الفصل 201: الصغيرة

---------

"حقاً... ما كل هذا العَجَل؟ لقد عدتِ اليوم فقط وتغادرين مجدداً." تمتم سيدريك وهو ينظر إلى كنّته.

إبتسمت فاليري إعتذاراً وقالت: "لقد فاتتنا بالفعل بضعة أيام في المدرسة، وهناك مراسم غداً، لذا قررنا العودة."

غداً كانت ستُقام مراسم التهنئة التي يُكرَّم فيها الطلاب الذين أدّوا أداءً جيداً في مجالات مختلفة. في السابق، كان هذا الحدث يركّز أكثر على تهنئة الطلاب الذين تميّزوا في البطولة، لكن الأمور ستكون مختلفة هذه المرة.

كانت فاليري تأمل بشدة أن يتلقى سيدها جائزة على شجاعته أيضاً؛ ولهذا السبب حثته على العودة اليوم بدلاً من الغد.

لم تكن تريد أن تفوّت فرصة رؤية حبيبها وهو ينال التقدير الذي يستحقه.

"هاه~ أنتم الأطفال لا تهدؤون." تنهد سيدريك وهو يهز رأسه.

"في سنهم، كنتَ نشيطاً جداً أيضاً، سيدي." أضاف سيباستيان بابتسامة مازحة، مما جعل سيدريك يتأفف بتذمّر.

في قاعة الاستقبال، كان هناك شخص آخر جالس بصمت طوال الوقت.

الملكة.

كانت الابتسامة الدافئة تعلو وجهها، ومن عينيها كان واضحاً أنها كانت تودّ المشاركة في الحديث، لكنها كانت تكبح نفسها.

حسناً، لم تكن فاليري لتتجاهلها بالتأكيد، لكن رأيها في المرأة لم يتغير كثيراً. ما زالت تشعر بالغضب تجاه الملكة لما فعلته... ولطريقة معاملتها لابنها طوال السنوات العشر الماضية.

فجأة، نظرت صوفي إلى زوجها، فأومأ سيدريك برأسه وأشار إلى الخادمة.

تقدّمت الخادمة حاملةً صينية، وعلى الصينية كانت هناك عدّة صناديق مغلّفة.

"هذا..." قالت فاليري بحيرة وهي تأخذ الصينية. مما استطاعت تمييزه، كانت صناديق طعام.

"هذه بعض الوجبات الخفيفة التي أعدّتها صوفي—"

"...لماذا؟" قالت صوفي لأول مرة، مقاطعةً زوجها بعبوس رقيق.

تنهد سيدريك طويلاً وقال: "كما ترين، هي لا تريد أن يعلم أوستن أنها مَن أعدّها، وإلا فلن يأكل."

ابتسمت فاليري بخفوت وأخفضت نظرها وقالت: "بقدر ما أعرفه، أول قضمة ستكون كافية ليعلم من أعدّها."

تفاجأت صوفي من ذلك الرد... هل يتذكر حقاً طعم طعامها المصنوع يدوياً؟

لم ترفض فاليري صناديق الطعام، فقد كانت تثق في السيدة بما يكفي لتُؤمن أنها لم تسمّم الطعام.

"لكن رغم ذلك... سأكون أول من يتذوّق..." قررت في سرّها.

عاودت صوفي التوجه نحو زوجها وهمست له بشيء دون أن تنطق.

لكن سيدريك هذه المرة رفض طلبها غير المعلن، "أعطيها إياه بنفسك."

توسّلت إليه صوفي لكن دون جدوى. لم يكن سيدريك ليدع هذه الفرصة تفوته. كان يأمل، ولو قليلاً، أن تقلّ المسافة بين صوفي وفاليري.

خاضعةً لإصرار زوجها، وقفت صوفي من مقعدها وأشارت إلى الخادمة التي كانت تحمل صندوقاً.

كان صندوقاً خشبياً مصقولاً محفوراً عليه شعار إيريندور.

إقتربت الملكة من الفتاة، وقبل أن تنهض فاليري، أشارت لها صوفي أن تبقى جالسة.

فتحت الصندوق وأخرجت سواراً ذهبياً بتصميم لولبي وحجر أزرق داكن في وسطه.

رفعت فاليري يدها حين طلبت منها صوفي ذلك، وأدخلت الملكة السوار في يدها، " هذا إرث العائلة، ينتقل عبر الأجيال. كنت أودّ أن أمنحكِ إياه منذ زمن... لكن... " لم تُكمل صوفي حديثها، لكن فاليري فهمت كل شيء.

