8 - الفصل 8: الحياة ليست عادلة دائمًا، لكن هذا ليس عذرًا (2)

الفصل 8: الحياة ليست عادلة دائمًا، لكن هذا ليس عذرًا (2).

ــــــــــــــــــــــــ

شمس الظهيرة كانت تلوح في الأفق.

البرد القارس بدء يحيل كالسّراب، كما لو لم يكن.

ما بقي هي الحرارة المتصاعدة.

درجة الحرارة المرتفعة تدريجيًّا ذكّرت المرء بمدى سهولة تغيّر المناخ.

إنَّه الوقت الأفضل للإستمتاع بمياه البحر و الرّاحة في الشاطئ.

كانج! كانج! سييك!.

صوت تلاحم المعادن و الشّرر المتطاير أفسد الجمال الخلّاب للمنظر.

‟ هاجموها كثنائيّات! ‟

فتاة بلا تعابير كانت تتجنّب هجومًا مباشرًا من قبل فتى نحيف البنية قليلاً بسهولة.

تراجعت للخلف بسرعة.

'هجومه أعرج و بطيئٌ جداً'

لم تواجه مشكلة في هزم ذلك الفتى الأهوج في ذاك التّلاحم، لكن المشكلة كانت …

سووش! سييك!.

في المكان الذي كانت فيه، يمكن رؤية سحابة غبار إرتفعت عبر المنطقة.

هجوم يستخدم القوّة المحضة فقط.

الهجوم السابق كان خدعة لإبطاء حركتها.

لو وقفت هناك لمهاجمة عدوّها، كان أمرها قد إنتهى بالفعل.

بعد تفادي الهجمة، تراجعت الفتاة بضعة أمتار عن أعدائها.

‟ لا! طوِّقوها! لا تدعو هذه الفتاة الوقحة تهرب! ”

‟ لا تفزعو و حافظو على تشكيلتكم! ”

‟ أسكت! لا تعطيني الأوامر! ”

أصوات شبّان يصرخون في بعضهم، بينما يهاجمونها بنسقٍ غير متقن، أمكن سماعها عبر شاطئ البحر.

لم يبدو هؤلاء الأشخاص بتلك القوّة، و لم تكن لديهم هالاتٍ إستثنائيّة، لكن كانو أقوياء بشكلٍ غريب.

عبست الفتاة قليلاً، مرّت بضع دقائق منذ قتالها معهم، لكن لم تتغيّر موازين المعركة.

كان الأعداء أقوياء لكن لم يكن لديهم خبرة في القتال.

هجوم متهوّر، توتّرات متصاعدة، و تنسيقٌ أخرق.

في بعض الأحيان هم صرخوا على بضعهم البعض أثناء القتال.

كانت الثّغرة في مجموعة العدوِّ ظاهرة.

بسبب خبرتها في التّعامل مع القتالات ضدّ المجموعات بعض الشيئ، أمكن للفتاة الصمود حتّى الأن رغم كونها منهكة.

لكن السبب الأكبر كان شيئًا أخر.

‟ قومي بتفرقتهم عن طريق هجماتٍ تسلّلية! لا تهجمي عليهم معًا! يا إلهي! هل أنتِ حمقاء؟! هاه؟! البيئة! إستغلّي البيئة من حولك لتشتيتهم! ”

كانت هناك صرخة ساخطة خلف الفتاة.

بينما يضع يديه خلف ظهره، راقب ليون المعركة بأعين مسترخية.

معركة الكتاكيت أمامه لم تكن أكثر من مملّة.

على عكس أيّام الحرب و الدماء عندما شقّ طريقه عبر كومة من الجثث، بدى صراع هؤلاء الفراخ كاللّعبة.

‟ ما يعتقده المرء قاسيًا في الماضي يلينُ عند تذوّق ما هو أشدُّ قسوة ”

تنهّد ليون عندما فكّر بتلك الحقيقة.

بعد مشاهدة العديد من الخبراء و الصراع معهم في ساحة المعركة، لم تعد الكثير من القتالات تثير فيه العاطفة.

هذه الأكاديمية لن تكون مختلفة كثيراً، في المقام الأول، لم يكن هدفه هو و أصحابه المجيئ للتّعلّم أو القتال مع المواهب الشّابّة.

كانوا أقوياء بما فيه الكفاية بالفعل.

الرّغبة في قتال هؤلاء الفراخ يبدو كالتّنمّر أكثر منه صراع.

مهما كنتَ تشعر بالملل أو تحبّ التنمّر على ضعاف القُوى بين المخلوقات، فهناك حدود.

نواياهم كانت تقبع في شيئٍ أخر.

'بالطّبع، تحقيق رغبة هؤلاء العجائز الوحيدة هي أحد النّوايا'

لا يهم.

‟ لا تتسرّعي! ركّزي القوّة في الجزء السّفلي! السّفلي! هؤلاء الصعاليك يستخدمون الأدوات لذلك هم أقوياء، طالما تقطعين تدفق الطاقة فلن يستطيعو فعل شيئ! ”

‟ … قطع التدفّق؟ هل هذا ممكن حتّى؟ ”

ماذا تقصد؟ كان تعبير الفتاة يحكي هذا.

‟ اغغه! هذه الحمقاء! الملحقات في أجسادهم! إقطعي الإكسسوارات و القطع التي يحملونها و ستضعف قوّتهم! ”

'لا … في المقام الأول، أنا لا أعرف ما هذا'

كانت تريد الإحتجاج لكن بقيت صامتة في إنتظار كلماته التّالية.

