الفصل 185 - الأخت الصغيرة (2)

---------

[قبل بضع دقائق]

"هل أنت متأكد من هذا؟" سأل سيدريك، جبينه معقود بقلق.

لم يمضِ على وصول أوستن وفاليري سوى نصف ساعة، وها هو ابنه يطلب رؤية شقيقته الصغرى.

لقد مر وقت طويل منذ أن أغلقت أفيريس على نفسها في تلك الغرفة — منذ الشجار مع أوستن. ومهما حاول سيدريك وصوفي — بلطف، أو بوضع حدود، أو بصبر صامت — لم ينجح شيء. كانت إما تغلق الباب في وجهيهما أو تهدد بالاختفاء.

حتى إنها قالت إنها ستغادر العاصمة إن لم يتركوها وشأنها.

لم يستطع سيدريك إجبارها على شيء. لم يكن من نوع الآباء الذين يحبسون بناتهم فقط لمنعهن من الهرب. لذا تركها تفعل ما تشاء، حتى وإن آلمه ذلك.

كان أوستن يعرف كل شيء. كان يفهم الأسباب وراء صمتها، والثقل الكامن خلف ابتعادها — لكنه لم يحاول إصلاح الأمر. لوقت طويل، بدا وكأن أفيريس قد اختفت تماماً من عالمه.

ومع ذلك، ذات يوم، كانا لا يفترقان.

تقاسما الضحكات، والأسرار، والأحلام... ثم في يوم من الأيام، وكأن تلك السنوات لم تكن شيئاً، أصبحا غريبين تحت سقف واحد.

لقد كانت أفيريس في يوم من الأيام قرة عين أوستن.

كان يدللها، ويحميها، ويمازحها بما يكفي ليجعلها تضحك — ثم، فجأة، تغير كل شيء.

لم يعرف سيدريك القصة كاملة أبداً. لم يتحدث أوستن، ولم تسمح أفيريس لأحد بالاقتراب. لكن من طريقة تجنبه لها، ومن نظرات عينيه حين يُذكر اسمها، علم سيدريك — أن الألم لم يكن من طرف واحد. أياً كان ما حدث بينهما، فلا بد أن أفيريس قالت شيئاً أيضاً.

في ذلك الوقت، كان سيدريك مثقلاً بالمسؤوليات، خاصةً مع حاجة آيدن إلى توجيهه. لم يكن لديه الوقت الكافي للتدخل أو لحل الأمور بين طفليه. وكان ذلك من بين ندمه الصامت.

لكن الآن، أخيراً، أوستن هو من يتخذ الخطوة الأولى.

"ما كنتُ لأقولها إن لم أكن متأكداً، يا أبي"، قال أوستن بهدوء، رغم أن شيئاً في صوته كان يرتجف. "هل هي في غرفتها؟"

أومأ سيدريك بخفة. "هي كذلك... حسناً، حظاً موفقاً."

كان في صوته تردد، ذلك النوع من التردد الذي لا يحمله إلا أب يعلم أن عاصفة قد تقترب. لقد خزنت أفيريس مشاعرها لسنوات — ألم، غضب، خيبة — ولم يكن سيدريك واثقاً من ردّ فعلها.

ومع ذلك، في أعماقه، كان يأمل أن يتمكنا من العودة إلى بعضهما.

من دون كلمة أخرى، نهض أوستن وفاليري من مقعديهما واتجها نحو الطابق الثالث، حيث غرفة أفيريس.

وأثناء سيرهما في الرواق الهادئ، نظرت فاليري إليه. "هل أنت متوتر؟" سألت، بصوت خفيف، لكن خطواتها كانت بطيئة. ثم أضافت بضحكة صغيرة متوترة، "أنا كذلك، في الحقيقة."

أطلق أوستن ضحكة خافتة. "ولمَ أنتِ متوترة؟"

"لأنني أعلم كم تحب آفي"، قالت فاليري، بصوت دافئ ولطيف. "كنا نلعب كثيراً معاً."

إرتسمت ابتسامة رقيقة على شفتيها بينما عادت ذكريات الطفولة إلى ذهنها — أيام مليئة بالضحك، واللعب، وعالم بدا صغيراً وآمناً ومليئاً بالعجائب.

في ذلك الحين، لم يكن في حياتهم سوى الفرح.

كل شيء تغيّر عندما دخل آيدن الصورة. وبدأ ذلك العالم الصغير بالتفكك ببطء.

"فاليري..." تمتم أوستن، وهو يخفض بصره قليلاً. "أعلم أنها سترفضني في البداية. لكنني أعلم أيضاً... أنني قادر على استمالتها. بطريقة ما."

