الفصل 15: أنا أعلمُ ذلِك، لكِن لا يُمكِنُني الإهتمامُ أقلَّ حتّى (3).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
هناك فرق هائل بين النبيل و العامِّي.
في عالمٍ كهذا، حتّى مع تطور السحر و إنتشاره، أبت ندوب الماضي عن الإندِثار و طغت على الناس.
كان لا يزال النبلاء في مكانتهم قابعين و لهم ما لذَّ و طاب، سواء كان من المأكل أو من كسوة الثياب، على عكس العامَّة.
في جميع أنحاء القارَّة، الأمرُ سيَّان، هناك غني و فقير.
لو كان الأمر كذلك فقط، لكان الأمر بخير، لكن بسبب هذه الإختلافات، كانت العُنصُريّة محورًا رئيسيًّا لقياس هذه الإختلافات.
التعنيف و الإستعباد، الإساءة الإجتماعية و جعلهم كالماشية، مرورًا بالإغتصابات و القتل في الإحتفالات.
كانت هذه أشياء يوميّة وجب على العامّة الضعفاء المرور بها.
في العلن، لم يفعلوا شيئًا، لكن في الخفاء، بعيدًا في الظلال، تجلّت حقيقة الأقنعة و إندثرت إبتساماتهم الخادعة.
لم يكن شعب كانغهوا أو مجتمع السحرة و أنصاف البشر بعيدين عن المعادلة.
كان الأقوياء في هذا العالم غير مكبوتين.
و الوحيدون الذين دفعوا الثمن، كانوا الناس العاديين.
لم يكن ما يسمّى بالعدالة سوى معيارًا زائِف
إستخدمه أصحاب السلطة لربح الفوائد.
بالنسبة لهذا الفتى أحمر العينين، هو لم يهتم.
معاناة الضعفاء أو طُغيان الأقوياء.
كُلُّ ذلك لم يحرّك قلبه.
ذلك لم يكن له علاقة به.
هذا هو، بتلك البساطة، وقف أمامها بلا أي عواطف جامحة.
حتّى في الألفيّة الماضية، لم ينشأ موقف يقف فيه شخصٌ ذو أصول مجهولة، أمام أحد حكّام دولةٍ ما، بينما ينظرُ إليه بلا خوف أو إحترام.
كان هناك شقوق بين البشر تنشأ عند معاملتهم بقسوة.
الحقيقة لم تعد مهمّة، فقط السخط هو ما بقى.
لذلك، لن يقف عامِّيٌ في مواجهة أحدٍ ذي خلفيّة مرموقة بدون أن يكون في عينيه خوفٌ أو كراهية.
كان هذا هو مدى الجروح التي نشأت بسبب نظام الوراثة هذا.
أمام الجميع هنا، لقد أخضعهم و وقف أمام فتاة لا يمكن المساس بها.
أدوارهم كانت متعاكسة.
إنَّه فقط موقف غير مألوف.
ليون إيفينيوس، طالبٌ مجهول الأصل أتى و تسبّبَ في المشاكل.
لقد قام لسببٍ ما بجعل الطلبة يطاردونه.
في العادة كانت ستكون مجرّد مطاردة مضحكة.
و مع ذلك.
إنقلب كلُّ شيئ رأسًا على عقب.
كان ذلك لسببين.
الأول هم الأشخاص الذين كانوا مع الأستاذ ديوس.
الثاني هو ليون إيفينيوس بنفسه.
لقد كان متغطرسًا و غير قابل للحديث.
بدلاً من تسليم نفسه و ترك الأمر ببساطة بدون عواقب كثيرة، جعل القضيّة أكبر.
كان شخصًا غريبًا.
كلُّ المعلومات التي عرفها الجميع هنا هي شيئٌ بسيط.
يبلغ هذا الشخص من عتيِّ القوّة ما جعله يقف بجبروته أمام أبرز المواهب الشَّابَّة في دولتي كايرو و نانمان.
لا، لم يقف في مواجهتم، لقد طغى عليهم جميعًا.
حتّى الفتى المُمسك بالسيف سابقًا لم يظهر مثل تلك الوحشيّة.
لم يأبى أحدٌ الحركة، و بشكلٍ أكثر دقّة، لم يستطع أحدٌ الحركة.
حتّى بينما يقف و يتحرّك بجسده بكل أريحيّة، كان يطغى عليهم بقوّة غريبة.
كان العالم تحت إمرته يُخضِعُهم.
هكذا كيف بدا الأمر.
قام بضرب أحدٍ ضربًا مبرِّحًا، و أربعة من مطارديه أصبحوا فجأة حلفائه، ناهيك عن معركته لسابقة مع الفتاة ستيلَّا، و التي بدت كالمماطلة.
كما لو أنَّه يلعب.
هكذا شعر الجميع هنا.
واقفًا أمام شخصٍ لا يجب المساس به، كانت الشكوى تلوح في الأفق.
“ الأميرة، هذا ليس مضحكًا! ”
“ اهاها … أسفة … لكن، بفت! ”
كان ما يجب أن يكون موقفًا جادًّا إنقلب رأسًا على عقب.
“ بجدّيّة! لحظتي من الفخامة و الوقار تمَّ إفسادها! عليكم اللّعنة! ”
بوهجٍ مميت في عينيه، نظر نحو أصل السبب.
“ هيهي! تخسأ أيها الوغد! هذا ما تحصل عليه للشماتةِ بنا! ”
تنظيف.
جلس بنفس وضعيّة القرفصاء، بينما يقوم بنفس ما يقوم به بعد كل معركة.
هو الأن ينظِّف رمحه.
لويد دانيال.
لقد كان هذا الفتى شخصًا يحارب بالرّمح.
منذ الصِّغر، لقد أحب الأسلحة الطويلة، و إنتهى به المطاف يحملُ رمحًا.
هل كان من أصلٍ بارز؟ لم يكن كذلك، لقد كان من أصول متواضعة.
ككُلِّ شخصٍ أخر، كان له قصّته الخاصّة.
ماذا كان طموحه؟ كيف عاش؟ الأن، ذلك غير مهم.
يجب أن ينظف رمحه و يستمتع بهذه اللحظة الحلوة، ضاحكًا على ليون.
هذا هو ما يهم الأن.
“ إبنُ الشريفة هذا … يشكوا الأن بعد أن وضع علي عبئ تدريب هذين الإثنين؟ ”
تبًّا لك! أيها الوغد اللعين!
إبتسم ديو بشماتة نحو ليون، بينما يتحرّك جسده بإنسيابيّة.
كاانج! كاانج!! كاانج!!!
تلاحمت السيوف في هذا الهدوء.
نظرًا لعدم القدرة على الحركة على أي حال، تفرّج الجمهور على المعركة الحاصلة.
شخصان في مواجهة شخصٍ واحد.
لقد طغى عليهما تمامًا، و لم يخفى ذلك على أحد.
لكن لم يكن ذلك المغزى من المعركة.
كان هذا تدريبًا.
ومضت أعين الفتاة ببرودة.
هي الأن على بعد خطواتٍ قليلة.
هدفها الذي صَبَتْ إليه يكاد يكون أمام عينيها.
كفاحها طوال حياتها كان من أجلِ ذلك.
الخوف من الوحدة و العزلة، القلق و الإرتباك.
كلُّ تلك العواطف إنحلَّت عن عن قلبها.
صفاء الذهن و تحرُّر القلب.
هذه هي أنقى أشكال السيف، و التي سعى لها السّيّاف.