‟ هذه العاهرة … إنّها تقف معه مرّة أخرى! ”

صرّت المجموعة أمام الصّبي و الفتاة على أسنانهم في غضب.

كان الأمر بخير عندما قاتلو في البداية، رغم عدم إتّساقهم، فقد مالت كفّة المعركة نحوهم، المشكلة كانت في شيئٍ أخر.

عندما يكادون يحاصرونها، هذه الفتاة الصّامتة تهرب نحو المكان الذي يقف فيه ذاك الوغد الوقح!.

في أوّل مرّة حصل ذلك تهوّر أحد الفتية العشرة و هاجم الفتاة أمام عيني الفتى.

'كيكيكي … سأباغتها و أهرب!'

أراد الفتى تقديم صفعة لكبرياء ليون، و ذلك القيام بهجوم و لو كان فاشلاً على الفتاة.

كما لو لاحظ ليون ذلك، تنهّد بخيبة أمل.

الفريسة لا تهاجم المفترس.

و الضّعيف لا يعارض القوي.

يا للأسف، كان ذو نوايا صافية و طيّب القلب حقًّا، لكن من يلوم غير نفسه؟ إنها غلطته لكونه أحمقًا و ضعيفًا!.

الفتى الجاهل بتلك الحقيقة هاجم بسرعة.

كانت الفتاة تحاول تجنّب هجمته بأسرع ما يمكن، لكن إفتقارها للخبرة في الدّفاع جعلها تفوّت هجمة عدوّها.

'أمسكتك'

كان الفتى يبتسم على بادرته عندما ظهر ظلٌّ بشري أمامه.

صفعة!.

صوت عالٍ رنّ عبر أذن الفتاة و مجموعة الأعداء.

شعور الألم عبر الخّد.

ألم مريع، لدرجة كسر الأسنان إخترق كيان الفتى.

من دون أن يدرك أيًّا مِمّا حصل، طار للإتّجاه المعاكس.

الفتى الذي كان يجري نحو الفتاة عاد بسرعة مضاعفة.

'إيه؟؟؟ …'

هبوب رياحٍ غريب مرّ عبر المجموعة.

كان الأمر كما لو كان شيئًا سريعًا يمرّ بجانبهم.

شيئٌ سريعٌ جداً.

بووم!.

بسرعة أسرع من سرعة الرّصاصة، إنتشرت سحابة غبار هائلة عبر المكان.

كلاك! كرييك!.

صوت الإصطدام و الإنجرار عبر الرّمال إخترق الأذان.

تمّ سماع صوت صفع، ثمّ إنتشرت سحابة غبار، و أصبح المكان ضبابيًّا، كلّ شيئٍ حدث في لحظة.

‟ … هاه؟ ”

لم يفهمو ما جرى.

‟ اا- آااه … ”

صوت أنين حمل بؤس العالم و مظالمه خرج من ورائهم.

بينما رأسه محشور في الرّمال و ساقيه متدلّيتين في الهواء، خرج صوته المتألّم من تحت الرّمال.

يمكن بوضوح رؤية خطّ الرّمال الذي رسمه الفتى بقوّة الصّدمة.

كانت جثّته ترتجف قليلاً قبل أن يتوقّف عن الحركة.

على الأغلب هو فقد وعيه.

كان من غير المعقول رؤيته قد طار هذه المسافة كلّها.

لكن الغير معقول حدث أمامهم.

رغم ذلك، كان ليون يقف في مكانه بيديه وراء ظهره كما لو لم يحدث شيئ.

حدّق ببرود نحو تكشّف الوضع لا غير.

'ماذا؟ هل حدث أمرٌ ما؟'.

كان تعبيره كما لو أنَّه يتسائل عن ما يحدث.

مرّت قشعريرة عبر العمود الفقري لمجموعة فرناندو التي رأت الأمر أمام أعينهم.

السّماع عن قوّة شخصٍ ما و رؤيتها بعينك ليس نفس الشّيئ.

كانوا قد أتوا فقط بعد أن تمّ إخبارهم بشأن جائزة الأستاذ ديوس.

لم يأتي عددٌ كثير من الأشخاص لمشاهدة سقطة ليون في المقام الأول.

كانت معرفتهم مقتصرة على ما أخبرهم به الأخرون.

لكن لم يصدّق أيٌّ منهم الأمر تماماً.

'البشر مخلوقاتٌ تميل للمبالغة'.

كانت تلك طبيعة البشر، و إحدى طبائعهم أيضاً عدم تصديق كلامٍ يحكي عن مدى قوّة أو روعة شخصٍ أخر.

من الأسهل دائماً تصديق النّقمة عن النّعمة.

رغم ذلك، ها هو ما لا يصدّقونه أمام أعينهم يتجلّى.

ماذا؟ لماذا؟ أين؟.

كانت الأسئلة تلوح في الأفق، لكن لم يكن هناك وقتٌ للرّاحة.

الفتاة لم تضيّع الفرصة و بادرت بالهجوم.

بسبب ذهولهم، صدّوها بصعوبة و تمّت إصابة أحدهم

كيف تحوّل الأمر فجأة لصراعٍ جاد؟.

في كلّ مرّة توضع في موضع غير مؤاتٍ، كانت تهرب نحو مكان ليون و تستعيد أنفاسها.

الأسوء كان توجيه ليون لها.

