الفصل 11: المقيّدون بمعايير الأخرين، لا يستحقّون التطلّع نحو السّماء (2).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
في الشّاطئ حيث وقف خمسة أشخاص، عمّ الهدوء الأنحاء.
سواء كان ليون، لويد، ديو أو الإثنان الأخرين، لم يتحدّث أحد.
ذلك لأنَّه، كانوا ينتظرون.
سووش! سووش! سووش! سووش!.
إندلعت الرّيح كما خرج من الغابة أشخاصٌ عدّة.
“ المعركة قد بدأت بالفعل؟! ”
“ هاهاها! إبتعدوا عن طريقي! ”
أصواتٌ مدوّية إندلعت من مجموعات البشر.
سووش! سووش! سووش!.
مع إقتراب المجموعة الأولى، بدأ النّاس يأتون من كلِّ حدبٍ و صوب.
“ اللعنة! أنا متأخّر! ”
“ أليس لديك لباقة! السّيدات أولاً! ”
“ همف! سيدة مؤخرتي! اللّباقة لن تعطيني النّقاط الدراسية أو الأموال! ”
المجموعات التي وصلت متأخرّة بدأت بالثّرثرة فيما بينهم.
رغم أعدادهم الهائلة، فقد أبقوا مسافة بين بعضهم، كما لو كانوا يخشون أن يغدر أحدٌ بهم.
من المؤكّد أنَّهم ليسوا مجموعة منظّمة.
راقب ليون و الأخرون الأمر بعيونٍ مملّة.
فقط الفتاة و فرناندو إبتلعوا ريقهم قليلاً، كانت اليد الممسكة بالسّلاح مشدودة.
الوضعية متصلّبة بعض الشّيئ، عندما أراد ديو طمئنتهم، تفاجأ بما رأته عيناه.
أخذ الإثنان نفسًا عميقًا و أرخوا أجسادهم، بعد تصفية أذهانهم للحظة، أصبحت أعينهم باردة.
الضعيف من يخاف، و القوي من يفوز.
هؤلاء الأعداء، رغم عددهم، فهم كقطيع من الفراخ أمام نمور.
لا داعي للخوف، أمسك بسلاحك و قاتل فقط.
هذا هو واجب المحارب.
لمعت عيون ديو بإشراق كما فكّر: “ آوه؟ أنظروا إلى هذا؟ ”
لم يعتقد أن يكون لهذين الإثنين مظهر حازم كهذا.
في الواقع، ردّ الفعل الذي توقّعه مختلف بعض الشّيئ، على الأقل، كان هناك إحتماليّة كبيرة لينضمّوا لمجموعة العدو.
لماذا؟ سواء كان من ناحية العدد، أو فائدة الموقف، فهو في صالح المجموعة الأخرى، و ليس في صالح مجموعة ليون.
ناهيك عن أيّ شيئٍ أخر، كانت هذه المطاردة في الأساس من أجل إمساك ليون، لذلك، من المنطقي فقط أن يذهبوا للجانب الأخر.
من كيف فهم ديو الموقف، الفتى الأشقر، و الذي إسمه هو فرناندو، هذا الفتى هو نبيل.
مجموعة الأعداء على الأغلب هم من النّبلاء إلى حدٍّ ما، لذلك، أليس يجب عليه الإنضمام لهم؟.
العلاقات بين النّبلاء معقّدة، يمكن في حالاتٍ عديدة أن تتطوّر مناوشة بين الصّغار إلى معركة حتّى الموت بين الكبار.
بكلِّ تأكيد، لا ينبع وقوفه في جانبهم من الولاء.
الولاء ليس شيئًا يكتسب في يوم.
من المستحيل أن تستطيع كسب قلب المرء بسهولة، بالذّات في عالمٍ كهذا.
الحياة في هذا العالم صعبة، عندما تكثر الخيانة و الصّراعات بين النّاس، كيف يمكن لأحدٍ إعطاء ثقته للأخرين بسهولة؟.
