الفصل 18: إمتحانات تحديد الفئة داخل الأكادِيمِيَّة (3)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
في شاطئ الساحل الشرقي، رقص الفتى أحمر العينين عبر الرمال.
في تحركاته العديدة، كانت حُبَيبَاتُ الرَّمل تلاحقه و تطفو في الهواء.
أمام أعين الجميع، كان يمشي عبر الأنحاء و يدندن.
توقَّفت أقدامه أمام جميلة ذات أعيُنٍ ذهبية.
فجأة، دار بجسده و أمسك بالأميرة لوسيا من خصرها.
“ … هاه؟؟ ”
أمسك بيديها بحركة إحترافيِّة قبل أن يتحرَّكُ بها، الأميرة قد ساير جسدها غريزيًّا حركاته.
صدمة.
كانت الحشود فاتحةً لأعينها، و الفم على مِصراعيه كالبوَّابة.
متجاهِلاً البيئة، أكمل ليون رقصته مع الأميرة، الرمال المتطايرة بدأت تتَّخذ شكلاً.
[ … ما معنى هذا؟ لم بدأت فجأة بإمساكي و الرَّقص؟]
[ سمعت أنَّ على المرء لأداء الرقصة تمامًا، هو إيجاد شريك، بما أنَّكِ الوحيدة غير الخائفة هنا، فقد كنتِ الأنسب لِلدَّور]
كان وجه الأميرة يُظهِرُ الحيرة، غير مُتدارِكةً لِلمَعنَى مِن كلمات ليون.
أليس ذلك شيئًا واضِحًا و معروفًا؟
هناك أنواعٌ قليلة من الرقصات التي يُديرُها المرء بمفرده، معظم الرقصات كان يقوم بها الأزواج.
رغم ذلك، قال أنَّه سمع ذلك، كما لو كان غير متدارك للمعرفة الشائعة.
ناهيك عن أي شيئٍ أخر، رقصته في البداية، و التي كانت رثَّة، تناقضت مع ما يقوم به الأن، كما لو كان على دِراية بما يفعله.
[ لا تقل لي … هل هذه أول مرَّة ترقص فيها؟]
[ لا، ليس كذلك]
[ إذاً ما هو مع مصطلحاتك الغامضة؟ كما لو كنت غير مدرك لما يقوم عليه الرقص …]
[ إنَّها ثاني مرَّة، في الواقع]
بينما كان يتحدَّث معها بالتخاطر، إبتسم ليون برقّة.
[ ماذا؟ مستحيل …؟]
ثاني مرَّة يرقص فيها؟ هذا غير معقول!
هل لديه موهبة للرقص أم ماذا؟؟
لم يكذب ليون، لكن لم يكن ذلك كل شيئ.
كم عدد الذين إستخدم عليهم نداء الكوابيس في حياته؟ لم يكن هناك رقمٌ مُحدَّد في ذهنه.
كان فقط من المؤكَّد أنَّه تَعلَّم الكثير من تجاربهم.
الكثير لدرجة أنَّ حياةً واحدة لن تكفي لعدِّهم.
وقف العديد يشاهدون شابًّا و فتاة يرقصان عبر الشاطئ.
في أعين الأخرين، هذا المنظر لم يكن جميلاً، ليس و حتّى قليلاً.
الأسباب كانت نفسها، فقط الشخص مختلف.
إختارها لترقص معه بدلاً مِنهُنَّ.
سرق منهم رقصتهم الأولى معها.
الذكور و الإناث، شعروا بالإنجذاب أكثر نحو إقتراح ليون المفاجئ، بالطبع، السبب لم يكن تمامًا كما قال.
الغيرة.
عاطفة تصيبك لرغبتك في حدوث موقفٍ ما، لكن يحصل مع غيرك.
عندما تريد إستمالة عواطفِ شخصٍ ما، لكن يحصل عليها واحدٌ أخر بدلاً منك.
أذكر العديد من المواقف و لن تنتهي أبداً من ذِكرِهِم.
كانت هذه العاطفة الأن تطغى على خوفهم السابق.
