الفصل 177 - القتال الأول (2)
--------
[تنبيه!]
[لقد تجاوز المضيف الـ—]
تجاهل أوستن الأمر. كان النظام قد حذّره من قبل. لم يكن ذلك يهمّه أبدًا.
كانت الزنزانة تغرق في النار والفوضى. كانت مخلوقات الماغمادون تجتاح المكان—سحالي شاهقة تنفث الحمم، ذات مخالب كأنها شفرات مسننة. الأرض تهتز تحت زحفها، وأنفاسها المصهورة تجعل الهواء حارقًا لدرجة التقرّح.
كان قد قضى بالفعل على أكثر من ثلاثين. ولم يكن ذلك كافيًا.
اندفع أحد الماغمادون، ولسانه المصهور ينقض نحو وجهه. زززت! دار أوستن في اللحظة المناسبة، لكن الحرارة لسعت كتفه، واخترقت درعه. الألم بالكاد سُجّل قبل أن تصطدم به وحشية أخرى من الجانب. كراك! صرخت أضلعه بينما تحطم على صخرة مسننة، والدم يسيل من شفتيه.
ومع ذلك، لم يتوقف.
كان رايجين ينبض في يديه، والبرق يلتف حول الفأس كوحش حي.
زمجر ماغمادون آخر واندفع نحوه—واجهه مباشرة. هبط فأسه كهدير الرعد، شاقًا الوحش إلى نصفين. تدفقت الحمم من جثته، متناثرة على ساقه. الألم كان فوريًا، ساخنًا كالجمر، لكنه اندفع إلى الأمام، ممزقًا الوحش التالي قبل أن يتمكن من الهجوم.
آخر مزّق ظهره بمخالبه—تمزق اللحم، وتناثر الدم، لكنه شد على أسنانه واستمر في التقدم.
واحد. اثنان. ثلاثة آخرون سقطوا.
تشوّشت رؤيته. جسده كان يتحطم. لكن فأسه لم يتوقف.
اندفع البرق، وتحول إلى عاصفة موت—لا يمكن إيقافها، لا تعرف الرحمة، مغمورة بدماء أعدائه ودمائه هو.
استمرت تحذيرات النظام في الوميض. واستمرت جروحه بالتراكم.
أوستن لم يهتم.
لم يكن يريد التفكير بما حدث للتو. إذا فكر في فاليري والطريقة التي تركته بها، فإن عقله سيبدأ في تكرار أسوأ سيناريو ممكن.
حياة من دون فاليري.
لم يستطع منع نفسه من الافتراض أن فاليري، بما أنها عرفت ماضيه وأيضًا حقيقة أنه لم يحبها طوال هذا الوقت وكذب عليها، فإنها ستتخلى عنه.
والحقيقة أنه لا يمكنه لومها، فهذا كان خيانة، ولها كل الحق في أن تغضب منه.
لكن الانفصال عنه؟ لا، أوستن لن يسمح بحدوث ذلك.
" لا حياة بدونك، فال... " وبمجرد أن أدرك ذلك، طرده النظام قسرًا من الزنزانة، تاركًا أوستن بالكاد واعيًا بالقرب من مدخل القصر.
ظل أوستن ممددًا هناك لبضع دقائق، عندما فجأة،
"سيدي الشاب؟!" دوّى صوت مألوف وبلغ أذني أوستن.
سيباستيان.
كان سيباستيان قد خرج ليتفقد سيده بعدما عادت الآنسة (فاليري) إلى القصر، ومن دون أن ترد على أي أحد بشكل سليم، اندفعت نحو غرفتها.
كان سيباستيان قلقًا، فبالرغم من أن الأمر بدا غير معقول، إلا أن تصرفاتها كانت توحي بأنها تشاجرت مع خطيبها.
لكن سيباستيان لم يتوقع أبدًا أن سيده الشاب قد يصل إلى هذه الحالة في غضون دقائق.
أسرع فحمل أوستن بين ذراعيه وتوجه إلى داخل القصر.
"سيباستيان؟!" صاح سيدريك، الذي كان يتحدث مع آدم، عندما رأى ابنه محمولًا بين يدي سيباستيان.
أعلن كبير الخدم على عجل: "يبدو مرهقًا بالكاد يتنفس. علينا أن نستدعي معالجًا."
