الفصل 198 - الذاكرة

--------

"همم..." أطلقت فاليري أنّة خافتة في نومها. كان حلقها جافاً، وأثار هذا الانزعاج استيقاظها.

ببطء، فتحت عينيها. للحظة، حدّقت بلا وعي، ولكن شيئاً فشيئاً، بدأت الذكريات تتدفق. لحظة فقدانها للوعي... الخوف... الفوضى...

"آه!" حاولت النهوض بذعر، لكنها توقفت في منتصف الطريق—كان هناك ما يثقل اللحاف الذي يغطيها.

أدارت رأسها قليلاً—وانحبس نفسها.

كان هناك، بجانب سريرها، رجل. رأسه مستند بلطف إلى البطانية التي تغطيها، وعيناه مغمضتان، وأنفاسه هادئة. شفتاه مفترقتان قليلاً كأنه غفا وهو ينتظر.

كل الذعر الذي كان يغلي في داخلها تلاشى في لحظة.

كان هنا. بأمان.

" هاه... " خرج نفس من شفتيها، وعادت تغوص في السرير. قوتها التي اشتعلت للحظة، خمدت من جديد.

ببطء وحرص، مدت يدها نحوه.

انسابت أصابعها برفق بين خصلات شعره. "لقد بذلت جهداً كبيراً"، همست.

لم تكن تعرف بعد ما إذا كان والدها قد عاد. لكن مجرد معرفتها أن هذا الرجل—هذا الشخص الذي يهتم بها—خاطر بحياته للعثور عليها... غمرها ألم عميق في صدرها.

شعرت بالذنب. الذنب لأنها تصرفت بتلك الطريقة، لأنها جعلته يقلق، لأنها دفعته لاتخاذ خطوة بهذا القدر من الخطورة. لكن ذلك الذنب غرق في الفرح الهادئ الذي بدأ يزهر في قلبها.

كانت تعرف بالفعل أنه يهتم.

لكن لحظات كهذه—حين تستطيع أن تراه، أن تشعر به—كانت تجعل قلبها يفيض دفئاً.

"أنتِ مستيقظة..." فجأة، دخل رجل مألوف الغرفة.

اتسعت عينا فاليري قليلاً وهي تنظر إلى والدها، "أ-أبي..."

اقترب آدم ببطء من سريرها ووضع يده على رأسها، "نعم، لقد عدت. آسف لجعلك تقلقين."

دفعت فاليري نفسها واحتضنته، والدموع تتلألأ في عينيها.

كانت الساعات الماضية كالجحيم بالنسبة لها. أولاً، وصلها خبر أن والدها اختُطف من قبل الشياطين وأُخذ إلى الجانب الآخر. ثم، أوستن لحق به.

اهتز كيان فاليري من الأعماق. كانت عاجزة تحاول الوصول إليهما، لكن امرأة لئيمة وقفت في طريقها.

كانت هذه المرة الثانية في حياتها التي تتذكر فيها كم يمكن أن تكون عاجزة.

المرة الأولى، أمام ذلك الجنرال الشيطاني الذي نصب الحاجز لإضعافها. والمرة الثانية، أمام تلك المحاربة من المجلس التي وقفت في طريقها كجدار لا يتزعزع.

ربّت آدم بلطف على ظهرها وأكد لها أنه بخير الآن.

"فاليري... تعلمين"، قال والدها برقة، "لو كنت مكان أوستن، لست متأكداً أنني كنت سأفعل الشيء ذاته. المخاطرة بحياتي فقط لأن خطيبتي كانت قلقة... ذلك النوع من الشجاعة—لم أره في أحد من قبل."

ابتعدت فاليري عنه ببطء واستدارت لتنظر إلى والدها. عيناه، الممتلئتان بدفء هادئ، كانتا مثبتتين على الرجل الذي لا يزال مستريحاً بجانبها.

ما فعله أوستن لم يكن شجاعة—بل أقرب إلى الجنون. المهمة بحد ذاتها كانت مقامرة مع الموت. لم يكن أحد يعرف ما ينتظر في الجانب الآخر. ربما جنرالات ملك الشياطين. ربما مملكة الشياطين بأكملها. الاحتمالات كانت مستحيلة القياس.

ومع ذلك، ذهب أوستن. ولم يكتفِ بذلك—بل عرض نفسه كرهينة دون أن يرف له جفن.

"...أبي"، همست فاليري، "هل حدث له شيء أثناء وجوده هناك؟ هل أُصيب؟"

اهتز صوتها قليلاً، والقلق يتغلغل في كل كلمة.

لا تزال تتذكر تلك اللحظة الرهيبة أثناء المعركة، حين انقبض قلبها وبدت الدنيا تنهار. كأن شيئاً رهيباً قد حدث—ولم تستطع أن تفعل شيئاً حياله.

توقف آدم.

لم يُجب مباشرة. ساد صمت متردد في الغرفة بينما كان ينظر إلى ابنته.

فكر في أن يخبرها. عما فعله أوستن أمام الشيطانة. عن كيف ضحى بنفسه فقط لكي لا تراها تبكي.

لكن رؤيتها بهذه الحال—قلقة، هشة—منعته من البوح.