مهما كان ليون عبقريًّا في فهم قلوب الأخرين، حتّى هو لا يستطيع.
هذا يعني شيئًا واحدًا.
“ هذا الفتى، هو يعتقد أنَّ جانبنا أقوى ”
هل هو سريع البديهة، أم يعتمد على غرائزه وحسب؟.
لم يسعه سوى أن يشيد به داخليًّا، الموقف السّريع لفهم المواقف صفة يحبّها ديو في النّاس.
كلّما فهم المرء موقفه بشكلٍ أسرع، كلّما تكيّف مع الظّروف.
و هكذا، عندما يتكيّف مع ظروفه، أصبح سيفه أكثر حدّة في المعارك.
الفتاة الأخرى، تعبيرها اللّامبالي لم يكن سهل القراءة، لم يستطع فهم ما تفكّر فيه من تعبيرها فقط.
لكن لا يعني ذلك أنَّه لا يستطيع فهم ما تفكّر فيه تمامًا.
العين هي نافذة للرّوح.
من نظرتها المشتعلة و الباردة، فهم ديو ما تريد الفتاة.
“ هذه عيون شخصٍ مستعد للدّخول في معركة ”
كم مرَّة قد قوبِل بتلك النّظرة في حياته؟.
الذّكريات ومضت للحظة.
عندما كان في ساحة المعركة، القتال، القتل، محاولة النّجاة، مثل هذه الأشياء لم تكن نادرة.
التّردّد يعني الموت، سواء كانو الضّعفاء أم الأقوياء، لا يحمل في الحرب أيّ شخصٍ همًّا لما يسمّى بالتّفكير.
العيون المشتعلة رغبةً في العيش، عيون شخصٍ يريد القتال، مع وضع كلِّ شيئٍ على المحك.
لقد تواجه مع الكثير من هؤلاء بالفعل.
هذه الفتاة، كيف لها أن تملك نفس النّظرة؟.
لقد فهم ديو أخيراً مقصد ليون عندما قال أنَّه وجد مواهب نادرة.
العقلية المناسبة لحمل السّيف!
العزم، سرعة البديهة، إشتعال لا ينضب.
كانت هذه أهمّ صفات السّياف.
طالما يملكها المرء، فهو سيشرع في طريق السّيف الحقيقي!.
بينما يلاحظ الفتاة خلفه للحظة، فتح ديو فمه ببطئ.
كسيّافٍ أكثر خبرة منهما، يجب عليه عرض مهاراته.
“ ليون، أنا سأقوم بالإفتتاحيّة ”
“ همم؟ ” ظهرت علامة إستجواب في أعين ليون: “ ماذا تقصد؟ أليس من الأفضل أن أبدأ أنا؟ ”
ردّ ديو بفارغ الصّبر: “ كنت سأتركك تفعل، لكن عليّ التّباهي أمامهما، هذا ما كنت منّي تريد فعله في الأصل، أليس كذلك؟ ”
لقد فهم لماذا ذكر ليون له هو بالتّحديد بشأن هذين الإثنين.
هما يحملان سيوفًا، هذا يعني أنَّهما مبارزان.
ماذا يعني ذلك؟.
حدّق ديو في ليون بإنزعاج: “ لقد أردت منّي تدريبهما، صحيح؟ ”
“ فهمت أخيراً؟ أنت بطيئ الإستيعاب يا أخي! ”
ضحك ليون بحرارة كما أجاب.
من الواضح، لو كان ليون سيأخذهم تحت جناحِه، لما ذكر أيّ شيئ بشأن الأمر منذ البداية.
ناهيك عن أنَّه، ليون يجيد القتال بأسلحة عديدة بالتّأكيد، لكن إن كان قتالاً بالسّيف، فدِيو أفضل منه في الأمر.
سلاح لِيون الرّئيسي هو النّصل داخل جسده، من النّاحية التّقنيّة، لا يمكن إعتباره سيفًا، بدلاً من ذلك، من الأكثر رجاحة إعتباره قتالاً بالجسد.