كاانج! كاانج!!
تحرَّك سيفها بسلاسة و سرعة لا تبصُرها الأعين.
كان خصمها قويًّا بما لا يمكنها قياسه.
مهما تسارع سيفها، فقد كان أسرع، مهما ناورت بسيفها، سيفُهُ كان لها بالمرصاد.
رغم ذلك، لم تكن وحيدة.
توائمت حركاتها الرشيقة مع سيف الفتى الأشقر بجانبها، و هاجماه معًا.
كان يتكوّن في قلبها شعور.
كم مرّة في حياتها أرادت الشعور بشيئٍ ما غير الوحدة؟
كان الأمرُ أشبه بالهوس.
الأن، لقد وصلت إليه.
ذلك العالم الرمادي بدأ يتلوّنُ ببطئ.
أعباء الماضي و الحاضر تمَّ قطعهم جميعًا.
كان خصمها فقط ما كان واضحًا لبصرها الضبابي.
في عالمٍ من عدم الوضوح و الضبابيّة، كان هو أمامها بأعينه الشرسة واقفًا.
في كل مرّة تنظر إليه أطول، تنشأ العواطف في قلبها.
كانت عواطفًا لم تعرفها من قبل.
تسارع سيفها فقط و زادت من حدّة سيفها.
‘ دفاعك رثٌّ جِدًّا، هذه هي نقطة ضعفك ’
كلمات الفتى ديو عندما ينصحها رنَّت عبر أذنيها، كانت كالتهويدة.
‘ إستفيدي من مرونة جسدكِ و إستخدمي ذلك كأساس لتكوين دفاعك ’
‘ الدفاع ليس منوطًا بأسلوبٍ خشن، طالما هو يحميكِ، فهو دفاع ’
‘ على السَّيّاف أن يتعلَّمَ من بيئته، و لا يتقيّد بنهجٍ ما ’
‘ إتِّباع أسلوبٍ واحد جيد، لكنه ليس الأفضل، لا تتقيّدي بشيئ ’
‘ هذا هو نهجُ السيف ’
مرارًا و تكرارًا، حتّى أصبحت كالصدى في قلبها.
صوته ملأ عالمها، و إختفى الجميع من مجال بصرها.
العالم سوداوي.
و كان ثلاثة سيّافين فقط من كانوا واضحين فيه.
هي، فرناندو، و ديو.
لقد تقاتلوا كما لو كانوا في عالمهم الخاص.
كان هناك شعور بالترابط في هذا القتال.
كلمات ديو إجتاحت عقلها.
جسدها تحرّك غريزيًّا.
هجماتها غير المقيّدة كانت مصقولة، كما لم تكن من قبل.
بدأت تركِّز على حماية نفسها أكثر بدلاً من الهجوم السريع فقط.
إسلعي، و إنتظري في جُحرِكِ، إحمي نفسك بسيفكِ، كما لو كان مجالاً يغطي جسدكِ، لا تتهوري في الهجوم.
إنتظري فقط الفرصة المناسبة للهجوم.
هكذا هو أسلوبها الأن.
عندما لاحظ ذلك، بدأ في مهاجمتها إختبارًا لمدى فهمها.
كانت في البداية غير مدركة لما تفعله، لكن مع الوقت — و بإتِّباع غريزتها و التعليمات في رأسها — أصبح دفاعها متينًا.
كانت تتحسّن بوتيرة سريعة.
لم تكن هي فقط.
سواء كان ليون أم ديو، فقد أولوا إهتمامهم الخاص نحو الفتى.
كاانج! كاانج! كاانج!
لم تكن الفتاة فقط من طوّرت سيفها.
لقد كان الأمر ينطبق عليه أيضاً.
إن كانت حركات الفتاة رشيقة و سريعة، فقد كان الفتى طاغيًا و خبيثًا في حركاته.
لقد تميّزت أساليبه بالموائمة مع البيئة.
كان الأن في حالة من شبه اللاواعي، جسده تحرّك مع حركات عدوّه فقط.
كاانج! ككاانج! ككاانجج!!
عندما هاجمت الفتاة جانبه الأيمن، فقد ذهب نحو خلف العدو على الفور.
هجوم متناسق يُكمِّلُ بعضه البعض.
لقد تفاداه ديو بسهولة بتحريك جسده قليلاً، و صدَّ سيف الفتاة بإسهاب.
لم يكن هدف المعركة هو الفوز.
و هكذا، لم يصب بالإحباط، و زاد من قوّة سيفه.
كان يبدوا في نشوة، كما لو كان يتَّبِعُ شيئًا ما.
فِرناندو نيكولا.
النَّجلُ الأصغر في عائلة نيكولا، و الفتى الذي كان يكافح طوال حياته.
سواء كانت الكراهية من طرف عائلته، أو محاولات الإغتيال و الخطف أو حتّى العرقلات التي لا تحصى، فقد مرَّ الفتى عبرها جميعًا.
كان يريد ذوق الشعور الذي ذاقه العديد من حوله.
التَّطلُّع نحو شيئٍ ما.
لقد إفتقد ذلك في حياته.
السعي، الكفاح، عواطف الإحباط و الفرح بسبب ذلك الكفاح، لم يعرف الفتى ما معنى ذلك.
كانت كراهية الذات فقط ما كان لدى الفتى.
كشخصٍ مكروه منذ الصِّغر، كان له حلم.
بالنسبة لمعظم الناس، فقد كان شيئًا في متناول اليد، لكنها أمنية حياة لفرناندو.
لقد أراد رؤية أمِّه.
ماذا كان السبب؟
هل هو الشوق؟ ربما أراد الشعور بالعزاء بعد رؤيتها، بما أنَّها الوحيدة التي سمع أنَّها أحبّته قبل أن يولد بعد؟
أم ربّما مجرّد رغبة طفولية؟.
لم يكن مهمًّا ما السبب.
لقد كان لديه الدَّافع و التّطلُّع، لذلك بذل جهده بصمت.
لم يشتكي يومًا من الظلم، فقد إعتاد عليه بالفعل.
فكرة أن يكون هناك شخصٌ يستند عليه قد إختفت من عقله، و كان ذلك منذ أمدٍ طويل.
لم يكن لديه أصدقاء، و عائلته لم تعتبره فردًا منها.
إنَّه وحيد.
هذه هي الحقيقة، و عليه قبولها.
مضى الفتى قُدُمًا كما فعل دائمًا، و جاء اليوم القريب ليصبح خليفة رئيس الأسرة، جهوده كانت ستكافأ.
أو كذلك إعتقد.
عندما رأى بصيص أملٍ أخيراً، تمَّ رميه من الأعلى.
أرسله رئيس الأسرة للأكاديمية، و كشف عن موهبته.
و هناك كان قد فقد الأمل.
توالت الأحداث بعدها، و كاد يموت، لكن تمَّ إنقاذه.
رؤيته للحياة تغيّرت، و تحرّك جسده كما لو كان ممسوسًا.
كان الجميع في الساحل الشرقي ينظر إليه، لكن لم يستطع رؤيتهم.
شخصان بجانبه، أحدهم كان يقاتل معه، و الأخر ضدّه.
كان هذان الإثنان فقط من رأهما بجانبه.
شعر بالألفة من هذين الإثنين.
كشخصٍ كافح كل يوم، فقد عرف على الفور.
هذين الإثنين مختلفين عني، لكنهم متشابهين أيضاً.
