3 - الفصل 3: مضى وقتّ طويل، أيها الأوغاد (3).

الفصل 3:مضى وقتّ طويل، أيها الأوغاد (3).

ــــــــــــــــــــــــــــــــ

هذا الصبيّان اللعينان.

لماذا على الرغم من كونهما مختلفين، لكن يبدوان متشابهين كثيراً؟.

‟ لماذا ينظر للسماء كعجوزٍ حزين؟ ‟

‟ ألا تعرفين؟ عندما يكبر الشخص في العمر، فهو يصبح خرفاً ”

‟ … يا له من مسكين ”

أنا أسمعكما، هل أنتما تتعمّدان هذا؟! أنا لست سهل التنمر كما تعتقدان!.

كما لو كان يعطي نفسه عذراً مثيراً للشفقة، فكّر بحزن على مأساته.

‟ بصرف النّظر عن ذلك، أنا ذاهبٌ الأن ”

قال ليون بينما يحدّق في الأفق.

‟ إلى أين أنت ذاهب، سيدي الشاب؟ ”

‟ أيها الشقي، مازال لدي ما أسأل عنه، إلى أين؟ ”

ظهرت علامات الإستفهام على أوجه الإثنين و هما يحدّقان بالفتى الشاب.

ضحك الفتى بهدوء و لم يجب.

في اللحظة الّتي كانا يتسائلان بها ماذا بحق الخالق يحدث …

قفز!.

سووش!.

الرياح الهادرة ضربت المنطقة!.

كان ذلك تأثير قفزة.

قفزة عالية نحو السماء، كانت سريعة جداً لدرجة أنك لن تلاحظ.

كان يمكن رؤية الفتى يتشقلب في الهواء.

‟ هنـ... هناك شخصٌ ما في الجو! ”

‟ يا إلهي! ألن يكون هناك يومٌ واحدٌ لعين مسالماٌ في هذه السفينة؟! ”

‟ تباً للشرف و تباً لكوني نبيلاً، في ماذا فكّرتُ عندما أتيت لهذا المكان؟ ”

لاحظ بعض الناس شيئاً يطفو في الجو قبل أن يسقط.

بدأت العواطف المكبوتة بالتأجّج، و الذعر إنتشر بين الحشد.

للأسف، لم يكن هناك لليليث أو الرجل العجوز الوقت لتهدئة الناس، فهم مثلهم على رؤوسهم علامات الإستفهام.

ماذا....؟.

ماذا حدث الأن؟ هل قفز هذا الفتى الشّقيُّ نحو السماء؟.

سقوط!.

صوت شيئٍ ما يصطدم بالماء، كان الصوت عالياً إلى حدٍّ ما.

يمكن رؤية قطرات المياه تتطاير.

هل قفز في الماء؟ ماذا؟ هل يريد صيد السمك؟ في هذا الوقت؟.

سووش~!.

في المكان الذي كان فيه الرجل العجوز و الفتاة خرجت الرياح أيضاً، و إن كان بشكلٍ أضعف.

دارت المانا داخل الجسد.

إستخدم الرجل العجوز و الفتاة الشابّة القوة السحرية داخل جسدهما و قفزا نحو سطح المقَدّمة.

هبط العجوز و ليليث فوق المقدّمة و لاحظا المنظر لأسفل.

كانت المياه مضطربة قليلاً و يمكن رؤية الموجه المتحرّك.

الماء صافي و مع ذلك فهو بارد.

كانت هذه أواخر أيام فصل الشتاء، لكنّ الجو مازال بارداً.

لم يكن أيّ من ذلك غريبًا، فقد كان المنظر أمام عينيهما أغرب.

خاطف للأبصار.

هذا أكثر الأوصاف دقّة للمنظر، فأين في العالم سترى قطراتِ البحر تطفو في الهواء؟.

نعم، كانت قطرات مياه البحر تطفو، ليس واحدة أو إثنتين، بل عددٌ لايحصى منها!.

منظر لا يصدق!.

لقد كوّنت قطرات المطر ما يشبه مجالا عازلاً، كما لو كانت تغطّي شيئاً.