لم يسعهم سوى إنتظار إنتهاء ليون من رقصته بفارغ الصبر.
محاولة إزعاجه أو الشكوة؟
لقد كانوا شُبَّانًا، ليس أغبياء!
من الواضح ما بحاصل إذا أزعجه أحد.
لم يكن نبيلاً من عائلة معروفة.
لم يكن يحوز من الشهرة ما جعل إسمه مسموعًا في أعالي الأرض و بِقاعها.
غير معروف، مجهول أتى فجأة.
لم يكتفي بإظهار عتِيِّ قواه فقط.
ها هو الأن، أمام أعين الجميع السَّاهِرة، يقوم بِأداء رقصة مع أميرة مملكة كايرو.
“ لنعلن خاتمة مسرحيّتنا اليوم، هلَّا فعلنا؟ ”
كما قال ذلك، قام بتدوير الأميرة بيدها قبل أن يمسك بخصرها.
نزل جسد الأميرة للوراء كما لو كانت تسقج، قبل أن تمسكها يد ليون، من يدها و خصرها.
كانت هذه الحركة تعني شيئًا واحدًا.
الرَّقصة قد إنتهت.
الرِّمال بدأت تتشكّل فوق ليون.
كانت أحرف منفردة، تنصهر معًا في هيئة كلمات.
بعد أن أنهى رقصه، ترك الأميرة بلباقة و قام بتقديم شكره كرَجُلٍ نبيل.
كانت صورته رائعة الأن.
قبل أن يضع يده في أنفه و يَحُكَّه.
من المضحك كيف يمكن لحركة واحدة أن تدمِّر صورة المرء في أعين شخصٍ ما.
هزَّت الأميرة رأسها في خيبة، كما لو أنَّ رأسها بدء يؤلمها.
هل إستمتعت بالرقص؟ الجواب كان غير معروف.
على الأقل، هي لم تكره ذلك.
راقب الجميع الكلمات و هي تتشَكَّل، في صورة بطيئة، أصبحت الكلمات واضحة.
“ هل تقبلون التَّحدِّي؟ هيهي، صورتكم في عيني أصبحت أجمل فجأة! ”
ضحك ليون كما لو كان يستمتع.
[{ هنا و الأن، إذا إستطاع أحدٌ ما لمسي، و لو كانت الملابس، فسأسلِّم نفسي له}]
كلمات معلَّقة في الهواء.
كان فحواها واضحًا و بسيطًا.
“ لا داعي للقلق، كل ما سأفعله هو تجنُّبكم، لو لمستكم بنفسي، ألن يعتبر ذلك فوزٌ لكم؟ ”
برؤية مظهرهم المتردِّد للحظات، أجاب على شكوكهم.
أطلق العديد الصَّعداء، من المُطَمئِنِ عدم فعله لشيئ كالضرب.
كان ذلك خوفهم الأكبر.
“ليس ذلك فقط!” ظهر بريق من المتعة في عينيه، كما ضحك: “ سأجيب على ثلاثة أسئلة يطرحها علي الفائز، و سَأَعِد بتقديم خدمة واحدة لذلك الشخص، مهما كانت! ”
صوته كان مُدوِّي و يمزِّق الهواء.
ضربة في منتصف الهدف.
تغيَّر الهواء في لحظة.
سواء كانوا ذكورًا أم إناثًا، نبيلاً أم عامِّيًا.
ظهر الجشع في أعينهم.
“الأميرة … أزيلي هذه النظرة من عينيكِ! هذا مخيف!”
بينما يتجنَّب لوسيا بخفة، صرخ ليون كما لو كان في ذعر.
للأسف، مظهره لم يخدع أحد.
لمعت أعين الأميرة، الإجابة على ثلاثة أسئلة.
حتّى الفتيات وضعن أعينهم الجشعة على ليون.
القيام بخدمة واحدة … مهما كانت.
الحصول على خدمة من شخصٍ وسيم و قوي و موهوب، ناهيك عن كونه شرسًا … هل كان ذلك حلمًا؟
سواء كان لإرضاء رغبات الفتيات.