تمّ قطع الملحقات الّتي لبسها ثلاثة منهم بالفعل عندما تحدّث ذاك الفتى، إنّها مسألة وقتٍ حتّى يخسروا أفضليّتهم.

كان هذا مثيرًا للحَنقِ بحق!.

إستمرَّت معركة الكرِّ و الفر بين الفتاة الوحيدة و مجموعة فرناندو.

‟ عليكِ الإجهاز عليهم بسرعة، كنت سأترككِ تستغرقين وقتك، لكن لم يعد لدينا ذلك ”

قال ليون بصوتٍ عميق.

كانت الفتاة على وشك التّحرّك مرّة أخرى.

مع ذلك، توقّفت في مساراتها فجأة.

شعورٌ غريزي بالخوف إجتاح كيانها.

نبض! نبض!.

صمتت البيئة فجأة.

صامت أصبح المكان، لدرجة سماع صوت نبض القلب.

الخوف و الرّعب، كما لو أنَّ الجسد يستجيب، إندلع العرق البارد و إزدادت سرعة النّبض.

إنهَّ على حدٍّ سواء، أكان ذلك للعدو أو الحليف.

شعورٌ مألوف، و في نفس الوقت هو غير مألوف.

شعور مقابلة المفترس.

و ذلك أتى من شخصٍ واحد.

بينما أصبحت عيناه غامقة، حدّق ببرود للصعاليك أمامه.

هالة مخيفة خرجت من جسده.

إخترقت عيناه بلون الدّم المجموعة أمامه.

كانت عيون المفترس تنظر نحو الأرانب بتسلية.

‟ … أنتم ”

أشار بأصبعه نحو الأعلى.

غريزة الخوف دقّت ناقوس الخطر.

‟ رؤوسكم عالية حقًّا ”

إنتهت كلماته ،و إتّجه الإصبع لأسفل.

أمام ناظريهم وقف، يتبسَّم كما لو رأى مجموعة من الرّعاع.

مخلوقات لا تعرف قدْر نفسها.

لم يشعر أحدٌ بالرّغبة في الإلتفات لأي إتّجاه.

كما لو كانت الجاذبيّة تأمرهم بالخضوع، فقدت أجسادهم القوّة قبل أن تسقط ركابهم نحو الرّمال.

العالم يستجيب للأقوى.

الضّعيف ليس له حقوق.

كان الجسد يرتجف بلا حسيبٍ أو رقيب.

أنظر نحو الأسفل.

لا تجرؤ على التّحديق إلى أيِّ مكان.

لا تتعدّى حدودك و تهزّ ناظريك في الأرجاء.

إيّاك و التّنفّس بصوتٍ عالٍ حتّى.

لا ترفع رأسك أبداً.

هكذا لن تموت.

حتّى الفتاة بجانب الصبي لم تجرؤ على التّنفّس بأريحيّة.

إندلع العرق البارد عبر وجهها.

كانت تقاوم لحشد أيّ قوّة في ركبتيها للبقاء واقفة.

غريزة البقاء تطغى على العواطف.

سواء كانت حليفًا له أم لا، أمام المفترس، يتناسى المرء أيّ رغبة في البقاء بقربه.

الخوف من الموت ليس ما يمكن التّخلّص منه ببساطة.

‟ همم ”

صوت الهمهمة خرج بهدوء.

كان صوته هادئًا جداً، و مع ذلك، أمكن للجميع سماعه بوضوح.

تقطّر.

لسببٍ أو لأخر، نزل العرق البارد من على جباه المجموعة.

كانو أكثر عددًا بكلّ تأكيد، لكن ما المغزى؟.

مهما تدافع الأرانب نحو النّمر، كان كلّ ما يمكنهم فعله هو إنتظار الذّبح بأسى.

‟ أنت، صاحب الشّعر الأشقر. ”

أشار بيده نحو أحدِ أفراد المجموعة.

لم يجرؤو على رفع رؤوسهم حتّى بعد حديثه، لكنّهم عرفوا طبيعيًّا من يقصد.

كان هناك شخصٌ واحد بذلك الوصف بإستثناء فرناندو في المجموعة.

فتى بشعرٍ أشقر و عيونٍ خضراء.

شعر الفتى الأشقر بقلبه يتوقف للحظات.

'… لماذا أنا من بين الجميع؟'

حدّق في مجموعته طلبًا للعون، لكن مثله، لم يجرؤ أحد على الحركة أو الحديث.

'هؤلاء الخونة الجبناء!'

لم يجرؤ على ترجمة أفكاره لكلمات مهما كان شعوره بالظّلم باقيًا.

كيانه صرخ له بعدم إرتكاب أيّ خطأ.

وقف بصعوبة، لكن رأسه لم يتمّ رفعه.

مرّ الوقت في صمت.

‟ ألن تأتي؟ ”

صوتٌ جليدي يجمّد البحار أتى من فم ليون.

في هذه اللّحظة، صوته حمل ضغطًا مرعبًا.

‟… أ- أنا أتٍ ”

شعر الفتى بقدميه تصبح ضعيفة، لكنّه تقدّم على مضض.

عندما إقترب لمسافة كافية، أشار ليون إليه للتّوقّف.

‟ أيّتها الصّغيرة، قومي بقتاله من دون إستخدام الهالة، مسموحٍ لكِ إستخدام التشي لتقوية و حماية جسدك فقط ”

كما لو كان وهمًا، إختفى تعبيره القاسي فجأة، و معه إختفى الضّغط المرعب.

كان يحمل إبتسامة بسيطة و أجوائه نضجت بالرّواقيّة.

