الفصل 206 - الكارثة الوشيكة
---------
"إلى أي حد كنتِ متوترة لدرجة أنك لم تشاركي في الاحتفال؟" سأل أوستن وهو يرفع حاجبيه.
في القاعة العامة، كان الأربعة يتناولون الإفطار في صباح اليوم التالي لحفل التهنئة.
في الأمس، وبسبب توترها وخشيتها من إحراج رودولف، لم تشارك ريا في الحدث.
كانت كتفا صاحبة الشعر الوردي منحدرتين وهي تعترف: "في الحقيقة كنت هناك لبعض الوقت، لكن معدتي بدأت تؤلمني، فقررت أن أستريح قليلاً…"
"أكاذيب. هربتِ فقط لتتجنبي الرقص معي،" سخر رودولف، ثم حشر لقمة سميكة من الفطائر في فمه.
صمتت مستخدمة السيف… غير قادرة على الرد، إذ كان ما قاله صحيحاً.
ولم يستمر الحديث في ذلك الاتجاه، إذ لم يكن هناك من يواصل إشعار ريا بالذنب.
"الدروس ستبدأ غداً. والامتحان النهائي في الشهر المقبل. هااه~ إنها الفترة الوحيدة من السنة التي يجب أن أركّز فيها على الدراسة." بدا رودولف متعباً بالفعل.
للتقدّم إلى السنة التالية، يجب أن يحرز المرء على الأقل العلامة المطلوبة للنجاح في الامتحانات النهائية. ولهذا، لم يكن بإمكانه التراخي الآن.
"نعم... من المزعج جداً مراجعة كل هذه الملاحظات. أتمنى لو كان لدي عقل مثل أوستن." تمتمت ريا بحسد.
ضحك أوستن، "حين لم أكن منشغلاً بكل هذا، كنت أدرس معظم الوقت في مكتبي." أبلغهم.
حتى استيقظ النظام بداخله، كان كل ما يفعله هو إنجاز الأعمال المتفرقة التي يكلّفها به والده ودراسة الكتب في معظم الوقت. لذا، لم يكن من المستغرب أن تكون لدى أوستن قاعدة معرفية قوية.
"هل ستساعدني؟" سألت فاليري فجأة بصوت خافت، مما أثار دهشة أوستن.
نظر نحوها بنظرة مستفهمة، "أأنتِ بحاجة فعلية إلى مساعدتي؟"
أومأت فاليري، "كنت مركّزة كثيراً على التدريب، وزرت العديد من السراديب هذا العام، ولم أتمكن من التركيز على الدروس. وعلى الرغم من أن لدي الملاحظات، لا أظنني قادرة على فهم وتعلّم كل شيء قبل الامتحانات."
كانت فاليري عبقرية أكاديمية أيضاً، إلى جانب قوتها البدنية اللافتة. ومع ذلك، فإن المنهج الدراسي في الأكاديمية كان واسعاً. وقد انخرطت في سلسلة من الأحداث. وأيضاً، بسبب التقارب الأخير بينها وبين أوستن، لم تستطع التركيز في دراستها إطلاقاً.
فعندما تكون برفقة أوستن، لا يتشتّت ذهنها في أي اتجاه آخر، بل يظلّ منصبّاً عليه. وحتى بعد عودتها إلى غرفتها، تظلّ تفكر في أحاديثهما، مما أثّر على دراستها مؤخراً.
لذا، وبشكل ما، كان أوستن مسؤولاً عن حالتها، ومن الأفضل له أن يتحمّل المسؤولية.
ابتسم أوستن لها بمودّة، "حسناً، لنفعل ذلك. في غرفتي؟"
أومأت فاليري، هذه المرة بحيوية.
"مرحباً، هل ستدرسان معاً؟" سألت ريا، وقد أوضح الأمل في صوتها ما كانت تنوي طلبه لاحقاً.
"نعم، لكن فقط نحن الاثنان." كان ردّ فاليري سريعاً، وبالنظر إلى تلك العيون الباردة، تصلّبت ريا.