سواء كان لجعله يجيب على شكوك الأميرة.
سواء للهروب من هنا.
أو حتّى من أجل إستلام مكافأة الإمساك به، و الحصول على الشرف.
كان يجب الفوز!!
“ أمسكوه! حتى لو كانت لمسة واحدة! حتى تلامس الشعر يكفي! قوموا بإمساكه!! ”
معركة أخيرة بدأت بالتَّكشُّف.
معركة غير مسبوقة.
هؤلاء الأوغاد؟ ألم يكونوا كالخِرَافِ تنتظر الذبح قبل لحظات؟
نظر إليه ليون بنظرة مرتبكة قليلاً، عرف أنَّهم سيكونون متحمِّسين بعض الشَّيء، لكن ليس لهذه الدَّرجة.
لم يكن مهمًّا، الأهم أن النتائج كانت جيدة.
ــــــــــــــــــــــــ
ــــــــــــــــــــــــ
بينما يجرون بأقصى سرعة، توجّه الأستاذ ديوس و من معه نحو الساحل الشرقي.
كانت الأجواء صامتة.
كان للجميع نواياهم الخاصَّة بعين الإعتبار، لذلك لم تكن هناك حاجة خاصَّة للحديث.
كانوا منغمسين في أفكارهم، في محاولة لمعالجة المعلومات التي تلقَّوها للتَّو.
شيطان طاغية، لا يرحم و لا يُضاهى.
كان من السخيف تخيل ذلك حتّى.
خمسون شخصًا ضِدَّ شخصٍ واحد.
من البديهي أن يخسر.
لنفترض على سبيل المثال أنَّه عبقري و فاز، هل سيطغى عليهم بفارقٍ كبير؟
لنقل بعد قبول الغير معقول، نعم، هل سيقوم بذلك بسهولة؟ بالذات عندما تكون هناك شخصِيَّاتٌ بارزة؟
هل كان سيُسلِّمُ نفسه و يتلقّى التَّوبيخ فقط، أم يقاتلهم؟
كان من غير المُرَجَّح.
رغم ذلك، حدث ما كان مستحيلاً.
لم يكتفي بالهروب بسهولة، هل فعل؟
لا، لا، لقد كان كالطَّاغية لا يرحم.
الخمسون طَالِبًا، بما في ذلك الأميرة لوسيا، إدوارد هارڤي و شين سو، قام بسحقهم أجمعين.
قُوَّة غريبة كالمغناطيس تدفعهم نحو الأرض و الخضوع، سرعة جسدية غير بشريّة، شخصية لا ترحم حتّى النِّساء.
ناهيك عن كل شيئ، لم يضع إعتبارًا لأحد، و لا حتّى لأميرة مملكة كايرو.
الطالب الهارب ما زال يَرجُف، كُلَّمَا تذكّر نية القتل تلك، ضعر بدمه يجف، و نفسه يصبح أثقل.
تجربة مريعة لا يرغب بتكرارها.
شعر الأساتذة بالقلق.
لم يعرفوا أنَّ القضِيَّة ستتصاعد لهذه الدرجة.
مع تدخل الأميرة، بحسب كيف يتعاملون معها، ستكون إمَّا كبيرة أو صغيرة.
كانت الآمآل تتَّجِه نحو أن تكون صغيرة.
مع مثل هذه الأفكار القلقة، زادوا من سرعتهم بلا وعي.
راقب فايرون ردود فعلهم بينما كان يضحك بسخرية بعض الشَّيئ.
مِن ما سَمعه، يبدوا أنَّ ما فعله ليون في حدود المعقول.
‘كنتُ أتوقَّع شيئًا على غرار الإنفجارات و نَسفِ البيئة’
لكن لم يحصل شيئٌ بعد؟ هل فَعَلَ ما يكفي بِالفِعل؟
“ همم، يبدوا مِثله تمامًا، لكن هذا … ”
“ ألطف من المعتاد ”
كما قال فايرون شيئًا ما، قاطعه لوكي بإبتسامة.