أسلوب قتال ليون يستخدم قوّة جسده في عين الإعتبار، و ليس تقنيّات السيف.
أيضاً …
“ من الطّبيعي أنَّني لن أكون معلّمهم أيضاً ”
أجاب لويد، كما لو كان يفهم ما فكّر فيه الإثنان.
السّبب بسيط.
أجاب ليون كما لو كان شيئًا واضحًا: “ لويد هو مستخدم للرّمح، رغم أنَّه يستطيع تعليمهم بعض الخدع، فسلاحه يستخدم للمسافات البعيدة في القتال ”
“ بالنّسبة للسّيف، رغم أنَّك تستطيع إستخدام شفرة التّشي لمهاجمة العدو البعيد بها، فهو في النّهاية سلاح للقتال القريب و المتوسّط في أحسن الأحوال ”
أكمل ديو أخر جزئيّة.
صوت الثلاثة كان مسموعًا للإثنين، كما لو كان الشّرح يقال لهما.
بينما كان العدو يقترب، تحدّث الثلاثة بلا مبالاة، بدون وضع إعتبار لهم في المقام الأوّل.
لسببٍ ما، لم يقترب الأعداء بهمجيّة كما إعتقد فرناندو.
تحوّلت نظراته نحو ليون: “ هل هو السّبب؟ ”
إذا نحّينا لويد و ديو، فقد كان عدد الأعداء بالضّبط حوال الخمسين شخصًا.
لماذا لم يتقدّموا؟.
ضيّق فرناندو بصره ليراهم بشكلٍ أوضح.
كما لو كان يلاحظ مظهر الفتى المرتبك، تحدّث لُويد بصوتٍ هادئ: “ هم لن يقتربوا ”
“ بشكلٍ أكثر دقّة، لا يستطيعون ”
“ … ماذا؟ ”
“ لقد وقعوا في وهم، عندما أتينا أنا و ديو، وضعتُ بنفسي تعويذة رونيّة على حافّة الشّاطئ ”
“ هاه!!؟ ”
صوت تعجّب خرج من فم فرناندو.
هذا لا يصدّق! تعويذة رونيّة!.
أليست هي تلك هي اللّغة القديمة، و التي تستخدم في نقش المانا على الأشياء المادّيّة؟.
من ماذا صنعت الأدوات و الأسلحة الرّوحيّة؟ كان ذلك بطبيعة الحال عن طريق إشتقاق اللغة الرّونيّة!.
اللّغة الرّونيّة هي مفهوم غريب كان موجودًا قبل العصور الأقدم، يمكن القول أنَّ ما بقي من تلك الحضارات هو حيضٌ من فيض.
حتّى في العائلات المرموقة، لن تجد في العادة خبيراً يقول ما قاله لويد بلامبالاة، كان كلُّ خبير في الرّونيّات يعادل سلاحًا يمكنه تغيير الموازين في الحرب.
أن تستطيع قراءتها يعتبر معجزة بالفعل، لكن نقشها على البيئة مباشرة، و في هذا العمر؟.
كان هذا لا يصدّق!
“ أ- أنتم … هل تعتبرون بشراً بعد الأن حتّى؟ ”
“ يا لها من وقاحة، بالطّبع نحن بشر! إنتظر … إن وضعت ليون جانبًا، فنحن بالتّأكيد بشر! ”
أجاب لويد بصوتٍ ضاحك على فرناندو، و الذي بدأ يرتعش بالفعل.
“ أوي! هذه وقاحة لسيادتي! أعرف أنَّني لا أكون لبقًا في العادة، لكن شطبي كبشري كثيرٌ جدًّا! ”
“ همف! لو سمعك ضحاياك، لتقيّأ جميعهم الدم من الغضب! ”
أمام شكوى ليون، ضحك دِيو بوقاحة.
