.

لا أكثر، لا أقل.

أكثر من ذلك، و هالاتهم كانت ستنتشر بشكلٍ أوضح، لقد قاتلو بقوّة أجسادهم مع كبح هالاتهم قدر الإمكان.

لو قاتلوا أكثر، فربّما ستطال المعركة الصّبي فرناندو و الفتاة الأخرى بجانبه.

ناهيك عن أنَّ الأشخاص القادمين خلفهم سيخافون إن رأو المعركة.

من المفترض الأن أنَّهم قد سمعو أصوات المعركة، و سيزيدون سرعتهم للمجيئ.

لقد نسوا ضبط أنفسهم قليلاً.

نعم، قليلاً!

بعد سنين الفراق هذه، لقد أرادوا إختبار بعضهم قليلاً.

رغم أنَّ المعركة كانت ظاهريًّا إثنين ضدّ واحد، لكن في الواقع قاتل الثلاثة بعضهم البعض.

الوحيدون المدركون للأمر هو الثلاثة منهم فقط.

بينما قاتلوا في الهواء و الأرض، لقد كانوا يقيّمون مهارات بعضهم البعض.

في الثّانية الواحدة، ربمّا تمّ تسديد عشرات الضّربات، ذلك إن جمعنا عدد ضرباتهم معًا.

“ يا له من أداء، لقد كنت سريعًا يا لويد، بالكاد إستطعت تدارك ركلاتك! ”

“ أنت مذهلٌ أيضاً يا ديو! أسلوبك في المعركة أصبح أكثر شموليّة! ”

كان لويد و ديو يطريان على بعضهما، و هما يضحكان بسرور!.

“ بصرف النّظر عن ذلك … ”

“ ذلك الوغد … ”

مزاجهما تعكّر عند رؤية الإبتسامة المتعجرفة على وجه ليون.

“ هاهاها! كما هو متوقّعٌ منّي! هذا الموّقر لا تخفى عنه خافية، و لا يضاهى في المعارك! ”

كان يضحك و وجهه نحو السّماء.

“ تسك، أدائه أفضل من السّابق بكثير! ”

“ هذا جيّد و سيّئ في نفس الوقت ”

“ في هذه النّقطة، أنا أتفق معك تماماً ”

أثناء المعركة قصيرة الأجل، إستخدم ليون اللّحظات التي كاد الإثنان يتصادمان فيها لمباغتة أحدهما.

أكثر من أيّ شيئٍ أخر، ما يغضب المرء حقًّا هو كيف يستخدم أحدهما كدرع عندما يهاجمه الأخر!.

لقد كانا يتميّزان بسرعتهما الهائلة، لذلك تدارك الأثنان الوضع بسرعة.

لكنَّه قام بمجاراتهما حتّى مع ذلك.

الكلُّ في الكل، إنتهت المعركة بالتّعادل، إذا تمَّت تنحية سخط الإثنان البسيط، فقد كانت النَّتائج مرضية.

“ عن ماذا يتحدّثون؟ ”

“ أنا لا أعرف ”

بينما إبتلع الإثنان ريقهما، تحدّثا لبعضهما بإرتباك.

متجاهلاً إرتباكهما، صرخ لهما ليون: “ أنتما، تعاليا! ”

تقدّم الإثنان بتردّد.

“ أمعن النّظر يا ديو! هذان الإثنان هما مواهب نادرة وجدتها بالصّدفة! ”

صرخ ليون بصوتٍ فخور.

“ ماذا ماذا؟ أنا لا أرى ما تقصد؟ ”

حدّق ديو فيهما، لكن لم يستشعر أيّ شيئٍ غريب أو خارج عن المألوف.

“ في الواقع هذان الإثنان … تسك! ”

كان يتحدّث عندما شعر بشيئٍ ما، و نقر على لسانه.

“ هؤلاء الصّعاليك، لقد أتوا، سنكمل الحديث لاحقًا، أنتما الإثنان، تمركزا! ”

أشار ليون للفتاة لكي تقف بجانب ديو، بينما الفتى فرناندو يقف بجانب لويد.

كان ليون يقف في الوسط، و خلفه أربعة أشخاص.

شعر الأربعة خلف ليون بهالات أشخاص عدّة تأتي من الغابة.

كانت المعركة ستبدأ بعد ثوانٍ.

2024/05/26 · 34 مشاهدة · 5194 كلمة
نادي الروايات - 2025