“ لا تقاطعني أيها الوغد! ”
“ إحزِر ماذا؟ لقد فعلتُ ذلك، هل لديك مشكلة مع هذا؟ ”
“ هاه؟ هل تسعى لقتال؟ ”
“ أقبِل كما تريد! ”
“ وغدٌ أبيض الشَّعر! ”
“ أسكت يا عين القِطَّة! ”
“ سيدي الشَّاب، أممم … ”
بينما كان الإثنان يتجادلان، إقترب شخصٌ منهما.
كان شعرها الأبيض ناصعًا كبياض الثلج.
بشرتها الصافية ذكَّرت المرء بِالنَّقاوة.
مع ذلك، أكثر الصفات لفتًا للإنتباه هي العيون، و التي بدت كالمجرَّة.
تداخل الأزرق و البنفسجي في عينيها، مُشَكِّلَينِ مجالاً فريدًا.
تلمع الأعين كالأحجار الكريمة في منتصف اللَّيل.
سمةٌ كانت فريدة.
لم يسع لوكي سِوى تذكُّرِها حالما رأتها عيناه.
الإبنة الوحيدة لرئيس عائلة كرونوس.
العائلة التي إحتكرت بلا منازع لقب النِّقابة التِجارِيَّة الأولى عبر مملكة كايرو و نانمان.
رغم التنافس الشديد بين الدولتين، لم تكن تلك النزاعات سوى مصدر دخل للتُّجَّار.
بطبيعة الحال، للتوسط بين الدولتين و لا يتداخلوا في الحروب، كان هناك نقابات تجارية تمثل الدولتين.
حتّى مع ذلك، بدون أن يكونوا تحت سلطة و إمرةِ أحد، وقفوا وحيدون في القِمَّة.
إحتكرت نقابة كرونوس التجارية مكانًا يُخوِّلها بناء جيشٍ خاصٍّ بها لو تمَّ دفعهم بشدَّة.
عبقرية القلم و السيف.
سواء كان السحر، سواء كانت الدراسات العنصرية أو الخيمياء.
القتال و الحديث.
أكان ذلك بشأنِ إدارة العلاقات الخارجية و المتوترة أو التلاعب بالسوق.
يمكن أن تكون طيبة، يمكن أن تكون قاسية.
العدو أو الحليف.
كل ذلك يتوقَّفُ على تصرُّفاتِك.
كانت تلك هي الفتاة المُسمَّاة، ليليث كرونوس.
لم يكن هناك تقريبًا من لم يعرفها في القارَّة جمعاء.
تلك الفتاة الأن، كانت تتحدَّث مع لوكي، بنبرة صوتها الهادئة و اللطيفة كما فعلت مع ليون أول مرَّة.
“ لوكي، فقط لوكي ”
ردَّ لوكي بنبرته الباردة المعتادة.
“ سيدي الشَّاب لوكي، لدي بعض الأسئلة، لو سمحت لي بسؤال حضرتك؟ ”
متجاهلةً نبرته الباردة، أكملت حديثها بإبتسامة.
‘ لماذا لدي شعور بالألم في المعدة؟ ’
ذلك يذكِّرني فقط بالوغد ليون … هذا مخيف.
بعد سماع صوتها اللطيف، المتناقض مع عيونها الجوفاء، شعر لوكي بشعورٍ مألوف.
لم يكن الوحيد في الواقع.
“ أشعر بشعورٍ غير سَارَّ فجأة ”
“ لست الوحيد يا فاير ”
“ نفس الشَّيئ معك، يا لوك؟ ”
“ فاير ”
“ لوك ”
بمراقبتها جدالهما، لم تقاطعهما ليليث، لقد بقيت تنظر إليهم فقط.
“ آحِم! على أي حال! أقبِلي و سَلِي، نجلة عائلة كرونوس ” [4]
“ السيد الشاب ليون … أيُّ نوعٍ من الأشخاص هو؟ ”
أولاً قبل الجميع، كان هذا السؤال يجول في الذِّهن.
