13 - الفصل 13: أنا أعلمُ ذلِك، لكِن لا يُمكِنُني الإهتِمامُ أقلَّ حتّى (1)

الفصل 13: أنا أعلمُ ذلِك، لكِن لا يُمكِنُني الإهتِمامُ أقلَّ حتّى (1).

ــــــــــــــــــــــــــــــــ

عند مواجهة الكثير من الأعداء، هناك قاعدة أساسية لا يجب أن يغفل الشّخص عنها.

لا تقاتل أعدائك جمعًا أبداً.

أي بمعنى، لا تقاتلهم أبداً كحشُودٍ مجتمعة معًا.

رجاحة العقل، إنَّها دائماً ما تكون بإستخدام الظروف لصالحك، و ليس ضدّك.

عندما يكونون جمعًا غفيرًا، قم دائماً بإرباك قوّات العدو و تفريقهم بدون أن يلاحظوا، و ذلك يتِمُّ عن طريق الخداع و التضليل.

عندما تفرّقهم، إضرب أضعف نقاط العدو بكامل قُوّاتِك.

أين هو أضعف ما في صفوف العدو؟.

يكمن ضعف الأعداء في أكثر مكانٍ يستميتون في حمايته.

عندما تضرب ضعف العدو، غيّر إستراتيجيّاتك و أربكه بقوّة، لا تدعهُ يستعيد توازنه.

مهما حصل أو طرأ في ساحة المعركة، لا تدعهم يتجمّعون مطلقًا.

قم بتفرقتهم و إرباكهم، ذلك حتّى لا يعلموا ما في أمامهم أو خلفهم.

عندما يعتقد عدُوُّكَ أنَّك ستضرب الميمنة، إضرب الميسرة، عندما يعتقد أنَّك ستضرب المؤخّرة، فإضرب المقدّمة.

هذه هي إستراتيجيّة قتال الشوارع، تفرقة العدو في فرق صُغرة للقضاء عليه.

هكذا هي أفضل أساليب الحرب، و هكذا هي المعارك.

تكيّف مع الظروف، و قاتل بحسب الظروف، و ستنتثر بسبب الظروف.

لا يمكن مواجهة الجمع الغفير في العادة إلاّ بالخبث و رجاحة العقل.

هذا هو المنطق الطبيعي، و كذلك هي الفطرة السليمة.

بالطّبع، مثل هذا الأسلوب الإستراتيجي لن يتوصّل له سوى عباقرة الحرب و التخطيط.

رغم ذلك، مازالت تلك أفضل طريقة للتعامل مع حشود العدو الهائلة، أكثر من ذلك هي الوحيدة الناجحة عبر العصور.

كلُّ ذلك كان صحيحًا.

ما لم يحز المرءُ من عتيِّ القوّة و الجبروت ما يقارع هذه الأعداد الغفيرة.

في هذا العالم، لم يكن مستحيلاً ذلك.

يمكن لك أن تقارع الأرانب عندما تكون نمرًا بنفسك.

ذلك أيضاً يسمّى “ تكيُّفًا مع الظروف ” إن كان يمكن هزيمة العدو بقوّة ساحقة، فإفعلها، إن كان بالعقل، فإفعل ذلك أيضاً.

أفضل إستراتيجية حربية هي التي تقودك للفوز، و ليس التي تبدو عبقرية.

خمسون شخصًا باديًا عددهم أمام عيني.

لقد وقفوا جميعهم في مواجهة فتى وحيد يحمل سيفًا.

لقد كان ذلك الفتى هو ديو أنتاريوس.

بينما تومض أعينه الحمراء بلون الدّم، توجّه بصر ليون نحو الأشخاص، و الذين ملكوا من “كرمِ الضِّيافة” ما جعلهم يأتون بحماس و يستقبِلونه بحرارة.

المظهر الجشع و المنتشي لهؤلاء الأشخاص جعله يضحك.

إنحنت شفتاه ليكشفا عن السُّخرية، كما فكًر: “ يبدوا أنَّني إستخففت بما تملكه هذه الأكاديمية من مزايا ”

“ بالنّظر لمدى حماسهم فقط، فهل هذا يعني أنَّهم قد بنوا إقتصادًا مستقِلًّا عن الأماكن الأخرى؟ ”

أم ربَّما لديهم دعمٌ من مصدر لا أعرفه؟.

هؤلاء الصعاليك من النبلاء و أبناء العشائر المعروفة في الغالب فهموا الأوضاع هنا في الأيام الأربعة التي لم يحضر فيها.

ما هي المزايا التي تملكها هذه الأكاديمية حقًّا لكي تثير إهتمام من عاشوا و في أفواههم ملعقة ذهبية؟.

من يسيطر على هذا، من هو فوق ذاك، و ما هي موازين القوى هنا، لقد عرفهم جميعهم.

قبل مجيئه لهذه الأكاديمية، كان ليون قد بنى لنفسه مصدر معلومات يرسل له الأحداث المهِمَّة في هذه الأكاديمية بإنتظام منذ عام.

حتّى رغم مجيئه قبل عدّة ساعات فقط، فهو على دِراية إلى حدٍّ ما بشأن موازين القوى في هذا المكان.

و مع ذلك، لا يزال هناك ما لم يستطع تأكيده قبل مجيئه بنفسه.

لماذا ذلك؟ لما لم يطلعه مصدر معلوماته بما هو أكثر من هذا؟.

مثلاً، معلومات أعمق عن نظام التدريس، أو معلومات داخليّة مهمة عن هذه الجزيرة؟.

إذا أخذنا المنطق العام بعين الإعتبار، فغاية الجاسوس هي كشف جميع المعلومات الممكنة.

لكن هناك حالات خاصّة لا يمكن القيام بشيئٍ حيالها.

بالطبع، لو ضغط على الوضع، يمكنه الحصول على معلومات عديدة مهمّة.

لكن ذلك خطر على الجاسوس، و يمكن كشف هويّة ليون إن حصل ذلك.

خطر الموت لم يكن قليلاً على مصدر معلوماته.

و ليس ذلك فحسب.

الأمر فقط أنَّه لم يكن من الممكن للأشخاص البوح ببعض الأشياء عن هذا المكان للخارجيّين.

رونيّة العهد.