“ لطالما أردت أن يقدِّرني الأخرون ”
لقد عاش في كثيرٍ من الأحيان بتلك الطريقة.
كيف كان يقاتل الأن؟
ربما لا أحد من بين الجماهير يفوق أسلوب مسايفته في هذه اللحظة، كانت نظرات الإعجاب تملأ أعين الجماهير.
كان من المضحك أنَّه لم يلاحظ.
لا، لقد لاحظهم، لكن لم يُثِر ذلك في فؤاده أي عاطفة.
“ عندما يرون موهبتي، ستتغير هذه النظرات على الفور ”
هكذا هي الطبيعة البشريّة.
لفترة طويلة، لم يعرف لماذا كان مهووسًا بتقدير الأخرين له.
‘ سيفك يفتقر لليقين ’
كما لو كان تكرارًا للحادثة السابقة، فقد رنَّ صوت ديو في أذان فرناندو.
كان في بعض الأحيان أثناء القتال يفقد ثغرة و لا يستغلُّها.
كان هناك تعارض بشأن أخذ تلك الثغرة، أم ربَّما قد تكون فخ.
‘ لا أعرف ما خضته في حياتك، لكن كسيّاف، فيجب أن يكون لديك إرادة لتقطع، سواء كانت الموهبة أم العمل الجاد، فلا نفع لهم بدونها ’
‘ عندما تهاجم، لا تضيّع لحظة واحدة، لا تفكِّر كثيراً، أو سيكون رأسك هو من يطير، و ليس عدوّك ’
‘ سيفك خالٍ من العاطفة، هذا جيد، لكن ما يخلوا في مكان يجب أن يُعبّأ بشيئٍ غيره ’
عندما يخلوا أسلوب المُسَايفَة من العواطف، يجب أن يحل محلها شيئٌ أخر.
إنها الإرادة.
بدأت حركات الفتى غير المصقولة تتحسن.
‘ إنسى كل شيئ أخر، و ركز على سيفك، لماذا سيفك يقطع؟ لماذا أنت تحمل السيف؟ ’
هذا هو فقط ما يجب أن يركز عليه عقلك.
الجواب على ذلك سيكون هو ما تبحث عنه.
و ستكون تلك هي إرادتك.
شعر برأسه يصبح باردًا، عواطفه كانت راكدة.
لم يعد هناك ما يقلقه.
لم يعد هناك ما يثقل عقله.
كاانج!! كاانج!! كاانج!!
سرعة لا تبصرها العين سوى بالكاد.
الفتى الأشقر و الفتاة الشقراء بدورها لوّحا بسيوفهما بسرعة.
أجسادهم كانت تتسارع.
الأخطاء في البداية لم يعد يمكن رؤيتها.
حتّى ليون لم يسعه سوى الإعجاب بما يراه.
كانت الأميرة تحدّق فيه بإستغراب.
“ … ألم تكن ستسألني بشأنِ سبب ما يحصل أو شيئٌ كهذا …؟ ”
“ و أفوّت عرضًا كهذا؟ لا شكرًا! ذلك يمكنه الإنتظار! ”
“ … حسنًا ”
لم يسعها سوى الإجابة هكذا.
“ تسك! ” نقر على لسانه، كما فكر في ذهنه: “ لم يصلوا بعد؟ هل هناك متغيّر ما يؤخِّرهم؟ حسنًا … المبارزة التي تحصل الأن في صالحي، ستكون ترويجًا ممتازاً ”
وقف ليون في الهواء و جلس كما لو كان يجلس على أريكة.
فعل ما عليه فعله، و لا يسعه سوى الإنتظار الأن.
لم تعد هناك حاجة كبيرة لمعلومات لوسيا الأن، فسيعرف مع الوقت.
هناك تغيير في الخطك.
بعد التفاعل شخصيًّا معها، كانت كما تقول عنها الشَّائعات.
“ إنَّها طيِّبة ” نظر إليه بطرف عينه: “ هذه الفتاة تجيد الحكم في المواقف السريعة، كما أنَّها لم تتفاعل كما ظننت عندما ذكرت أمر كراهيتي لوالدها ”
“ لا يمكنني الحكم ما إن كان ذلك تمثيلاً أم لا في الوقت الحالي ”
ناهيك عن أي شيئ، لقد شعر بتقلُّبات غريبة لطاقتها السحرية سابقًا.
عين البصيرة على الأغلب هي السبب.
لقد كانت هناك شائعات بأنَّها تساعدها على فهم الوضع العام لمجريات حدثٍ ما.
ما علاقة ذلك بِلِيُونْ؟ لم يبدأ بفعل أي شيئٍ يؤثِّر على الوضع العام بعد، و لا سبب خاص يجعلها تستخدمها عليه.
لما فعلت ذلك؟
أكثر من أي شيئٍ، عندما إستخدمت عين البصيرة، شعر ليون بشيئٍ يحاول الولوج إلى عقله.
تقنيّة نداء الكوابيس منعت أي شيئٍ خارجي من الولوج إلى ذهنه، و جعلت الشخص الذي يحاول ذلك يرى وهمًا يدُبُّ في كيانه الرعب.
لما تفاعلت تقنيّة نداء الكوابيس بتلك الطريقة؟
هل عين البصيرة ترى أكثر من مجرد الوضع العام؟
ومضت فكرة في رأس ليون على الفور.
لم يحتج للكثير من القرائن لفهم السبب.
“ هي على الأغلب تقرأ الأفكار أو العواطف ”
لولا نداء الكوابيس، لربَّما لم يرى أو يشعر حتّى بما كانت تفعله.
لرُبّما شعر بتقلُّبات الطاقة السحرية الغريبة، لكن لن يمكنه فعل شيئ.
لكن هناك شيئ ما ليس صحيحًا.
تسارعت أفكار ليون، بينما يشاهد القتال يصل إلى ذروته.
لو كانت تستطيع قراءة الأفكار و العواطف كما ترغب، لكانت كُلِّية القدرة، لن تحتاج لإحضار هذا العدد من الأشخاص لتأكيد نوايا ليون.
هذا يعني أنَّ هناك عيبًا يتساوى مع مقدار قوة عين البصيرة هذه.
“ على الأغلب، إنَّه يشبه نداء الكوابيس خاصّتي، فرق القوّة يؤثِّر على مدى ما تراه ”
“ لكن بما أنَّها قدرة السلالة، فهي لن تكون قاتلة كتقنية نداء الكوابيس، و التي هي تقنيّة شيطانيّة تحوي على مخاطر عديدة ”
الكل في الكل، هذه الفتاة لها مثل هذه القدرة، لكن لم أسمع بأي إساءة في إستخدامها.
“ عندما أتأكَّد من كونها كما أعتقد، فلن يكون من الضَّارِّ إستخدامها ”
راقب ليون الأميرة لوسيا بتوقُّعات عالية، بينما هي تشاهد المعركة الحاصلة بأعين إعجاب.
هذه الفتاة الطيبة، لم تدري أنَّه بسبب قدرتها التي تحميها دائمًا، فستدخل فوضة لم تتخيل حدوثها طوال حياتها.
يا لها من مسكينة ~.
تلاحم السيوف و الشرر.
هذا ما تسمعه الأذن و تراه العين.
لم تعد هذه مبارزة بسيطة، أصبحت معركة تشمل البيئة كاملة.
كاانج!! كاانج! كاانج!!
بااام!!
أصوات إصطدام الأجساد بالرّمال رنَّت عبر الأذان.
