الفصل 180 - الإنسجام
---------
عادت ريا إلى بلدتها الأم.
بعد زيارتها للأكاديمية، تم توفير وسيلة نقل أوصلتها إلى هنا—إلى هاينفيل.
كانت البلدة تحت قيادة الفيكونت رويل، وكما هو متوقع من نبيلٍ يخدم تحت راية إيرندور، كانت البلدة مزدهرة.
لقد مرّ ما يقارب ثلاث سنوات منذ أن مشت في هذه الشوارع آخر مرة. كانت تبلغ من العمر خمسة عشر عامًا عندما غادرت، والآن، في الثامنة عشرة، بات بإمكانها أن ترى مدى تغيّر البلدة. أو بالأحرى، مدى نموّها.
وأثناء مرورها عبر الشارع الرئيسي، استقبلتها مشاهد مألوفة. كانت المتاجر لا تزال مملوكة لنفس الأشخاص الذين تتذكرهم، ولكن لافتاتهم كانت مطلية حديثًا، وزينتها قد تغيّرت. الشوارع أنظف، مصطفّة بالأشجار من الجانبين، ولاحظت التجار والمسافرين يمرّون بعرباتٍ ومركبات.
هل عليّ أن أمرّ بنقابة الصيادين؟ خطرت لها هذه الفكرة أثناء سيرها. كانت تعمل بمفردها ومع فرقٍ عندما كانت هنا.
بعد أن تم تدمير عائلتها، لم يكن لديها من تعتمد عليه—سوى شظيتها. ولهذا، ألقت بنفسها في ساحة المعركة منذ أن كانت في الثامنة من عمرها فقط. وبحلول الحادية عشرة، أصبحت محاربة مكتملة، بشارةٍ برونزية تتدلّى من خصرها.
لا يزال هناك الكثير من الأشخاص الذين تعرفهم في هذه البلدة. وكثيرٌ منهم ربما لا يزالون يتجمعون في النقابة. لكنها الآن تشعر بالتعب. كل ما أرادته هو العودة إلى المنزل والراحة.
وقبل أن تصل إلى باب منزلها، ناداها صوتٌ مألوف.
"ريا؟"
استدارت، وابتسامة تشكلت على وجهها قبل أن ترى من المتحدث.
"العمة هايلي!"
كانت المرأة المسنّة، جارتها، واقفة هناك، في عينيها دفءٌ ودهشة. لم تتردد ريا—تقدّمت واحتضنتها.
"كيف حالكِ؟" سألت، وهي تتراجع قليلاً لتنظر إلى وجه المرأة.
كانت العمة هايلي تدير مخبزًا صغيرًا، وعندما لم يكن لدى ريا أي شيء—عندما كانت تعيش في مهاجع الحكومة—كانت هذه المرأة تمنحها خبزًا مجانيًا في الصباحات حتى لا تبقى جائعة.
تلك الذكريات شدّت صدرها، لا بالحزن، بل بالدفء.
"لقد عدتُ إلى البيت،" همست ريا، وهي تضغط على يدي العمة هايلي.
ولأول مرة منذ زمنٍ طويل، شعرت حقًا أنها عادت.
"لقد أصبحتِ نحيلة يا طفلتي. وشعركِ—هل أطلتِه؟"
عبست ريا بمزاح. "هل لا أبدو جميلة؟"
ضحكت العمة هايلي، ووضعت كفها على خدّ ريا بابتسامةٍ دافئة. "تبدين كالسيدات الحقيقيات الآن. ريا أصبحت فتاة جميلة جدًا."
تبسّمت ريا من المديح، وتبادلت الحديث معها لبعض الوقت. تدرّج الحديث من تطور البلدة إلى الحيوانات الضالة التي سببت بعض الإزعاج مؤخرًا.
"يجب أن تأتي لتناول العشاء، حسنًا؟" قالت العمة هايلي عندما لاحظت صف الزبائن يتشكّل عند المخبز. وبابتسامة أخيرة، ربتت على ريا برفق قبل أن تعود إلى الداخل.
راقبتها ريا تختفي داخل المخبز، والدفء يستقر في صدرها. لقد اشتاقت لهذا—اشتاقت للبيت.
"عليّ أن أستحم أولًا،" همست، وهي تعدّل حزام حقيبتها.
وبذلك، استدارت، متلهفة لرؤية منزلها بعد سنوات—لكنها تجمّدت في مكانها.
كان هناك شخص مألوف يقف أمامها. نظارات تستقر على أنفه، وابتسامة خفيفة على وجهه.
[المترجم: ساورون/sauron]
خفق قلبها فجأة من المفاجأة.
البروفيسور موركل؟ هنا؟
آخر مرة رأته فيها كانت في مكان البطولة، ومع كل ما يجري في الأكاديمية، لم يكن له أي سببٍ ليكون في هاينفيل.
اقتربت، حاجباها ينعقدان. "بروفيسور موركل؟ لماذا أنت هنا؟"
خرج صوتها أكثر حدّة مما أرادت، خالف آداب الحديث—لكن الصدمة طغت على اللباقة.
"مرحبًا،" بدأ بتحيةٍ عادية قبل أن يضيف، "أتيت لأقابلك... لكن لا تسيئي الفهم، هذا أمرٌ جاد لذا اضطررت للمجيء بنفسي." أوضح، لا يريد أن يبدو مثل باركنسون.