لقد كانت نذرًا يجب على كلِّ شخصٍ تمَّ نقشها عليه الإلتزام به.

ما هي الشروط، و على ماذا تنص، ذلك راجع لمن ينقشها.

من تتمُّ نقش هذه الرونيّة عليه، يجب أن يلتزم بها أو سيواجه العقوبات.

لم تكن رونيّة العهد شيئًا بسيطًا كنقش المانا في البيئة فحسب، ما جعلها نذرًا هو كونها مختلطة.

لقد كانت رونيّة العهد مزيجًا بين سحر نقش الرّونيّات و سحر الوصايا.

تلك الرونيّة، كان من الصعب للغاية نقشها، و الأصعب من ذلك هو كسرها.

الأمر الوحيد المؤكد أنَّ الشروط غير معروفة إلاَّ للطلبة هناك و سكّان الجزيرة.

بطبيعة الحال، لا يمكن البوح بتلك الشروط سوى لحامل العهد فقط، أي سكّان الجزيرة.

“ إحتمال إنطواء الأمر على الموت ليس كبيراً ”

كان ذلك من المؤكّد، و هذا بسبب أبناء العشائر و العائلات المرموقة.

وضع مثل هذه الشروط المتطرّفة تعني إعلان الحرب على هذه العشائر.

قد تكون وسيلة إبتزاز على المدى القصير.

لكن هذا قُصرٌ في النّظر لا غير، ذلك ليس له أيّةُ فائدة على المدى الطويل.

“ على الأغلب أنَّه سيسبب دمار هذا المكان فقط لو كانت تلك هي الشروط ”

أعيُن ليون أصبحت دامِية.

هذا لا يعني أنَّ الشروط لطيفة في المقابل.

إنَّها قاسية حتّى تجعل الشخص لا يتجاوز الخط.

ليس الأمر كما لو أنَّ الأكاديمية تحتوي على كنوزٍ عالية القيمة، لذلك لم يهتمَّ الكثير بقواعدها حقًّا.

الأمر الغريب الوحيد هي إستماتتهم في حماية قواعدهم عبر الأجيال.

لقد كانت هذه الأكاديمية وقائية بشأن طلاّبها و أساليب تدريسها كثيراً.

ليون الذي عاش بطريقة مغايرة، لم يفهم ما هي الفوائد في حماية إرادة مؤسِّس الأكاديمية بهذه العزيمة.

هل هناك شيئٌ كالإنسانيّة وراء هذا؟.

“ شخصٌ مثلي لن يفهم الأمر بسهولة ”

هكذا هو ليون.

على أيِّ حال، هذا ما عرفه من المعلومات المجزَّأة و تحليله الخاص.

لم يكن ليون قويًّا لدرجة حماية مصدر معلوماته من رونيّة العهد بينما لم يكن بقربه حتّى.

حتّى هو لم يستطع إخراج مصدر معلوماته من تلك المعادلة.

و هكذا، لم يكن يعرف مدى قيمة النِّقاط المدرسيّة التي ذكرها أحد الثرثارين الذين أتوا بين الخمسين شخصًا.

أتى هؤلاء الصعاليك قبل عدّة أيامٍ فحسب، إذاً ما سبب حماسهم العالي؟.

هل الفوائد مغرية لتلك الدرجة؟.

أو ربما هناك محفِّزًا أكثر شموليّة من مزايا الأكاديمية .....

لقد كانت تِلك أشياء يجب عليه فهمها بنفسه.

ومضت أعين ليون ببرود بينما يراقب ديو، و الذي مشى بأريحيّة، بدون إظهار أيّ عواطف.

خاتمة خطّته الأوليّة ستكون بين يدي هذا الفتى و فتاة السيف.

مهزلة المطاردة بأكملها لها عدّة أسباب، لكن السّبب الرّئيسي هو تنبيه القوى المستوطنة هنا.

كان أوغاد مملكة كايرو و دولة نانمان يوسّعون سلطتهم داخل هذه الأكاديمية، و التي تعتبر قوّة محايد، و غير تابعة لأحد.

سواء كان أطفال النبلاء من كايرو، أو أطفال العشائر المعروفة في نانمان، فقد وسّعوا و تقاسموا السلطة فيما بينهم.

بعد الإختفاء المفاجئ للأسماك و الحوريّات في البرِّ الرئيسي كان هناك قلق.

في الوقت الحالي، بسبب المخزون الذي تملكه الدولتان، لن تكون هناك مشاحنات.

لكن في المستقبل، ستصبح التجارة صعبة، كارثة كهذه لم تكن مسبوقة من قبل.

مع إنتهاء مخزون أحد الدولتين، ستزداد الأسعار طبيعيًّا و تصبح العلاقة بين الدولتين متوتّرة.

“ بحسب المعلومات، هناك بعض محاولات الإختلاس بالفعل من قبل نانمان، و ذلك كان عن طريق القراصنة و قطّاع الطرق ”

بالطبع، لولا كوني محيط العلم بالأمر و معلومات مصادري، لكنت في الظلام بالفعل.

ما فائدة أكاديمية ضوء القمر في الأمر؟.

إنَّها الموارد، على عكس البرِّ الرئيسي، و الذي جفّت مصادره المائية، فقد كانت الأكاديمية مختلفة.

موقعها الإستراتيجي بعيد عن البرِّ الرئيسي، رغم ذلك، فقد كان لا يزال يحتوي على مصدر للغذاء أكبر بكثير من البرِّ الرئيسي حتّى.

ناهيك عن بدءِ إشاعات مفادها أنَّ هناك أنقاضًا قديمة بعيدة قليلاً عن موقع الجزيرة.

ما جعل التجار يأتون من كلِّ حدبٍ و صوب ليس ذلك فحسب، بل ما يتمُّ تصنيعه من داخل الجزيرة بنفسها هو إغراء أكبر بكثير.

“ المعادن البركانيّة، و التي هي معادن أصلب من الفولاذ بعدّة مرّات موجودة هنا، ناهيك عن كونها لا تتولّد إلاّ في بيئة خاصّة ”

لم يكن هناك مكانٌ يصنّع هذا المعدن أكثر من هذه الجزيرة في القارّة بأكملها، لقد كان معدنًا نادرًا بحق.