لذلك هذا هو أول شيئٍ قامت بطرحه.
من يكون ليون إيڤينيوس؟ أي نوعٍ من الأشخاص قد يكون؟
“ كنت أتوقَّع ذلك قليلاً نظرًا لمعرفتي به لكن … هل تواصلتما معًا في السفينة؟ ”
“ ليس بالضبط … يمكنك قول هذا ”
“ أي نوعٍ من الأشخاص يكون ليون … هممم، هناك كلماتٌ كثيرة تعبر عنه، ما رأيك يا فاير؟ ”
“ وغد، حقير، خسيس، أحمق، عنيف، وغد أبله … هل قلت وغد؟ حسنًا هو وغدٌ أكثر من الأوغاد ”
“ قصير، قصير و قصير ”
“ عديم الإحساس! ”
“ بلا ضمير! رُبَّما ليس مخلوقًا أرضيًّا، بل فضائي! ”
“ محتملٌ جِدًّا! ”
إنغمس الإثنان في شتائمهما و تناسوا العالم.
كان من المضحك كيف يمكن لأفضل صديقٍ لك أن يكون أسوء عدو.
“ آممم … يبدوا أنَّه ليس مختلفًا كثيراً عن ما رأيته في السفينة أو قصة الطالب هناك، لكن هذا ليس ما أسأل عنه ”
قاطع الإثنان صوتٌ هادئ، بدل الإرتباك، سألت لُبَّ ما تريده.
“ أيُّ نوعٍ من الأشخاص يكون هو بحق، لو لم تكن هناك صعوبة، فأمل أن تجيب على سؤالي الوقح ”
‘حتّى أسلوبها في إستمالة الإجابة منك … هي متشابهة’
‘ هل هي أخته المفقودة أم ماذا؟ ’
نظر الإثنان لبعضهما البعض، قبل أن يجيب كلٌّ منهما بإجابته الخاصّة.
“ رغم كل تلك الصفات السابقة، الكلمات لا تكفي لوصفه ”
“ ليون … إن قلت أنَّه عنيف فهو كذلك ”
“ إن قلتُ أنَّه معاكس للعنف فذلك صحيح أيضاً، يتصرف بإندفاعٍ تارة، و تارةً أخرى بهدوء”
“ إن كان يُقاتِلك، فجأة بلا سابق إنذار، سيقول أنَّ القتال ممل و يهرب، و بعد ثانية أخرى ربما ستفقد وعيك من غير إدراك ”
“ لديه صفاتٌ عديدة، لدرجة أنَّ الشخص سيعتقد أنَّ ليون ليس شخصًا واحدًا، هو فقط غريب أطوار ”
“ هذا … يبدوا لي كشخصٍ فريد من نوعه ”
كلمات فرناندو بالضبط، خرجت من فم الشابة بيضاء الشعر، بصوتٍ غير متأكِّد.
“ … رغم ذلك ” تحدث فايرون بيقين، كمن يذكر حقيقة ثابتة في العالم.
كما لو كان يقرأ أفكاره، تحدَّث لوكي بتزامن مع فايرون.
“ لديه جميع الصفات، لكن، هناك صفة واحدة هو بعيدٌ عنها كل البعد ”
لماذا كانوا يجيبونها بأريحية؟ لم يكن هناك سبب مهم.
لم يكن من المهم أن تعرف أي نوعٍ من الأشخاص هو ليون، ذلك لن يقيك شرَّه حقًّا.
ناهيك عن كل شيئ، بعد معرفتهم بتفاعلها السابق مع ليون، توقعوا بالفعل أنَّ ليون يرغب على الأغلب في أن يجيبوا عليها.
لما قد يريد ليون ذلك؟ لم يهتموا و لو قليلاً.
“ ليون، إنَّه ليس ضعيفًا بتاتًا ”
صوتهما كان متزامنًا حرفيًّا.
“ إن قال وحشان مثلكما ذلك … فهو قوي حقًّا؟ ”
صوتٌ أتى من خلفهم فجأة، كان ذلك رئيس قسم الإغاثة، و الذي أتى مع ليليث.