“ على أيّ حال، الوهم الذي وقعوا فيه يجعلهم يعتقدون أنَّهم ما زالوا في الغابة، لدينا 20 دقيقة قبل أن يختفي الوهم ”
حدّق لويد في المجموعات المجتمعة أمامه، كانت أعينهم فارغة بينما يتحدّثون بوقاحة لبعضهم.
لقد إعتقد فرناندو في البداية أنَّ الأعداء تحدّثوا لظنّهم أنَّ الأمر أصبح مؤكّدًا.
أمرُ إمساكِهم بلِيون.
لكن الأمر لم يكن كذلك.
“ عندما تنتهي الفترة، سيستعيدون وعيهم ”
“ حسنًا، بترك ذلك، أعتقد أنَّ عليّ شرح الوضع؟ ”
قال ليون بإستخفاف، قبل البدءِ في شرح ما يجب عليهم فعله.
“ إنتظر، قبل ذلك، هل أنت متأكّدٌ من أنَّ هذين الإثنين بخير مع هذا؟ ”
قال ديو، بينما يحدّق في الفتاة بجانبه، و الفتى فرناندو.
هل ستخبرهم بالأمر حقًّا؟.
هذا هو المعنى الضّمني لكلماته.
فهم فرناندو المقصد، لكنَّه لم يبدي أيّ ردِّ فعل، بعد المكوث معه لفترة، كان يتوقّع إلى حدٍّ ما أنَّ ليون لن يقوم بمهزلة المطاردة هذه بدون سبب.
لم يكن لِيون أحمقًا ثرثارًا كما أظهر للأخرين.
و فهم أيضاً حقيقة أخرى.
“ هو لن يبقي علي لو لم أكن جزأً من الخطّة ”
هل كان منذ البداية؟ أم بعد رؤيته، لم يكن ذلك مهمًّا.
لقد إنخرط في الأمر بالفعل، فات الأوان على النّدم، شعوره أخبره أنَّه لن يخرج سالمًا لو كان موقفه سلبيًّا.
بينما كان ردُّ فعل الفتاة هو الإرتباك، أمالت رأسها بتعبيرٍ يقول: “ لما لن أكون بخير مع الأمر؟ ”.
“ لا تقلق، الأمر بخير، على العكس من ذلك، يجب أن يعرفا هذا ”
تحدّث ليون بصوتٍ جاد، كان هذا يعني أنَّه وضع في الحسبان مثل هذا الوضع.
“ حسنًا، سأحكي لكم من البداية، قبل الشّروع في الموضوع الرَّئيسي … ”
بدء بشرح ما فعله في الرّحلة، و من إلتقى به هناك، و لماذا جعل الوضع كما لو أنَّه ستتم مطاردته.
الأمر فقط أنَّه لم يعتقد بأنَّ الأعداد المطاردة له ستكون كافية، لذلك عندما هرب من ديو و الأخرين، ذهب إلى الشّاطئ في السّاحل الشرقي للجزيرة.
“ مكانٌ مثل ذلك المكان سيكون واضحًا لفضح هالتي، و التي أنتما على دراية بها ”
لقد عرف العادة المتمثّلة في جلوس لويد و ديو في الأماكن المرتفعة، ناهيك عن ذلك، لطالما أراد الإثنان منهما الجلوس على جرف يطلُّ على البحر.
كان السّاحل الشرقي هو أقرب مكانٍ يقارب هذا الوصف من المكان الذي طاردوه فيه.
“ لا، إنتظر! كيف عرفت التضاريس؟ ”
“ لدي أساليبي ”
“ أيّ أساليب تقصد؟ لم تغب عنَّا سوى لوقتٍ قصير عند هروبك، بمن إلتقيت؟ ”
سأل لويد، معبِّرًا عن شكوكه.
“ ستكتشف لاحقًا، لا أعتقد أنَّ هذا الشّخص يريد فضح نفسه، على الأقل، حتّى تنتهي الفوضى ”
“ حسنًا ”
إستجاب لويد بسهولة، في المقام الأوّل، لم يتوقّع إجابة لائقة.