جشع الدولتين لهذا المكان في السنوات الأخيرة تصاعد و بدأو في إرسال خلفائهم البارزين إلى هنا، أملاً في بناء أسسهم في هذه الأكاديمية.

و هكذا، مع مرور السنين، إستوطنت القوى في هذا المكان، و كان هناك توازن بين القوى.

كان سبب عدم نشوء صراع هو مدير الأكاديمية، لقد مَلَك من الجُبروتِ ما جعل حتّى أعتَى المحاربين في كايرو و نانمان يتراجعون في خوف.

مع ذلك، فقد كان منصبه أغلالاً على يديه و رجليه أكثر من كونهم ذوي فائدة، حتّى هو لم يستطع الهجوم بلا مبالاة و قمع القوى المستوطنة علنًا.

“ لن يلمس الطلاب نظرًا لكيف تفرط هذه الأكاديمية في حماية طلّابها، لكن ذلك بشرط كونهم طلبة يستحقّون الحماية ”

بكل تأكيد، إن حدث و قام بحركة خاطئة، ستنشب حربٌ دامية بين الثلاثة، و لا حاجة للقول، سكّان الجزيرة و أكاديمية ضوء القمر هم من سيعانون أكثر.

مثلّثُ قوى بين الثلاثة قد تمّ إنشاءه، لم يستطع أحدٌ الهجوم أو التراجع.

و هكذا، كان الأمل يكمُنُ في الطلاب، من أمسك بزمام المبادرة و قاد الأكاديمية، فستكون له اليد العليا.

للأسف، لم يستطع أحدٌ أن يمتلك الميزان في جانبه.

لم يكن هناك حامل للقوّة العالية ليقمع فصيل الأخريَن.

كانت أفضل إستراتيجية هي إستمالة المواهب الشابّة و الذين لم يحوزوا المال أو الشهرة، أملاً في كسر التوازن.

لقد نسوا بالفعل إحتمال دخول متغيِّر مجهول لكسر التوازن.

أكثر من ذلك، إختفى مثل هذا الإحتمال من رؤوسهم.

مع ذلك، فقد ظهر المتغيِّر أخيراً.

إنَّه يتجلّى في كارثة ستقلب العالم أجمع.

“ هاهاهاهاا! ”

ضحك ليون بحرارة في مظهر الأشخاص أمامه.

كان ضحكه يتردّد بقوّة في الأرجاء.

الحشود صرخوا بشيئٍ ما، لكن لم يدفع إهتمامًا، سواء كان للقريبين منه أو البعيدين.

“ حان الوقت لكم لتحنوا رؤوسكم أيا أيها الأوغاد، فهذا الموقّر قد وجد ضالَّته العُليا ”

“ لا يتربّع على العرش سِوى الأقوى، أفَليسَ من الأفضل أن تأخذ سيادتي عنكم هذا الدّور المتعِب؟ ”

ليون، آُوه يا ليون، آنى لك أن تكون بهذا البِرِّ و الصلاح؟

يا لنبلك و رفاعة تقواك و شرفك.

لو كان هناك إثنان مثلك في الحياة، ألن يكون العالم مكانًا أفضل للعيش؟

هيهيهيهي.

“ على ماذا ينوي الأن؟ ”

بينما يراقب ليون يضحك بصوتٍ عالٍ، لم يسع لويد سوى أن يشعر بالتّعب بالفعل.

هذا الوغد! لا يمُرُّ يومٌ واحد بدون أن يفتعل مشكلة!

لم يحتج للتفكير كثيراً لفهم ذلك، لم يعرف ما يريد فعله، لكن بعد إفشاء خططه لهم، عرف أنَّه لا ينوي على خير.

تنهّد و توقّف عن التّفكير في الأمر، منذ البداية، القضية لا تعنيه حقًّا.

لقد كان القلق بشأن الأخرين مجرّد عادة متأصلة بعمق في كيانه.

لكن لم يدع ذلك يؤثِّر على حكمه و تصرّفاته.

بينما تحمل السّيف بالقرب من صدرها، وقفت الفتاة وحيدة.

أمامها مباشرةً، هو مشى فقط ببطئ.

إنعكس شكل الفتى عبر عينيها.

لقد مشى الفتى بهدوءٍ و بلا هموم، بدا كما لو كان في نزهة.

لم يبقى سوى ثوانٍ قليلة ليصطدم بالأعداء، لكن في وعيها، كان سير الوقت بطيئًا.

العالم بأكلمه أصبح ضبابيًّا، الفتى الممسك بسيفها فقط ما كان واضحًا لها.

نضج بهالة واثقة و مميّزة.

لسببٍ أو لأخر، كان للفتى كاريزما جعلته جذّابًا لعينيها.

هل كان ذلك بسبب كونه سيّافًا أفضل منها؟.

أم بسبب حديثهما، و الذي جعلها تشعر بذلك؟.

لم يكن ذلك مهمًّا.

القلق، التردُّد، و عدم اليقين.

طوال حياتها، كانت هذه العواطف تطاردها دائماً.

إقطع شكوكك بسيفك.

هذا ما قاله لها، لكن ماذا يعني ذلك، في المقام الأول، كيف يكون ذلك؟.

بطبيعة الحال، هناك لغة واحدة يفهمها السّيّاف أكثر من لغة الكلمات.

مهارة المبارزة.

يتحدّث الحدّاد بمطرقته، و يتحدّث السّيّاف بسيفه.

بدلاً من حديثه عنها، من الأفضل أن يعرِضها.

هذا ما أرادت الفتاة أن يفهمه الفتى من مناجاتها.

قد يخطئ المرء طلبها ليريها أسلوب مبارزته كتأكيد لكلماته، لكنَّه فهم هذا كما فعلت.

لقد كانت هذه مناجاة شخصٍ في ورطة.

الفتاة لأول مرَّة في حياتها، ليس لشخصٍ تعرفه لسنوات، ليس لعزيزٍ قريب.

إنَّه لفتى تلتقيه أوَّل مرَّة، لقد طلبت منه المساعدة.

عندما كانت الفتاة مجرّد صغيرة لا فهم لها في الحياة، كانت أمُّها قد أوصتها على شيئٍ تفعله لو سنحت الفرصة.