"لا"، قال أخيراً. "لم يحدث له شيء. تم أخذي من قبل مستشار المجلس، لذلك لا أعلم الكثير... لكن مما سمعته، أنه بطريقة ما، اخترق دفاعاتهم وخرج سالماً."

الحقيقة—لم يكن أحد يعلم فعلاً ما حدث. ولا حتى آدم. أوستن انهار من الإرهاق بمجرد أن عاد وظل نائماً منذ ذلك الحين. لم يطالبه أحد بالتفاصيل.

جاء رده سريعاً بما فيه الكفاية. لكن كان هناك توقف—بضع ثوانٍ فقط—قبل أن يتحدث.

وكان ذلك كافياً تماماً لتعرف فاليري.

كان يخفي شيئاً.

لكن لم يكن يهم. ستسأل الشخص الوحيد الذي لا يستطيع الكذب عليها.

°°°°°°°°°°

[وجهة نظر أوستن:]

....أين أنا؟

نظرت حولي ووجدت المكان مألوفاً... أكاديمية فالوريان.

كنت واقفاً في القاعة العامة وقد تم إستدعائي إلى هنا من العدم.

" هذا حلم... بالتأكيد... " الطريقة التي كان الناس يسيرون بها من حولي دون أن يلاحظوني، كانت واضحة أن هذا حلم... أو ربما أقرب إلى ذاكرة. لأني لم أشاهد حلماً بهذا الوضوح من قبل، حيث أستطيع التفكير بشكل سليم.

نظرت حولي، وفجأة رأيت ريا.

كانت جالسة على الطاولة وكتاب بيدها، لكن عينيها كانتا موجّهتين إلى شخص آخر.

تبعت خط نظرها... وصُدمت لرؤية وجه مألوف جداً.

لم يكن سوى أنا... إذاً، هذه بالفعل ذاكرة استعدتها بعد أن أمسكت بـ "سكار".

كانت فاليري جالسة بجانبي لكني لم أكن أركز كثيراً عليها. كنت أقرأ كتاباً وأنا مسترخٍ على المقعد. شعري، الذي كان طويلاً نوعاً ما، كان مربوطاً بذيل حصان فوضوي. عيناي تركزان بكسل على الكتاب.

نظرت حولي، فوجدت عدة فتيات ينظرن إلي، كثيرات منهن كن يضحكن ويتهامسن بشيء ما عني.

"هل ترغب أن أملأ لك الشاي؟" سألت فاليري برقة وهي ترفع إبريق الشاي.

"هممم." ...ولم أكلف نفسي حتى بشكرها أو النظر إليها.

ابتسمت فاليري... آه، هل من السيئ أن أشعر بالغيرة قليلاً هنا؟ أعني، ذلك الشخص أنا، لكن مع ذلك...

كانت فاليري تسكب الشاي بهدوء عندما—

ضَرْبَة.

ارتطام صاخب هز الطاولة، جعلها تعقد حاجبيها. انسكب الشاي قليلاً على حافة الكوب.

كان هناك غريب يقف هناك. بدا شاباً—من الواضح أنه طالب من الأكاديمية—لكن وجهه كان مشوهاً بالغضب، وعيناه تشتعلان حمرة.

"أيها اللعين! كيف تجرؤ—آه!"

" هاه... " شهقت فاليري—وكذلك فعلت أنا.

حدث كل شيء بسرعة كبيرة.

دون أن يلقي نظرة عليه حتى، إلتقط أوستن شوكة من الطاولة وأطلقها.

خبطة.

غُرست الشوكة في صدر الرجل بقوة مرعبة. لم يتبقَ منها سوى بضع بوصات مرئية.

لقد... لقد طعن شخصاً.

بهدوء، أغلق أوستن الكتاب الذي كان يقرأه ووضعه بجانبه. ثم، بصوت أبرد من الجليد، قال:

" كان يمكن أن تصيب قلبك، ماركوس. لذا إنتبه لما تقوله عندما تخاطبني. "

وأخيراً رفع نظره—وحين فعل، تغير جو القاعة.

عيناه كانتا حادتين، عديمتي الشعور، وقاتلتين.

ثقل هائل خيّم على القاعة العامة. لم يجرؤ أحد على الحركة. حتى فاليري إرتجفت تحت هالته.

كان ماركوس واقفاً متجمداً، يرتجف، والدم يلطخ قميصه ببطء.

ثم—تحولت عينا أوستن نحوي.

تلك النظرة الواحدة جعلت قلبي يتوقف.

"أأنت لا تزال هنا؟" قال بهدوء. " ليس الوقت بعد لتعرف كل شيء. "

وبطرفة من أصابعه—

هووووش.

إنهار العالم من حولي.

شعرت بجسدي يُسحب بعيداً، وحواسي تتلاشى. كل شيء أصبح ضبابياً مع تلاشي العالم عن ناظري.

في مكان ما في مؤخرة عقلي، سمعت أفكاري تتردد خافتة.

" أنا السابق... كان شيئاً آخر فعلاً. "

2025/04/21 · 51 مشاهدة · 1015 كلمة
نادي الروايات - 2025