كان السّؤال هو من أجل الفتى و الفتاة، الذين إنخرطوا بلا سابق إنذار في خطط ليون المريعة.
و هكذا، إنتظر ليون أن يأتي أحدٌ ما، كان سيتقاتل مع الصّعاليك و يجذب القتال نحو لويد و ديو قدر الإمكان.
كلُّ ما عليه فعله هو شيئٌ بسيط، تحريض الأطفال عن طريق جعل لويد و ديو يبدون كالحلفاء.
كيف ستكون إستجابة هؤلاء المراهقين، و الذين يكونون في غالب خلفياتهم نبلاء و ذوي عشائر مرموقة؟.
“ سيستخفّون بالوضع و يجعلونكم كبش فداء مع الأخ الأكبر ليون، لماذا؟ هكذا ستكون الإنجازات أكبر، لأنهَّم قاموا بإمساك الأخ الأكبر ليون و منع أيّ مشاغب من مساعدته ”
أجاب فرناندو عن الأمر، كما لو كان بسيطًا.
هذا صحيح.
في بادئ الأمر، لم يكن الحديث على قدم المساواة مع أطفال العشائر المرموقة بشيئٍ سهل، بالذّات عندما لا تملك خلفيّة بارزة.
قال ديو ببرودة، و سخر: “ هؤلاء الصّعاليك الذين لم يذوقوا العالم الحقيقي سيكونون متعجرفين، لن يتعبوا أنفسهم بالتّحدث معنا أبداً ”
لكن من محاسن الصّدف لليون، أتت الفتاة الشّقراء و قاتلت ليون.
هكذا ومضت فكرة في رأسه!
شخر لويد ببرود كما قال: “ همف، أن تستخدم تلك الفتاة لإستفزازنا بعد أن نأتي، أليس كذلك؟ ”
نقر ديو على لسانه كما غمغم: “ تسك، كيف عرف توقيت مجيئنا؟ ”
“ لم يكن بحاجة لذلك، يكفي أن يستشعر التشي في أجسادنا، ذلك الوغد يملك حسًّا هائلاً في إستشعارها، بعد كلّ شيئ ”
كانت المحادثة تمشي على قدم و ساق، مرّ بعض الوقت بالفعل، لذلك تجنّب ليون ذكر الأشياء غير المهمّة حتّى وقتٍ لاحق.
بعد قول ما يجب قوله، شرح للجميع خطّته القادمة.
تعجّب.
كانت أفواه الجميع مفتوحة على مصراعيها.
سواء كانت الفتاة الجميلة بلا تعبير، أم فرناندو، حتّى ديو و لويد لم تسلم تعابيرهم.
العيون ظهرت فيها العروق من شدّة فتحها.
لم يعرف فرناندو ما يقول، لقد بقي عاجزًا عن قول كلمة واحدة!
حتّى الفتاة، رغم كونها بليدة تجاه العلاقات البشرية، فهي لم تكن غبيّة.
كانت الخطّة التي حكاها ليون محفوفة بالمخاطر.
هذا … هذا …
هذا جنون!
“ أ- أنت! هل أنت واثق ممّا تقوله الأن؟! ”
“ ليون! ما تخطّط لفعله، أليست هذه مخاطرة حقيقيّة؟! ”
تشوّهت تعابير لويد و ديو.
لطالما كان هذا الوغد مجنونًا!
الأسوء أنَّه قال هذا لشخصين لا يعرفهما! هذا الأبله! فيما يفكّر؟!.
“ هاهاها! ” ضحك ليون بحرارة: “ من ماذا أنتم خائفين حتّى! ألم نأتي للجزيرة في المقام الأوّل من أجل هذا؟ ”
لمعت عيون ليون ببرود، تردّد صوت ضحكه في الشّاطئ.