سحابات من الغبار كانت تتطاير.
كانت الفتاة سريعة كالثعبان و يتمايل سيفها كحركات السوط.
الفتى فرناندو كان قويًّا كالنمر، و خبيثًا كالثعلب.
ماذا عن ديو؟ لقد مزج و جمع كل ذلك معًا.
سيفه كان غريبًا.
لو قلت أنه سريع، فهو سريع، لو قلتَ أنَّه طاغي، فهو طاغي.
كما يتّخذ الماء شكل وعاءه، سيفه تغيّر مع تغيُّر حركات أعدائه.
لقد كانت كلمة واحدة تصف أسلوب المسايفة هذا.
مثالي.
وقفته ثابتة لا تتزعزع، يده التي تتأرجح بالسيف لم ترتجف أو تخطئ، ذهب السيف كما يريد تمامًا.
السيف كان إمتدادًا لجسدِه، جسدهُ كان إمتدادًا للسيف.
منظر رائع.
هذا المشهد لن ينساه أحدٌ هنا طوال حياته.
كان الأشخاص الثلاثة يلوّحون بسيوفهم.
واجه ديو الإثنان مع جعل قوّته أعلى بقليل من قوّتهما، مع ذلك، فقد واكبه الإثنان مع تعاونهما الضمني.
تحصل أشياءٌ كتلك في الحياة أحياناً، لم يحتج الناس الوقت فقط ليفهموا بعضهم، لقد كان للأمر علاقة بأسلوب التفكير و العيش في بعض الأوقات.
الكفاح و الكفاح.
هذان الإثنان عاشا حياتهما بتلك الطريقة، و شقَّا طريقهما مع تلك العقليّة.
سواء كان عدم اليقين أو العزلة، فقد كان الإثنان يعيشان بتلك الطريقة الوحيدة.
عدم اليقين، لقد واجه الفتى مثل هذه العاطفة يوميًّا.
لماذا كان مهووسًا بتقدير الأخرين له، لقد كان سببه نفس سبب هوسه بلقاء والدته.
إنه الخوف من الوحدة، و عدم وجود ما يتطلَّعُ إليه.
على عكس ما أظهر للأخرين، فقد كان خائفًا.
الفتاة كانت نفس الشيئ، في حياتها اليوميّة، لا تتذكر سوى فعلها نفس الشيئ الرتيب.
يومًا بعد يوم، لتبقى أخر شظايا أهلها في العالم، كافحت لدخول عالم السيف.
لقد كانت مهووسة بالسيف.
و هذا الهوس وسيلة للهروب من وحدتها.
كان للإثنان حياتهما الخاصّة، لكن شعروا ببعضهم البعض.
فتح ديو فمه، لكن هما فقط من سمع كلماته.
الناس الذين يمتلكون ظلامّا في فؤادهم، دائماً ما يكشفون بعضهم.
يعيش البعض وحيدًا، و الأخرون يعيشون معًا.
ذلك لا يبقى على حاله.
في بعض الأحيان سيعيش المرء في العزلة لفترة طويلة.
و في حينٍ أخرى سيعيش مع الأخرين لفترة طويلة.
تتقارب الجزر المعزولة و تتفرّق، بعضها يتدمَّر و تنشأ جُزُرٌ أخرى.
هكذا جرت الحياة.
و الأن، حان الوقت لتقارب جزر جديدة.
بشعرهما الأشقر المماثل، بدا الإثنان كالإخوة.
عندما يكاد يباغت ديو أحدهما، ترى الأخر يحميه على الفور.
كان الإثنان سندًا لبعضهما البعض.
لم يسع ديو سوى الإبتسام.
كانا ينموان معًا.
هذه هي علاقة المبارز.
و هي علاقة أخُوَّة لا تذبل بسهولة.
بينما يحاربهما في فوضى الشّاطئ، فتح ديو فمه.
صوته كان واضحًا للجميع.
“ في الواقع، أنا لم أسألكما أبداً، هل تريدان حمل السيف لغايةٍ ما؟ أو هل السيف هو سعيكما؟ ”
حمل السيف لغاية ما، أم هي رغبة خالصة في حملِ السيف؟.
كان للسؤال صدى عميق في القلب.
عدم اليقين، كانت هذه إجابة لطالما ملأت قلوب هذين الإثنين.
لكن الأن، كان صفاء الذهن في قلوبهما باديًا.
الفتاة، التي عاشت وحيدة طوال حياتها، نظرت للشاب ديو بطريقة لم تعتقد أنَّها ستراها في إنسانٍ حي مرَّة أخرى.
كان الشاب السياف غريبًا.
قطع كل شيئ.
هل مثل هذا الشيئ موجود في العالم؟.
لم تستطع الفتاة رؤيته.
هذا الهدف الذي لا يمكن بلوغه، لم تستطع الفتاة أن تشعر بإمكانيَّة حدوثه.
و مع ذلك، لماذا هو هكذا؟
اليقين بلا شكوك أو خوف.
كانت كلماته مِلئُها الثقة.
هذه هي طريقة عيش السَّيّاف.
إرفع سيفك بفخر، و لا تخفضه في مواجهة الشدائد.
سيفك لن يخذلك، سق بسيفك، و هو سيحميك.
عندما تملك روح السَّيّاف، لن تندم طالما تقاتل أبداً.
هذا فقط إذا بذلتَ كل جهدك.
كلمات كتاب والدها ومضت في ذهنها.
كانت هذه الكلمات هي أول ما كتبه والدها في أسلوب المسايفة الذي يملكه.
لقد أنشأ تقنيّة سيف.
و قد عمل بجد عليها، على أمل إكمالها يومًا ما.
كانت أخر حركة هي ما عجز عن إتقانها.
مات الرجل أثناء القتال، و هو يحميها مع أمِّها.
لقد كان فخورًا بما فعله.
و قد ورثت الفتاة تلك التقنيّة.
كان الفتى أمامها يذكرها بكلمات الكتاب الأولى.
روح السَّيّاف، لقد إفتقرت لتلك العزيمة.
“ أنا … على الأغلب، كنت سأنهي حياتي هنا ”
بدأت الحديث بإسهاب.
كلمات صادمة خرجت من فمها.
صدم الجمهور.
و توقّفت المعركة.
كانوا يريدون الحديث.
لكن الضغط على أجسادهم قد زاد، و منعهم من الحديث.
كافح الكثيرون ليبقوا على وعي، و لا يفقدوه.
“ لا يتجرَّأ أحدٌ على فتح فمه حتّى ”
سقطت كلماته الباردة على المكان.
صوته كان أكثر برودة من الجليد.
ليون، حدق فيهم بنية قتل غير مقيّدة.
هالته كانت مخيفة بالفعل، بعد أن أباح نيّة القتل لهم، تجمّد الجميع و جزعوا في أماكنهم من الخوف.
الرغبة في الحديث لم تعد موجودة.
الضغط القوي قد تمَّ تخفيفه، لكن ليس لدرجة حركة الشخص كما يريد.
لقد فقدوا الأمل في أن تنفذ طاقة ليون السحرية ليفُكَّ عنهم وِثاقَ هذا الحصار.
الفطرة السليمة لم تنطبق عليه.
هذا ما قرَّر الجميع هنا الوفاق بشأنه.
إنَّه وحش.
“ لا أعتقد أنَّ السبب هو اليأس، عُيونُكِ، إنَّها تحكي شيئًا أخر ”
وقف فرناندو في مكانه صامتًا.
