الفصل 205 - التشرّف (2)
----------
توقف الطلاب عن الدردشة ونظروا إلى الرجل.
كانت قاعة الاحتفال مصممة بطريقة تجعل الشخص الواقف على المنصة قادراً على الوصول بصوته إلى كل زاوية من القاعة دون الحاجة إلى رفع نبرته.
"لقد اجتمعنا هنا اليوم لنحتفل بعامٍ قضيناه في الأكاديمية—عام مليء بالذكريات التي لا تُعد، منها ما هو مفرح ومنها ما هو عصيب. كل واحدٍ منكم واجه تجاربه الخاصة، وتعلّم دروسه الخاصة، ونما بطرق ستشكّل الطريق أمامه.
لم تكن هذه الرحلة سهلة يوماً، ولن تزداد إلا صعوبة من هنا فصاعداً. ولكن بصفتنا محاربين ملتزمين بصنع عالم أكثر سلاماً، علينا أن نواجه هذه التحديات بعزم وشجاعة. فلتكن الشدائد ناراً تصقل أرواحنا، لا ثقلاً يسحقها."
وباتباع ذلك، رفع الجميع كؤوسهم لتحية تلك الكلمات.
خفض فيليوس كأسه وقال: " والآن، دعونا نُقدّم تهانينا لأولئك الأفراد الذين تميّزوا بمهاراتهم الإستثنائية وتفانيهم الثابت. إن إنجازاتهم شهادة على ما يمكن تحقيقه عندما تُشحذ الموهبة بالجهد المتواصل. لم يكتفوا بكسب الإعتراف—بل أصبحوا أسماء تستحق أن تُذكر. "
أشار فيليوس نحو الأستاذة الواقفة إلى يساره قبل أن تتقدّم إلى المنصة وتسلمه واحدة من العديد من العلب التي كانت تحملها على صينية.
فتح فيليوس العلبة قبل أن يعلن قائلاً: "أولاً، أود أن أهنئ الطالبة التي نجحت في التغلب على كل زنزانة أُرسلت إليها. لم تكتفِ بهزيمة خصومها في الوقت المحدد، بل ضمنت أيضاً سلامة رفاقها."
ما إن خرجت تلك الكلمات من فمه، حتى بدأ كثيرون يتلفتون نحو أوستن وفاليري.
وكما توقعوا، قال: "الرجاء الصعود إلى المنصة معي، فاليري كوروون."
دوّى تصفيق حار في القاعة وهم يلتفتون نحو ذات الشعر البنفسجي.
أمسك أوستن يدها برفق، وابتسم قائلاً: "هيا بنا."
أومأت فاليري برقة قبل أن يتوجّها نحو المنصة.
وعند بلوغهما الدرجات القصيرة، أومأ أوستن لها وانفصل عنها.
صعدت فاليري إلى المنصة وتقدّمت نحو المركز.
فتح الرجل العلبة وأراها الميدالية قائلاً: " لقد قمتِ بعمل رائع. "
شكرت فاليري بإبتسامة وأخذت العلبة.
وبعدما نزلت وعادت إلى جانب أوستن، واصل المدير الحفل، منادياً بأسماء المتفوقين.
كانت فاليري قلقة قليلاً مع استمرار الحفل.
لقد أحصت العلب مسبقاً. وكان عددها يتناقص ببطء.
"التالي، أود أن أهنئ الفتى الشجاع الذي لم يخسر نزالاً واحداً منذ انضمامه للأكاديمية. الرجاء الانضمام إلي، رودولف."
أطلقت فاليري تنهيدة طويلة، جذبَت إنتباه أوستن.
إقترب منها وهمس قائلاً: " أنت تعلمين أن آراء الآخرين لا تهمني. "
لم ترد عليه، إذ كانت تعلم أنه صادق فيما يقول.
لكنها كانت تأمل، لمرة واحدة فقط، أن يُكرم سيدها على شجاعته. لقد نال السخرية والبغض طوال حياته. لكن ليس بعد الآن.
وأخيراً، بقيت علبة واحدة، وبدأ المدير قائلاً: "الآن، أود أن أستدعي الشخص الذي أظهر تفانياً عظيماً تجاه الأكاديمية، ساعد الطلاب ورفع من سمعة المدرسة."
قبضت فاليري يدها، تأملاً أن يكون هذا هو التكريم المنتظر.
لكن، " الرجاء الصعود إلى المنصة، أنابيل. "
[المترجم: ساورون/sauron]
"...هاه؟" علت العبوس وجه فاليري حين سمعت ذلك الاسم.
وبينما يشقّ التصفيق طريقه بين الحاضرين، تقدّمت أنابيل نحو المنصة.