“ هذه وقاحة! لا تُنَادِنا بالوحوش! نحن لنا كرامتنا كما تعلم، ربما ليس ليون … لكن نحن كذلك! ”
“ معه حق! من أنت لتنادينا بالوحوش على أي حال! ”
نظر فايرون و لوكي بإستياء مزيف نحو مصدر الصوت.
“ همف! أخفضوا الطاقة السحرية المتناثرة في الهواء أولاً قبل أن البدءِ في الشَّكوة أيها الأشقياء! ”
رد العجوز بصوتٍ منزعج بالمثل، كما لاحظ الهالات التي تحيط بالإثنين.
قاما بإخفاءها من قبل، لكن فجأة إنتشرت هالة بنفسجية كالظلام و أخرى حمراء كالحمم في الهواء.
هالة طاغية.
حتّى ليليث، و التي لُقِّبت بعبقرية القلم و السيف، لم يسعها سوى الشعور بالرَّهبة.
“ اللعنة! لم أستطع إخفائها لوقتٍ أطول! ”
“ كنت أرغب بالظهور بفخامتي لاحقًا، تبا لك أيها العجوز! ”
“ إخرسوا أيها الأشقياء! هل ترونه وقت اللعب عندما نكاد نصل؟! ”
غطت هالة الفتى أبيض الشعر جانبًا من المنطقة.
كانت كجليد عمره ألف عام، برودة قارِسة و نقية.
لمعت أعينه الباردة بضوءٍ جليدي، كما لو كان يسقط قناعه.
المنطقة الأخرى كان لونها أحمرًا كَلَهِيبِ الحمم، كنيران الجحيم في الأعماق.
بينما يقفز عبر الأشجار طغت هالته على الهواء و أصبحت البيئة ساخنة.
أعين كانت مشتعلة بلهيبٍ قاسٍ.
التناقض بين البرودة و الحرارة كان طاغيًا.
مظهرهما الرواقي إختفى للحظات.
رفم أنها كانت بضعة أنفاس فقط، فقد رأوهم جميعًا.
ملك الشتاء، حاكم اللَّهب.
لقد كان الإثنان تجسيدًا لتلك الكلمات.
جليدٌ و صقيع، برودة لا يمكن وصفها بالكلمات.
إحتراق و لهب، أسخن مِمَّا شعروا به من قبل.
لم يكن فقط على المستوى المادِّي.
إخترق ذلك الشعور نحو أعماق أرواحهم.
ذلك قبل أن يعود الإثنان لطبيعتهما، كما لو لم يحدث شيئٌ بتاتًا.
“ هل إجابتي كانت مرضية، يا نجلة عائلة كرونوس؟ “
“ نعم، لقد أشبعت فضول هذه الصغيرة ”
لقطع الصمت و الرهبة القائمة، تحدث لوكي لليليث، كما أجابت عليه بعد وقفة صغيرة.
“ لا تتجاهلني أيها الشقي! ”
“ لا تحادثني يا عجوز! بالذات بعد إفساد لحظتنا! ”
“ كفى ثرثرة، لقد وصلنا ”
تحدث الأستاذ المشرف ديوس بصوتٍ بارد، عندما رأى الأفق في الأمام.
صدمته الأوليَّة قد إختفت، و حل محلَّها نظرة حازمة و باردة على وجهه.
منذ البداية و حتّى النهاية، كانت أوليفيا تراقب لوكي من الخلف، غير آبيةٍ زحزحة نظراتها عنه.
أخوها، الذي إعتقدت أنَّه مات، أخوها، الذي لم تستطع حمايته.
شقيقها الأصغر، الذي تمَّ التخلِّي عنه من أجل مستقبل العشيرة.
أمامها يقبع بصحَّةٍ جيدة.
لم يكن فقط بصحة جيدة، بل كان بأفضل حال.
برودة الجليد السابقة، و التي شعرت بها في أعماقها … ماذا كانت؟
وحشٌ كاسِر.
هذه تسمية وحيدة يمكنها التفكير فيها.