كان ما قاله ديو صحيحًا.
هو بنفسه حاول الإنتحار.
هذه ليست عيون شخصٍ إستسلم عن الحياة و حاول إنهاء حياته بسبب ذلك.
شعر بالأمر غريزيًّا، ما يحدث اليوم سيغيّر حياتهما كاملة.
بعد تحليله للناس طوال حياته، عرف فرناندو الناس جيدًا.
ديو ليس محارب سيف قوي.
إنَّه سيَّافٌ حقيقي.
كان إتِّباعه قرارًا جذريًّا سيصبح نقطة مركزيّة في حياته.
حمل سيفه واقفًا بجانب الفتاة، كما لو كان يقدِّم الدَّعمَ بصمت.
“ السبب هو شيئٌ أعمق … هل ربَّما … قرَّرتِ ذلك منذ زمن بالفعل؟ ”
صمتت الفتاة.
كانت تشعر أنَّها سهلة الفهم للأخرين اليوم.
أم ربَّما كان ذلك بسبب أنَّ ليون و ديو أشخاصٌ مميّزون؟.
لقد فهمت لحدٍّ ما ديو، تلاحمهم بالسيف كان كافيًا ليفهموا بعضهم.
لكن ليون من كان غير مفهوم، لقد كان هذا الشخص لغزًا لا يمكن فهمه.
من صمتها، تأكَّد ديو أنَّه محق في كلامه.
“ لكن هذا ليس كُلَّ شيئ، أليس كذلك؟ ”
“ هناك سبب لقولك هذا ”
نعم، هو يستطيع قراءتها تماماً، كما فعلت مع ليون، تخلَّت الفتاة عن التفكير في الأمر.
“ سيفك، عندما رأيته … شعرت بعواطف لم أٓلفها قبل اللحظة ”
لقد كان سيفًا لم أره قبلاً.
“ كنت في حيرة من أمري، لا أعرف ماذا أفعل، لذلك قرَّرت أن أنهي حياتي طالما أصل للسيف الذي أصبوا إليه ”
كان هذا القرار قاسيًا و يتطلَّب الشجاعة.
لأول مرَّة، حكت الفتاة عن ما ذاقته في حياتها.
لم تعتقد أبداً أنَّها ستفعل ذلك.
“ سابقًا … كنت خائفة ”
هي ستقول كُلَّ شيئ.
هذا ما شعرت به، و ما أرادت أن تفعله الأن.
فجأة، تغيّرت البيئة.
كان هناك مجال غير مرئي يشوِّه الفضاء.
غطَّى هذا المجال الثلاثة منهم.
لم يكن للمجال أي تأثير عليهم، لكنَّه منع الأصوات الخارجيّة من الولوج إليهم.
حدَّق الثلاثة في ليون.
‘ هذا سيمنع الأذان المتطفِّلة، قوموا بدعوتي إلى وجبة لاحقًا إن أردتم شكري ’
قام ليون بإرسال صوته في أذهان الثلاثة، كما تحدث بهزليّة.
من حديثه، فهذا يعني أنَّ المجال يمنع الأصوات من الدخول، و يمنعها من الخروج.
‘ لا تقلقوا، لم يسمع أحدٌ شيئًا بعد ما قالته الشقيّة بشأن إنهاء حياتها ’
بعد قول هذا، صمت صوت ليون، و تركهم ليتحدَّثوا بأريحيَّة.
“ أمَّا الأن … أشعر بصفاء ذهني ”
فتحت فمها كما تحدّثت بلامبالاة.
لكن الإثنان منهما عرف ذلك.
كانت يدها ترتعش قليلاً.
ذلك أوضح مدى صعوبة الحديث عن الأمر لها.
لم يكن ذلك لأنَّه مؤلمٌ لها، بل ذلك لأنَّها أول مرَّة تحكي عن نفسها لأحدٍ أخر.
لم تعرف كيف تتفاعل مع الأمر، لذلك تحدَّثت بطريقتها المعتادة.
“ أعتقد أنَّ الأمر هو شيئٌ أخر الأن؟ ”
نظر إليها في عينيها كما تحدّث.
ديو كان دائماً على هذا النحو.
لقد كان كلامه شرسًا مثل عيونه.
“ لا أعرف لماذا، لكن أشعر أنَّني أعرف ماذا أريد ”
رحلة كفاحها و ما عاشته في حياتها، لقد حكت كُلَّ شيئ.
بالطبع، لم تحكي عن والدها و والدتها.
كان هناك ما لا يمكن قوله بسهولة.
هذا غريب، فقط غريب.
هذين الشَّخصين الذين إلتقتهما اليوم فقط، شعرت بالتقارب معهما.
كان ذلك غريبًا، هم لم يعرفوا إسمها حتّى، لكن إستمعوا إليها بحرص.
سواء كان بسبب الثقة، أو ربَّما لأنَّها لم تعد تحتمل الوحدة مرَّة أخرى، فقد تحدَّثت الفتاة بلا تردُّد.
كان غريبًا، و في نفس الوقت كان طبيعيًّا.
“ في الواقع … أنا مثلك، لقد كنت طوال حياتي أعيش بعزلة و وحدة ”
فتح فرناندو فمه.
لقد عاش الفتى حياته بلا رفقة أو شخصٍ يعتمِد عليه.
كانوا مختلفين بكل تأكيد، لكن تقاربهم كان نفسه.
الخوف من الوحدة و العزلة.
من حينٍ لأخر، كانت الفكرة تعبر رأسه.
أصدقاء.
كان هذا شيئٌ لا يملكه الفتى، و لم تملكه الفتاة.
لم يعرفوا ماذا يعني الصديق أو ما هي قيمته.
تمنَّوا أن يحصلوا على مثل هذا الشخص الذي يسمّى بصديق طوال حياتهم.
لكن العالم كان قاسيًا ببساطة.
هكذا عاشوا حياتهم.
راقب ديو الإثنان الواقفين بصمت.
بعد أن حكى كُلٌّ منهما حكايته، وقع الصمت على المكان.
لحسن الحظ أن ليون قام بإغلاق الأذان المتطفِّلة عنهم.
هذه القصص لم تكن شيئًا يُحكى بسهولة.
البشر يمكن أن يكونوا قساةً حقًّا.
سبب بؤس الناس كانوا أناسًا أخرين بقدر ما يمكن أن يكونوا سبب سعادتهم.
هكذا هي الحياة مع الأخرين.
“ لقد كنتم وحيدون لفترة طويلة ”
تحدَّث ديو ببطئ.
إقترب من الإثنان بهدوء.
كان هذا القتال يصل إلى نهايته.
بقي فكُّ العقدة عن قلوبهما لا غير.
لقد أعطى الفتاة سيفها.
لكن لم يأخذ سيفها، مازال يريدها أن تحمله.
واقفًا أمامهما، تأمَّل بصمت.
“ هل تعلمان؟ أنتم لم تعودوا كذلك ”
بمثل هذا البيان غير المتوقّع، إبتسم ديو بلطف.
“ … ماذا؟؟ ”
“ هاه؟ ”
كان الإثنان مرتبكان بطبيعة الحال.
كلماته كانت غير مفهومة.
“ لم تلاحظا؟ لقد بنيتما علاقة الأُخُوَّة بالفعل! ” ضحك ديو كما أجاب على شكوكهما: “ لقد قاتلتما معًا بنسق لا شائبة فيه، حتّى أنكم حميتم بعضكم بلا تردُّد، أكثر من أي شيئ، لماذا حكيتما عن أنفسكما بلا تردد لبعضكما؟ ”
كان كلامه صحيحًا.