“ المقيّدون بمعايير الأخرين لا يستحقّون التطلّع نحو السّماء!! لو بقينا ننمّي قوّاتنا بهدوء هكذا، ألن يستولي هؤلاء الأوغاد على كلّ شيئٍ بالفعل؟ ما النّفع من قوّتنا إذاً! ”
“ أنت محق في هذا لكن … أليس علينا الإستقرار أولاً؟ ”
تعارض معه لويد بعض الشّيئ، ليس أنَّه لم يفهم ما يريد ليون إيصاله، لكن يجب أن يكون متأكّدًا من الأمر.
الخوف من المخاطر هي شيم الضّعفاء، لكن الخوض في المخاطر بتهوّر هو فعل الحمقى!
“ لا تقلق، كان ذلك صحيحًا قبل ثلاث سنوات! في ذلك الوقت، لم يكن هناك ما يمكننا فعله، لكن الأن؟ الأمور مختلفة! ”
“ خطّتي لا تشوبها شائبة! أنسيت أيّ شخصٍ أكون؟ أنا لا أقدم على مخاطرة بلا فائدة! ”
بقي ديو صامتًا لفترة، لكنَّه حزم أمره و قال بصوتٍ تشوبه الثّقة.
“ هو محق يا لويد! التّنانين لا تتسمّر في الأرض، بل ترتفع نحو السّماء! ما لم نتحرّك بسرعة، عاجلاً أم أجلاً سيبتلعنا مدُّ التّغيير! ”
كانت أعين فرناندو تومض بإشراق، لكنَّه لم ينبس ببنت شفاه.
فكرة عبرت ذهنه، و لم يسعه سوى الذّهول!
“ هذا ما قصده الأخ الأكبر ليون إذاً! عندما قال أنَّني سأصل أفاق لم أحلم بها، لم يعني القوّة فقط! يا لي من ضفدع في قاع البئر! كانت سماء البئر هي كلُّ ما رأته عيناي! ”
لم يعتقد أنَّ هذا هو القصد من كلماته، لم يقل ليون نواياه في خطّته مباشرةً، لكن الغبي فقط لن يفهم نواياه.
كانت خطّة بسيطة، و لم يقل سوى الأجزاء الرّئيسيّة فيها نظرًا لضيق الوقت، لكن عند التّعمّق فيها، لن يسع المرء سوى اللّهاث خوفًا و رهبة!
المقيّدون بمعايير الأخرين، لا يستحقّون التطلّع نحو السّماء!
كانت كلماته تحمل ثِقلاً هائلاً على القلب.
هذا صحيح! إذا تقيّد المرء بمعايير المجتمع، و بقي يتبع الحشود، كيف يستحقُّ النّظر عاليًا نحو السّماء؟
على المرء أن يسعى لبلوغ المستحيل! هكذا فقط سيكون لحياته معنى!
صرخ فرناندو متحمّسًا: “ الأخ الأكبر ليون، الأخ الأكبر ديو! أنا أعتقد أنَّكما محقّان! إن لم تكن تطلّعات المرء مِداد البحر و السّماء، فما النّفع من العيش؟ البقاء ميّتًا أفضل! ”
“ هاهاهاها! ” ضحك لويد كما لو كان يسخر من نفسه: “ حتّى هذا الفتى لديه الجرأة، فكيف سيكون لي الحق في الرّفضِ بعدها؟ فخري كرمَّاحٍ لا يسمح لي بهذا! ”
“ أنا موافق! ليكُن سعينا عِنان الأرض و السّماء! إمَّا أن ينجح المرء أو يفشل، لا حلَّ وسط! ”
لمعت أعين ديو و ليون بإشراق!
ليون بالذّات، لم يعتقد أن يكون الفتى الأشقر بهذه الحماسة، عيونه لم تخطئ، هذا الفتى جوهرة حقًّا!