لم يزل الرّعب من قلوب الأشخاص بعد.

تتغيّر المواقف و تتوالى الأحداث في الحياة بسرعة، العواطف تتلاشى ببطئ.

مع ذلك، الفتاة إستعادت رباطة جأشها و خطت للأمام.

حتّى و لو كان ذلك بجسد يرتجف قليلاً.

بعد التّنفّس لوهلة، أصبح تعبيرها باردًا.

لا نفع من ترك العواطف تسيطر عليها، شحذ سيفها هو ما يهمُّ الأن.

ناهيك عن أمر تأكيد ما إن كان الدّفاع شيئًا تحتاجه بشدّة أم لا.

هجوم.

هجمت الفتاة من دون ترك فرصة لعدوّها للإستعداد.

الفتى الذي تمّت مهاجمته على حينِ غرّة حاول تجنّب هجوم الفتاة بطريقة عرجاء.

لكن لم يمكنه فعل شيئ أمام البغتة المفاجئة.

‟اااهع! ”

عندما لم يفهم ما حصل، شعر بشعورٍ حاد بالألم، في بطنه.

خرجت صرخة بائسة غريزيًّا من فمه.

الّلعاب و الهواء تطاير من الفم كما لو كان يريد إخراج الأعضاء الدّاخلية للجسد.

الفتاة التي باغتت الفتى بسيفها تركته فجأة عندما قامت بلكمه بقوّة في البطن.

بالطبع، هو لم يفهم ما حصل.

في عينيه، كلّ ما رأٓه هو وميض السّيف مع إقتراب الفتاة منه فجأة، و ذلك عندما شعر بشعورٍ حارق بالألم في معدته.

للأسف، لم يقتصر الأمر فقط على ذلك.

قبل أن تنهي الفتى أمامها، إلتفّ جسد الفتاة الشّابة لليمين قبل القيام بركلة دائريّة.

ضربة مباشِرة للوجه.

'هذا سيؤلم فكّه إن لم تسقط أسنانه'

أخرج ليون صوت تعجّب كما لو كان يستمتع بقتالٍ للأطفال لأوّل مرّة.

بسبب التأثير السّابق للضّرب المفاجئ، فقد الفتى أنفاسه و وعيه للحظة، لذلك لم يتدارك الرّكلة الأتية لجانب وجهه.

لم يستطع فمه إخراج الأنين من شدّة الألم.

طار جسده لمسافة قليلة قبل السقوط و فقدان الوعي.

كان عرض ليون السّابق للقوّة غير واضح و لم يتداركه الوعي البشري، لذلك لم يمكن لأحد تقييمه.

لكن هجوم الفتاة يمكن القول أنَّه جميل حقًّا.

كان جسدها رشيقًا و حركاتها إنسيابيّة.

لو لم تكن هي العدو، لأرادت مجموعة فرناندو التّصفيق لحركتها الرّشيقة و المبهرة.

للأسف، كان ذلك نقمة أكثر منه كنعمة.

عدوٌّ واحد سقط.

ــــــ* * *.

عبر الأفق عند المكان الذي ترسو فيه السّفن، وقفت مجموعة من الأشخاص البالغين بينما تحدّثو.

‟ لا يهمُّ كم أفكّر في الأمر، يبدو أنَّه هو ”

‟ قد لا يكون هو أيضاً، لكن طريقة دخوله هي بالضّبط كما قال المدير ”

‟ ذلك يعني فقط أنَّ ما إنتظره الأشقياء الأخرون على وشك الحدوث ”

تبادلت مجموعة من الأساتذة الأراء بينما حدّقو في السّفينة التي تقترب من المكان.

كانت أصواتهم تحتوي على بعض البهجة.

إنتظارهم الطّويل وصل لنهايته أخيراً؟.

التّفكير في الأمر فقط جعل الفراشات ترقص في بطونهم.

‟ لا يمكننا تأكيد أيّ شيئ، سواء كانو ورَثَة شفق الماضي، أم مجرّد مجموعة من الرّعاع، مدير الأكاديمية فقط من يمكنه كشف ذلك ”

صوتٌ بارد أخرج المجموعة من أحلام اليقظة.

'هذا الشّخص … بدء مرّة أخرى!'

'نفهم أنَّك تلقّيت التهجّم من ذلك الشّقي، لكن لا دخل لنا بالأمر'

'أتركنا نحلم و لو قليلاً، أيها اللّقيط سليط اللّسان'

إبتسم جميع من في المجموعة بإشراق، بإستثناء ديوس، بينما يشتمون داخليًّا.

‟ معلِّم، أسفة لوقاحتي، لكن هل لي بسؤال حضرتك؟ ”

صوت بدا كصوت إمرأة شابّة خرج من وراء مجموعة المعلّمين.

إلتفت المعلم المشرف ديوس، الذي كان يحدق في السفينة المقتربة، إلى الوراء.

‟ … رئيسة مجلس الطّلاّب، هلّا تكرّمت علينا بسبب حضورك؟ ”

‟ هناك ما تريد هذه الصّغيرة معرفته ”

فتاة شابّة بشعرٍ أبيض فضّي و عيون زرقاء مائلة للون البنفسج، إبتسمت برفق كما ردّت بإقتضاب.

رئيسة مجلس الطّلاّب للأكاديمية، موهبة جيلها، من المفترض الأن أنَّها تدرس في السّنة الثّالثة.