في المقام الأول، لم يكن فرناندو سيحكي عن نفسه هكذا و بمنتهى السهولة، لكن شيئٌ ما في نفسه حثَّهُ على ذلك.
ليس هو فقط، حتّى الفتاة شعرت بالأمر.
شعرت الفتاة بعدم النفور من هذين الشابين، لسبب أو لأخر.
الثقة، و الراحة.
هذه عواطف جالت في قلوبهم بعد القتال و الحديث معًا.
“ هذا هو ما يسمّى بالصديق ”
“ … هذا كُلُّ شيئ؟ ”
“ نعم، هذا هو ”
“ فقط؟؟. ”
علامات الإستفهام في رؤوس الإثنين رفرفت.
“ … نعم؟ هذا هو فقط! في المقام الأول، لم تكن الصداقة معقّدة، مجرد أن تستطيع الإتِّكال على شخصٍ ما يمنح النفس الراحة ”
“ إنَّه شخصٌ تثق به، تدعمه و يدعمك، تحميه و يحميك، هذا هو ببساطة ”
“ لكن الأمر ليس سهلاً، منح الثقة في هذا العالم ليس سهلاً ”
“ على أي حال! ”
بعد النظر للأخرين لفترة، إلتفت للإثنين الواقفين.
“ أجيباني الأن! ”
كان سؤاله لا يزال بلا إجابة.
كما لو كان ينتظره للسؤال، أجاب فرناندو فورًا.
“ لقد كنت دائماً محتاراً بشأن ما أفعله في حياتي … لكن الإجابة تشكَّلت عندما تمَّ الكشف عن موهبتي ”
“ ما إعتقدته أسوء أيّام حياتي، في الواقع ربَّما يكون أفضلها ”
“ الشعور بسيفي … هذا هو ما أريده ”
كان في عينيه نفس التصميم الذي كان عنده طوال حياته.
لكن كان هناك فرق.
على عكس كل المرَّات السابقة، فقد كانت عيونه صافية.
كان هذا هو اليقين.
“ اومو، جيد، هذه الإجابة، أنقشها في قلبك، فهي ستدُلُّك عندما تضيع ”
أومأ ديو برأسه كما لو كانت كلماته مرضية.
إقتربت الفتاة بحرج من ديو.
لسببٍ ما، كان ما تريد قوله محرجًا لها، و لم ترد أن يسمعه أحدٌ سوى المعني بالأمر.
كما لو أنَّه فهم ما يحصل، مشى فرناندو بعيدًا.
“ سأترككما لتتحدَّثا بأريحيَّة ”
حتّى مع رحيل الفتى و بقائهما وحدهما، مازالت الفتاة قريبة من ديو، كما لو كانت تريد الهمس له.
لم تعرف كيف تتصرَّف، إعتدى عليها شعور بالإحراج فقط.
“ لقد عشت حياتي بلا يقين دائماً … ”
فتحت فمها بصعوبة، بينما تحدق لأسفل.
لم تستطع حمل نفسها على النظر في عيني ديو.
“ اااه … هل هذا صحيح؟ ”
لم يعرف هو بنفسه أين ينظر، لذلك حكَّ رأسه و نظر لأعلى، قبل أن تلتقي عيناه بليون.
كان لديه ميول للتراجع بسبب الإحراج.
‘ ماذا تفعل أيها الوغد! لا تبتعد عنها، سأشيح بنظر الجميع، لذات تصرف جيّدًا!! ’
‘ هاه!!؟ منذ متى صرت محبًّا للنصح أيها اللقيط؟! ’
‘ ما شأنك؟! إفعل ما قلته فقط! ’
بالطبع سأكون، حياتي منوطة بالأمر، من يهتم ما يحصل لها! لكن سأتلقّى العواقب لو لم ينجح ذلك الأحمق في إحلال العقدة من قلبها!
تذمّر في ذهنه كما لو كان يشتكي، لكن كلماته لم تصل لأحد.
كلن فرناندو يقف بجانب لويد الجالس، و الذي على ما يبدوا ينظر إلى ديو بنظرة غير سارَّة.
بااه! هذا الوغد…! أنظروا إليه و هو يتحدث مع فتاة محرجة، و يتصرف بخجل؟ هاه؟ تبًّا لك أيها اللعين!
شعر لويد بالخيانة لرؤية رفيق الكفاح الخاص به يتحدث مع فتاة، بينما هو جالس مع ذكر.
سقط الدموع من عينيه.
الحياة ليست عادلة.
طقطقة.
طقطق ليون أصابعه و أصبح المجال المُشوِّه للفضاء أكثر ضبابيّة.
الشخصان داخله أصبحا غير مرئيين على الفور.
الأن، لا الأذن تسمع، و لا العين تبصر.
“ اممم ” الفتاة، إستجابة لكلام ديو، أومأت برأسها و هو لأسفل.
“ لكن أنت معاكس لي تماماً، دعني أسأل مرَّة واحدة، أرجوك أجبني بصدق ”
بعد الوقوف لفترة، رفعت الفتاة رأسها.
كانت وجوههم قريبة جدًّا.
كان ديو أطول من الفتاة، لذلك نظر إلى الأسفل، بينما الفتاة نظرت لأعلى، لكن لم ينفي ذلك مدى قربهما.
كانوا بشكلٍ حرفي على بعدِ بضع بوصات عن بعضهم البعض.
وجهها كان أحمرًا كغروب الشمس.
هل كان ذلك صدفة، أو عن عمد؟ بدأت الرياح ترفرف بشعر الفتاة.
عيونها الميتة سابقًا كانت صافية.
جميلة.
لم يرى ديو فتاةً أجمل من هذه الفتاة في حياته.
في عينه، هو لم يرى شخصًا أجمل منها.
سواء كان شعرها الأشقر الذهبي.
سواء كانت أعين الكرستال الحمراء الخاصة بها.
أو حتّى وجهها المشوّب بالإحمرار، كان كل شيئٍ فيها جميلاً.
كان يشعر بالحرج حقًّا.
هل كان في موقف كهذا من قبل؟
بكل تأكيد لم يحصل!
هو كان سيَّافًا طوال حياته، و لم يكن مهتمًّا بالنساء.
ماذا لو كان قد إختبر تجارب الحياة و أصبح حكيمًا و ناضجًا جداً بالنسبة لعمره؟
كان لا يزال شابًا في مقتبل العمر!
على عكس ليون، هو لا يزال ذو دمٍ حار!
“ اللعنة …! أشعر أنَّ أحداً ما يشمت بي الأن … ”
شعر ليون بالقشعريرة و إلتفت يمينًا و يساراً.
ضحكت لوسيا في موقفه، كان هذا الشاب مضحكًا.
هي الأن متأكدة.
“ هو لا ينوي شرًّا للأكاديمية ”
كان سبب ما فعلته هو أن تقيس نوايا هذا الشاب.
بعد رؤية موقفه تجاه حلفائه و عدم إيذائه للأخرين بشكلٍ قاطع، فهو لم يسعى للطغيان على الطلاب.
هي موهوبة جداً في الملاحظة، لذلك لاحظت الإصابات على أجساد الطلاب،لم يحصل لهم أي شيئ يمكن ذكره كإصابة.
الفتى ضخم البنية بادر في الهجوم، لذلك يعتبر ما فعله في المقابل دفاعاً عن النفس، رغم كونه قد بالغ في ذلك.