كان في عينيها رفضٌ واضح، محا تماماً كل الأمل الذي كانت تحمله ريا في أن يُدرّسها أوستن.
تنهد رودولف، "لقد كنت قريبة منهما منذ زمن طويل، ومع ذلك لم تفهمي بعد أن التدخل بينهما فكرة سيئة؟"
"لكن- لكن… إنهما سـ… يدرسان فقط…" ردّت ريا بضعف.
ابتسم رودولف، "أحقاً تظنين أنهما سـ'يدرسان فقط'؟"
صُدمت ريا عند سماع ذلك.
ثم أدارت رأسها نحو الثنائي، ورأتهما يتشاركان نفس الصحن، جالسين وكتفاهما يلامسان بعضهما، يهمسان بأحاديث لطيفة – متجاهلين العالم من حولهما تماماً.
...حقاً، إذا كانا معاً، فلا سبيل لأن يكتفيا بالدراسة فقط.
وبعد لحظة صمت، قالت ريا فجأة: "ما رأيكم أن نطلب مساعدة الأستاذ موركل؟ أعلم أنه سيساعدنا."
توترت حواجب رودولف للحظة، لكنه ما لبث أن استرخى وقال: "بالتأكيد... لنفعل ذلك."
°°°°°°°°°
بعيداً عن الأكاديمية، وعند سفح جبال شاهقة، تقع دولة مشهورة بإنتاجها لأمهر المقاتلين في العالم.
هذه الأرض، التي يغمرها الثلج طيلة العام، لم تكن معروفة فقط بمحاربيها—بل بكونها أكبر مورّد للأسلحة في القارة.
واحدة من أعظم القوى الدفاعية في العالم.
موطن أكاديمية أورورا كريست—أديميرغ.
عاصمتها، القريبة من القمم المغطاة بالثلوج، كانت مغطاة بدرجات لا متناهية من اللون الأبيض. أسطح المنازل شديدة الانحدار، صُممت لتتخلص من ثقل الجليد والثلوج. وكان الناس يتنقّلون في الشوارع بإيقاع معتاد، يجرفون الثلوج من أمام أبوابهم، وهم متلفّعون بطبقات سميكة من الفراء.
معظم المتاجر كانت مغلقة رغم أن وقت الإفطار قد انقضى، وليس لأنّ الناس كسالى. بل لأن الزوّار نادرًا ما يقصدون العاصمة في هذا الوقت من العام.
بعض الأرواح الطيبة أشعلت نيران الفحم أمام منازلهم، مانحة لحظات قصيرة من الدفء لأي مسافر يمرّ من هناك.
للوهلة الأولى، بدت العاصمة أديميرغ هادئة. القلعة العظيمة التي يقيم فيها الملك كانت واقفة بصمت كما هو حالها دائماً. وكان هذا الصمت مطمئناً للشعب.
لكن خلف تلك الجدران الحجرية العتيقة، بعيداً عن أعين العامة—
كانت عاصفة ما تبدأ بالتكوّن بهدوء.
"العرافة؟!" شهقت الأميرة الأولى—إليزابيث أديميرغ—عندما سمعت الخبر عن العرافة.
مثل كل مملكة، كانت لأديميرغ عرّافتها الخاصة التي تتنبأ بالمستقبل. ومع ذلك، لم يصلهم منها أي شيء مؤخراً. لا عن الهجوم على موقع البطولة، ولا عن عدد طلاب أورورا كريست الذين كانوا على وشك الموت.
لكن، اليوم، نهضت وهي تصرخ وتبكي، وذهبت إلى غرفة التخزين وأغلقت على نفسها هناك.
والآن، كانت الأميرة الأولى، التي تتولى شؤون الحكم في غياب والدها، تتجه نحو غرفة التخزين.
كان شعرها الأزرق الفاتح يتمايل مع كل خطوة سريعة تخطوها نحو وجهتها. وكان المستشار الرئيسي وفارسان يتبعانها عن كثب.
وبعد عبورها الممر الطويل، استدارت يساراً، فوجدت عدداً من الأشخاص ملتفّين حول باب نحيف تُخزّن فيه أدوات التنظيف.