“ إذا كان هناك يومٌ لا تستطيعين فيه تحمُّل الوحدة و العزلة، عندما تقابلين شخصًا يُشعِر مِلئَ فؤادِكِ بعدم النُّفور، لا تخجلي من طلب المساعدة ”

“ المرء لا يعيش في العالم وحيدًا، بعد كل شيئ”

على عكسها هي، لطالما كانت والدتها بهيجة، لقد نضجت بهالة من الحكمة و لم ترها تخطئ قط.

في بعض الأحيان، ندبت الفتاة ولادتها و إعتقدت أنَّها سبب بؤس أمِّها.

لو لم يكن بسببها، ألم تكن والدتها حرَّة بالفعل من أعباء الإعتناء بها؟.

الفتاة لم تقدِّر نفسها بشكلٍ خاص، لم تكن حياتها أو موتها بشيئٍ مختلف.

إنَّ الإثنين متشابهين في عينيها.

بقائها على قيد الحياة سببه حبُّها لوالدتها التي ربَّتها و والدها الذي حكت عنه أمُّها دائماً.

لو أنهت حياتها، فذلك جحودٌ لما بذله الإثنان من أجلها، قبل الولادة، و بعدها.

من فقدت زوجها أرملة، من فقد أبويه هو يتيم، لكن ماذا يسمّى من فقد أبنائه؟

لا يوجد مثل هذا المُسمّى، ذلك سببه أنَّ ذلك الألم لا يقاس.

ما لا يقاس لا يمكن تسميته، كيف لها أن تنهي حياتها رغم حبِّ أُمِّها لها؟.

هذا مستحيل.

و الأب لم يكن مختلفًا في قلبها.

رغم رحيله عن العالم عندما دخلته، فقد كان هو قدوتها.

لطالما حكت أمُّها قصصًا عن أبيها.

لقد ومض الحبُّ العميق في أعين أمِّها في كلِّ وقتٍ مرَّ إسم الأب على شفتيها.

لقد أحبَّت تفانيه في كلِّ ما يفعله، لقد أحبَّت لطفه و إستقامته.

ندمه الوحيد عدم وصوله للعالم الذي سعى إليه في السيف.

و مع ذلك، هذا الندم لم يُقارن مع سعادته للقاء والدتها، أو ليومِ ولادة الفتاة بنفسها.

لقد مات الأب تاركًا الأم و الإبنة، لكنَّه قاتل ببسالة حتّى أخر رمقٍ مَلَكَهُ في سبيلهما.

رغم شعورها بأنها عبئٌ على والدتها، فقد كانت الأم ترفض رفضًا قاطعًا التّخلّي عنها.

كما أحبَّت الأم زوجها، بطبيعة الحال هذا الحب يسع إبنتها أيضاً.

في يومٍ ما، أهدتها والدتها تلك الوصيّة.

في ذلك اليوم، حكت لها عن ندم والدها و حبِّه لفنون السّيف.

و أنَّه أراد أن يصل السّيف إلى يديها لو حدث و مات في يومٍ من الأيّام.

تمنّى أن تحب السيف كما فعل، و أن يكون السيف نورًا لها في الظلام يومًا ما.

بعد ذلك بعدّة أيّام، توفيت الأم بسبب المرض.

في يوم وفاتها، حكت لها الأم عن حياتها كما لم تحكي يومًا.

من الصباح الباكر و حتّى منتصف الليل، أصوات الضحك و البكاء و ما إلى أخره لشخصٍ يحكي قصصه ملأت البيت المهترِئ.

لقد تحاكوا معًا حتّى أرهقهم النعاس.

نامت الفتاة أخيراً بين أحضان والدتها.

توقّفت أنفاس الأم بينما تعانق إبنتها بجسدها المحتضر.

ماتت و هي تبتسم.

منذ أن وعى عقلها على الحياة، تلك هي أول مرَّة تبكي فيها الفتاة.

عندما لم يبقى لها شيئ، لم تنهي الفتاة حياتها فورًا.

كان هناك عملٌ لإنجازه، لقد وضعت على عاتقيها بلوغ ما لم يصل له والدها، و ذلك لإبقاء إرادته حيّة في العالم.

عاشت الفتاة مع أعباء وصايا أمِّها و هدف والدها.

كانت تلك طريقة الأم الوحيدة لترك الفتاة تعيش، كانت الوصيّة و السيف هما الطريقة الوحيدة لجعل الفتاة تستمر بالحياة.

الطفلة لم تكن حمقاء، لقد فهمت ذلك بعمق، و هكذا، حفرت وصايا أمِّها بعمق في عقلها و حملت السيف في سنٍّ مبكّرة.

أمضت بقيّة أيّامها وحيدة.

لم يكن لها أصدقاء أو رفقة، سيفها كان رفيقها الوحيد.

حياةٌ من العزلة و عدم اليقين.

هكذا عاشت، و هكذا إعتقدت أنَّها ستنهي حياتها به.

خطوة، واحدة تِلو الأخرى، مشى الفتى بصمت.

سواء كانت الهالة أو السيف المغمود، لم ينضج الفتى بأي جوٍّ يُظهره كشخصٍ مستعد للقتال.

و مع ذلك، في صمته العميق، شعرت قلوب الخصوم بالخوف الغريزي.

مشى نحو أعدائه بغير إهتمام.

لا تكن خائفًا، بدون غضب و بدون حماس، إمشي بهدوء نحو عدوِّك.

إيّاك أبداً أن تحمل في قلبك العاطفة.

فقط إحمل سيفك و قاتل.

السيف لا يملك عواطف.

هذا الفتى الذي مشى بثقة، منظره أسر أعين الفتاة.

هل كانت الفتاة تهتم بالمظاهر؟ لم يكن كذلك.

من الحقيقي أنَّها تعترف بوسامته، لكن ذلك لم يشعرها بأيِّ إهتمام نحوه.

القلب.

عندما أشار الفتى سابقًا لقلبه، ثمّ أشار لقلبها، شعرت بشعورٍ غريب.

مشاعرها تصاعدت في دوّامة في تلك اللّحظة.

بعد عيشها حياتها في عزلة و وحدة بينما تلوّح بسيفها، رحلة حياتها قاربت على الإنتهاء.

