الفصل 227 - لمّ الشمل (2)
---------
" سمعت عن الخطة التي وضعتها. هناك من يثقون في استراتيجيتك وقد خالفوا قائدهم الطبيعي. " نطقت سيلنر بهذه الكلمات، ولم يتفاجأ أوستن.
لقد أدرك بالفعل أن سيلنر ترى وتسمع كل ما يحدث في العالم. حسنًا، كل ما هو مهم.
ولهذا، بدلاً من أن يتفاجأ، اكتفى بهز كتفيه قائلًا: "اقترحت وسيلة لتصفية الحشود حتى نتمكن من التركيز على الأخطار الأكبر. ما رأيك؟ ألن تنجح؟"
"التنبؤ بالمستقبل... لقد فقدت الاهتمام بذلك منذ زمن بعيد. وحتى لو حاولت التطلع إلى مستقبلك، فلن أخبرك." أعلنت الساحرة التي تحكم الزمن ذلك بتعبير جامد.
هز أوستن رأسه بإهمال، "كنت فقط أطلب رأيك. على أية حال، لا داعي لأن تجيبي."
أشارت سيلنر إلى الكرسي أمامها، طالبة منه الجلوس.
لم يكن أوستن متأكدًا من السبب، لكنه امتثل لأمرها غير اللفظي وجلس.
تنهدت سيلنر بعمق ثم انحنت للأمام وسألته، "أرني الشظية خاصتك."
أطاعها أوستن؛ فاستدعى خنجره ومدّه نحو المرأة.
فحصته سيلنر للحظة، ثم أومأت برأسها قائلة: "لقد سمعت كلماتي وقلّصت من وقت تدريبك. أنا سعيدة." ابتسمت، وعكست عيناها الابتهاج الحقيقي الذي شعرت به.
لم يتفاجأ أوستن من ردّ فعلها هذا، إذ بات يدرك كم تهتم به سيلنر.
تلاشت شظية أوستن وهو يسمع سيلنر تقول: "أعلم أنك حكيم بما يكفي لتفهم هذا، لكن دعني أوضحه لك. أوستن، روحك لم تتهيأ بعد لتحمل عبء الشظية الأخرى. عندما طلبت منك التوقف عن إجبار نفسك على بلوغ رتبة أعلى، كنت أريدك أن تدرك أن الروح لا تنمو تبعًا للجسد."
وأردفت شارحة، "روحك ليست تحت سيطرتك. يمكنك تدميرها، نعم. لكن لا يمكنك إجبارها على النمو. عليك أن تتحلى بالصبر معها. وبالوتيرة التي كنت تترقى بها، كانت روحك ستنهار حتى لو بلغت الرتبة التالية."
أومأ أوستن برأسه. حك مؤخرة عنقه وقال: "فهمت ذلك عندما هدأت من اندفاع الأدرينالين. كنت أدفع نفسي لأبعد مما يحتمله جسدي."
أومأت سيلنر سريعًا، ممتنة لأنه فهم.
"الآن، أثناء الحرب، قد تواجه موقفًا لا حول لك فيه ولا قوة... في تلك اللحظة، أطلب منك ألا تلجأ لقبول الشظية الثالثة."
قطّب أوستن حاجبيه، "...أتقصدين..."
"كما ذكرت، لم أنظر في مستقبلك، لذا لا يمكنني الجزم. لكن هذه حرب، أوستن. خصومك ليسوا مجرد رعاع، لذا عليك أن تضع كل الاحتمالات في الحسبان. لكن مهما حدث، عليك أن تعدني ألا تطلب شظيتك الثالثة فجأة."
لم تكن سيلنر بحاجة لأن تشرح ما سيحدث إذا امتص الشظية الثالثة فجأة.
فعندما تحاول سكب دلْوٍ من الماء في كوب، ينكسر الكوب.
لم يردّ أوستن على الفور هذه المرة. وفهمت سيلنر تمامًا سبب صمته.
