الفصل 181 - إعتنِ بها
--------
طرق الباب.
"نعم، تفضل بالدخول"، قال آدم دون أن يرفع عينيه عن الأوراق التي أمامه.
فُتح الباب، ودخلت زوجته وهي تحمل صينية.
"أنت على هذا الحال منذ البارحة"، قالت أناستاسيا، وكان صوتها مشوبًا بالقلق وهي تنظر إلى أكوام الوثائق التي تغطي مكتبه.
لم يغادر آدم مكتبه منذ الإفطار، والآن، كانت الشمس قد غابت منذ وقت طويل.
"إنها مسألة أيام فقط"، أجاب. "أحتاج إلى تحديد المناطق التي تحتاج إلى حماية إضافية، وتحديد الوحدات التي سأرسلها إلى العاصمة."
باستثناء الملك، كان آدم الوحيد الذي يعرف ما هو قادم. الحرب تلوح في الأفق، وحتى الآن، لا يعرف بالأمر سوى نبيلين فقط.
بالطبع، سيبلغ الملك الآخرين قريبًا، لكن ذلك لن يخفف من عبء آدم.
بصفته دوقًا يشرف على منطقة شاسعة، كانت مسؤولياته أكثر من معظم الآخرين. ومع بقاء عدة مقاعد في المجلس شاغرة، كان عليه أن يتدخل كمستشار أيضًا.
لقد كان ثقلًا لا مفر منه.
"ينبغي أن ترى ابنتك وزوجها قبل أن يرحلا"، قالت أناستاسيا بنبرة ناعمة.
توقف قلم آدم.
"متى سيرحلان؟" سأل، ملتفتًا إليها أخيرًا.
"غدًا صباحًا"، أجابت.
كان الحزن ظاهرًا في عينيها، فمد آدم يده وأمسك بيدها بلطف وضغط عليها برفق.
"أعلم أنك لا ترغبين في مغادرتها"، قال بصوت هادئ لكن فيه تفهّم. "لكن إبقاءها هنا لن يكون منصفًا لها."
أومأت أناستاسيا برأسها، لكن نظرتها انخفضت. "أعلم... فقط—عندما أفكر فيما عليها مواجهته—لا أستطيع إلا أن أشعر أن قوتها لعنة أكثر منها نعمة."
كانت فاليري استثنائية. موهبتها، قوتها—كانت الدول ستفعل أي شيء لضمها إلى صفوفها. حتى مجلس الاتحاد سيرحب بها دون تردد.
كان لديها الإمكانية لتصبح أقوى محاربة في العالم.
لكن مع هذا اللقب تأتي مسؤولية ساحقة.
عندما تقع الكوارث، سيتطلع الناس إليها، معتقدين أنه طالما كانت فاليري موجودة، فكل شيء سيكون على ما يرام.
لم تكن تتحدث عن ذلك، لكن أناستاسيا كانت تعلم—ابنتها كانت تشعر بثقل تلك التوقعات. كانت فقط في السابعة عشرة من عمرها.
في ذلك العمر، كان أكبر همٍّ لأناستاسيا دروس التطريز.
أما فاليري؟ فكانت تحمل مصير عِرقٍ بأكمله على كتفيها. وعندما تبدأ الحرب، ستكون هي من تقود الهجوم، واقفة في المقدمة بينما يعلّق الآلاف آمالهم عليها.
وإذا فشلت، فلن يكون لجهدها أي قيمة.
سيتذكر الناس فقط الفشل.
بلعت أناستاسيا الغصة في حلقها. "أنا فقط أريدها أن تكون سعيدة."
في تلك اللحظة—
طرق الباب.
رفع آدم رأسه. "من هناك؟"
" أنا. أوستن. "
جعل الصوت من خلف الباب آدم وأناستاسيا يتوقفان فجأة بدهشة.
لم يتردد آدم كثيرًا. "ادخل."
فُتحت الأبواب، وظهر شاب يتمتع بجاذبية طبيعية وسهلة. كان يرتدي سروالاً بنّيًا يصل إلى الكاحلين وقميصًا أبيض ناصعًا، وكان يحمل نفسه بثقة هادئة، رغم أن شعره الأشعث قليلًا كشف عن يوم طويل خلفه.
"آسف لإزعاجكما"، قال بانحناءة احترام.
"لا بأس. كنت أستعد لأخذ استراحة على أي حال"، رد آدم، ثم أشار إلى كرسي وأضاف، "لا داعي للوقوف. اجلس."
أومأ أوستن برأسه قليلًا وجلس بانسيابية هادئة. وضع يديه على حجره، وأخذ نفسًا عميقًا قبل أن يتحدث.
"كنت أود التحدث إليكما قبل أن أرحل."
تبادل آدم وأناستاسيا نظرة، وقد شعرا بثقل كلماته.