لماذا إختارت هذه الأكاديمية كأٓخِر محطّة في رحلتها؟.

لقد كان ذلك بسبب أنَّها أول مكانٍ إلتقى فيه والديها.

أرادت رؤية و إستشعار المكان الذي كان سبب لقياهما معًا، و عندما ترضي فضولها، ستحقِّق أخر أهدافها.

بعدها ستقوم بإنهاء حياتها في مكانٍ مظلم.

لم تعد تحتمل حياة الوحدة أكثر من هذا.

في أعماقها، شعرت بالحزن و الخوف.

بطبيعة الحال، لقد كان ذلك حزنًا يكتنف فؤاد المرء عندما يعيش.

“ أنظروا لهذا الوغد! لا يسحب سيفه حتّى! ”

“ هل يعتقد أنَّه رائع بفعله لهذا؟ يا لها من سخرية! ”

“ هاهاهاهاا! إبتعدوا عن طريقي! إنَّه لي! ”

برؤية مشيته الهادئة و صمته، قمعت مجموعات العدو شعورهم الغريب بالخطر و هاجموا ببسالة.

لا يهم كم هو قوي، أعدادنا أكثر!

بالطبع، كان هناك من قلّلَ سرعته و جعل الأخرين يتخطّونه.

من الضروري دائماً إختبار حرارة المياه قبل الشروع في دخولها.

لقد أرادوا أن يتصارع الذين في الأمام بين بعضهم.

هكذا سيضعف كلٌّ منهم الأخر، و عندها سيصطادون الفريسة من الخلف.

يصطاد السيكادا — و الذي يسمّى بالزِّيز أيضاً — فريسته في الأمام، بينما يتربّص العصفور بهما من الخلف.

من يمسك بِلِيوُن و يسلّمه للأستاذ ديوس هو الفائز، و ليس من يغلبه هنا!

عرف الأذكياء ذلك، و هكذا تراجعوا قليلاً لحفظ طاقتهم.

من هاجموا بشراسة إمَّا أنَّهم مُعتَدُّون بأنفسهم كثيراً، أو خائفون من أن يسرق أحدٌ أخر وجبتهم.

و هكذا، تجاهل الكثير من قوّات العدو عواطفهم التي تخز رؤوسهم من الخلف، و هجموا نحو الفتى الصامت.

بااام!

صوت الإصطدام سمعته الأذن.

تمّت تغطية جسد الفتى بما يقرب من 30 شخصًا مجتمعًا.

إبتسموا بعجرفة في المنظر، بينما راقب ليون و لويد الأمر بعيونٍ مملة.

شدّت الفتاة السيف أقرب نحو صدرها، بينما لم تغب عين فرناندو و لو للحظة عن ما يحدث.

لقد تمَّ تحديد النّتيجة.

“ سيفي لا يحتاج للخروج من غمده حتّى، أنتم واهِنون جداً ”

أو هكذا إعتقد العديد من الأشخاص هنا.

خرج صوت الفتى من خلف هؤلاء الأشخاص.

نبرته لم تحمل أيّ نغمة.

السيف لا يحتاج للعاطفة لِلقطع.

و السّيّاف لا يحتاج إليها للمبارزة.

أعينه الشرسة أصبحت باردة.

“ ها- هاه؟ ماذا؟! ”

“ ااغ! إبتعد عنّي! ”

زخم المهاجمين إنعكس عليهم و إصطدم العديد ببعضهم البعض.

البيئة المحيطة تجمّدت.

“ هـ-هذا … هذا! ”

“ هـ-هو الأن … عيني لم تستطع لحاقه … ”

“ أنا متأكد … لقد كان أمامي قبل لحظة! ”

لقد شُوِّب المكان بالصّدمة.

كان من المؤكّد، سواء كان صوت حركته أو مظهر ظِلِّه، لم تتدارك حواسُّهم أيًّا من ذلك، ناهيك عن الشعور بتقلُّبِ طاقته.

كان في مكانٍ ما، و أصبح في مكانٍ أخر، هكذا فقط كيف يمكنهم تفسير الأمر.

“ … حتّى عين البصيرة خاصّتي لم تستطع الإحساس به … هـ-هذا! ”

في الخلف، فتحت إحدى الفتيات فمها بصدمة.

شعرها الذهبي تناسب مع أعينها، كانت عينها تلمع.

بؤبؤ عينيها أظهر نمطًا فريدًا لما يبدو كلغة قديمة.

عين البصيرة

ما هي عين البصيرة؟.

هذه ليست مهارة أو أسلوب قتالي، و ليست حتّى أداة.

إن عين البصيرة هي شيئٌ ولدت به هذه الفتاة.

أتاحت لها هذه القدرة الشعور بشكلٍ غامض بعواطف و أفكار الأخرين و الإحساس بالماضي.

مدى رؤيتها للماضي منوطٌ بمدى قوّتها، قوّة من تستخدم القدرة عليه، و مدى معرفتها بذلك الشخص.

كان هناك ثمن غالٍ لإستخدام هذه القدرة بطبيعة الحال.

ما لم تستدعي الضرورة، فهي لا تستخدم قدرة عين العقل في رؤية الماضي، و بدلاً من ذلك هي ركّزت على العواطف و الأفكار.

لم تكن قدرة عين البصيرة منوطةً بذلك فقط، أمكن للفتاة بعد جهودٍ لا تحصى إستخدامها حتّى في المعارك.

بدلاً من رؤية الماضي، عندما تقوم الفتاة بإشتقاق اللحظة الحاليّة، و قراءة عواطف و أفكار خصمها، يمكنها رؤية بضع لحظات للأمام لما يفعله العدو.

و هكذا، ستستطيع رؤية تحرّكات عدوّها، إنه أسلوب إخترعته بنفسها.

قدرة عين البصيرة هذه، لم يعرف أحدٌ الكثير عنها سواها.

لم تكن نوايا البشر نقيّة على الدوام.

و هكذا، كانت تقول فقط أنَّها تستطيع الشعور بشكلٍ غامض بالمجرى العام للأحداث.

حتّى ذلك فقط جعلها عرضة لمحاولات الإغتيالات و الإستمالة من جهة الكثير.