من الطبيعي، بعد قدوم آيدن، أنها كانت تفكر في الإحتفاظ بالإرث لزوجة آيدن.

بصوت منخفض وعينين مطرقتين، قالت صوفي: " أعلم أنني خيّبت ظنكِ وظن أوستن... لكن إسمحي لـي أن أكون وقحة وأمنحكِ بـركـتـي. " وضعت يدها على خدها وقالت بعينين مغرورقتين، " ليبارك لكما الرب بأن تبقيا معاً دوماً وسعيدين. "

°°°°°°°°°

كان أوستن في تلك اللحظة في غرفة أخرى في طابق مختلف.

كان جالساً قبالة شقيقته التي لا تزال ترفض النظر إليه. لكن مجرد أنها لم تعارض دخوله إلى غرفتها كان تقدماً كبيراً.

"أعلم أنه من الظلم أنني لم أستطع البقاء هنا طويلاً—"

" أنا لم أطلب منك أن تبقى أصلاً. " قالت بنبرة متجهمة.

لم يعر أوستن كلماتها اهتماماً؛ فلها كل الحق في أن تُسيء إليه كما تشاء. لقد دمّر طفولتها ولم يعتذر حتى قبل أيام فقط.

هو يستحق كل كراهيتها، لكن ما لا يستطيع تحمله هو أن تحبس نفسها هكذا.

نهض من مقعده واقترب من الفتاة الصغيرة، وركع أمامها.

أمسك يديها وقال: "انظري إليّ، آفي"، حاول أن يلفت انتباهها، لكنها لم تفعل.

ومع ذلك، تابع أوستن قائلاً: " لقد دمّرتُ سنوات من حياتك... بتلك الكلمات... وبتجاهلي للاعتذار. لكن الآن، حان وقت المضيّ قُدُماً. "

انتزعت آفيريس يديها، في رفض واضح.

إلا أن أوستن أمسك بهما مجدداً وأضاف: " لا يمكنك تدمير حياتك هكذا، آفي. لا يمكنك أن تدعي أحداً يدمّر حياتك ويجبرك على أن تحبسي نفسك. حتى لو كان هذا الشخص هو شقيقك. "

"ولماذا تهتمّ بما أفعله في حياتي؟" سألت، وكانت عيناها تعجان بمشاعر لا تُعدّ ولا تُحصى. غضب، إحباط، حزن... كراهية.

انخفضت كتفا أوستن وأخذ لحظة ليجمع نفسه قبل أن يقول: "في هذه العائلة، كنتِ الوحيدة التي لم تفقد الأمل بي. أنتِ التي لم تتخلَّ عني... سمّيها ردّ جميل إن شئتِ، لكنني الآن لا أريد أن أتخلى عن أختي. أنا نادم على ما فعلت... لكنني الآن أريد أن أغيّر الأمور."

عند سماع كلماته، ارتجفت كتفا آفيريس.

كيف لها ألا تتذكّر تلك الأيام التي أمضتها وهي تبحث في الشظايا وكيفية تطويرها فقط لتساعده؟

لم تحتفل حتى بيقظتها، ولم تُجِب على أي نداء من والديها، واستمرت في أبحاثها.

لذا حين قال إنها لم تفقد الأمل... كانت فعلاً كذلك.

إمتلأت عيناها بالدموع، و إرتجف جسدها قليلاً وهي تحاول كبت نشيجها.

عانقها أوستن بحنان وربّت على رأسها بلطف، "أنا آسف... لقد عانيتِ كثيراً. "

تشبّثت به آفيريس و إنفجرت بالبكاء. الألم الذي كانت تكبته... والغضب الذي يغلي في داخلها، كلّه إنفجر دفعة واحدة.

إستغرق الأمر وقتاً، و إنتظر أوستن بصبر حتى هدأت شقيقته.

كانت تشعر بالحرج، لأنها إستسلمت بهذه السهولة.

مسحت وجهها و رأته ينهض.

و وضع يده على رأسها وقال: " لقد قدّمتُ بالفعل طلب الإلتحاق بالأكاديمية. بعد شهر ستكون تقييماتك، فاستعدي جيداً. "

عبست آفيريس، "أكاديمية؟"

" أجــل~ سـتـكـونـيـن زمـيـلـتـي الـصـغـيـرة، آفــي. "

2025/04/22 · 55 مشاهدة · 884 كلمة
نادي الروايات - 2025