وعندما رأى الجنود والخدم الأميرة، فسحوا لها الطريق.
إستدارت إليزابيث نحو الخادمة القريبة وسألتها: "كم من الوقت مضى على وجودها بالداخل؟"
أجابت الخادمة وعلى وجهها عبوس القلق: "كانت تتناول فطورها كالمعتاد في غرفتها، وقد قدمته لها بنفسي. لكن فجأة بدأت تتصرف بغرابة. شحب وجهها بشكل مفرط، وارتجف جسدها كما لو أنها رأت كارثة مروعة. ورغم محاولاتي المتكررة لسؤالها عما حدث، لم تجبني، بل بدأت تصرخ وهي تغطي أذنيها، ثم اندفعت مسرعة إلى هنا وأغلقت الباب على نفسها."
عضّت إليزابيث شفتها… لا بد أن شيئًا بالغ الرعب قد حدث حتى يدفع بالسيدة الرزينة المعتادة على التماسك إلى هذا الجنون.
تنفّست بعمق ثم استدارت نحو الباب.
مهما بلغت درجة الرعب… لا يمكنها الهروب من واجباتها.
طرق
طرقت الباب برفق وقالت: "أورليا... إنها أنا. هل يمكنك فتح الباب لي، من فضلك؟"
لم تأتها أي استجابة، رغم أن إليزابيث كانت على يقين بأن الطرف الآخر قد سمعها.
واصلت بصبر: "أعلم أنك رأيت شيئًا مرعبًا... شيئًا غير مسبوق... لكن إن حبستِ نفسكِ، فسيتحول خوفك إلى حقيقة. لذا، ما لم ترغبي في أن يواجه الآخرون نفس الرعب الذي شهدتهِ، أرجوكِ، اخرجي."
ثم صمتت إليزابيث، وراحت تضع يدها على الباب.
مضت لحظات صامتة، ثم:
طقطقة
إنفتح باب غرفة التخزين ببطء، وتألقت عينا إليزابيث... لكنها ما لبثت أن شعرت بحزن عميق حين رأت حالة أورليا.
كانت قد نتفت شعرها، وتقيأت في الغرفة. عيناها حمراوان ومنتفختان، وكانت تتنفس بصعوبة بالغة.
"إ-إيلي... إنّه قادم... كارثة... لا يمكننا هزيمتها... شيطان... ضخم جدًا... قوي جدًا... علينا أن نهرب."
دخلت إليزابيث الغرفة؛ ولم تعبأ بالرائحة الكريهة، بل ركعت أمام السيدة وسألتها: "متى سيحدث ذلك؟"
ذلك هو دأب الحاكم العادل: ألا يجزع في أوقات الخطر، كي لا ينهار من خلفه.
ابتلعت أورليا ريقها بصعوبة وقالت: "خلال عشرين يومًا..."
عقدت إليزابيث حاجبيها... كان الوقت قريبًا جدًا.
رغم ذلك، استدارت نحو الجندي وقالت: "اذهب وأبلغ المجلس. علينا أن نجمع الوزراء ونتناقش بشأن ما يمكننا فعله."
أومأ الجندي فورًا وانطلق مسرعًا.
ثم التفتت إليزابيث نحو الخادمة وقالت: "أنتِ. اذهبي وأحضري لي دفتر الرسائل، وقابليني عند—"
"إليزابيث." فجأة أمسكت أورليا بيدها، ومنعتها من إتمام حديثها.
استدارت الأميرة ذات الشعر الأزرق نحو السيدة، لتسمع صوتها اليائس:
"...ما لم نطلب مساعدتها، فلن ننتصر. لقد رأيت ذلك... من تضع حدًا للرعب... هي وحدها فقط."
سألتها إليزابيث بصوت خافت: "من؟"
ابتلعت أورليا ريقها وقالت: " التي تمسك بأداة الدمار. منقذة إيريندور... والتي ستساعدنا على تجاوز هذه الكارثة—فاليري كورون. "