الفصل 213 - خيانة
--------
لم تكن فاليري تحبّ سيلنر كثيرًا بسبب قربها من أوستن، وكذلك لما بدا عليه أوستن من راحة في وجودها.
ومع ذلك، كانت الحقيقة أنّها ساعدت أوستن في أحلك أوقاته، حين كان يخوض أعتى معارك حياته وحده تمامًا.
لقد ساعدته في كلتا الحقبتين، ومكّنته من إرسال شظايا روحه إلى عوالم مختلفة حتى يتمكن من الاستعداد للحرب على نحوٍ أفضل.
وليس هذا فحسب، بل عندما جلبته مؤخرًا إلى الجانب الآخر، كانت مستعدّة للتضحية بقواها ومكانتها كساحرة إذا ما حاولت الشيطانة إيذاء أوستن.
ربما كانت فاليري غيورة إلى حدّ الحماقة، لا تطيق حتى النساء اللواتي يلقين نظرة على حبيبها. غير أنّ سيلنر كانت استثناءً، يمكنها احتمالها.
"يبدو أنّك غارقة في التفكير"، قالت سيلنر وهي تقود فاليري عبر ممر بالكاد مضاء.
كان واضحًا لفاليري أنّها ليست في مقرّ المجلس، بل في مكان آخر تمامًا.
"أفكّر فيك. من المريب فعلًا أن تفعلي كل هذا فقط من أجل إحلال السلام في هذا العالم. "
قهقهت سيلنر، ضحكة صادقة من المرأة، وقالت: "ومن خلال معرفتي بك، فلا بدّ أنّك تظنين أنّ اهتمامي بمساعدتك... مرتبط بأوستن؟"
"أوليس كذلك؟" ردّت فاليري بسؤال.
رمقتها سيلنر بنظرة. ورغم أنهما بالكاد ترين بعضهما، فإنّ سيلنر كانت تعلم أن فاليري تحدّق فيها بعينين ضيّقتين.
" لا أعلم ما رأيك بي يا فاليري، لكنني كنتُ لأفكّر في أوستن فقط لو رأيتُ في عينيه ولو لمحة من المودّة تجاهي. "
توقّف قلب فاليري لحظة، "ولم تري شيئًا؟"
ابتسمت سيلنر، " لو رأيت، لما كان هناك ما يمنعني من الظفر به لنفسي. "
حدّقت بها فاليري بغضب.
لكنها سرعان ما اضطرّت لأن تضيق عينيها بينما دخلتا فجأة إلى مساحة مضيئة بشدّة.
كانت غرفة بحجم مكتبة ذات سقف عالٍ. الأرضية لم تكن من الخشب أو الرخام... بل من مادة لينة قليلاً، تستطيع امتصاص السقوط.
نظرت فاليري إلى يسارها فوجدت... أسلحة. كل أنواع الأسلحة معلّقة على الحائط: فؤوس، هراوات، سيوف بأنواع عديدة، خناجر، أقواس، وسهام... لم تكن تعرف أسماء نصفها حتى.
" هذا سيكون منزلك للأشهرين القادمين. "
اتسعت عينا فاليري وسحبت بصرها من الأسلحة نحو المرأة، " شهران؟! جيش الشياطين سيصل خلال خمسة عشر يومًا فقط. " وما أثار ذعرها لم يكن الشياطين بحدّ ذاتها، بل فكرة ألا ترى أوستن لشهرين جعلت قلبها يرتجف.
وضعت سيلنر يدها على خصرها وسخرت، "أتظنين أنني سأدرّبك في بضعة أيام؟ هذه غرفة زمنية صُمّمت خصيصًا لتدريبك. "
تحوّل وجه فاليري إلى العبوس، وبدأت تتراجع نحو الممرّ الذي أتت منه — لكن،
"هاه؟!" اصطدمت بجدار.
استدارت بسرعة نحو الخلف... وكان قد اختفى. المخرج... اختفى!