لكن لا يقارن ذلك مع ما في وسط الحاجز المكون من قطرات البحر.

صبي واقف.

يمكن بوضوح رؤية صبيٍّ واقف فوق الماء، ليس عائماً، بل واقفاً على المياه كما لو كانت أرضاً صلبة.

لم تصدّق ليليث و العجوز عينيهما، لذا مسحاهما للتأكد، لكن المنظر أمامهم لم يزُل.

ما مدى الحاجة إلى الدقة في التحكم بالطاقة السحرية ليمكن للمرءِ فعل هذا؟.

لم يكن شيئاً يمكن لأي شخصٍ فعله.

ناهيك عن أنّه يجب التحكم بكل أونصة من المانا داخل الجسد لجذب التردّد الصحيح حتّى يتذبذب الجسد بطريقة صحيحة لفعل ذلك، فيجب أيضاً إمتلاك كميّة عالية من المانا و توجيهها بطريقة صحيحة.

عندما يتغيّر تدفق المانا في الجسد، فيجب أن يكون الوعاء، أي الجسد قادراً على تحمّل تغير التدفق.

و ليس الأمر كالمشي على الأسطح الصلبة مثل الأسقف و الأشجار، فأي إنقطاع قليل في التدفق سيوقع المرء تحت الماء على الفور.

لكن هذا الفتى … لم يستطع فعلها و حسب، بل أيضاً جعل الماء يطفو معه؟.

هذا لا علاقة له بالتحكم السحري، بل بسمة الشخص.

هل هو بأي فرصة يستخدم سمة المياه؟.

هذا ما إستنتجه الرجل العجوز و الفتاة الشابّة.

كانت تعابيرهما مشوّبة بالصدمة.

‟ سأسبقكم الأن، ربّما لو وجدتموني لاحقاً يمكنني الإجابة عليكما، أو ربّما لن أفعل، هيهيهي ”

إبتسم و ضحك كما لو أنَّه لم يفعل الشيئ الكثير.

حتّى أنَّه يتحدّث بأريحية رغم أنّه في خضم عملية توزيع تدفق المانا؟ هذا سخيف!.

كما لو كان يقرء أفكارهم، تحَدّث ليون بصوتٍ ضاحك.

‟ لا داعي للتفاجؤ، إنّني قويٌّ جداً ”

كان يمكن أخذ كلامه كتفاخر، لكن بدى كما لو أنَّه يذكر حقيقة واضحة.

‟ على أي حال، ليلـ- أحم، أقصد سيدتي الشابّة ليليث ”

'ألن تترك الأمر ينزلق حتّى؟! تسك'

إعتقدت للحظة أنَّه سيقولها في حرارة اللحظة، لكنه صحح نفسه بسرعة.

‟ … ماذا تريد؟ ”

نظرت إليه بريبة كما تحدّثت.

‟ ليس الكثير، أتمنّى لو تعطيني معطفي لاحقاً عندما نلتقي في الأكاديمية، فهو ثمين بالنسبة لي ”

‟ آآه حسناً ”

أجابت شاردة الذهن.

‟ هذا كلّ شيئ وداعاً! ”

‟ إنتظر! أيها الشقي! ”

صرخ له العجوز لكن لم يعره إنتباه.

سووش~!.

كما لو كان يضرب الأرض، إصطدمت رجل ليون بالمياه بقوّة و قفز قفزة عالية.

يا لها من قوة جسدية وحشية!.

إصطدم الموج بالسفينة بقوة.

تحت أعين الجميع غير المصدّقة، قفز شابٌّ أسود الشعر كسواد الليل عبر المياه.

في كلّ مرّة تصطدم رجله بالمياه، كانت المياه تتطاير في الهواء.

عندما وصل لمسافة كافية، بدء في الجري بسرعة مثيرة للسخرية.

سووش~! سووش~! سووش~!

‟ باه! ما هذا! هل هو برمائيٌ أم ماذا؟! ”

تذمّر الرجل العجوز، لكنّه لم يكلّف نفسه عناء اللحاق به، فهو سيراه في الأكاديمية على أي حال.