الأميرة الثانية لمملكة كايرو، الأميرة لوسيا هارديان.

في المملكة حيث تعيش، تنازع إخوتها و أخواتها على العرش دائماً، كان منظر صراع البشر على السلطة قبيحًا.

ناهيك عن كون هؤلاء المتصارعين إخوة بالدّم.

لم يكن لها رغبة أو جشع في مثل هذه السلطة، لقد كانت راضية بالفعل بما لديها، لكن هل سيصدّقها أحد؟.

طالما لديها دم العائلة المالكة، فكيف سيتأكّدُ أحدٌ من أنَّها لن تقوم بإنقلابٍ يومًا ما؟.

بطبيعة الحال، كان لها موالين كثر بسبب طيبتها و طبيعتها الصادقة.

رغم سنّها، فقد تعاملت هذه الفتاة مع الكثير من أنواع البشر بالفعل.

العمر لا يحدّد مدى نضج المرء، بل كانت التجارب، بالنسبة لها، فقد كانت التجارب عديدة بالفعل.

بسبب طبيعتها الخيِّرة، كرهت الفتاة بشكلٍ طبيعي الأشخاص ذوي الشخصيّات المزدوجة.

هؤلاء الناس هم من سيطعنونك في ظهرك، و على وجههم إبتسامة.

لو عرف الناس بقدرتها على قراءة العواطف و الأفكار، حتّى و لو كان بشكلٍ خافت، هل سيدَّخرُ إخوتها، و كُلُّ من يملك نوايا خفيّة في القصر الملكي، أيَّ موارد في سبيل إغتيالها؟.

كان ذلك غير محتمل!

لو عرفتَ أنَّ بجوارك شخصًا يمكنه قراءة نواياك و فهمها، بالذات عندما يكون عدوًّا محتملاً، فهل ستبقي عليه؟.

الجواب واضحٌ بالفعل، حتّى والدها البيولوجي لم يعرف بقدرة عين البصيرة الشّاملة.

موضوع رؤيتها لعواطف الأخرين لم يكن شيئًا عرف عنه الجميع.

عندما أتت أول مرّة إلى هنا، تمركزت في الخلف لفهم نوايا هؤلاء الخمسة أشخاص أمامهم.

أكثرهم أهميّة هو ليون إيفينيوس.

الفتاة الشقراء مع الفِتية الثلاثة الأخرين شعرت بمشاعر معقّدة.

كانت عواطفها غامضة، إسشعرت عواطفها بشكلٍ خافت فقط، رغم شعور الفتاة الشقراء بالحيرة، لم تشعر لوسيا بتوتر منها.

كانت أفكارها كالورقة البيضاء الفارغة، لقد أخفت تلك الفتاة مسار أفكارها كما عواطفها بشكلٍ مذهل.

الفتى الأشقر، و الذي إمتلك بنية عضليّة، لمعت عيناه الزرقاء ببريقٍ خافت.

عواطفه في هذه اللحظة حملت التّرقّب و التطلّع فقط.

أفكاره كانت نفس الشيئ.

كان الفتى صاحب الرمح هادئًا، عواطفه لم تخن مظهره البتَّة.

لم تستطع الولوج لأفكاره.

هو قوي.

من ما شعرت به، كان من النوع الذي يبقى هادئًا مهما كانت الظروف.

“ من الغريب هذا … لكن لا يمكنني الشعور بالقلق منهم ”

لم تفهم الفتاة لوسيا ردَّ الفعل هذا، هل كان هناك منبع لهذه الثّقة؟.

الفتى، و الذي مشى نحوهم بهدوء، لم تستشعر منه أيّ عاطفة، لقد كان هادئًا كالبحيرة الساكنة، حمل سيفه بغمده و مشى ببطئ.

هذا هو فقط، الهدوء، عدم المبالاة، هذا ما يمكن الإحساس به من الفتى.

مع ذلك … كان هناك شيئٌ واحد لم تستطع فهمه.

أنا لديَّ شعور.

الشخص الأخير نضج بذلك الشعور الذي أحسَّت به الفتاة.

شُعورٌ بالخطر و المجهول يكتنِفُك في بعض الأحيان.

هو وقف هناك ببساطة.

شعره الأسود كسواد اللّيل، إنَّ أعينه حمراء، لقد كانت تلك الأعين أكثر قتامة من الدماء، أنيابٌ حادّة يمكن رؤيتها بشكلٍ خافت من المسافة.

إنَّ تعابيره كانت بلا طعم.

لا فرح، لا حزن، لا غضب أو أيُّ عاطفة صادرة.

حتّى عدم المبالاة كان يمكن إعتبارها عاطفة، عدم المبالاة بشيئٍ ما يعني أن لا تكترث له.

أن لا تكون مباليًا بشيئٌ ما يعني أنَّ أولويّاتك منوطة بأشياء أخرى.

الرغبة في عدم الإهتمام هي في حدِّ ذاتها رغبة.

و من نفس المنطلق، الشعور بعدم التعاطف هو أيضاً شعور.

العاطفة هي إرادة، طالما هناك إرادة لفعل شيئٍ ما، فهذا يعني أنَّ هناك عاطفة.

مع ذلك.

و مع ذلك … ما هذا الشعور الفارغ؟.

“ لما يبدوا هذا الشعور كما لو … ”

كما لو أنَّ الشخص محتجزٌ في ظلام الهُوَّة؟.

كلّما نظرت إليه بعمق، شعرت لوسيا بأنَّها تُبتلع في الهاوية، لم تستشعر الفتاة أيّ عواطف صادرة منه.

نية القتل مرعبة، الضغط الصادر من المفترس مرعب.

لكن ما هو مرعب أكثر هو مصادفة المجهول.

أنظر إلى الهاوية، و الهاوية بدورها ستنظر إليك.

كان شعورٌ غريزي بالخوف يكتنفها.

“ هو … هل هو دمية أم ماذا؟! لا يمكنني الشعور بأيِّ شيئٍ منه…! إنَّه كما لو كان هذا الشخص … ”

مجرًّدا من العاطفة.

هذه أول مرّة يحصل هذا.

هذه أول مرَّة ترى هذا.

إنَّه مخيف.

كما لو كان يشعر بشيئٍ ما، توجّهت أنظار الفتى نحوها فجأة.