"لدينا معالج في السكن. خذه إلى الغرفة، وسأتصل بالطبيب."
أومأ سيباستيان، ثم، بتوجيه من إحدى الخادمات، أخذ سيده الشاب إلى غرفة في الطابق الأرضي.
——–**——-
" آه... "
إستيقظت فاليري في غيبوبة، وجفاف حلقها يدفعها لابتلاع ريقها بصعوبة. كان عطش لاهب ينهشها، يحثها على الحركة.
دفعت نفسها لتجلس، وتناولت كأس الماء بجانب سريرها. ومع انزلاق السائل البارد في حلقها، هدأت أفكارها.
الآن، بعدما نالت بضع ساعات من النوم، أصبح ذهنها أوضح—لم يعد فوضويًا كما كان من قبل. لكن مع الوضوح، جاء شيء آخر...
ذنب حاد لا يفارقها.
أصبحت قادرة على التفكير بوضوح الآن، والتفكير يعني التذكر—تذكر الطريقة التي تركت بها أوستن وحده.
ضاق صدرها.
"هل سيكون نائمًا...؟"
اندفعت بداخلها رغبة يائسة—حاجة لرؤيته، للتأكد من أنه بخير.
ومن دون تردد، خرجت فاليري من السرير وتوجهت نحو الباب.
كان الوقت قريبًا من الفجر، والضوء الخافت للصباح بالكاد يتسلل إلى أرجاء الممرات. لم تتفاجأ برؤية الخادمات يتحركن، وخطواتهن الهادئة تتردد في السكون. لكن شيئًا جعلها تتوقف.
كان هناك... شيء غريب.
بعض الخادمات لم يكنّ يمررن فحسب—بل كنّ يحمن حول غرفة معينة، يتبادلن النظرات القلقة وهنّ يتحركن بعجلة هادئة.
كانت الغرفة قريبة من مكان إقامة الملك والملكة.
تجهم وجهها بينما تسللت مشاعر القلق إلى عروقها. بدأ قلبها ينبض بسرعة أكبر.
تحركت قدماها قبل أن تلحق بها أفكارها.
نزلت الدرج، مرورًا بأضواء الشموع المتذبذبة، نحو تلك الغرفة.
ثم رأته.
كان سيباستيان واقفًا قرب المدخل، وملامحه المعتادة الهادئة قد اكتست بالقلق.
"سيدتي فاليري..." كان صوته خافتًا، محذرًا—منذرًا.
لكنها لم تتوقف.
تجاهلته، حاجباها معقودان، وتقدّمت عبر العتبة.
ثم—
"...آه."
غادرت أنفاسها شفتيها.
المنظر أمامها جعلها تتجمد.
كان هناك شخص واحد مستلقٍ على السرير. وجهه شاحب على نحو غير طبيعي، وصدره يرتفع ويهبط بأنفاس غير متزنة. مجهدة. ضعيفة.
أوستن.
استدار سيدريك وصوفي نحوها، وملامحهما مثقلة بمشاعر غير منطوقة.
لكن فاليري بالكاد رأتهما. لقد تقلّص عالمها إلى شخص واحد على ذلك السرير.
ارتعشت شفتيها وهمست، بصوت هش، مليء بعدم التصديق:
"كيف... حدث هذا..."
تقدّم سيباستيان نحوها قبل أن يتحدث بصوت هادئ وموزون.
"وجدناه قرب المدخل ليلة البارحة. يبدو أنه كان في معركة... أو ربما هو أثر المواجهة في صباح البارحة."
الكلمات بالكاد وصلت إليها. بدت بعيدة، كما لو قيلت تحت الماء.
تحركت قدماها من تلقاء نفسها، واقتربت منه أكثر.
نظرت إلى وجهه.
شاحب. هش. ساكن.
لقد كان حزينًا عندما تركته. والآن...
بسببها.
بسبب تصرفاتها... انتهى به الأمر هكذا.
انقبض حلقها بألم.
"لقد كان ينادي باسمك منذ البارحة..."
خرجت الكلمات من سيدريك، صوته مبحوح، وعيناه المجهدتان محاطتان بهالات.
تقطعت أنفاس فاليري.
"...لِمَ—لِمَ لم يوقظني أحد؟"
انكسر صوتها—مندهشة، لكن يحمل أيضًا شكوى صامتة، مؤلمة.