‟ هذا … شيئٌ نادراً ما يراه المرء، أليس كذلك؟ ”

إبتسمت ليليث بسخرية لنفسها كما فكّرت.

‟ عوضاً عن ذلك، أعتقد أنَّ علينا تهدئة الرُكّاب؟ ”

‟ أعتقد هذا ”

إبتسم الإثنان لبعضهما بمرارة.

كان الوضع فوضويّاً بالنسبة للركاب.

إبن العاهرة هذا، لقد ترك لنا المشاكل حتّى النهاية.

ـــــــــــ※ ※ ※.

بالعودة لليون، كان يجري بسرعة هائلة نحو الجزيرة القابعة أمامه.

‟ ذلك العجوز الخرف، يبدوا أنَّه تنَكّر و إدّعى بلقائي لأول مرّة ”

‟ جيد، هكذا لن يضع علي عناء شرح الوضع ”

‟ أمّا تلك الفتاة، ليليث كرونوس، ممّا أراه، فربّما هي من قادت الركّاب لبرّ الأمان و حافظت على عقلانيٌتهم، هذا يفسّر أيضاً نظرات الإعجاب التي تلقّتها ”

تذكّر مشهد الرّكاب ينظرون إليها بود و يبتسمون من أذن لأذن.

هذا يفسّر الكثير.

‟ألقيتُ بالطعم الأن، بقي أن تبتلعه السمكة ”

نظّم أفكاره و توجّهت أعينه ذات اللون الدموي نحو الجزيرة أمامه.

سووش-!.

تم جرف المياه كما لو أنَّ سمكة قرش تسبح على السطح.

الأكتاف منتصبة، الجذع العلوي يميل للأمام قليلاً.

تمّ شدُّ عضلات الجسد لتحمّل ضغط الهواء.

لننطلق أسرع!.

أعينه الحمراء القرمزية ومضت بضوءٍ لامع كما ضحك بشراسة.

‟ كواهاهاها! إنتظروني أيها الأوغاد! أنا قادم! ”

زاد سرعته للضعف على الأقل!.

أصبح يشبه القذيفة المدفعية!.

قفز!.

بعد أن رأى البرّ في الأفق، قفز بقوة نحو ما يبدو كمكان ترسوا فيه السفن.

يمكن بشكلٍ غامض رؤية مجموعة من الناس تقف هناك، ليس واحداً أو إثنين، بل مجموعة كبيرة.

قفز!.

قفز مرّة أخرى، لكن هذه المرّة بشدّة أعلى.

‟ مـ-ما هذا؟! ”

صرخ أحد الحشد عندما أشار بإصبعه نحو شيئٍ ساقط في السماء.

كان يسقط نحوهم بسرعة عالية!.

‟ إنـ- إنه شخص! يا إلهي! ”

إصطدام!!.

إصطدم ذلك الشيئ المسمّى ‟شخص” بقوّة نحو رمال الشاطئ القريب من مرسى السفن.

سوووش~!.

سحابة من الغبار إنتشرت عبر الأرجاء، الرياح الناتجة عن الإصطدام جعلت جلابيب الحاضرين ترفرف بعنف.

‟ إنـ-إنه خطر! إبقوا خلفي يا طلّاب! ”

قبل أن تختفي سحابة الغبار حتّى، تقدّم المعلّمين للأمام و أعادوا الطلّاب للخلف.

يمكنهم الإرتباك لاحقاً، عليهم الأن حماية الطلّاب.

في مكانٍ كهذه الأكاديمية، لم يكن مستغرباً أن يأتي القراصنة في أوقاتٍ نادرة لنهب الجزيرة.

أكديمية ضوء الهلال، أو أكاديمية ضوء القمر، سمّها ما شئت، كانت لها بيئة خاصّة بعض الشيء.

على عكس معظم الأماكن، فهي لم تكن تحت حكم الإمبراطوريّة، كانت مكاناً تعليميّاً مستقلّاً متعمدً في حالاتٍ عديدة على دخلهم و محصّلتهم الخاصة أكثر من تعاونات الإمبراطوريّة.

على أي حال، بما أنَّ العلاقات بين الأكاديمية و الإمبراطوريّة كانت غامضة، سواء كانوا على توافق أو بغضاء فهو غير معروف.