إبتسامة تقشعرُّ لها الأبدان.

الأنياب برزت بوحشيّة.

ظهرت على شفتيه إبتسامة جعلت دمها يبرد، كما لو كانت تقابل مفترسًا طبيعيًّا، إبتعدت أنظارها عن الفتى ليون.

عندما هاجم الأشخاص الفتى صاحب السيف، توجّهت أنظارها نحوه.

هل هو بسبب ترقّبها لما سيحصل؟ أكثر من ذلك كان بسبب خوفها من التواصل البصري أكثر مع ذلك الشخص المخيف.

إختفى الفتى الماشي ببطئٍ فجأة.

بعدها ظهر خلف المهاجمين، لسببٍ أو لأخر، سقط بعضهم على بعض بسبب الموقف المفاجئ.

سواء كان الإدراك أم عين البصيرة، لم تستطع الفتاة تدارك حركته بهما.

كان هناك حالة واحدة حصل فيها مثل هذا الشيئ.

“ عندما يكون فرق القوّة هائلاً ”

هل تقول لي أنَّ فرق القوّة بهذه الضّخامة؟!

هذا- هذا غير منطقي!

فقدت الفتاة رباطة جأشها، لقد كانت سريعة في الحكم على المواقف، لم تحتج للدخول في معركة لمعرفة قوّة هذا الشخص.

لم تكن حمقاء، ستتضرّر فقط إن دخلت في هذا.

من الأفضل تحذير الأخرين!

حاولت الفتاة فتح فمها، لكن لم تستطع!

الجسد أبى الحركة، شعرت البيئة بالثقل، كما لو كانت تخضعها.

شعورٌ بيدٍ تمسك بفمك، هكذا هو الإحساس.

كان الأمر كما لو أنَّ هناك شيئًا يجبرها على الصّمت، بزغ الإدراك في عقلها، و توجّهت أنظارها بصعوبة نحو إتجاهٍ ما.

“ هـ-هذا الشخص! كيف؟! ”

كيف يمكنه إغلاق فمي كما لو كان يمسك به رغم المسافة بيننا؟!

وضع فتى أحمر العينين إصبعه على فمه، كما لو كان يشير لها بالصمت.

كانت إبتسامته لطيفة و نبيلة، لكنها تُشعِر المرء بالخوف طبيعيًّا!.

لم يسع الفتاة سوى الشكوة في صمت، جسدها بالكامل أبى الحركة، و بسبب الموقف المفاجئ في ساحة المعركة، لم يلاحظ أحدٌ معاناتها.

حتّى حرّاسها لم يأتوا معها، فقد كانوا في حالة خاصّة.

لقد تمّ إستدعائهم للقصر بشكلٍ مفاجئ.

للأسف، لم يكن من الممكن لهم تحدّي الأوامر،.

فقط هكذا، لم يبقى معها سوى حارستها الأكثر ثقة معها.

لقد كانت حارستها مريضة اليوم بسبب التعب و عبئ العمل و التمارين، بقيت في فراشها بعد أن أجبرتها لوسيا على ذلك.

فهمت موقفها و بقيت صامتة، هذا كل ما أمكنها فعله.

تحرّر جسدها فجأة.

تحرّكت شفتي الفتى البعيد ببطئ.

“ لا تفسدي المرح، هذه المسرحيّة على وشك أن تنتهي ”

صوته الهادئ رنَّ في أذنها عبر المسافة.

لم يسعها سِوى أن تعبّر عن ظلمها بصمت.

أراد الكثير قول شيئٍ ما و تنشيط الموقف الجامد.

مع ذلك، لم يكن للفتى ديو الوقت أو الرغبة في سماع مثل هذا الهراء.

فتح فمه بملل كما قال: “ سيسقط ستّة أشخاص ”

“ يجب أن تناموا ”

“ هذا الوغد! هو يهيننا فقط لتجنّبه لنا مرّة واحدة! ”

“ نـ-نعم! لنهاجم بسرعة! ”

كما لو كانوا يستجمعون شجاعتهم، صرخ بعض الأشخاص من بين الذين تجاوزهم ديو.

قفز العدو نحوه مرَّةأخرى،و إن كان بأعدادٍ أقل.

مُبدِيًا عدم إهتمامه، رفع سيفه للأمام.

لم يخرج سيفه من الغمد حتّى.

لا حاجة للقتل، يكفي أن يناموا فقط.

لو أخرجت السيف من الغمد، فلا يمكنني التأكد من عدم إصابتهم بجروح قاتلة.

قتالي بالسيف كثيرٌ بالفعل.

الفتاة راقبته بينما يعدُّ وضعيّته.

شعورها بالخوف من وحدة العيش، لقد جسّد هذا الفتى كلَّ ما هو عكسه.

لقد كان بنفس عمرها، و قد كان سيّافًا.

رغم ذلك، فقد ذكر ليون أنَّه أكثر هوسًا منها بالسّيف، لماذا صدّقته؟.

لأنَّها سيّافة، لقد فهمت بعمق السيف، و إفتخرت بفهمها للسّيّافين أيضاً.

لم تهتم بالأخرين، لكن فهمها هذا تم إكتسابه بعد محاربة الكثير لتنمية سيفها.

كانت وضعيّته مثالية.

مثالية، أكثر من ما رأته منذ ولادتها.

مثالية، أكثر من ما حاولت القيام به من قبل.

مثالية، لم تعهد مثلها أبداً في عمرها.

الجزء العلوي من الجسد مشدود و مرن كتدفق النهر.

الجزء السفلي للجسد ثابت كالجبل.

رِجلٌ واحدة للأمام، رِجلٌ واحدة للخلف.

السيف المرفوع للأمام، تم توجيهه للخلف، و أرخاه على الكتف.

كانت إحدى يديه موجّهة للأمام.

توجّهت أنظاره نحو العدو.

بهدوء، عيونه أصبحت مغلقة.

هالة خافتة تصاعدت من الجسد.

غطّت الهالة جسده، وصولاً إلى السيف.

إنَّها زرقاء، لون الهالة ومض عبر الأنحاء.

شهيق، و زفير.

أصبحت هالة الفتى صامتة.

لقد نضجت الهالة بخطرٍ صامت.

