الفصل 193 - إلى الجانب الآخر (2)
---------
[أمينيتير = أمانيتر]
=========
عضّت فاليري على أسنانها وهي تنهض من على الأرض، قابضة على شظيتها بقوة كافية لجعل مفاصل أصابعها تبهت من شدة الضغط.
لم تستطع أن تفهم لماذا يتجه نحوها محارب يعمل لصالح المجلس.
"أحذّركِ مجددًا، أزيلي نفسكِ من طريقي—
دَفْع
زحف الجليد نحو الشخص الآخر — امرأة في أوائل العشرينات، بشعر أزرق داكن قليلاً — لكن المرأة لم تُصَب بالذعر، بل ابتسمت وضربت راحتي يديها معًا—
بوووم
—مُطلقة موجة صدمة حطّمت زخم فاليري، فأُرسلت تتعثر إلى الوراء.
كانت المرأة تضع شظيتها على يدها اليسرى، على شكل قفاز يتوهّج بلون أزرق باهت.
وضعت المرأة يديها على خصرها، وهي تنظر إلى الفتاة المتهيّجة بوجه مفعم بالتسلية، وقالت: "أنظري، عزيزتي، أنا لا أحبّ التنمّر عمومًا. لكن طُلب مني أن أبقيكِ بعيدًا عن المكان الخَطِر. لذا من فضلكِ عودي أدراجكِ حتى نحظى كلانا بقسطٍ من الراحة التي نحتاجها بشدّة."
زمّت فاليري شفتيها، وقالت: "سلنر هي من قالت لكِ هذا، أليس كذلك؟!" لم تستطع تصديق أن تلك المرأة خانتها بهذا الشكل. لم تكتفِ بأخذ أوستن معها، بل عيّنت شخصًا يمنع فاليري من الوصول إليه.
وبينما كانت تدور برمحها، زمجرت فاليري: "سأسألكِ بلُطف للمرة الأخيرة... تنحي عن طريقي ولن أقتلكِ."
قالت الأخرى بذات الابتسامة الساخرة وذراعاها متشابكتان: "أوه، عزيزتي... كم أنتِ واهمة. حسنًا، يسرّني أن أرى ما يمكنكِ فعله."
قررت فاليري التوقف عن كبح قوتها. إن كانت مضطرة لإزاحة هذه العقبة التي يبلغ طولها ستة أقدام من طريقها لتصل إلى أوستن، فليكن ذلك.
°°°°°°°°
قالت الشيطانة، بصوت هادئ لكن ينضح بالسمّ: "قلتُ لك أن تأتي وحدك. يبدو أنك لا تكترث كثيرًا للرجل العجوز."
كانت تطفو في الهواء، أجنحتها ممدودة، وأصابعها مستندة تحت ذقنها وهي تنظر إلى أوستن من علٍ. كان جسدها نحيفًا، مكسوًا بالظلام، بعينين حمراوين كالدم تمسحانه بنظرة بطيئة، وكأنها تحاول أن تكتشف ما الذي يجعله خطيرًا إلى هذا الحد.
فهذا هو الرجل الذي جعل والدها مكسورًا لدرجة اضطر معها إلى الاختفاء — إلى الانسحاب والتواري فقط ليتمكن من الشفاء.
قالت سلنر، بصوت بارد بعيد: "ليست لي سلطة على أي من العالَمين، لذا، من حيث المبدأ—تظاهر أنني غير موجودة."
كانت أمينيتير(أمانيتر) — الشيطانة — تعرف تمامًا من تكون سلنر. ساحرة.
لطالما بقيت الساحرات بعيدات عن الحرب بين الشياطين والبشر. وفي المقابل، لم يجرؤ أي طرف على المساس بهن. ليس لأنهن مراقبات محايدات، تتنقلن بين العوالم في بحث عن الحقيقة والقوة، بل لأن أحدًا لم يرغب في استفزاز كائنات قادرة على تسوية حضارات بأكملها في لحظة.