كان في نبرته يقين، لا غرور — فقط أمل. أمل بُني على التأمل والندم.

تنفس بعمق، وخرج النفس متقطعاً من شفتيه. "قبل أن تطلب المغفرة، عليك أن تفهم خطأك. وأنا أفهم. أعلم تماماً ما فعلت."

خفت صوته، وحدّه ملموس بالحزن.

تماماً مثل فاليري، كانت أفيريس دائماً بمثابة مرساة له. شخصاً يعتمد عليه، وينظر إليه بإعجاب. لكنه لم يراعِ مشاعرها كما يجب. في لحظة إحباط، قال أشياء لم يكن بوسعه التراجع عنها — كلمات تركت ندبة في قلب فتاة صغيرة جداً على تحمل ذلك الألم.

مدّت فاليري يدها وعصرت يده بلطف.

"مهما حدث هناك"، همست، "أرجوك لا تخفِه عني."

نظر إليها أوستن، وللحظة، خفّ التوتر في صدره. ابتسم لها بمودّة، ورد على قبضتها بأخرى مماثلة.

"أنتِ تعلمين أنني لن أفعل"، رد بهدوء.

وتقدّما معاً ليصعدا الدرج الأخير، وصلا إلى الرواق المؤدي إلى باب غرفة أفيريس.

نزلت فاليري من الدرج، وأعطته نظرة أخيرة مشجّعة قبل أن تختفي حول الزاوية.

توقف أوستن لبرهة، يحدّق في الباب المقابل له.

ثم، ببطء، سار نحوه ورفع يده.

طرق.

"إنها أنا، أفيريس. افتحي الباب"، نادى، صوته هادئ لكن حازم.

صمت.

بالطبع، لم تفتح. كان يعلم أنها هناك — كان يشعر بذلك، يحس به — لكنها كانت تأمل على الأرجح أن يستسلم ويرحل.

لكنه لم يأتِ ليستسلم.

ضغط أوستن راحتيه على الباب وبدأ في الدفع، والخشب يئن تحت قوته.

[المترجم: ساورون/sauron]

"جلالتك!" شهقت خادمة قريبة، توقفت في مكانها حين رأت الأمير الأول يدفع الباب لفتحه بالقوة.

بدت ممزقة بين الواجب والذهول. لقد صدر الأمر بعدم إزعاج الأميرة مباشرةً من العائلة الملكية — لكن من كسر تلك القاعدة المقدسة هو الأخ ذاته الذي نبذته، الابن البكر للتاج.

لم يلتفت إليها أوستن حتى. تصدّع القفل تحت الضغط، وبدفعة أخيرة، انفتح الباب.

وهناك كانت.

الفتاة التي كانت تتبعه ذات يوم بعينين واسعتين وضحكات رقيقة. شعرها الفضي — كأمّهما — يتدلّى على كتفيها، وعيناها — المشابهتان لعينَي والدهما — اتسعتا من الصدمة. وارتجفت شفتيها قليلاً كما لو أنها عالقة بين المفاجأة وعدم التصديق.

أوستِن دخل الغرفة دون أن ينطق بكلمة. أغلق الباب خلفه بلطف—رغم أن الضرر جعله يتدلّى بشكل غير مريح—ثم سار نحو الأريكة الأقرب.

لم يتكلم بعد.

لأنه، ولأول مرة منذ سنوات، كان واقفًا وجهًا لوجه مع شقيقته الصغيرة.

وكان الهواء بينهما مشحونًا بكل ما لم يُقَل.

جلس أوستِن بهدوء، مائلًا قليلاً إلى الوراء على الأريكة، فيما استقرّت عيناه على الفتاة الواقفَة في الجهة المقابلة من الغرفة.

"مرحبًا، آفي. كيف حالك؟"

كان صوته هادئًا—هادئًا جدًا، بالنظر إلى الثقل القائم بينهما. لم يتوقّع الدفء، لم يتوقّع المغفرة، هو فقط أراد أن يبدأ.

وقفت آفيريس متجمّدة للحظة، وطال الصمت بينهما بشكل لا يُحتمل.

ثم—

"أخرج!"

إنفجر صوتها كالسوط، حادًا وممتلئًا بالغضب.

لم تكن عيناها دامعتين—بل كانتا تشتعلان. إحمرّتا من الغضب، لا من الحزن. تدفّقت المانا منها بعنف، وأظلمت الغرفة على الفور بينما إندفعت هالتها خارج السيطرة.