لا داعي لذكر أنَّها الأولى على دفعتها، منذ تسجيلها في الأكاديمية، لم يتفوّق عليها أحد.

ليس ذلك و حسب، حتّى أنَّها تفوّقت على من يكبرها بالفعل.

سواء كان من الكبار أو الصّغار، كان الجميع يحترمها، لدرجة أنَّ الأمر وصل لمرحلة التبجيل و التوقير.

عرف الكثير من النَّاس قصّتها بشكلٍ عام.

نجمة عشيرة الّليل الأبدي.

عندما كانت عشيرتها في فترة سقوط بسبب الحروب الأهليّة التي حدثت في المنطقة، برزت موهبة الفتاة و أصبحت أمل العشيرة.

من ذكائها الحاد إلى معرفتها المذهلة للفنون القتاليّة، ناهيك عن شخصيّتها المحبّة.

لقد كانت الشّخص المحبوب من قبل الشّيوخ و رئيس العشيرة.

رغم عدم كونها الوريث الرّسمي للعشيرة، فقد كان جلّ الإهتمام ينصبُّ عليها.

هذه هي رئيسة مجلس الطّلاّب لأكاديمية ضوء الهلال، أوليفيا رومانوف.

بدلاً من الإهتمام بأعمال مجلس الطلبة، هي هنا تستفسر عن سؤال؟.

هل كانت شخصًا مرتاحًا و غير مشغول لدرجة مجيئها للسّؤال عن شيئٍ ما بهذه السّهولة؟.

'غير محتمل إلى حدٍّ بعيد'

شكّك ديوس في أنَّ ذلك ما أتت من أجله.

'هل تخبرني أنَّها مصادفة مجيئ رئيسة مجلس الطلبة، في مثل هذا اليوم من بين كلّ الأيام، لطلب المشورة؟'

بالتّأكيد هناك شيئٌ ما.

لكن للأسف، لم يستطع معرفة ما هو ذلك الأمر بالتّفكير فقط.

المعلومات غير موجودة، ناهيك عن أنَّ لا وقت لديه للإنغماس في أفكاره لفهم نوايا هذه الفتاة الصّغيرة و لكن النّاضجة.

لطالما كانت هكذا، في كثيرٍ من الأحيان، كانت طريقة تفكيرها الفريدة تسبّب المشاكل.

لقد حاولت في مناسباتٍ عدّة التّدخّل في قواعد الأكاديمية.

ناضلت مرّاتٍ عديدة أيضاً لجعل الظروف مؤاتية للطلبة في كلّ الأشياء.

لم يكن هناك وقتٌ سلمي منذ تولّيها منصبها كرئيسة للهيئة الطّلاّبيّة.

بطبيعة الحال، جعلها ذلك تتعارض مع رئيس هيئة التدريس في مناسباتٍ كثيرة أيضاً.

يمكن القول أنَّ علاقتهما كطالب و أستاذ هي علاقة شدٍّ و سحب.

الكلام أحد أفضل الطّرق لكشف النّوايا، و إن كان يكشف القليل منها.

هكذا تعامل الإثنان مع بعضهما دائماً.

‟ لكي تتعب رئيسة مجلس الطّلاّب المشغولة نفسها بالسّؤال، فضولي بدء يزداد ”

‟ هيهي~ إنه ليس بالشيئ الكبير يا معلّم، لا تقلق ”

أطلقت ضحكة محرجة بينما تلوّح بيدها كما لو لم يكن الأمر بالشيئ المهم.

هي لن تكشف شيئًا في هذا الموقف؟.

فكّر ديوس بما يمكن أن يكون، لم يتبادر للذّهن أيّ شيئ.

'حسنا، بما أنَّها قالت أنَّ الأمر ليس مشكلة، فهذا مريح'

رغم تعارض أرائهما في معظم، إن لم يكن كلّ الحالات، فقد كان هدفهما هو نفسه.

حماية الطلاب و راحة الأكاديمية.

هي لن تحمل مثل هذه الأجواء المريحة لو كانت هناك مشكلة.

بالطبع، فضوله لم يقل.

رغم أنَّه لا يبدو من ردّ فعلها أنَّ هناك مشكلة، لا زال لبُّ المشكلة موجودًا.

لماذا تركت مشاغلها الكثيرة؟.

كما لو كانت تعلن عن عدم الإجابة، إبتسمت أوليفيا برفق و لم تنبس ببنت شفاه.

إستمرَّ الصمت الخانق بينما حدّق المعلم المشرف ديوس بالفتاة التي تبتسم بغموض.

‟ … على أيّ حال، بينما ننتظر السّفينة، ألا تعتقد أنَّ علينا الدردشة قليلاً؟ ”

إقترح أحد المعلّمين عندما شعر بالإختناق من الجوِّ غير المريح.

‟ هذه فكرة جيّدة ”

صفّقت رئيسة مجلس الطّلاّب بيديها برفق كما لو أعجبتها الفكرة.

كان الجو غير المريح باقيًا بطريقة مجهولة حتّى أثناء الحديث.

لسببٍ ما، كانت كلمات أوليفيا و ديوس محدّدة بشدّة كما لو كانا يكشفان عن نوايا بعضهما.

'هذان الإثنان كالقط و الفأر، و نحن من عليه تحمّل أوزار الضّغط، تبًّا!'

ظهرت إبتسامات مريرة على وجوه المعلّمين و الطلبة المرافقين لرئيسة مجلس الطّلاّب.