"هل هناك ما يزعجك، يا بُني؟" سأل آدم.
شدّ أوستن يديه قليلاً، لكن صوته ظل ثابتًا. "أردت أن أعتذر... على الطريقة التي عاملت بها فاليري."
رمشت أناستاسيا بدهشة، وقد فاجأها الأمر للحظة. "لكنّك كنت تعاملها بلطف—"
"ليس الآن"، قاطَعها أوستن بلطف. "أعني في الماضي."
تنفّس بعمق وهو يجمع أفكاره. "أهملتها. قلت أشياء لا ينبغي لأحد أن يقولها لمن يهتم بها. وفاليري... ليست مجرد خطيبتي. إنها أعز أصدقائي. معاملتي لها بتلك الطريقة كانت لا تُغتفر."
ساد صمت عميق بينهم.
فهم آدم وأناستاسيا الأمر فورًا. لم ينسيا المسافة التي وضعها أوستن بينه وبين فاليري بعد عودة آيدن.
كانا يذكران الألم في عيني فاليري، والمعاناة الصامتة التي تحملتها عندما بدأ أوستن يتصرف وكأنها غير موجودة.
ولولا مشاعر فاليري الثابتة، لربما أنهى آدم الخطوبة بنفسه. فكرامة ابنته كانت تعني له أكثر من أي علاقة سياسية مع العائلة الملكية.
رفع أوستن نظره، وكان صوته عاريًا من أي تصنع. "لا يمكنني محو الماضي… لا يمكنني إزالة الألم الذي شعرت به، أو الدموع التي ذرفتها بسببي. لا أستحق المغفرة على ذلك. لكن ما يمكنني فعله هو أن أضمن أن فاليري لن تمر بذلك النوع من الألم مرة أخرى."
صوت قطع عزمه.
" ستمُر به. "
كانت الكلمات من آدم، وضربت كصفعة باردة، فأذهلت أوستن وأناستاسيا.
استدار أوستن، وقد انحبس نَفَسه في صدره. كان يتوقع مقاومة، ربما شكًّا—لكن ليس هذا.
نظر إليه آدم بثبات دون أن يرمش. "ليس ألم التجاهل من قِبل من يُفترض أن يحبها… بل ألم فقدان من تحبه."
كانت وطأة تلك الكلمات ساحقة، وزلزلت أوستن بطريقة لم يتوقعها.
نظرت أناستاسيا بقلق، وفتحت شفتيها لتحتج، لكن آدم ضغط على يدها برفق، فأوقفها قبل أن تتكلم.
ثم أصبح تعبيره أكثر حدة، وصوته أكثر خفوتًا، لكن لا يقل صرامة. "أوستن، نحن نعلم أن ملك الشياطين يلاحقك. لم تخبرنا السبب—لكن بما أن الإله الشرير نفسه أكد ذلك، فلا بد أن أصدق أنه حقيقي. حياتك محاطة بالخطر."
انحنى للأمام، ووضع ذراعيه على الطاولة، وثبّت عينيه على أوستن.
"فأخبرني… ألن يكون من الأفضل أن تترك شيئًا قد يُحطم قلبها إن وقع الأسوأ بك؟"
جلس أوستن هناك، وكتفاه مثقلان بثقل الحديث.
ومع ذلك، لم ترتجف عيناه—لا من الشك، ولا من الخوف.
أخذ وقته قبل أن يتحدث، لا ترددًا، بل ليتأكد من أن كل كلمة تحمل ما يعنيه تمامًا.
ومع ذلك، رغم محاولته تهدئة نبرته، خرج صوته أكثر حدّة مما أراد.
" لا يمكنني أن أتركها… لا بسببك، ولا بسبب ملك الشياطين. " كان نظره ثابتًا، لا يتزعزع. "آسف إن بدا كلامي وقحًا، لكن الحياة بدون فاليري لا تستحق العيش في نظري. لذا ما لم تطلب مني أن أُسلّم نفسي للطرف الآخر، فلا يمكنني احتمال الانفصال عن الفتاة الوحيدة التي أحبّها قلبي يومًا. "
إغرورقت عينا أناستاسيا بالدموع عند سماع تلك الكلمات، بينما ارتسمت ابتسامة على شفتي آدم.
نهض واقترب من أوستن.
ونهض المراهق الأشقر أيضًا، يشعر ببعض الخجل لأنه فقد أعصابه لتوه أمام والد فاليري.
لكن لم يكن عليه أن يقلق، لأن آدم أراد رؤية هذا التفاعل بالضبط.
إقترب أكثر من أوستن، ثم عانق صهره فجأة، قبل أن يقول،
" إعتنِ بإبنتي، يا أوستن. "
شعر أوستن بالإرتباك، لكنه بادل العناق وأكد له، " سأفعل، يا أبي. "