حتّى هي شعرت بالخوف من ذلك الوحش.
لقد أصبح أقوى.
لكن ذلك لم يكن مهمًّا الأن، ذلك شيئٌ لوقتٍ أخر.
مشاعر الذنب أثقلت قلبها.
مازالت تتذكره كما لو كان الأمس.
صورته بينما يحارب جحافلاً من البشر و الوحوش وحيدًا.
كان مظهره في ذلك الوقت يعكس الوحدة.
بعد القضاء على معظمهم، حصل إنفجارٌ ضخم في المنطقة.
كانت تلك أوامر والدها.
لقد جعل إبنه يستدرج جميع الأعداء نحو منطقة مُعدَّة للإنفجار، لمصلحة العشيرة، كان ذلك لحمايتها من الزوال.
يوم ندمها الأكبر.
كان ذلك وقت موت أخيها.
أو كذلك ما إعتقدته.
على عكس مظهره الوحيد في ذلك الوقت، قوي، حازم و مرتاح.
كان لوكي الأن و لوكي سابقًا مختلفين قليلاً عن بعضهما البعض.
وصل الجميع إلى وجهتهم، الساحل الشرقي.
ليليث، المتحمِّسة للقاء ليون أكثر من السابق.
الأساتذة و أعضاء مجلس الطلبة القلقين بشأنِ الوضع العام.
لوكي و فايرون اللَّذَانِ كانا غامضين حتّى الأن.
كلهم كانوا شاهدين المُفجِع أمام أعينهم.
وقف وحيدًا في المنطقة.
الجميع تقريباً وقعوا على الأرض.
فقط ثلاثة من كانوا واقفين لاهثين أمامه.
أصوات التَّأوُّه المكتومة، الجثث المرمِيَّة على الرِّمال.
واضِعًا يديه في جيوبه بوقاحة، وجهه كان يظهر إبتسامة ساخرة.
الأميرة لوسيا كانت لاهِثة و مغطَّاةً بالرمل.
من أخمص الشَّعر و حتّى أطراف الأقدام، إدوارد هارڤي و شين سو كانوا مغطُّون بالرمال.
مجالٌ شفَّاف تموَّج عبر الفضاء غطَّى المنطقة.
فقد الثلاثة القوة و نزلوا على رُكبِهِم.
صورته الباردة بينما يقف وحيدًا في مواجهة إحدى أفضل مواهب القارَّة حُفرت بعمق في قلوب الحاضرين.
ليس بشخصٍ ضعيف.
تذكَّرت ليليث كلمات لوكي و الفتى الشاب بجانبه.
لقد فهمت الأن بأكثر الطرق وضوحًا معنى تلك الكلمات.
لم يكن فقط بعيدًا كل البعد عن الضعف.
ليون إيڤينيوس، إنه وحش.
“ إنتهى الوقت ”
قال ذلك بملل، قبل أن يستدير نحو جِهة المجموعة الجديدة.
تيك، تاك.
صوت خطى الأقدام سمعته الأذان، كان يمشي عبر الرمال، لكن صوت المشي على أرضيَّة زجاجية ما يتبادر للذهن بعد سماعه.
قام بفرقعة أصابعه و إختفى المجال الذيغطى منطقة ضخمة.
حتّى المجال الذي كان يخفي ديو و تشاي نايون قد إختفى.
ظهر ديو فجأة بينما يمسك بتشاي نايون كما لو كان يحمل أميرة.
لم يظهر الإرتباك على وجهه، مشى بصمت نحو لويد.
في الواقع، فرناندو كان مترامي الجسد أيضاً عبر الشاطئ، بينما على ما يبدوا يلهث بحثًا عن الهواء.
“ … ما زلتُ ضعيفًا جِدًّا ”
تمتم بحسرة و هو يحاول تنظيم نبضات قلبه الجنونية.
“أيتها الأميرة، كان جهدكم مثير للإعجاب لكن … يا للأسف ”
تحدث للثلاثة خلفه، و الذين حاولوا الوقوف بصوتٍ هادئ.
