الفصل 183 - المتنمِّر

--------

كانت كايرا قد أصبحت قريبة بشكل مفاجئ من فاليري. في البداية، كانت متحفّظة، بل شبه باردة، لكن بطريقةٍ ما، تمكّنت كايرا من اختراق ذلك الحاجز، وقبل أن تدرك الأمر، أصبحتا صديقتين.

ورغم أن فاليري لم تكن تتحدث كثيرًا عن حياتها الشخصية، كانت كايرا تعرف بأنها مخطوبة — لرجل لم يكن مجرد خطيبها فحسب، بل كان أيضًا أفضل أصدقائها.

في البداية، كانت كايرا تتمنى لو أن فاليري تتركه. كانت تعتقد أن فاليري ستكون أفضل حالًا مع شقيقها الأكبر، غلايد. لكن مؤخرًا، بدأت تسمع المزيد والمزيد عن ذلك الرجل — أوستن. قصص عن قوته، وشجاعته. لقد تم اختياره للمشاركة في البطولة، وفاز في مباراته الأولى، بل وواجه جيشًا شيطانيًا.

لم تمر سوى بضعة أيام، لكن اسمه كان ينتشر بالفعل في أرجاء البلاد.

ولهذا كانت كايرا فضولية للغاية. أرادت أن ترى بنفسها مدى قوّته.

"لا يجب أن تزعجي ضيفنا، كايرا."

اخترق صوت عميق ومألوف الأجواء، مما جعل الجميع يلتفت. دخل رجل ذو شعر أزرق مموج إلى الغرفة بخطوات طويلة واثقة، ويداه مشبوكتان خلف ظهره.

"المعلّم،" وقفت فاليري وأوستن في الوقت نفسه، وكأن حركتهما كانت متزامنة. فاليري، بابتسامة دافئة نادرة، حيّت معلمها السابق.

توقف الكونت آرون أمامهما، ونظره الحادّ استقر على فاليري. "سمعت بشأن الكمين. هل تم أسركِ؟"

اتسعت عينا كايرا من الصدمة. لم تكن تعلم أن شقيقتها قد أُسِرت على يد الشياطين.

"نعم،" إعترفت فاليري، بنبرة ثابتة. "لقد أنشأوا حاجزًا لإضعافي. لكن أوستن وصل في الوقت المناسب وأنقذني." كان في نبرتها فخر لا يُخطئه السمع — لم تكن تفوّت فرصة لتمجيد سيدها.

"حاجز، تقولين؟" عقد الكونت آرون حاجبيه. "أي نوع من الحواجز كان؟"

وباعتباره أحد المسؤولين عن الدفاع الاستراتيجي للعاصمة، فقد درس أنماط هجمات الشياطين بدقة. لكنه لم يسمع من قبل عن حاجز قادر على كبح رتبة S.

تدخل أوستن قائلاً: "كان حاجزًا لكبح الروح. كلما كانت طاقتك الروحية أقوى، أصبحت أضعف داخله." توصّل إلى هذا الاستنتاج بسرعة، بفضل تحليل النظام أثناء الوقت القصير الذي قضاه داخل الحاجز.

تعمّق عبوس الكونت آرون. "حاجز كبح الروح، هاه؟" كان في صوته ثقل من القلق.

"هذا لا يعني سوى شيء واحد،" تابع بنبرة قاتمة. "لقد جلبوا ماء الظلام إلى هذا العالم بكميات هائلة."

ساد الصمت أرجاء الغرفة.

ماء الظلام — جوهر الفساد بعينه. إنه عدو الطاقة الروحية، مادة خبيثة لدرجة أن قطرة واحدة منها قادرة على تشويه عقل الإنسان، ودفعه إلى الجنون. وإذا كانت الشياطين تمتلك منه ما يكفي لتغذية حاجز كامل… فإن التهديد أعظم بكثير مما كان يُعتقد.

"إذا كان الحاجز يثبّط الطاقة الروحية، فلا بد أن لماء الظلام يدًا في الأمر،" تمتم الكونت آرون، ونبرته قاتمة.

"المجلس يحرس كل سواحل العالم المتصلة بعالم الشياطين،" أضاف غلايد، وملامحه متوترة.

"إذاً… إما أن هناك من يعمل لصالح العدو، أو أن هناك ثغرة يتم من خلالها تهريب ذلك الماء الملعون."

ارتعش غلايد عند سماع تلك الكلمات، واتسعت عينا فاليري في ذهول.

أما أوستن، فظل ساكنًا تمامًا. لقد كان يعرف الحقيقة بالفعل.

"أحد رؤساء المجلس تحت سيطرة جنرال شيطاني…"

تحديدًا، ملكة السُكّوبَس. لقد أسرت بالكامل أحد أقوى أعضاء المجلس بسحرها.

في اللعبة، لم يواجه لوك ملكة السُكّوبَس مباشرة، ليس حتى وقت لاحق جدًا في القصة. لكن كان هناك تلميحات كثيرة — فهي الجنرال الوحيدة القادرة على تدبير شيء من هذا القبيل. ورغم كونها الأضعف بين جنرالات الشياطين، فقد بقيت متوارية بشكل غير معتاد لفترة طويلة.

لكن هذا لم يكن لعبة.

هذه كانت حقيقة.