كان هؤلاء الطّلاّب هم بطبيعة الحال أعضاء في المجلس أيضاً.

لقد رافقوا أوليفيا كالحرّاس الشخصيين.

لكن في حقيقة الأمر، كانوا هم من كبحوها عن التصرّف بتهوّر.

لقد كانت من النّوع المتحمّس للمشاكل و الأشياء غير المألوفة.

إن لم يكن بسببهم، لربّما كانت الدّوّامة التي أحدثتها في الأكاديمية أكبر ممّا هي بالفعل.

'أيتها السّفينة الملعونة! أيُّ أحد، تعال بسرعة و أوقف هذان الإثنان!'

تمنّى كلّ من هنا، بإستثناء شخصين، من قلوبهم إنتهاء هذا الوضع غير المريح.

في مسافة ليست بالبعيدة، داخل الأدغال، يمكن رؤية شابّين يمشيان برفق مع تعابير منزعجة قليلاً.

‟ اغغ! ذلك اللّعين! لهذا السّبب قام بتلك المهزلة؟ حتّى أنَّه حسب حساب إعطاء هذه الرّسالة لي … هذا مزعج! ”

‟ تسك تسك تسك، يا فايرون، لماذا أنت منزعج من هذا؟ ما يزعجني أهم من تلك المسألة التّافهة! ”

‟ ما قصدك يا لوكي؟ ”

مستشعرًا الإنزعاج العالي في نبرة صديقه، سأل فايرون برفق.

‟ هذه الهالة … أنا متأكد! إنَّها هي! كنت أعرف أنَّها تدرس هنا، لكن لم أتوقّع مقابلتي لها بهذه السّرعة! يا للإزعاج … ”

كان صوته مشوّب بالسّخط، كما لو كان سيقابل شخصًا لا يرغب بلقائه.

‟ أعتقد أنَّ الأمر سيكون مزعجًا، لكن إبقى قويًّا ”

ربّت فايرون على كتف لوكي، كما لو كان يشجّعه.

عند معرفة أنَّ المشكلة الحقيقية تواجه صديقه بدلاً منه، أحسّ بشعورٍ أفضل.

‟ … وجهك يغضبني لسببٍ ما ”

تمتم لوكي كما لو كان غير متأكّد، شعر حدسيًّا بتعبير فايرون كما لو كان ساخرًا.

‟ هاهاها! ماذا تقصد؟ أنا أدعمك الأن، فماذا تقول؟! هيا هيا، يجب أن نسرع! ”

سرّع فايرون خطواته كما لو أراد تجنّب الحديث أكثر.

تنهّد لوكي برفق و تسارعت وتيرة مشيه أيضاً.

'هذه المرأة، أمل أن لا تقوم بعمل مشهد فقط، بعد هذه السّنين الطِّوال، يجب أن تكون مشاعرها مختلطة تجاهي'

فكّر في ذهنه بينما يمشي بسرعة.

'أيًّا كان، ذلك لم يعد من شأني'

تجاهل الأمر ببساطة، أصبح لديه أهداف أهم على المحك، مثل هذه الأشياء الثّانوية لم تحتلّ جانبًا مهمًّا من ذهنه.

مشاحنات الأطفال لم تعد تثير فيه أيّ إهتمام.

بعد الخوض في المعارك و تقلّبات الحياة، إختفى كلّ الإستياء الّذي يحمله تجاه الأخرين.

في كثيرٍ من الأحيان، عاش هذا الفتى حياةً حيث يجب عليه إحناء رأسه للأخرين و ترك مصيره بين يديهم.

لقد إحتقر الشّعور المرير بدوسهم عليه في كلِّ مرَّة، و بسبب كونه ضعيفًا في ذلك الوقت، لم يكن هناك ما يمكن فعله.

إستياءه كان يزيد فقط.

على الأقل، حتّى يوم بسْطِ أجنحته للعالم، كان كذلك.

بعد المرور برحلة متعرّجة في حياته، أصبحت عيونه واضحة، و لم يبقى من إستياءه شيئ.

العزم لتحقيق الأهداف هو ما بقي، كلّ شيئٍ أخر ما هو إلاّ نتائج ثانوية لذلك.

‟ العالم في كثيرٍ من الأحيان غير عادل، و هذه هي متعته بالتّحديد، لما أجعل ذلك عذرًا للإستسلام؟ ”

هكذا هو، بسيط و بلا تعقيد.

ضحك لوكي لنفسه بعد معرفته أنَّ مثل هذه الحقيقة البسيطة قد إستعصى عليه معرفتها إلاّ بعد بذل جهودٍ عالية.

'لماذا يضحك هذا الأبله لنفسه فجأة؟'

فايرون، الذي كان بجانبه و لم يعرف أفكاره الدّاخلية، شعر أنَّ صديقه أصبح مجنونًا و هو يضحك بطلق الطريقة المخيفة.

على أيّ حال، إقترب الإثنان من وجهتهما.

كان الضّوء الذي تحجبه الأدغال يلوح في الأفق.

الشاطئ أصبح على مرمى الأبصار.

مع ترك تنهيدة و إنزعاجهما ورائهما، تقدّم لوكي و فايرون بثقة.

بدء العمل.

بالنّسبة للمجموعة السّابقة، كان الحديث في أوجه.

‟ رئيسة مجلس الطّلاّب، ألا تعرفين؟ عندما يقع الإبن في مشكلة، يجب على الأهالي تحمّل أوزارها، أليس كذلك؟ ”

قال ديوس بصوتٍ عميق، كما لو كان يلمّح لشيئٍ ما.