على الأكثر، كانوا حلفاءً يستفيدون من بعضهم البعض.

ذلك السبب في تجرؤ بعض القراصنة الحمقى بمبادرة الهجوم على الأكاديمية، فقد يستحصلون بعض الفوائد.

لكن لم يفكّر معظمهم في سبب وقوف هذه الأكاديمية بفخر رغم هدم إمتلاكهم دعم الحكومة بشكلٍ كامل.

لا تعبث مع الوحوش، هذه قاعدة مهمة يجب فهمها، و لم يفهم القراصنة الذين أتوا على مرّ الأعوام الماضية تلك القاعدة.

كان عدم الفهم ذاك هو سبب موتهم.

بصرف النظر عن أي شيئٍ أخر، إنقشع الغبار عن "الشخص" الساقط من السماء.

إبتلاع.

تمّ سماع صوت شخصٍ يبتلع ريقه، شحذ الأساتذة غرائزهم في مواجهة "الشخص" بينما يظهر شكله غير الواضح ببطئ.

… هاه؟.

شخص؟ لا، فتى شاب؟.

‟ آخخ، تباً، رأسي يدور، لقد بالغت حقاً في القفز هذه المرّة، كان عليّ التحكّم بوزن جسدي قبل الهبوط ”

سمع الحضور صوتاً منزعج خرج من فم الفتى.

بعد رؤية الزي الذي يلبسه الفتى، أرخى المعلّمون حذرهم قليلاً.

تقدّم أحد الأساتذة نحو الفتى الذي ينظف الغبار عن جسده و سأل مع إبقاء مسافة.

‟ أيها الفتى … من أنت؟ و لماذا سقطت من السماء؟ أكثر من ذلك كلّه، لماذا مازلت بخير بعد هذه السقطة؟ ”

‟ همم؟ ” حدّق الفتى في الحشد أمامه كما أمال رأسه بإرتباك.

‟ من تقصد؟ أنا؟ ”

'هل هناك شبح خلفك أم ماذا؟! لماذا تنظر ورءاك؟!'.

فكّر الأستاذ الواقف أمام ليون بصمت.

‟ نعم، أنت ”

‟ حسناً، من أنا؟ هذا سؤال يجب التفكير فيه بعمق، همم، ”

وضع الفتى يده على ذقنه كما سقط في التفكير.

'… هذا الشقي'.

لم تمضي ثوانٍ على حديث الفتى و أحسّوا بوقاحته بالفعل.

‟ صحيح، هل أجيب على من أكون أنا؟ ”

‟ … تفضّل ”

‟ أنا أكسجين ”

‟ ماذا…؟ ”

‟ أكسجين ”

‟ … سمعتك من المرّة الأولى، هل ترى هذه مزحة؟ ”

‟ أنا جاد، أنا لست شخصاً، أنا أكسجين ”

إنتشر الصمت على المنطقة.

لم يتحدّث أحدٌ لبضع ثوانٍ.

'دعني أمسك بك، و سأدعك تعرف ما هو الأكسجين الحقيقي!'.

حاول التقدم و خنق الفتى لكن أمسك به المعلّمون الأخرون.

‟ هيهيهي، إنها مزحة، مزحة، كنت أريد تخفيف الجوّ قليلاً بعد أن أحسست بتوتر الوضع ”

لوّح بيده بخفّة و ضحك، بدى كما لو أنَّه لم يرتكب خطأ.

‟ مزحة؟! تباً لك أنت و مزحتك، دعوني! دعوني أمسك بهذا الشقي! ”

في نوبة غضبه، قاطعه صوت الفتى كما لو أنَّه لم يلاحظ ما يفعله المعلّم.

‟ أنا هو الطالب المنتسب لهذه السنة، ليون إيفينيوس، سيدي المعلّم ”

قام بإنحناءة محترمة و قدّم إبتسامة مهذّبة كما قدّم نفسه.

تفاجأ المعلّم قليلاً كما سعل بحرج و أمر الأخرين بتركه.