“ نظرته مشرقة، هذا يعني أنَّه قبل بي الأن! ” فكّر فرناندو في نفسه: “ في العادة، سأكون متردّدًا في الأمر حقًّا، لكن عقليّتي تغيّرت، لا! بدلاً من ذلك، لقد أصبح ذهني صافيًا! ”
كان الفتى منذ الصغر عنيد الفكر و لديه رغبة ساحقة في الوصول لأٓفاق العُلى.
لم تكن تلك رغبة في السّلطة، لم تكن عجرفة أو شعورًا بالواجب.
لقد كانت غريزة متأصلة في الفتى ببساطة!
لو خاطر بحياته و حلّق نحو السّماء، ألن يبلغ سيفه المسار الذي حلم به؟.
لقد كان فرناندو شخص طموحًا، لكنه قبل ذلك كان سيّافًا!
كما قال لويد، إمَّا النّجاح أو الفشل! لا خيار أو توسّط في هذا!.
ضحك الأربعة بصوتٍ عالٍ.
هكذا هم الرّجال!
“ إنتظر! ” قال ديو في مفاجأة: “ ما زال هناك شخصٌ لم يبدي رأيه بعد! ”
حدّق الأربعة في إتِّجاهٍ واحد، الفتاة شقراء الشّعر، ومضت عيناها الحمراء، كما بقي تعبيرها محايدًا.
الجوُّ أصبح هادئًا، حدّق فيها الجميع بصمت، منتظرين جوابها.
“ لديَّ سؤالٌ واحد ”
صوتها الخالي من النّغمات كان هادئًا و منخفضًا، لكن بينما لم يتحدّث أحد، سمعها الجميع بوضوح.
عيناها الحمراء اللّامعة تشابكت مع أعين ديو الشّرسة.
“ سَلي ما شئتِ ”
“ إن قمت بالأمر، سيفي، هل سأصل للسّيف الذي أصبوا إليه؟ ”
خرج صوتٌ غريب من فمه كما أجاب: “ ماذا تقصدين بــ“السّيف الذي أصبوا إليه” بالتّحديد؟ ”
“ الأمر في الواقع هو … ” همس ليون في أذنه كما أخبره بمقصدها.
أومأ برأسه عدّة مرّات كما قال: “ نعم، نعم، لديكِ تطلّعاتٌ جيّدة، لكن هل هذا كلُّ شيئ؟ ”
“ ماذا تقصد؟ ”
“ أقصد ما قلت، هل هذا هو حدُّ بصركِ؟ ” أصبحت لهجة ديو باردة: “ سيفٌ يقطع العدو بغضِّ النّظر عن من يكون، لكن هل البشر و المخلوقات هم حدود سيفكِ؟ ما نريد أن نجرفه هو العالم كُلُّه! ”
“ إن كان الأمر مجرّد قطع الأعداء لا غير، يمكنني إيصالك لذلك في غضون عامين أو ثلاثة في أسوء الأحوال، لكن ما النّفع؟ السّياف يجب أن يملك الرّغبة لقطع كلِّ شيئ! ”
أجابت الفتاة، بينما أصبح صوتها غامقًا: “ … هل هذا صحيح؟ ”
لمعت عيون ديو بضوءٍ مشرق: “ نعم هذا صحيح! يجب أن يملك الشّخص الرّغبة في ما لم يستطع أحدٌ الوصول إليه! لهذا أنتِـ-! ”
غطّى ليون فمه قبل أن يجرفه حماسه.
هذا الوغد! إنَّه دائماً ينسى نفسه عندما يتعلّق الأمر بالسّيف!.
بينما يمنع ديو من الحديث، تحدّث ليون بسرعة: “ إنَّه مهووسٌ جداً عندما يتعلّق الأمر بالسّيف، لذا إعذريه! لكن لديه نقطة، لقد قمت بتوجيهكِ سابقًا لأنني رأيت فيكِ الإمكانات، لكن إن كانت تطلّعاتنا أكثر من ما- ”
“ مهووسٌ بالسّيف؟ ”
قاطع صوت الفتاة الهادئ ليون عندما كان في منتصف حديثه.