الساحرات كنّ شذوذًا — قوى غير طبيعية، قديمة. قادرات على محو أعراق بأكملها، أو طيّ أبعاد، أو حرق نجوم حتى تصير رمادًا. لم يكن يُخشى منهن... بل يُحترمن برعب.
ضيّقت أمينيتير عينيها: "لا تخطين إلى مكان لم تُدعَي إليه. وأنا لم أدعوكِ إلى القلعة. لذا ابقي هنا... بينما آخذ ضيفي للقاء حموه المستقبلي."
إبتسمت سلنر، إبتسامة حادة وباردة.
وسألت بهدوء: "أمتأكدة من أنكِ ترغبين في اللعب بهذه الطريقة؟ لقد أقسمتُ على أن أعيده حيًّا. ولكي أحافظ على ذلك القسم، لن أتردد في خرق العهد القديم الذي قطعناه — نحن الساحرات — بعدم التدخل في شؤون البشر."
تقدّمت بخطوة واحدة، ومع كل كلمة، ازداد ثقل حضورها.
"اختبريني، وسأتأكد أن اسمكِ وشعبكِ يتحول إلى قصة منسية — قصة تنتهي اليوم. أنتِ تعرفين أنني أستطيع ذلك. وتعرفين أنني سأفعلها."
لم ترتجف أمينيتير. على الأقل، ليس ظاهريًا. لكن في داخلها، انقبض قلبها.
ومع ذلك... لم تصل إلى هنا لتتراجع أمام تهديدات.
قالت: "لن يمسّه أحد هنا بسوء. لكن إن دفعتِ الأمور إلى أبعد من ذلك، فسيكون الرهينة هو من يعاني. وسيكون الذنب عليكِ."
إختفت إبتسامة سلنر. وتقلصت عيناها، لكنها تراجعت إلى الوراء.
ثم التفتت إلى أوستن وقالت بلطف: "أنت تعرف كيف تستدعيني. إن حصل شيء—فقط قل الكلمة."
لم يقل أوستن شيئًا. فالقرب من سلنر كان دومًا غريبًا... دافئًا بطريقة ما، تذكّره بأمه. بشعور أمان لم يحسه منذ وقت طويل.
لكنها كانت الوحيدة التي يمكن الوثوق بها في هذا المكان الجحيمي.
أومأ بصمت.
وافترقت صفوف الشياطين دون صوت بينما قادته أمينيتير نحو قلب القلعة الشيطانية.
وما إن تجاوز عتبة القلعة —
"..!"
اجتاحت جسده موجة من الضغط الساحق كأنها جدار ضربه بعنف.
أصبح الهواء كثيفًا، خانقًا. صرخت غرائزه.
كان هناك شيء قديم، دنيء، وجائع داخل هذا القصر. حضور بالغ الاعوجاج، بالغ الطغيان، لدرجة أن كل خلية في جسده كانت تصرخ —
' هناك شيء هنا... يريد موتي. '
رأت أمينيتير ردة الفعل على وجهه، فابتسمت ابتسامة ساخرة، وقالت: "القصص التي سمعتُها عنك... والشخص الذي أراه أمامي الآن... لا أستطيع وصف مدى خيبتي. لستَ إلا حشرة ضعيفة." كان صوتها ينضح بالاحتقار والسخرية.
ضحك أوستن وقال: "إذن أنا متأكد أنك تنادين والدك بحشرة أيضًا. سمعت أنه في حالة يرثى لها."
قبضت الشيطانة على قبضتيها وقالت له: "إياك أن تتفوه بأي شيء عنه. لست جديرًا حتى بأن تتنفس الهواء نفسه الذي يتنفسه."
تدحرجت عينا أوستن وابتلع أفضل رد خطر على باله. لم يكن هناك جدوى من الجدال مع هذه... الأميرة.
قادوه عبر ممر طويل. وكان صوت الجيش الشيطاني يتلاشى ببطء.
تذكّر أوستن طريقه إلى الداخل، رغم أن هناك عدة ممرات تحمل التصميم ذاته. وكان المكتب التابع للمجلس هو المكان الوحيد الذي وجده بالغ الصعوبة في اجتيازه.