راقبيني بتمعُّن.

يمكن للفتاة سماع صوته، حتّى عندما لم يتحدّث.

لقد كان من السهل للأقوياء القيام بالتخاطر مع الأخرين.

ليس أنتِ فقط.

لم يكن ما يفعله للفتاة فقط.

الفتى المكافح رغم نهش الحياة له، إنَّه سيّافٌ أيضاً.

هذين الإثنين يجب أن يعرفا معنى رفع السيف بفخر.

متعة أن تكون سيَّافًا، هذا ما سيعلّمه لهما.

“ كمعلّم مستقبلي، كمرشد، و أكثر من ذلك، كسيّاف، سأريكما ”

صوته حمل ثقة لا تتزعزع.

هذا هو سيفي.

خفض جسده قليلاً.

إحدى الأرجل ضغطت على الأرض بقوّة.

طقطقة! طقطقة!

شرارة كهربائية تصاعدت عبر جسده.

في البداية، كانت مسموعة بالكاد.

طقطقة! طقطقة! طقطقة!!

لكن مع مرور الوقت، أصبح صوت الطقطقة كالهدير.

هالته أصبحت صاعدة، و غطّت المنطقة التي وقف فيها بالكامل.

الضغطُ الساحق إكتنف الحضور جميعًا.

هل كان ذلك سابقًا؟ عندما تجاهلوا شعورهم بالخطر؟.

خمسون شخصًا كانوا.

في السّابق، كان القلق هو أن يتمَّ خطف الفريسة.

كان من المنطقي، العدد أكثر من كافي بالفعل.

لكن الأن، شعروا أنهم لا يمكن أن يكونوا مخطئين أكثر.

هذا الشعور بالرّعب.

إنَّه لم يكن يأتي من شخصٍ ضعيف.

[فنون السيف الإبتدائية: القطع الأمامي.]

[سيف الوميض.]

قفز الفتى نحو الأمام.

السيف المغطّى بالبرق تمَّ التلويح به.

سوووش!

المنطقة أصبحت مضيئة.

ضوءٌ أزرق يسبّب العمى أحاط المنطقة.

رغم أنَّها شمس الظهيرة بالفعل، فقد أصبحت البيئة مصبوغة باللون الأزرق.

باام! باانغ!!

هدير صوت الإصطدام عَبَرَ الأرجاء.

“ ااااااههه! ”

“ اااغغااااا! ”

الجثث تطايرت في الأرجاء.

صوت الألم يمكن سماعه.

سحابة من الغبار إرتفعت.

لا، من الأكثر دقّة وصفها كعاصفة.

رمال الشّاطئ أصبحت ساخنة.

لحظة واحدة.

لم يستغرق الأمر سوى لحظة واحدة.

و قد كانت تلك الفترة تكفي.

الفتى الذي كان في الخلف، لم يمكن لأحدٍ رؤيته.

“ لا تتحرّك، أو رأسك سيسقط ”

خرج صوته ببرود.

“ … آ- ااه ”

صوت الفتى كان مثيرًا للشفقة.

توجّه سيفٌ مغمود نحو رقبة أحد الأشخاص.

بينما يترك خطًّا واضحًا عبر الرمال، كان الفتى بالفعل يقف مع عدد يتم إحصائه بالأصابع.

ستة جثث ساقطة.

لم يتمَّ سماع أي صوت صادر منهم.

لقد كانوا غائبين عن الوعي.

و أخيراً، وقف شخصان فقط في المكان.

أحدهم ممسك بالسيف على رقبة أحد الأشخاص، و الأخر وقف بخوف، غير قادرٍ على الحركة.

كان ذلك شيئًا لا يصدّق.

تصفيق! تصفيق! تصفيق!

“ مذهل، لا يصدق، لا يقاس! هذا أكثر عرضٍ ممتع شاهدته منذ وقتٍ طويل ”

بينما يصفّق بيديه، ضحك ليون بحرارة على وقفة الجمهور المرعوب.

“ إنَّه عرضٌ حي يظهر مدى قوة المواهب الشابّة لهذا العصر، هاهاها! حضرتي خائب الأمل بشدّة! ”

قفزة!

قفز قائلاً مثل هذه الكلمات بصوتٍ خائب.

ظهر أمام باقي المجموعة، بينما وقف ديو خلفه.

“ ديو، هل أريت الصغار ما يجب عليهم رؤيته؟ ”

“ إنهم في نفس عمرك، كما تعلم؟ على أيِّ حال، أعتقد هذا، يمكنك البدء كما تشاء الأن ”

ناظرًا نحو الفتى و الفتاة التّائهين في الأفكار، أومأ ديو برأسه بِرِضا.

ماذا كان الشرود الذي دخل إليه الإثنان؟

هل هي الحيرة، أم الإرتباك؟.

ليس كذلك.

لقد كانت تلك العيون الغائرة من شخصٍ دخل في حالة نشوة.

وصل هذان الإثنان إلى مرحلة إنتقالية في فهم السيف.

لقد بذلوا جهودًا لا تحصى في طريق السيف، و أخيراً، حان وقت مكافأة تلك الجهود.

حتّى من دون توجيه ديو الذي لا يجدر بالذكر، فقد كانت مسألة وقت قبل أن يصلا إلى تلك المرحلة.

ذلك طالما لا يستسلمان، أو يشكّكا في إرادة سيوفهما.

“ هكذا هو الأمر الأن ” ومضت أعينه الحمراء و ضحك برؤيتهما: “ إذاً سارِع في جعلهما يقاتلان، هذا أفضل درس لشخص يبزغه الإدراك ”

إستجابة لحديث ليون، قام ديو بضرب رقبة الفتى المتجمِّد أمامه بيده و أفقده الوعي.

“ فقط لا تبالغ ”

مشى نحو الإثنين بخطى بطيئة، كما ترك نصيحة بسيطة لليون.

“ لا يمكنني أن أعِدك بشيئ ”

طقطق أصابعه بينما تُظهِر ضحكته أنيابه الشرسة نحو الفرائس أمامه.

ومضت أعينه بقسوة.

“ من الممتع دائمًا كسر الدمى ”

2024/06/15 · 22 مشاهدة · 5044 كلمة
نادي الروايات - 2025