لكن أوستِن لم يرمش حتى. استطاع أن يشعر بها بوضوح—لقد خاضت على الأقل تطورين. وأكثر من ذلك، فإن لمسة القتل المموهة ولكن التي لا تخطئها عين في سحرها كانت تتحدث كثيرًا. لقد كانت تقاتل... وتقتل. كثيرًا.

ومع ذلك، قابل نظراتها الثاقبة بعينين ثابتتين وتحدث، لا ليستفز، بل ليجبر الجروح القديمة على الإنفتاح.

"أنتِ غير مرغوب بكِ، تمامًا مثلي... لا، أسوأ. أنتِ فتاة. لذا، لا يُنظر إليكِ حتى كمرشحة للعرش."

تجمّدت آفيريس.

إرتجفت حدقتاها.

تلك الكلمات—بالضبط كما تفوّه بها ذات مرة في وجهها—عادت لتصدمها بقسوة لا ترحم.

نهض أوستن وتقدّم خطوة، صوته بات أكثر خفوتًا الآن، لكنّه لم يفقد حدّته.

" أنتِ غير ضرورية. لا لي، ولا لأيّ أحد. لماذا تواصلين إزعاجي؟ فقط إقتلي نفسك. "

صرخت آفيريس.

"لماذا تكرّر كل تلك الكلمات!" تشقّق صوتها، و إهتزّت الغرفة بينما إهتزّت الأرض من تحتهم مع تفجّر غضبها. إنفجرت المانا منها كعاصفة كسرت قيودها.

في الخارج، فرّت الخادمات مذعورات.

فاليري، التي لا تزال واقفة عند الدرَج، قبضت على قبضتيها بشدّة حتى إبيضّت مفاصل أصابعها. وغرزت أسنانها في شفتها السفلى. كانت ترغب بالدخول—لكنها لم ترد التدخل بينهما.

في الداخل، وبرغم الضغط الخانق، لم يتزحزح أوستن.

إقترب من آفيريس ببطء، غير متأثر بالعاصفة التي أطلقتها حولها.

كان صوته ناعمًا.

" أردت فقط أن أُذَكّرك بما قلتُه... وكم جرحتكِ بعمق. كي تتذكّري تمامًا مدى غضبكِ مني. لأنكِ تستحقين أن تشعري بذلك الغضب. تستحقين أن تصرخي، أن تكرهيني. "

توقّف أمامها تمامًا.

" وكنتُ بحاجة لأن تعرفي—أنني لم أنسَ كلمة واحدة مما قلتُه. أعيش معها كل يوم. "

تجمّعت الدموع في عينيها، لكنها رفضت البكاء و الإستسلام.

دفعته بعيدًا بإستخدام طاقة الروح، فإندفع أوستن إلى الخلف و إصطدم بالحائط.

رمقته آفيريس بنظرة كراهية خالصة، وقالت بصوت مفعم بالحقد: "أنت لا شيء بالنسبة لي!"

أخذ أوستن نفسًا عميقًا و إبتعد عن الحائط.

لم يبدو عليه الغضب. لا غضب، لا إحباط، فقط دفء خالص في عينيه، جرؤ أن يذيب به غضبها.

ومع ذلك، تمسّكت آفيريس بموقفها وسمعته يقول: " بإمكانكِ دفعي مرة أخرى أو صَفعي إن أردتِ. لكن ما لم تسامحيني، لن أغادر. "

ضغطت آفيريس على أسنانها. من يظن نفسه؟! طوال هذه السنوات أهملها. والآن بعدما إستعاد عائلته و إكتسب بعض الشهرة في العالم، يظن أنه سيقول آسف، وستسامحه...

شّهق شّهق

تجمعت الدموع في عينيها، وبدأت قطرات كبيرة منها تنساب على خديها، وبدأت الفتاة بالبكاء.

أطلق أوستن زفيرًا هادئًا وتقدّم نحو الفتاة الصغيرة.

وبسط ذراعيه حول جسدها، و إحتضنها بلطف.

" لـ-لا تلمسني شّهق أكرهك... أكرهك... أنت قاسٍ جدًا... أنا فقط أردت... شّهق... أن أساعدك... "

"أعرف... كنتُ أحمقًا حين رفضت لطفكِ حينها." صوته أصبح ثقيلًا وهو يغلق عينيه ويفرك ظهرها برفق.

كان هناك الكثير مما أرادت أن تقوله وتشتكي منه... لكن في دفء أخيها المألوف، لم تستطع الإستمرار.

وفي النهاية، غرقت في النوم وهي تبكي.

2025/04/13 · 43 مشاهدة · 1371 كلمة
نادي الروايات - 2025