وأخيرًا، وصلوا أمام باب يشبه الكهف، بينما كانت أمانيتر تهبط السلالم. تبعها أوستن تلقائيًا.
كان هناك طابق تحت الأرض. وكانت رائحة هذا المكان مقززة للغاية... رائحة البول والجثث المتعفنة جعلت من التنفس بشكل طبيعي أمرًا شبه مستحيل.
" يبدو وكأنني دخلت إلى مسلخ... "
كانت هناك زنازين على الأرض، وداخلها العديد من الأسرى—بعضهم بالكاد على قيد الحياة وبعضهم ميت. بعضهم من البشر، وبعضهم من الشياطين.
تبع أوستن الشيطانة بصمت إلى أن توقفت أمام زنزانة معينة.
وفي داخل الزنزانة كان الرجل المألوف، مستندًا إلى الحائط، مغمض العينين لكنه كان يتنفس.
"أبي،" نادى أوستن وهو يفتح الباب ويدخل إلى الزنزانة.
تفاجأ آدم عند سماعه الصوت، ففتح عينيه على اتساعهما وهتف: "ما الذي تفعله هنا؟!" بدا عليه الاضطراب الشديد لرؤية أوستن في هذا المكان.
"أتيتُ لأعيدك. أمي وفاليري تنتظرانك، لذا هيا بنا—"
"ما العجلة؟" قال أوستن وتوقف فجأة عندما شبكت أمانيتر ذراعيها وأغلق الجندي الشيطاني الباب.
زمجر أوستن قائلاً: "قلتِ إنك ستفرجين عنه إن جئتُ إلى هنا. فلتطلقي سراحه الآن!"
ضحكت الشيطانة وقالت: "وهل صدقتَ أنني سأفرج عنه؟ هكذا ببساطة؟"
انقبض قلب آدم... كيف سقط أوستن في هذا الفخ؟ ولماذا سمحت له فاليري بالمجيء إلى هنا؟
نهض أوستن بينما كان يدعم آدم وقال: "ماذا تريدين الآن؟"
هزّت الشيطانة كتفيها وقالت: "بإمكاني السماح لكما بالرحيل... ولكن لواحد منكما فقط." ثم فجأة سحبت خنجرًا من الحزام وألقته داخل الزنزانة.
وبابتسامة عريضة قالت: "الأمر بسيط جدًا. على أحدكما أن يقتل الآخر. ومن ينجو، يمكنه العودة. أعطيكما كلمتي."
عبس أوستن عند سماع ذلك وقال: "أي ألعاب هذه؟ أنتِ تريدينني أنا، أليس كذلك؟ قاتليني أنتِ واتركيه يذهب!"
"آه-لا-لا. كنت سأقاتلك فقط لو أنك لم تُحضر تلك العاهرة معك. والآن بعد أن أصبحت هنا، لا يمكنني إيذاؤك." ثم أضافت بابتسامة واسعة شقت وجهها، وهي تشير إلى آدم: "لكن هو بالتأكيد يستطيع."
عند سماع تلك الكلمات، أدرك أوستن أن إحضاره لسيلنر ربما كان خطأً فادحًا.
لو حاول الهرب بمساعدة سيلنر، فإن الشيطانة بلا شك ستقتل آدم.
فما السبيل إذًا...؟
نظر إلى الخنجر، ثم التقطه.
تنفّس آدم بعمق والتفت إليه.
ومن خلال تعبيره، كان من الواضح أن الرجل مستعد للتضحية بنفسه.
نعم، زوجته وابنته ستحزن عليه... لكن آدم لم يفكر للحظة واحدة في أن يأخذ حياة الشخص الذي تحبه ابنته أكثر من نفسها.
ذلك أمر غير مقبول إطلاقًا.
ولهذا قال: "أوستن، أنا أر—"
"أبي، بلغ سلامي لفال."
طَعْنة
شحبت ملامح آدم.
واتسعت ابتسامة أمانيتر أكثر.
والسبب في ردّة فعلهما كان الفتى الأشقر الذي سقط على الأرض بعد أن طعن نفسه.
في سن الثامنة عشرة، مات أوستن إيريندور.