“ … مهووسٌ بالسّيف، هل ذلك نفس ما ناديتني به سابقًا؟ ”
“ هل هذا كلُّ همّكِ يا صغيرة؟ ”
أجاب ليون بشكلٍ متعمّد، كما لو كان يقرء نواياها.
أومأت برأسها مرارًت و تكرارًا.
تنهّد ليون عن عمد، كما لو كان يقول شيئًا مزعجًا: “ تقريباً ”
أمالت الفتاة رأسها بوجهٍ محيّر: “… تقريباً؟ ”
بينما أشار لديو كي يصمت بصعوبة، أكمل ليون حديثه: “ إذا أخذنا الخبرة في عين الإعتبار، فهو يفوقكِ بأشواط، لكن تحدّثنا عن الهوس بالسّيف، فلا مجال للمقارنة، في حياتي كلّها، لم أقابل أحداً يحبُّ السَّيف مثله ”
“ هل أنت متأكد؟ ”
“ نعم ” أجاب بثقة على صوتها المتشكّك: “ أنت تريدين قطع جميع الأعداء، قد يكون هذا تطلّعًا نحو الأفضل في العادة، لكن أتعرفين؟ ”
“ هذا الوغد المهووس بالسُّيوف يريد ما هو أكثر، يريد أن يبلغ سيفه ما لم يبلغه أحد، هل تعرفين ما يريد أن يقطع؟ ”
“ ما يريد أن يقطع؟ ”
كما لو كانت في نشوة، حدّقت الفتاة في ديو، الذي يكافح للتّحرّر من قبضة لويد، بشرود.
“ سيفه يريد قطع كلِّ شيئ ”
خرج صوت ليون بشكلٍ هادئ، كان ساكنًا كالبحيرة، بلا أيِّ تموّجات.
“ قطع … كلِّ … شيئ … ؟ ”
كما لو كان تنويمًا مغناطيسيًّا، شعرت الفتاة بالإنجذاب تجاه كلمات ليون.
ضربت رياح الظّهيرة بشرتها، و رفرف شعرها الأشقر في الهواء، عيناها كانت فارغة، شعرت بمشاعر جديدة.
كيف يمكنها تفسير الأمر؟.
سابقًا، كان الأمر كالمشي في الضّباب.
سيفٌ يقطع العدو، سريع، رشيق و حاد.
كان هذا مِلئُ فؤادها، طالما حقّقته، فتلك نهاية رحلتها في الحياة.
لم تملك الفتاة شخصًا لتحميه أو تعود إليه.
الذِّكرة الوحيدة للأشخاص المقرّبين منها كانت والدتها و والدها.
لكن كهبوب الرّياح الباردة في اللّيل، لم يعودوا موجودين في هذا العالم.
مات والدها عندما كانت رضيعة، أمَّا أُمُّها فقد ماتت عندما كبِرت في العمر إلى حدٍّ ما.
ما تبقّى من الأمِّ هي مجرّد بقايا الذكريات و قلادة أعطتها لها في الصِّغر.
السّيف في يدها هو تذكار من والدها الرّاحل.
قالت لها أمُّها أنَّ والدها رغب بأن تخذه هي بعد وفاته.
لسببٍ أو لأخر، وجدت الفتاة نفسها تلوِّح بسيفها دائماً، لم يكن لديها شيئٌ أخر تفعله.
لقد فكّرت بالفعل فيما ستفعله بعد بلوغها العالم الذي تريد الوصول إليه.
“ على الأغلب، أنا سأنهي حياتي هناك ”
لم يكن هناك ما بقي لها في الحياة للعيش من أجله.
سواء كانت الأسرة أم الأصدقاء، فقد رحلوا جميعًا بالفعل.
ما جعلها حيَّةً حتّى اليوم لم يكن الخوف من الموت، بل هو النّذر الذي قطعته على نفسها.
“ ما لم تطاله يد والدي، ستطاله يداي أنا ”
هكذا ستبقى إرادته موجودة في العالم.