"ما الأمر، بروفيسور؟" شعرت بالخوف أن يكون الأمر متعلقًا بأوستن أو بأحد أصدقائها وأنه جاء ليبلّغها بنفسه.
لكن ما إن فتح فمه وتحدث، حتى أصبح عقلها فارغًا.
"لقد وجدته... البلدة التي فقدتِ فيها والديك بعد هجوم الشياطين. لقد وجدتها... وما زالت قائمة."
خفض رأسه وسأل بصوتٍ منخفض، "هل ترغبين أن آخذكِ إليها؟"
°°°°°°°°°
داخل ساحة التدريب الداخلية الواسعة المبنية ضمن أرض القصر الرئيسي، كان يمكن رؤية شخصين يتصارعان في وسط الحلبة.
طَنِين
تصادمت سيوفهما بنمطٍ إيقاعي قبل أن يبتعدا قليلاً، يقيّمان بعضهما البعض، ثم ينطلقان للهجوم مجددًا.
اندفع أوستن، خنجره يلمع نحو جانب فاليري. أدارت رمحها، وأبعدت شفرته قبل أن تطعن صدره.
انحنى، واقترب منها، مجبرًا إياها على التخلّي عن الطعنة وتدوير الرمح لتضرب بعصاه. رفع أوستن ذراعه، وصدّها بجانب خنجره، ثم لوّح باتجاه معصمها.
تراجعت فاليري في اللحظة المناسبة، واستدارت على عقبها لتضرب ساقيه. قفز أوستن، وانقلب فوقها، وهبط خلفها.
وقبل أن يتمكن من متابعة الهجوم، استدارت فاليري، ورأس الرمح يشق الهواء نحو أضلعه. بالكاد تمكّن من صدّ الضربة، وقد شعر بقوة ضربتها تدفعه إلى الوراء.
تنفّس أوستن بعمق وخفّض دفاعه. لقد كانا يتدربان منذ ساعتين، وظن أن هذا كافٍ كتمهيد قبل أن يخوض غمار الزنزانة الليلة.
أرخت فاليري أيضًا رمحها الخشبي إلى جانبها وسألت، "هل ترغب في شرب شيء؟" وأشارت إلى الخادمة التي كانت تنتظر قرب المدخل.
تقدمت الخادمة بصمت وقدّمت لهما الماء والعصير—وكلاهما فضّل الماء.
وبعد أن استعادا أنفاسهما، التفت أوستن إليها، صوته ثابت لكنه يحمل توقّعًا. "كوني صريحة تمامًا معي. مقارنةً بأوستن الذي قاتلتِه في الأكاديمية، إلى أي حد أصبحتُ أقوى؟"
طلب منها سيدها الصراحة، فأعطته إياها دون تردد. "بصراحة؟ النسخة الحالية منك ستهزم النسخة الماضية في ثوانٍ. لم يكن ليدرك حتى ما الذي أصابه."
رمش أوستن، وهو يستوعب التقييم الصريح. "آه... وواو." رغم الوخز، إلا أن ابتسامة تشكّلت على شفتيه—لقد أسعده كلامها بصدق.
جلسا جنبًا إلى جنب، وكلاهما مدرك للعرق الذي يلتصق بأجسادهما، يحافظان على بعض المسافة احترامًا متبادلًا. وبعد لحظة صمت، سألت فاليري:
"ما مدى قوة أسلحتك الأخرى عندما تكفّ عن كبح قوتك؟"
لم تكن فاليري مجرد حبيبة له؛ بل كانت أيضًا أحرص مراقبيه، تحلل نقاط قوته وضعفه بحدّة بصرية. مثل هذه المحادثات لم تكن جديدة بينهما.
استدعى أوستن رايجين إلى يده اليسرى، وكان مجرد ظهوره كافيًا لتغيير الهواء من حولهما. "بهذا، يمكنني إطلاق سحر كافٍ لهزيمة عدة من الرتبة D دفعة واحدة،" شرح.
كان المطرق الضخم يشع حرارة، يرسل موجاتٍ خفيفة نحوها. شدّ قبضته على المقبض قبل أن يضيف، "نادراً ما أستخدم هذا—إنه ثقيل للغاية. لكن ضد أعداء ذوي جلودٍ سميكة وقوةٍ جسدية بحتة... هذا يفي بالغرض."
درست فاليري الأسلحة بينما أعادها إلى مخزونه، عيناها مليئتان بالتفكير. ثم قالت: "هل لاحظت؟"
"هم؟" تمتم أوستن، ملتفتًا إليها.
قابلت نظرته بابتسامةٍ عارفة. "بإمكانك استخدام عنصرين بسهولة."
تردّد أوستن، ثم زفر. "نعم... لاحظت. لكنني كنت أظن دائمًا أن الأسلحة هي من تفعل ذلك."
هزّت فاليري رأسها، ووميض من التسلية في عينيها. "الأسلحة لا تقرر كيف تُستخدم، أوستن. أنت من يفعل. وأنت لا تستخدم العنصرين فقط—بل أنت منسجم معهما." اقتربت قليلًا، وصوتها هادئ لكنه فضولي. "وهذا يجعلني أتساءل... إلى أي عنصر يميل روحك حقًا؟"
خفق قلب أوستن بسرعةٍ أكبر، بسبب الفكرة... وبسبب وجهها المحمر. خفّض نظره وتمتم:
" أريد أن أعرف أيضًا. "