‟ اوهوهو~، أنت محقٌّ بالتّأكيد يا معلّم، لكن من قال أنَّها مشكلة يتعامل معها البالغون؟ قد تكون مجرّد مناوشة بين الصّغار، ألا توافقني الرّأي؟ ”

ضحكت الفتاة أوليفيا، مع وضع يدها أمام فمها، كانت تنضج بهالة من الغموض.

‟ يمكن للمناوشات أن تأخذ منحى هائلاً في بعض الأحيان، ألن يضرّ الحذر؟ ”

‟ أوه؟ هذا ما يقلقك يا أستاذ؟ لا داعي لهذا، إنَّها مشكلة بسيطة، كما تعلم؟ ”

'تسك، هذه الشّقيّة لن تلين حتّى الأن؟'

'أسفة، لكن لا تتوقّع منّي قول أيّ شيئ، أيها الأستاذ اللّعين'

ضحك الإثنان لبعضهما بود، كما لو كانت محادثة عائلية دافئة تختمر.

للأسف، بالنّسبة للجمهور، كانت الدردشة "العائليّة" هذه مرهقة للأعصاب.

‟ اوه اوه؟ أنظرو من هنا؟ لقد كنتم هنا بالفعل؟ ”

كما لو كان يستمتع بتهريج الموقف، خرج صوتٌ مرح من الأدغال.

'الحمدلله!'

'لا أعرف من أنت، لكن يجب عليّ شكرك لاحقًا!'

الضّيف المجهول كان موضع ترحيب، سواء للطلاب، أو المعلّمين.

بالطبع، لم يكن ذلك سارًّا للجميع.

إلتفت الجميع، ليروا شابّان وسيمان يتّجهان نحوهم بخطى واثقة.

كان من الأكيد القول أنَّ مظهرهما بدا كأبطال الحرب في القصص التاريخيّة.

شابٌّ ذو شعرٍ كستنائي كالخريف، و عيون تنّينيّة بنفس اللّون، مع بشرة بيضاء صافية و نظرة حازمة.

كانت عيناه تلمع من حينٍ لأخر، كما لو أنَّها تؤكّد على هيمنته.

الرّداء الذي لبسه رفرف بأكمامه مع الرّيح.

يمكن رؤية إبتسامته الجريئة، ظهرت من بعيد كمن يتحدّى العالم، هيمنة مطلقة تنضج منه.

لم تنقص خطواته الواسعة من مظهره المتغطرس، بل عزّزت من ذلك الإنطباع فقط.

كان مظهره يذكّر المرء بالنّار المستعرة في الجحيم.

جريئ، حازم، و ينضج شعلة هائلة.

الفتى بجانبه كان يشبه العكس.

شعره الفضّي اللّامع ذكّر المرء بالثّلج المتساقط في اللّيل.

عيون البنفسج لمعت ببرود، كما لو أنَّها تخترق الرّوح.

كالرّفيق بجانبه، ضحك الفتى بحرارة في مواجهة الجمهور.

لكن تناقضت ضحكته تماماً مع ما أظهره.

شعر أيّ شخصٍ يواجه ضحكته بالبرودة و القشعريرة.

بدا بالضّبط كالجليد في صقيع البحار المتجمّدة.

قشعريرة، بارد و حاد.

التّناقض بين هالات الإثنين جعل المرء يتساءل كيف يمكن لهذين الشخصان المشي بجانب بعضهم بمثل هذه الأريحيّة.

‟ نحن هنا بالفعل…؟ أيّها الطّالب، من الأفضل أن يكون لديك تفسير مناسب لدخولك المفاجئ، بينما يفترض بك البحث عن الطالب ليون إيفينيوس ”

كممثّل للمجموعة، تحدّث ديوس ببرود كما حدّق بصرامة نحو الإثنين أمامه.

‟ أنت تمزح بالتّاكيد يا أستاذ~! كيف أزعج نفسي بعمليّة صيدٍ فاشلة؟ هناك فرق كبير بين محاولة صيد سمكة تونة و قرشٍ كاسر، ألا توافقني؟ ”

أجاب الفتى أبيض الشّعر بنبرة لطيفة و ضحك كما لو سمع نكتة مضحكة.

'… عمليّة صيدٍ فاشلة؟'

'و ما هو القرش الكاسر؟'

كان عدد الطلبة الملاحقين لليون في البداية ضئيل، لكن مع الوقت، من المفترض أن يزداد العدد نظرًا لرغبة الجميع بنقاطٍ إضافيّة، بالذّات ذلك عندما كانوا طلبة جدد.

سيرغبون بكلّ تأكيد في جعل فرصهم مؤاتية في الإمساك به، كان ذلك بسبب أنَّ الجزيرة ضخمة، لا يمكن لمجموعة صغيرة أن تأمل في إيجاده بسهولة.

و الأن يقول هذا الفتى، الذي أتى من اللّامكان فجأة، أنَّهم سيفشلون؟.

أراد بعض أعضاء مجلس الطّلاّب السخرية من كلامه السّخيف، لكن الهالة و الثّقة التي نضج بها الفتى جعلتهم غير قادرين على الحديث.

‟ … هل هو كذلك؟ يمكنني إعتبار كلامك سخرية من الأكاديمية، لأنّك تشكّك في إمكانيّة ذلك، كما تعلم؟ ”

كما لو لم يهتم بشكوك الأخرين، تحدّث ديوس بينما ينتظر إستجابة الطّرف الأخر.