…لماذا؟ لماذا تجاهله المدير أيضاً؟ هل هم عميان؟ أم حمقى؟ كيف لا يُقدّرون ما فعله أوستن لأجلهم؟ لقد ساعد في القبض على الشيطان، وخاطر بحياته لجلب هدنة بين أمتين… بل وحارب جيشاً.
أليس هذا كافياً؟ هل عليه أن يقتل سيد الشياطين فعلاً كي يُعترف بإنجازه؟
" فاليري... " ناداها أوستن بقلق عندما رأى تعابير وجهها القاتمة.
كان على وشك أن يبعدها، خشية أن تقدم على شيء طائش، وفجأة،
"والآن، إلى الجائزة الأخيرة"، تفاجأ الجميع لسماع ذلك. ألم ينتهِ الحفل؟ ألم تُوزع كل الجوائز بالفعل؟
وبغضّ النظر عن ردة فعلهم، تابع فيليوس قائلاً: " إلى من أظهر نمواً إستثنائياً في فترة زمنية مذهلة—لدرجة جعلتني أشكك في قيمة خبرتي الشخصية. "
" الذي تجرأ على المخاطرة بحياته في مواجهة خصوم، لو أنني واجهتهم في سنّه، لهربت منهم. "
" الذي وقف ضد المخادعين، معرضاً نفسه للخطر، لمنع ما كان سيصبح كارثة مميتة. "
" بطل حقيقي—تخلّى عن كل إعتبار لسلامته، ووقف وحيداً في وجه جيش، مدفوعاً فقط بإرادته لحماية شعبه. "
لمعت بارقة أمل في عيني فاليري لدى سماع ذلك.
وقد خمّن الكثير من الطلاب بالفعل من يكون هذا الشخص، لذا عادت أنظارهم لتتوجه مرة أخرى إلى نفس الاتجاه.
لكن هذه المرة كان مركز الإنتباه هو أوستن.
صعد أستاذ آخر إلى المنصة حاملاً سيفاً ذهبياً داخل غمد ذهبي، وسلّمه إلى المدير.
أومأ له فيليوس بشكر قبل أن يقول: " شرفنا بحضورك، إيريندور أوستن. "
دوّى تصفيق مدوٍّ في القاعة كلها بينما إلتُفِتت الأنظار نحو الأمير الأشقر.
ذاك الذي بالكاد شقّ طريقه في الأكاديمية. ذاك الذي لُقّب بـ"الأمير عديم الفائدة" .
ذاك الذي كُتب له أن يغرق في الإكتئاب ويُنسى من الجميع.
شعر أوستن... بغمرٍ مفاجئ من المشاعر إثر هذا الإعلان المفاجئ والانتباه المسلّط عليه.
وإذ شعر بشدّة على كمه، إلتفت نحو الشخص الوحيد القادر على تهدئة قلبه.
كانت عيناها تلمعان، لكن الابتسامة الجميلة أعلنت مدى سعادتها في تلك اللحظة.
شبكت ذراعها بذراعه، وقالت: "هيا بنا؟"
زفر أوستن نفساً طويلاً ثم أومأ، "حسناً."
فتح الحشد طريقاً للثنائي أثناء عبورهما على السجادة الحمراء نحو المنصة.
التفت أوستن نحو حبيبته، وسمعها تقول: "لا أستطيع وصف مدى فخري بك الآن."
كل ما استطاع فعله هو الابتسام، ثم أخذ نفساً عميقاً وانفصل عنها.
صعد المنصة ووقف أمام المدير.
وضع الرجل الأكبر سناً يده على كتف أوستن وقال: " لقد فُقتَ كل توقعاتي. كل ما أتمناه هو أن تستمر بالنمو وتجعلني و والديك فخورين بك. "
إبتسم أوستن مجيباً: " شكراً لك، سيدي. "
أومأ له فيليوس ثم سلّمه السيف، الذي أخذه أوستن بكلتا يديه، و إنحنى قليلاً.
بدأ الحاضرون بالتصفيق مجدداً بينما إلتفت أوستن نحوهم.
تجوّلت عيناه وسط الحشد، لكنه لم يجد فاليري.
بالقرب من المدخل وقف الرجل ذو الشعر الرمادي، يصفق و يبتسم بمودّة مثل الآخرين.
تلاقت أعينهما، فتحوّلت إبتسامة أوستن إلى إبتسامة طفولية، كما لو أنه يقول، " لقد فعلتها، سيباس. "
تحولت عينا الخادم إلى هلالين عند رؤيته لهذا المشهد الذي طالما إنتظره.
وأخيراً، نال سيده الشاب التقدير الذي يستحقه.
" أنا فخور بك، يا أوستن. "