‟ سعال، على الأقل لديك بعض الأخلاق ”

‟ أنا مؤدّب دائماً يا أستاذ، هاهاهاها ”

‟ هاهاها، يا لها من نكتة جميلة ”

‟ لم أكن أمزح، رغم ذلك ”

ضحك الإثنان لبعضهما بودّية قبل الصمت.

‟ على أي حال، هلّا تجيب على الأسئلة الأخرى؟ ”

قالت المرأة الواقفة سابقاً بينما تمسك الأستاذ الذي يريد خنق ليون و تمنعه بالإقتراب منه.

‟ حسناً، كيف سقطت من السماء؟ لقد أتيت عبر البحر قفزاً، لماذا لم أصب بأذى؟ لأنني قوي، قويٌّ جداً ”

أعلن بفخر.

هذا واضح! قل ما لا نعرفه، أيها اللقيط!.

كانت عيون الأشخاص هنا مشتعلة و هي تحدّق بالفتى الشاب الذي يضحك بلا هموم.

هذه الوقاحة يجب أن تنتهي هنا!.

تقدّم أحدُ الطلبة و تحدّث بجراءة نحو ليون.

‟ أنت، أمامك المعلّمون الأن يتكرّمون بالحديث معك، و بدلاً من كونك شاكراً، تتحدّث بوقاحة، ألست خجلاً من نفسك؟ ”

فتى وسيم بأجواء تشِعُّ نبلاً، خرج صوته الحازم لكن الهادئ بسلاسة.

إرتعشت شفتي ليون قليلاً.

أنظروا لهذا المخنّث؟.

فكّر الفتى الوسيم بينما تنضج منه أجواء الشخص الواثق.

كان من المفترض أن يرتبك ذلك "الفتى الوقح" بعد كلامه، كلّ ما عليه الأن هو جمع الحشود معاً و التحكم بزمام المحادثة و سينصاع الفتى.

في كثيرٍ من الأحيان، كان التحكّم في الحشود مهارة يجب تعلّمها، هكذا يمكن للمرء جعل الشخص ينصاع.

لكن يا للأسف، كان يتعامل مع شخصٍ لا يجب الحديث معه عن الأخلاق.

من كان ليون؟ لقد كان من نوع الأشخاص الذين جعلوك ترغب بتقيؤ الدم غضباً.

سأجعلك تلعن والدتك على ولادتها لك! يا أبن الساقطة المخنّث!.

بالطبع، هذا الفتى سيتعرّف على هذا الأمر بالطريقة المؤلمة.

‟ ماذا؟ خجل؟ هاه؟! من يتحدّث؟! أنت؟! ندع كلّ شيئٍ أخر جانباً، ألا تخجل من مظهرك الناعم؟! أنت تبدو كالفتاة أكثر من الفتاة نفسها! ”

خرج صوتٌ وقح و منزعج من فم ليون.

‟ فـ- فتاة؟! ”

‟ و تجرؤ على الحديث عن الأخلاق معي؟! ماذا؟! أكون شاكراً؟ وجهك أكثر بياضاً و نعومة من حياتي بأكلمها أيها المخنّث! لقد إعتقدتك فتاةً لوهلة! أغرب عن وجهي يا ذا وجه الفتاة! ”

تُرك الفتى عاجزاً عن الكلام.

‟ أيـ- أيها الوغد! ”

خرجت كلماتٌ نابيّة من فم الفتى بينما يحمرّ خجلاً.

‟ بفت! ”

كان يمكنه سماع الضحكات المكتومة من الطلّاب.

ليس أنت أيضاً يا أستاذ!.

حاول المعلّمون كبح جماح ضحكاتهم و إرتجفت أجسادهم.

تباً لك أنت و أخلاقك! أطفال هذه الأيام، بجدية!.

‟ يا إلهي! هل هذا الشيئ يجرؤ على شتمي أنا؟! أنا وغد، لكن ما أنت؟ هاه؟! لا أدري أناديك بأنتَ أو أنتِ، أو حتّى هؤلاء لن يكفيك! ”

بصق الفتى الدم من الغضب!.

باه! تباً لك يا أبن العاهرة، إن لم أقتلك اليوم فلن أرقد بسلام عندما أموت!.