بالطبع، هي لن تعتبره طيبًا، كانت تصرفاته سادية إلى حدٍّ كبير.
لكن هذا ليس كل شيئ، هو لم يهجم على أحد تعسُّفيًّا.
ناهيك عن أنَّه كان يقوم بستر الذين كان يشاهدهم الجمهور لكي لا يشاهدوا أو يسمعوا ما يحدث.
هو طيب مع رفاقه، بحسب ما تعتقد هي.
كل ما فعلته هي نابع عن خوفها على الطلبة الأخرين، لو كان أحد الشباب ذوي عائلة مرموقة و يخطط للطغيان لكانت مشكلة، لكن لا يبدوا ذلك.
لم تكن تخطط للمكر أو أي شيئ، كانت فقط طبيعتها الطيبة هي ما قادها لِلَّحاق به.
هذا هو فقط.
“ … تفضلي ” فتح ديو فمه بهدوء لتهدئة نفسه.
أراد تجنُّب أعينها الصافية، لكن شعر أنَّ هذه إهانة لعزم الفتاة، لذلك بقي يحدق بها.
وقعت البيئة في صمت.
مهما طال الصمت، لم تبتعد الفتاة، و جمعت أفكارها.
“ لماذا أنت واثق جداً من سيفك، ألا تراودك الشكوك أنك قد تعيش في عزلة يومًا ما؟ ”
“ … ألست خائفًا؟ ”
كانت كلماتها مقتضبة، لكن خرجت بصعوبة.
بحسب إجابته، كانت العقدة في قلبها ستنفك أو ستصبح متشابكة أكثر.
“ خائف؟ بالطبع أنا كذلك! ” ضحك ديو من سؤالها ببساطة.
كانت إستجابته مختلفة عن ما إعتقدته الفتاة.
كانت تتوقع شيئًا على غرار: أنا لست كذلك! الخوف شيئٌ غبي! أو شيئٌ مشابه.
لكنه إعترف بسهولة أنَّه خائف.
بالطبع لم تفهم الفتاة على الفور.
هكذا هو الطموح.
كان هذا شيئًا سيمر به الجميع يومًا ما.
عندما يسعى الناس لشيئٍ ما، كانوا يخافون من اليأس و عواطف القلق و الحزن النَّاشئة من ذلك الطموح.
السعي لما يمكن تحقيقه بيقين يجلب الراحة للنفس.
هذا هو الرَّأي السائد في العالم.
لكن ذلك ليس كل شيئ.
لا يمكن الحكم على الأشياء بنظرة أحاديّة.
الحياة معقدة و صعبة للبعض.
و الحياة بسيطة و سهلة للبعض الأخر.
هل كانت القدرة أو الحظ هو ما شكَّل الفرق؟
هذه رؤية خاطئة تمامًا.
كان الأمر منوطًا بكيف نرى الحياة نفسها، كيف نرى الأخرين، و كيف نرى أنفسنا.
لا توجد حياةٌ صعبة، فقط من يراها صعبة موجود.
لا توجد حياةٌ سهلة، فقط من يراها كذلك موجود.
“ أليس الأمر مخيفًا؟ العيش بقلق و عدم يقين حول ما يفعله المرء، هل سيحقق هدفي يومًا ما؟ هل سأموت قبل أن تشهده عيني؟ ماذا لو حققته، ماذا بعد؟ ”
“ هذه الأسئلة ستصبح أشياء يومية يجب على المرء التعامل معها عندما يملك هدفًا، الأمر يصبح واضحًا أكثر كلما كان الطموح أكبر ”
“ أنت تقول مثل هذه الأشياء المحبطة لكن … لماذا تبدوا سعيدًا؟ ”
هو غير مفهوم.
هذا السَّيّاف الشاب، كانت تصرُّفاته غريبة.
له من عتيِّ القوّة ما يهُّزُّ العالم، لكن لا يتفاخر.
بمثل هذه الموهبة، لا توجد شكوك أنَّه سيصبح الأفضل في العالم.
كان هذا مؤكدًا تماماً.
لكن كان سعيه شيئًا محطِّمًا للفؤاد، فهو غير مؤكد.
سعى الناس طوال حياتهم لليقين.
لو كان شخصًا أخر، كان سيمشي للمسار المتوقع للأحداث، و يستمتع بملذَّة كونه الأفضل.
لكن هذا الشخص …
كان يسعى للعكس.
“ هل كان ذلك واضحًا؟ ”
إبتسم بشراسة كما كانت عيناه.
إقترب وجهه من الفتاة، حتّى كادت تتلامس وجوههم.
على الرجل فعل ما على الرجل فعله!
لا وقت للشعور بالآحراج!
“ أنا خائف من أن لا أحقق طموحي، هذه حقيقة، هل تعلمين حقيقة قاسية أخرى؟ هذا الخوف سيلازمني دائماً، طالما أنا حيٌّ أُرزق، فهذا هو ”
تلاقت الأعين.
أعين الفتاة كانت صافية كما لم تكن من قبل.
التساؤل فقط ما بقي.
ليس الخوف أو القلق، فقط الفضول.
عينا الفتى الشاب كانت كما هي دائماً.
شرسة، لا قلق أو مخاوف، لقد كانت حادَّة.
أعينه بدت حادة كالسيف.
“ مع ذلك، هل تعتقدين أنكِ ستمضين قُدُمًا بدون مثل هذا الشعور؟ ”
“ … بدون هذا الشعور؟ لا يمكنني المضِيُّ قُدُمًا؟ ”
أليس الإنسان بحاجة للدافع للقيام بشيئٍ ما؟
تقول لي أنَّ الخوف الذي يهرب منه الجميع هو الدافع؟
كيف هذا؟
لم تدحض الفتاة كلماته، و لم ترد ذلك، أرادت فقط سماع ما عنده.
“ الصخرة تتجمَّع عليها الطحالب لأنَّها ثابتة، تتحلَّل الجثث لأنها قابعة في مكانها ”
“ مهما كانت روعة المرء و مدى مواهبه أو ثقته، لو عاش في رخاء فهو بنفسه سيتراخى، هذه هي سموم العيش بيقين ”
“ لن يقبل الجميع هذه الحقيقة، الخوف و الإحباط هو ما يُحرِّك المرء بشكلٍ أسرع، في واقع الأمر ”
“ هل لهذا أنت …؟ ”
“ نعم ”
أجاب بشكلٍ قاطع.
نظرت إليه الفتاة لفترة، قبل أن تنزل رأسها.
حرّكت الفتاة يديها ببطئ.
عناق.
لماذا، كيف، متى.
لم يسأل الفتى شيئًا.
بقي واقفًا معها فقط.
عانقته الفتاة.
هي بنفسها لا تعرف لماذا، لقد أرادت فقط ذلك.
لم يدفعها بعيدًا.
لقد تركها تفعل ما تشاء بتلك البساطة.
دفنت الفتاة رأسها في صدر الفتى.
كان جسده يشعرها بنفس ما شعرت به من سيفه.
لقد كان يشعرها بالأمان.
“ كما تعتقدين، أنا سعيدٌ لأنَّني خائف ”
“ إنَّ ذلك يعني أنَّني لست خاملاً، طالما هذا الخوف و عدم اليقين يلاحقني ”
“ هذا ببساطة معناه أنَّ الطريق لم ينتهي بعد ”
“ لهذا لستُ متردِّدًا، حالما تركت شكوكي و قطعتها بدلاً من الهروب أو قمعها، إرتاح قلبي ”
“ القبول هو مفتاح البصيرة. ”
الفتى تحدَّث عن ما جال في خاطره.