"هذه مملكتي، أيتها الأميرة. يمكنني استخدام سحري كما أشاء هنا." قالت سيلنر وهي تطفو في الهواء، وابتسامة التسلية لا تفارق وجهها.
اقتربت من فاليري وقالت: "هل تعرفين ما الحيلة للخروج من هذا المكان؟" ثم اقتربت من أذنها وهمست، "فقط عليك أن تصيبيني بضربـ ـ"
شْلِنْك
اضطرّت سيلنر إلى إمالة جسدها فيما انطلقت رأس الرمح نحو عنقها.
لم تنتظر فاليري. لوت قبضتها وضربت قدمها على الأرض، وانطلقت بطعنة حادة. الرمح اتجه مباشرة نحو صدر سيلنر.
مالت سيلنر إلى الوراء. فقط بوصة واحدة. فلامس رأس الرمح معطفها.
زمجرت فاليري واستدارت بضربة جانبية.
انخفضت سيلنر، ثم انسلّت من الطعنة التالية كريح تمرّ من بين الشقوق.
توالت طعنات سريعة — حادة، قاتلة.
كانت قدما سيلنر بالكاد تلامسان الأرض وهي تتفادى، وتستدير، وتميل للخلف. كل ضربة كانت تخطئها بمقدار نفسٍ.
احترقت عينا فاليري. قفزت، أوهمت بضربة عالية، ثم سحبت سلاحها منخفضًا.
تراجعت سيلنر. كعبها لامس الجدار، لكنها لم تتوقّف. دارت متجاوزة الضربة الأخيرة، وشعرها يرفرف.
لم تُصب.
ابتسمت سيلنر.
"كادت تنجح."
"لن تمنعيني عنه!" زمجرت فاليري.
ابتسمت سيلنر، " فانزعي حريتك بقوّتك. "
°°°°°°°°°°
كان أوستن... يشعر بالضياع.
لديه أمور كثيرة تشغل تفكيره، ومع غياب مستشارته وحبيبته عنه، كان يشعر بالعجز.
" تماسك يا سيّدي الشاب. هذا لأجل المصلحة الكبرى. "
تنهد أوستن عند سماعه كلمات سيباستيان بينما كان يضع الرسالة داخل مظروف ويختمه.
" أرسلها عبر البريد الفوري. " قال أوستن وهو يناوله الرسالة.
كانت موجهة إلى والده، تتضمّن كل ما يجري، لأن أوستن يعتقد أن المجلس لم يتواصل معهم بعد.
سيزور منزله بعد أربعة أيام، إذ إن العاصمة تقع في الطريق إلى أدميرغ.
لكن بما أنّ التحضيرات يجب أن تبدأ فورًا، قرّر أن يوصل الرسالة عبر البريد الفوري.
"ماذا تنوي أن تفعل الآن، سيدي؟" سأل سيباستيان وهو يأخذ الرسالة.
لم يحتج أوستن إلى التفكير، فأجابه: "سأتدرّب في الأيام الأربعة القادمة، سيباس. يجب أن أستعدّ بدوري."
لقد اشترى بالفعل الزنزانة التالية، وكان يعتزم أن يدفع بنفسه ليصل إلى الرتبة A خلال هذه الأيام الأربعة، مهما كلّف الأمر.
حين سأل النظام: "ما نسبة وصولي إلى رتبة A خلال أربع جلسات؟" كانت الإجابة:
[1٪]
النظام لا يسمح لأوستن بالبقاء في الزنزانة أكثر من أربع ساعات يوميًا، قبل أن يطرده منها قسرًا.
كان في البداية يسمح بست ساعات، لكن مع تصاعد الصعوبة، اتّخذ هذا القرار.
أي أنّه في خلال ستة عشر ساعة، عليه أن ينهي الزنزانتين ويخترق رتبة A.
نعم، بدا ذلك شبه مستحيل. لكن أوستن لن يعرف قبل أن يُجرّب.
" فاليري تبذل جهدها هناك، لذا يجب أن أقدّم جهدي مضاعفًا... "
كانت الحرب تلوح في الأفق، وكلا الجانبين شرع في الاستعداد.