ولم يكن لدى أوستن أي نية لانتظار أن تسقط القطع في أماكنها. كان عليه أن يتحرك — ولهذا، سيلجأ إلى سيلنر. كانت تفهم القوى المتصارعة أفضل من أي أحد. وإن كان هناك سبيل لمواجهة هذا، فهي من سيعرفه.

وقبل أن يغوص أكثر في أفكاره، اخترق صوتٌ حماسي الأجواء المشحونة.

"أبي! أريد أن أقاتله في نزال ودي!"

كانت كايرا قد تشبثت بذراع والدها، وعيناها تتلألآن بالإصرار.

تنهد الكونت إيفرهارت، وقد اعتاد على عناد ابنته.

ثم، ارتفع صوت آخر.

"دعها تقاتله، يا أبي. أنت تعرف كيف تكون عندما تصمم على أمر." التفت الجميع نحو المراهق بينما كان إيليون يدخل إلى صالة الاستقبال.

تألّقت عينا كايرا وهي تنظر إلى والدها برجاء.

تنهد الكونت إيفرهارت قبل أن يلتفت إلى أوستن قائلاً: "كيف هي سيطرتك على الشظية؟"

"ممتازة،" ردّت فاليري بدلًا منه؛ ويبدو أنها كانت متحمسة لأمرٍ ما.

همهم آرون قبل أن يقول: "إذن لنقم بالأمر كما في الأيام الخوالي. لتثبت أحقيّتك في مواجهة أوستن، عليك أولًا أن تمسك بشظيته."

بدا على أوستن الحيرة، ولم يكن متأكدًا مما يجري، فالتفت إلى فاليري طلبًا للإيضاح.

تحدثت فاليري بلطف: "عندما يتحدّى أحدهم آخر، يختبر المعلم أولًا المتحدّي… بجعله يطارد شظية الطرف الآخر."

"يؤمن بأنه إن كانت سيطرتك على شظيتك مطلقة لدرجة أن خصمك لا يستطيع حتى الإمساك بها، فأنت قد ربحت مسبقًا،" أضاف غلايد وهو يضمّ ذراعيه.

"صحيح،" قال الكونت مؤيدًا. "إن استطاعت شظيتك وحدها هزيمة خصمك، فلا حاجة لأن تقاتله بنفسك."

ثم التفت إلى الفتاة الصغيرة وابتسم. "ولهذا، كاي-آه… أنتِ جاهزة."

التفت أوستن نحوها هو الآخر، ولدهشته، كانت كايرا قد بدأت تربط شعرها الطويل في كعكة أنيقة، وملامحها هادئة ومركّزة.

لم يكن يتوقّع أن يكون الاختبار بهذا الشكل. لكن رؤية النيران في عيني كايرا — والحماس في عيني فاليري — جعله يقرر ألا يعترض. سيمضي في الأمر.

"حسنًا إذن،" قال بابتسامة خفيفة، وهو يستدعي خنجره.

كان صغيرًا — أقرب إلى سكين — لكنه حاد ونظيف. رفع يده، فارتفع النصل في الهواء فوقها، وبدأ بالدوران قليلاً تحت سيطرته.

ساد الصمت، والتوقعات ملأت الأجواء.

رفع أوستن يده أكثر.

"انطلقي."

في ومضة، اختفت كايرا والشظية في دوّامة من الحركة.

انطلقت كايرا إلى الأمام في اللحظة التي اندفعت فيها الشظية. انطلق الخنجر في الهواء كالسهم، يتنقّل بين الأعمدة وفوق الطاولات بسهولة.

شدّت كايرا أسنانها وانطلقت خلفه، وعيناها مثبتتان على النصل المتلألئ. قفزت فوق كرسي، وانعطفت متجاوزة موظفة استقبال مذهولة، وكادت تصطدم بنادل.

"بطيئة جدًا!" ضحك إيليون من الخلف.

مدّت كايرا يدها، وأطراف أصابعها لمست مقبض الخنجر — لكنه ارتفع فجأة، متفاديًا قبضتها في اللحظة الأخيرة. زمجرت وقفزت خلفه، لكنها هبطت على أريكة بصوت ارتطام ثقيل.

دار الخنجر في الهواء، وكأنه يسخر منها، ثم انطلق خلف ستارة.

"عد إلى هنا!" صرخت، وارتمت خلفه. سقطت الستارة على رأسها.

"ما زلتِ بطيئة،" قال أوستن ممازحًا، وكانت الشظية الآن تدور بحلقات فوقها.

مزّقت كايرا الستارة وانطلقت خلفها من جديد، تلهث لكنها لم تستسلم. قفزت، انحنت، تدحرجت — كل حركة كانت حادة وعشوائية — لكن الخنجر لم يبقَ في متناول يدها لأكثر من ثانية.

كان يرقص من حولها وكأنه يمتلك عقلًا خاصًا به.

إستند غلايد إلى الحائط، وذراعاه متشابكتان، وعلى وجهه إبتسامة. "أنتِ سريعة يا كايرا. لكن الشظية أسرع. "

لم تُجب. فقط وقفت تلهث... ثم امتلأت عيناها بالدموع، وركضت بعيدًا وهي تبكي.

"يا متنمّرررر!!" ترددت صرختها وهي تندفع هاربة.

نظر أوستن عاجزًا إلى حبيبته، و وجدها تبتسم في المقابل.

هل فعل شيئًا خاطئًا؟

2025/04/12 · 81 مشاهدة · 1059 كلمة
نادي الروايات - 2025