اغرورقت عيناها بالدموع.
"كنتِ تعانين من حمى،" جاء صوت آخر.
أمّها.
وضعت يدًا دافئة على كتف فاليري.
"لذلك لم نوقظك."
عضت فاليري شفتها، يتصارع في داخلها الإحساس بالذنب والغضب. لكنها لم تكن غاضبة منهم.
كانت غاضبة من نفسها.
ارتعشت أصابعها وهي تنغلق بقبضة ضعيفة.
"هل يمكنكم... تركنا وحدنا؟ من فضلكم؟"
كان صوتها بالكاد يعلو عن الهمس.
توسّل.
تبادل سيدريك وصوفي النظرات، قبل أن تهز الملكة رأسها بإيماءة صغيرة.
"نعم، بالطبع."
واحدًا تلو الآخر، غادروا الغرفة.
كان سيباستيان آخر من تردد، لكنه خرج أخيرًا.
وبصوت ناعم، أُغلِق الباب خلفه.
ثم—
أصبحت فاليري وحدها معه.
جلست فاليري على الكرسي بجانب السرير، وأمسكت بيده المرتجفة بأصابعها المرتعشة.
استمرت دموعها في الانهمار على وجنتيها بينما قرّبت يده إلى شفتيها، وطَبعت قبلة ناعمة على بشرته.
"فال..."
كان صوته ضعيفًا، بالكاد يُسمع—نصفه ضائع في الغيبوبة.
انقبض قلبها.
"أنا هنا... ولن أذهب إلى أي مكان،" طمأنته بلطف، وصوتها مشحون بالعاطفة.
رفرفت جفناه عند سماع صوتها.
ثم، حين تبيّنت رؤيته، رآها.
الوجه الذي اشتاق إليه قلبه.
"فال..." ناداها مجددًا، هذه المرة بدفء أكبر، وارتياح. لكنه لاحظ حينها دموعها المتدفقة على وجهها، وارتسمت الحيرة على ملامحه.
اعترى شفتيه عبوس طفيف.
"...جعلتك تبكين مجددًا..."
"لا، لم تفعل."
هزّت رأسها، وأمسكت يده بإحكام أكبر.
"إنها فقط... توبتي عن خطئي."
كانت تلوم نفسها.
رغم وعدها له—وقسمها—بأنها لن تتركه أبدًا، حتى لو وقف العالم كله ضده...
لقد تركته.
لأنها كانت ضعيفة.
"لا تبكي، فال... هذا يؤلمني..." همس أوستين، صوته مثقل بالألم.
وضعت فاليري يده الدافئة على خدها، وعيناها تتلألآن.
"لن أبكي، فقط تعافَ بسرعة... لا يمكنني وصف كم يؤلمني أن أراك هكذا."
ضحك أوستين ضحكة خافتة، وارتسمت ابتسامة مرهقة على شفتيه.
"آسف... تماديت كثيرًا. فقط... لم أتحمّل الفراق."
خرجت شهقة باكية منها.
دفنت وجهها في يديه، وهمست، "لمَ فعلت ذلك؟ ألا يحق لي أن أغضب؟"
اتسعت عينا أوستن.
هزّ رأسه بسرعة، "لا، بالطبع يحق لكِ! فقط... كنت أخشى أن—"
"أن أتركك؟"
ارتجف صوتها، يحمل في طياته الألم والعِتاب.
تجمّد أوستين.
لقد أساء إليها.
لبرهة، خيّم صمت ثقيل بينهما.
ثم، دون أن تنطق بكلمة، نهضت فاليري فجأة.
ومضة من الذعر ظهرت على وجه أوستين. هل ستتركه حقًا—؟
لكن قبل أن يرفع يده ليوقفها، تسلقت السرير إلى جانبه.
تقطعت أنفاسه عندما أحاطت ذراعيها حوله، وضمت جسده إلى دفئها.
لفّه عبيرها الناعم المألوف، وأنفاسها الهادئة لامست بشرته.
استخدمت ذراعه كوسادة، وهمست، "لقد قلت لك سابقًا... فاليري لا تنتمي إلا لأوستين."
وضيّقت احتضانها.
"وهذه الحقيقة لن تتغير أبدًا."