اقتربت منه بهدوء وقالت: "عليك أن تتذكر، أوستن... الشخص الوحيد الذي له الأهمية القصوى هو أنت. ما دمت حيًا، سيبقى هذا العالم."
نهض أوستن من مقعده. كانت كلماتها تثير في ذهنه أفكارًا لا يرغب بها.
أطرقت سيلنر رأسها وأطلقت زفرة طويلة بينما كانت تسمع خطواته تبتعد.
لقد حاولت.
خرج أوستن من الغرفة، وعبوس مكفهر على جبينه.
"سيدي الشاب؟" سأل سيباستيان بقلق طفيف حين رأى سيده على تلك الحال.
هز أوستن رأسه، " لا شيء. سأتمشى قليلًا وأعود. تقدّم أنت. "
كان سيباستيان يعلم أن أمرًا ما يقلقه، لكنه لم يحاول الحصول على جواب، بل أطاعه.
شقّ أوستن طريقه ببطء نحو الشرفة الصغيرة للمبنى، حيث كان يمكن رؤية البحر.
كان الجنود قد أقاموا بالفعل حصنًا عند الشاطئ وكانوا يحمون كل جانب.
شردت نظرات أوستن بعيدًا، وعقله يغصّ بمئات الأفكار.
العدو يقترب، ولم يبلغ من القوة ما يجعله مفيدًا بحق.
والآن، أخبرته سيلنر بوضوح عواقب الاستيعاب القسري للشظية الثالثة.
لن يكون ذا نفع. بل سيقتل نفسه فحسب.
"لم أرد أن يكون لقاؤنا مجددًا بهذه الطريقة."
غمره دفء عذب. ذراعان مألوفتان احتضنتا صدره، ورائحة معروفة اجتاحت حواسه.
"فاليري..." همس، وكان نطق اسمها كأنما يتذوق حلاوة العسل على لسانه.
لم تمر سوى أسبوعين... ومع ذلك، شعر وكأنه كان تائهًا من دونها.
أمسك يدها واستدار نحو الفتاة.
كانت عيناها المتألقتان تشعّان بوهج خافت، يختلط فيهما الحنين والفرح.
محياها الجميل محا كل المخاوف التي كانت تنهشه.
بمجرد وقوفها بجانبه، حلت معظم مشاكله.
"فاليري..." ناداها مجددًا، وجذب يدها إلى وجهه، مستشعرًا دفئها.
قبّل يدها برقة، وسمعها تقول: " لم يُسمح لي بالمجيء اليوم أيضًا... لكنني عدت بطريقةٍ ما، إذ شعرت أنك في ضيق. "
أومأ أوستن، ولم يتردد لحظة قبل أن يبوح، "أنا متردد... لا أريد أن أعرّضك للخطر."
فتح عينيه قليلًا وسأل: "هل لا يزال عرض الهروب من المسؤوليات ساريًا؟"
ضحكت فاليري. كيف لها أن تنسى ذلك؟ لقد اقترحت أن يهربا من هذه الفوضى ويبدآ حياة جديدة هادئة.
لكن الأمور اختلفت الآن.
وضعت وجهها على صدره وقالت: "حتى لو هربنا الآن، سيجدوننا... هذا الخطر سيلتهم العالم ما لم نفعل شيئًا حياله."
كان أوستن يعلم ذلك أيضًا. سيد الشياطين كان خطرًا على العالم... لذا لم يكن الهروب خيارًا.
ضمّها بقوة وقال: "فلنصنع عالمًا آمنًا ونبدأ عائلة، كما وعدنا."
"مم-هم. سنفعل."
كانت المعركة تلوح في الأفق. الذعر والقلق يعصفان بكل إنسان في تلك اللحظة.
ومع ذلك، وسط الفوضى، شعر هذان الاثنان بالسلام وهما يختبئان في دفء بعضهما.