كما لو كان مشهداً يكرِّرُ نفسه، كان يمكن رؤية فتى يمسك بسيفه و يحاول الوصول إلى ليون، لكن أمسك به الأخرون!.

‟ توقّف يا إدوارد! لا تندفع! ‟

‟ لا تدعه يصل إليك! سيعاقبك المعلّمون إن فعلت شيئاً له بدون ذريعة! ”

خفف الفتى المسمّى بإدوارد قبضته عن سيفه قليلاً، و أرسل وهجاً من الكراهية نحو ليون و ينظر إليه بغضب.

أوه؟ أنظروا لهؤلاء الأشقياء؟ يبدوا أنهم يجيدون إستخدام هذه الأشياء فوق رؤوسهم؟.

لكن للأسف، سيكون لديّ ذريعة لإخراج هؤلاء "الأوغاد" بعد قليل.

أنا أعتمد عليك يا أستاذ!.

‟ … حسناً، أعتقد أنَّ هذا كل شيئ، لدي خبر حزين يا معلّم، كنت أحاول تخفيف الأجواء لجعل تقبّل الخبر أقلّ صعوبة ”

كان المعلّم المشرف يرغب بشتم الفتى لكن عندما رأى مظهر الجدّية توقف.

أصبحت الأجواء صامتة، إبتلع بعض الأشخاص ريقهم و إنتظروا الفتى ليون ليتحدّث.

كان مظهره كما لو أنَّه يبحث عن الكلمات المناسبة لقولها

‟ كيف أقول هذا … ”

خرجت الكلمات من فمه بصعوبة، كان كما لو أنّه يحاول جاهداً إخراج الكلمات، و حتّى الأحرف.

كان للمعلّمون هاجسٌ مشؤوم.

لا تقل لي...

تمنّوا بصمت أنَّ شيئاً سيئًا لم يحدث.

‟ في الواقع، جميع الأشخاص في السفينة … إنهم … إنهم ”

أغلق المعلّمون أعينهم في صمت.

هذا أكّد شكوكهم، إنَّ ليون هو الناجي الوحيـ-.

‟ أحياء، إنهم أحياءٌ يرزقون ”

تغيّرت لهجته من الكئيبه نحو البهيجة بسرعة مخيفة.

إنهم أحياء، هذا جيد، كان خبراً جيداً و مفرحًا حقاً.

إنه خبرٌ جيد و لكن …

‟ أيها الطلّاب ”

إبتسم المعلّم المشرف، ديوس أورفيوس، بإشراق كما خرج صوته بلطف.

‟ إقبضوا على هذا اللقيط، حالاً ”

تجمّد الطلّاب للحظة و لم يفهموا ما قيل.

‟ ألم تسمعوني؟! إقبضوا إبن العاهرة هذا بسرعة! ”

تقدّم المعلّم المشرف ديوس للإمساك بليون قبل أي أحد.

لكن للأسف، تجنّبه ليون و إبتعد بسرعة.

تُرِكَ ديوس واقعاً على الأرض.

‟إيه؟! يا معلّم، كانت مزحة! ألا تتقبّل المزاح؟! إنهم أحياءٌ يرزقون لذا أليس هذا جيداً؟! ”

‟ إخرس! حالما أضع يديّ عليك سأريك ما هو المزاح! من يقبض عليه سأعطيه نقاطاً إضافيّة في الإمتحان بعد أسبوعين! هيا بسرعة! ”

إنتشر الصمت للحظة قبل أن يبدء الجميع بالتحرّك.

‟ إقبضوا عليه! أمسكو بهذا الوغد بسرعة! ”

‟ إبتعدوا عن طريقي! إنّه لي! ”

‟ سأمسك به أولاً! ”

‟ كيكيهاهاها! هذه هي الروح! أمسكوا بي إن إستطعتم يا صعاليك! ”

سووش!.

إنتشار!.

‟ آ-آآه! عيني! ”

‟ الرّمل! هذا الرّمل اللعين دخل فمي و حجب بصري! ”

دوى صوت صرخات الألم و الإرتباك.

إنتشرت سحابة من الغبار و ضربت الطلّاب، كان الأمر كما لو أنَّ لها وعيها الخاص.