“ هل كانت إجابتي مرضية؟. ”
للإجابة على كلامه، زادت الفتاة من عانقها، و دفنت رأسها أعمق في صدره.
كانت متعبة تماماً.
“ أنا … لا أعرف ماذا أريد فعله في حياتي ”
“ لطالما تظاهرت بأنَّ الأمر لا يهُمُّني، لكن ذلك عاد لعضي في النهاية ”
لقد تأٓكل فؤادها ببطئ منذ صغرها بلا أن تشعر.
كانت لامبالية دائماً، لكن عدم المبالاة تلك نهشتها من غير إدراك منها.
عندما لا تبالي بمَشَاكِلِك، فهذا لا يعني أنَّها ستختفي.
إنَّك فقط تدفنها بعمق داخلك.
لم يتِمَّ حلُّ أيِّ شيئ، المشكلة مازالت باقية.
الطريقة الوحيدة لِلإعتِياد على العزلة هو قبولها كحقيقة لا مفرَّ منها.
وفاة والدتها و والدها، لقد كانت دائماً حزينة على الأمر.
لكن ماذا يمكنها فعله؟ لم تكن سوى فتاةٍ صغيرة.
كان قبول وفاة أهلها كثيراً عليها لتحمُّله وحدها، و هكذا، أغلقت الفتاة عواطفها.
أو هكذا ظنَّت.
أيدي دافئة عانقت جسدها البارد.
كان الشتاء لا يزال حاضرًا.
بما أنَّ المكان بجانب البحر، فقد كانت البرودة أعلى من الأماكن الأخرى.
“ هكذا هي الحياة دومًا، يجب علينا المضي قُدُمًا مهما حصل، هكذا ينموا الإنسان ”
طمئنها الفتى بعناق.
لم يعرف كيف يتصرَّف، لقد قام فقط بما يتبادر لذهنه.
العناق هو وسيلة فعَّالة لتهدئة الأخرين.
ذلك ساعدها على الهدوء قليلاً.
“ بعد أن أريتني سيفك … لقد جال الأمر في ذهني ”
“ لقد حقَّقت أخيراً هدف حياتي، لم تعد هناك أعباء أحملها ”
الحركة الأخيرة في تقنية سيف والدها، لقد قامت بإتقانها.
كانت حركة بسيطة، لكن إفتقرت دائماً لشيئٍ ما.
اليوم، لقد عرفت ما هو النُّقصان.
كانت الحركة تفتقر للأساس.
الرجوع للأصل، بدلاً من بهرجة الحركات الأخرى، كان يجب على المرء أن يكون صادقًا مع طبيعته، و يُسائل نفسه.
لم يعد هناك سببٌ للعيش الأن.
يمكنها الراحة أخيراً.
لكن ذلك ترك فراغًا عميقًا في قلبها.
ملأها الشعور بالوحدة.
كان يمكنها التخلي عن حياتها الأن.
لم يترك جسدها ديو مهما أرادت.
لقد تشبَّثت به بقوَّة.
رد الفتى عناقها لا غير.
هذه هي معركتها الخاصّة، و لا يمكن لأحدٍ إنقاذها سوى نفسها.
الفتاة التي فقدت أبويها.
مهووسة السيف.
المكافحة مع سيفها.
و.
الفتاة التي عاشت وحيدة.
هكذا كيف لخّصت حياتها المأساويّة.
هل ستنتهي هنا؟.
حتّى لو بقيت حيّة، ماذا يمكنها فعله بعد هذا؟
لم تكن تعرف، هذه الفتاة ضائعة بشأن كيف تعيش.
“ ماذا بعد؟ من أجل ماذا يمكنني العيش؟ أنا لا أدري … أنا بصراحة لا أعرف … ”
كان صوتُهَا ضعيفًا.
الفتاة خائفة، هذا ما بدا من صوتِهَا.
“ ما هو إسمك؟ أنا إسمي هو ديو أنتاريوس، دورك ”
تربيتة.
مدَّ الفتى يده، و كشكش شعرها النَّاعم بهدوء.
وقف معانقًا لها، يربِّتُ شعرها لبطف.
سأل ديو سؤالاً كان يجب أن يسأله قبل أيِّ شيئ، لكنَّه قاله في نهاية الحديث.
نعم … هو لا يعرف معاملة النساء في الحديث جيداً.
على أيِّ حال!
“ تشاي … تشاي نايون ” [1]
همست الفتاة بإسمها بهدوء.
“ إسمكِ جميل، إذا كنتُ أذكر، فهو يعني النجمة الصغيرة؟ يناسبك حقًّا ”
“ آممم ”
أومأت برأسها في حضنه، كانت الأن تشعر بالخجل.
نعم، فقط لأنَّه مدح إسمها، شعرت بالخجل.
هذه الفتاة … إنَّها ميؤوسٌ منها.
لقد تشابه الإثنان حقًّا بطريقةٍ ما.
بقي الإثنان في صمتٍ مريح.
كان الهدوء و السكينة هو ما ملأ العالم حولهما.
الأصوات في الخارج لا تصل إلى هنا.
فقط الصمت ما سيطر على المكان.
“ تشاي نايون، هل قرّرتِ ما تريدين بعدها؟ أم أنتِ مرتبكة؟ ”
العقدة في قلبها تمَّ حلُّها، كما لو كان عن عمد، سألها ديو بمهارة.
“ أعتقد هذا … ”
لأول مرَّة منذ سنوات، إبتسمت الفتاة.
“ آاااه … هل ستقولين ما هو أم … ”
مرتبكًا من إستجابتها، تحدث ديو بعدم يقين.
“ أريدك معي ”
“ …… هاه؟ ”
الأن، ماذا قالت؟
معها ……
هذا ما قالته، صحيح؟
صحيح؟؟
“ ا-الأن … ماذا قلتي؟؟؟ ”
“ سيفك، كيف سينتهي مسار سيفك، كيف ستكون رحلتك، أنا أريد أن أراها ”
كما لو كانت غير مرتبكة، تحدّثت الفتاة بصوتٍ واضح.
لقد عاشت حياتها في عدم يقين، و الأن، ستعيش في عدم يقينٍ أخر.
من هدف، إلى هدفٍ أخر.
ما يدفع المرء للمضي قُدُمًا هو عدم اليقين.
هذا ما قاله لها ديو، لقد أرادت فهم ذلك بنفسها.
“ أريدك أن تكون معي، أريد أن تكون مرشدي في حياتي ”
“ المعنى الجديد لحياتي … أريدك أن تكون معنى حياتي و هدفي ”
“ أريد أن تكون دائماً أمامي ”
كسيّاف، و كشخص.
أنا أريد أن تكون هناك من أجلي.
“ هذا … يا له من إزعاج ”
تنهّد ديو بهدوء، و شدّد على عناقه للفتاة.
بقي الإثنان هكذا، حتّى فقدت الفتاة الوعي في أحضان الفتى.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1]: تشاي: تعني هذه الكلمة صغيرة/ نايون: نجمة.
و من هنا، أتى إسم تشاي نايون، أي النجمة الصغيرة.
كان ديو يقصد أنَّ إسمها يناسبها لأنها كانت بالنسبة له مضيئة كالنجمة التي هي عليها، لذلك أحسّت تشاي نايون بالخجل.