“ لقد خسرتم ”
صوته بارد.
نظر نحو المجموعة الجديدة، بينما لمعت أعينه الحمراء بضوءٍ غامض.
“ الأن الأن، هلاَّ إستهلنا نهاية سهرتنا للَّيلة؟ ”
“ إنها الظهيرة ”
“ أصمت فقط، ماكينة الإبتسامات المقرفة”
“ أنت أصمت، قصير تشان ”
بعد تخريب لحظته من فايرون، لم يسع ليون سوى شتمه على الفور.
كان الحدث الطويل قُبيل الإنتهاء.
أمر الأستاذ ديوس الأخرين بفحص الجميع، قبل أن يحدق في ليون بنظراتٍ باردة.
“ إشرح ما يحدث … الأن ”
الطاقة السحرية في جسده كانت تتصاعد.
عندما رأى الطلبة مترامين هكذا، بلا قصد، خرجت نية قتل لا واعية من عينيه.
لائق بعض الشيئ.
كان الأستاذ ديوس يرتقي لسمعته بحق، فقد كان قويًّا.
بالنسبة لمعاير الأخرين، فهذا هو.
“ إن لم أُرِد أن أجيب، لا أحد على وجه الخليقة يمكنه إجباري، يا أستاذ ”
صوته كان كالهمس.
لكن سمعه ديوس بوضوح.
هل كان يستخدم التخاطر أو وسيلة أخرى؟
ليس أيًّا من ذلك، لم تحتج لمثل تلك الوسائل عندما تكون بالقرب من شخصٍ ما، أليس كذلك؟
خلفه بالضبط.
بينما كان ظهره يواجه ظهر الأستاذ المشرف ديوس، تحدث ليون ببرود.
نية قتل؟
لم يكن هناك حاجة لذكرها، لأنَّها قد تبدَّدت بالفعل.
لقد كان الفتى بعيدًا بكل تأكيد.
لقد إتَّخذ خطوة واحدة.
و أصبح الأن في وسطهم.
لم تكن تلك سرعة.
لم يكن لما يسمّى بالسرعة أي علاقة بالأمر.
كان مخيفًا فقط.
الأستاذ المشرف ديوس، لقد شعر بذلك.
خطر يتربَّص بظهر المرء.
من قِبَلِ شاب في السابعة عشرة، لقد شعر بخطر يأتي من الوحوش.
“ لذلك من الأفضل أن نكون لبقين، هلاَّ فعلنا؟ ”
كلماته أصبحت أكثر برودة، بينما تظهر إبتسامة على وجهه.
كانت السيوف الموجَّهة نحوه مضحكة إلى حدٍّ بعيد.
مظهرهم الحذر، تصاعد الطاقة السحرية على أجسادهم، و عيونهم الحادة.
كل تلك الأشياء كانت مضحكة.
الإستماتة لحماية الطلبة، هاه؟
كان على وجهه إبتسامة غامضة.
“ ليون، كفاك مزاحًا ”
ضحك لوكي من العرض أمامه، لكنه عرف أنَّ الأمر سيتصاعد لو لم يتدخل، أو ربما لن يتصاعد، ذلك غير مهم.
“ تسك تسك، لوك، أنت تقاطعني في لحظات مجدي! ”
“ مجد مؤخرتي! هل التنمر على الأخرين هو من أمجادك؟ هاه؟ ”
“ بالطبع هو كذلك! من تعتقدني؟ أنا لست قديسًا! ”
“ أسكت أيها الوغد الأرعن! إشرح ما يحصل لكي نذهب و نأكل! أنا جائع، اللعنة! ”
“ … سأتجاهل شتائمك نظرًا لكوني جائعًا بدوري ”
“ آحِم! أقبِل و سَلنِي ما تشاء يا أستاذ! ”
الأجواء الجادَّة … لقد إنهارت بسرعة.
لم يسع ليليث سوى الضحك قليلاً.
لقد فهمت بعض الشيئ كلمات السيد الشاب لوكي.
إنَّ ليون بحق لشخصٌ فريد من نوعه.