عندما إنقشعت، لم يكن من الممكن رؤية ليون في أي مكان.

‟ إبحثوا عنه! بسرعة! لا يمكن أن يبتعد كثيراً! ”

‟ أ- أوتش! لا تدس علي! ”

لم يدّخر الحشد أي نظرة على الطلاب الساقطين و داسوا عليهم بلا رحمة لتمهيد الطريق!.

‟ لا يوجد يومٌ سلمي في هذه الأكاديمية اللعينة! حتّى في أول يوم! اللعنة … ”

فكّر المعلّم المشرف ديوس، بينما يرثي لنفسه بأسى و هو يحدّق في الطلّاب المجانين.

كانت هذه الأكاديمية تبدو كحشد عصابة قطّاع طرق أكثر منه أكاديمية مرموقة.

‟ سيستغرقون وقتاً قبل العثور علي بهذه الطريقة! ”

كان ليون جالساً فوق شجرة يأكل فاكهة بينما يستريح.

كانت المنطقة الجالس هو فيها كثيفة الأشجار.

من المفترض الأن أن يتِمّ إلهاء الطلّاب و المعلّمين بالبحث عنّي، هكذا لن يكون هناك أحدٌ يستقبل ذلك العجوز الخرف.

هيهيهي، تستحقُّ هذا أيها الوغد!.

‟ … بصرف النظر عن هذا ”

ظهرت إبتسامة سلمية على شفتي ليون كما إسترخت نبرة صوته.

‟ إلى متى تنوون الإختباء؟ ”

إنتقل صوته عبر الغابة، لكن لم يحدث شيئ.

كان الأمر كما لو أنَّه يتحدث للفراغ.

بعد الإنتظار لصمت لبعض الوقت، لم يحدث شيئٌ أيضاً بعد.

‟ يا له من ألم في المؤخّرة ”

قال ليون في إنزعاج قبل أن يحدّق فوقه.

أربعة.

كان هناك أربعة أشخاص يقفون بصمت في شجرة ما بجانب الشجرة التي جلس بها ليون.

كان شكلهم غير واضح بعض الشيئ بسبب ظلال الشجر.

كان المكان بارداً بعض الشيئ.

يمكن رؤية الثلوج في بعض المناطق و في بعض فروع الأشجار.

سووش~.

نسيم الرياح الهادئ مرّ عبر بشرة ليون.

‟ تسك، تسك، تسك، تدّعون الروعة بوقفتكم تلك؟ بجدية؟ ”

تنهّد ليون و قفز من فوق الشجرة.

حدّق بصمت في هؤلاء الأربعة الجدد.

‟ مضى وقتّ طويل حقاً ”

ضحك ليون بشراسة كما قال.

‟ آيا أيها الأوغاد ”

في صمت الصباح، الجو البارد ضرب أجساد خمسة أشخاص.

كان أربعة أشخاص بجانب بعضهم فوق شجرة، كلٌّ منهم يقف بسلاسة على فرع شجرة.

تحتهم، كان هناك فتى يبتسم بسخرية محدّقاً بهم في صمت قبل أن يبادر بحركة مباغتة.

قفز!.

قفز! قفز! قفز! قفز!.

‟ أنتم لن تمسكوا بي حيًّا أبداً! ”

‟ سنمسك بك أيها الوغد! ‟

‟ لا تدعوه يهرب! أموالنا بين يديه! ”

‟ أموالي! ”

‟ أموالك مؤخرتي! هذا مالي، أيها اللصوص الأوغاد! ”

هكذا، كان كيف جرى أول أيام الأكاديمية.

بين الصخب و الهدوء.

كان تيّار النهر مثل هذا، تدفّق بهدوءٍ مرّة، و بعنف مرّة أخرى.

و هكذا كيف إلتقى الأصدقاء بعد مَضيّ وقتٍ طويل.

الشمس أذابت ببطئٍ الجليد على الأشجار و الأراضي.

كانت تلك دلالة على إنتهاء الشتاء الطويل.

2024/05/13 · 48 مشاهدة · 2886 كلمة
نادي الروايات - 2025