كان من الغريب قوله كلماتٍ واهية كتلك، يبدو أنَّه يريد من الشابّين مناقضة كلامه؟.

لقد صدم المعلّمين، هو ، المعلّم المشرف ديوس الشّخص سليط اللسان، قال حجّة واهية؟.

‟ همف، لم يبدأ أحدٌ من السّنة الأولى بالتّعلّم بعد لتعتبر ذلك تشكيكًا فيكم، ناهيك عن أنَّ حفنة من الرّعاع لا يمكنها القيام بشيئٍ كهذا، ذلك ما لم يكن أحدهم بقوّتي على الأقل ”

صرّح الفتى المقابل لأبيض الشّعر عندما شخر ببرود.

كان صوته مليئًا بثقة تتناسب مع مظهره.

‟ أوه~ هيا يا فايرون، لا تقل هذا~ سيغضب النّاس عند سماع هذا، هاهاها! ”

ضحك الفتى بجانب فيرون كما لو وجد الأمر ممتعًا.

‟ لكن هل يوجد خطأ في كلماتي يا لوكي؟ ”

‟ لا، كلامك صحيحٌ تماماً ”

‟ إذاً يجب عليهم قبول كلامي ”

‟ تسك تسك، أنت لست لبقًا مع النّاس، لا أدري كيف تحبّك النّساء مع سلوكك هذا ”

‟لا تقل شيئًا مشؤومًا، أنا خائف من أنَّ إحداهنّ تلاحقني بالفعل ”

إرتجف فايرون كما نظر من جانب لأخر، كما لو يتأكد من أنَّه ليس مُلاحقًا.

'على نحوٍ غريب، إنّهما متوافقان جيّدًا'

'صحيح، صحيح، هل هو بسبب مظهرهم المتناقض؟ أشعر بأنَّ ديناميكيّتهما متناسقة تماماً'

' … الن تذكروا أمر إهانتهم للأخرين؟ على محمل الجد؟'

تبادل الطّلبة و المعلّمين التّحديق كما بقوا صامتين.

يمكن لهم فهم ما أرادوا قوله بدون كلمات، هذا أظهر أنَّهم إعتادوا على مثل هذه المواقف بالفعل.

‟ بعيدًا عن المهزلة، أنا أتيت لتأكيد ما يجب تأكيده، يا أستاذ ”

برؤية المظهر الصّامت للجمهور، سعل الفتى أبيض الشعر، أو كما ناداه صديقه بإسم لوكي، قبل أن يتحدّث.

‟ لا حاجة لي للقول، المدير يقبع في السّفينة، أليس كذلك؟ ”

‟ … ماذا قلت الأن؟ ”

خرج صوتٌ مرتبك من فم ديوس.

هل قال الأن فقط …؟

‟ لم تسمع؟ أشكُّ في هذا، يا أستاذ، أعتقد أنَّ الأوان قد فات بالفعل على التظاهر بالجهل، ألا تواقفني يا فايرون؟ ”

‟ هيهي~ ربّما هو كذلك، ربّما ليس، الأستاذ من يقرّر ذلك! ”

ضحك فايرون برفق كما لو أنَّه لن يتدخّل في الأمر.

' لا تقحمني، تعامل مع الأمر بنفسك، أيها الوغد'

'تسك، بلا فائدة'

في مواجهة تهرّب زميله، نقر لوكي على لسانه بإنزعاج غير خفي.

وجّه أنظاره نحو الشّخص أمامه.

‟ أنت … إلى أيّ مدى تعرف؟ ”

صوتٌ بارد.

العيون النّاظرة له لم تكن لطيفة، على العكس من ذلك، كان هناك نيّة قتلٍ خفيّة تحتها.

‟ ما رأيك الأن؟ أنت مستعدٌّ لسماعي الأن، أليس كذلك؟ ”

لم يتوانى الفتى أبيض الشّعر، على العكس، قابل الشّخص أمامه بعيونٍ بدت كالصّقيع.

إنتشر جوٌّ خانق في المكان.

أمام هالة ديوس، لم تتراجع الهالة الجليدية للفتى، بل تصاعدت فقط.

‟ أعتقد أنَّ من الأفضل إنتظار المدير بدلاً من الثّرثرة غير الضّروريّة. ”

‟ أنا أوافق. ”

عندما إقترح الأستاذ المشرف ديوس، هزَّ لوكي رأسه بالموافقة.

الجوُّ الخانق لم يتراجع.

'ما مشكلة النّاس اليوم؟.'

'بحقّك، ألا يمكنكم الحديث بودّيّة و سلام؟.'

'عملي الحبيب، أريد الرّجوع للمكتب مع أوراقي الثمينة'

بكى الأشخاص بِأسى على حظّهم.

لكن من يمكنهم أن يلوموا؟.

ثلاثة مجموعات من الأشخاص وقفوا بصمت ينتظرون السّفينة العائمة نحوهم.

رئيسة مجلس الطّلاّب، و التي كانت صامتة بشكلٍ غريب حتّى، واقفة أمام أتباعها.

رئيس هيئة التّدريس، ديوس الذي حمل أفكاره الخاصّة، وقف بصمت مع الأساتذة المرتبكين.

و أخيراً، شابّين وقفا بينما يحدّقان عبر الأفق.

كان تشابك العلاقات الذي يحدث غير مفهوم.

2024/05/22 · 32 مشاهدة · 4300 كلمة
نادي الروايات - 2025