الفصل 228 - الخطة الفاشلة (1)
---------
على حافة الشاطئ، وقفت جيوش كجدار يصارع مدًّا صاعدًا.
أكثر من ألف جندي قد عبروا بالفعل الامتداد الواسع من الرمال، تغوص أحذيتهم قليلًا في الأرض الرطبة. كانَت الأرض ترتجف خفيفًا تحت وطأتهم.
في كلّ اتجاه يمتدّ إليه البصر، كان الرجال مصطفّين بإحكام، يرتدون صدريات بيضاء تتلألأ بخفوت تحت السماء الرمادية الكالحة. خوذاتهم السوداء تغطي وجوههم، وتجعلهم يبدون كأشباح حرب. قبضوا على أسلحتهم—رماح حادة، وسيوف لامعة، وأقواس مشدودة بأوتار تحمل سهامًا على أهبة الطيران.
كانت وقفتهم صلبة. وعيونهم، رغم أنها محجوبة، تشتعل بعزيمة القتال. كل ما دخل في نطاق رؤيتهم—سيسقطونه دون تردد.
الهواء كان ثقيلًا. زحف ضباب كثيف على الشاطئ، يلتفّ حول سيقانهم كأيادٍ زاحفة. وداخل هذا الضباب، كان هناك نبض لقوة غريبة—عاصفة تتجمّع من طاقة الأرواح، تُثير القشعريرة في الجلد، وتُسرّع ضربات القلب.
كانت الدبابات تزمجر في المقدّمة، ودروعها المعدنية مغطاة بالخدوش والوحل، بينما الرماة كانوا محنيي الأجساد، وعيونهم مثبتة على الأفق. كل سهم موجّه.
كانوا خط الدفاع الأول—الدرع الذي يفترض أن يصدّ جيش الشياطين عن اليابسة. كانوا يعلمون أنهم لن يصمدوا إلى الأبد، لكنّ عليهم أن يصمدوا طويلًا بما يكفي.
لأنه إن اخترق الشياطين هذا الحاجز... فلا أحد يمكنه أن يقول إلى أين سيذهبون، أو ما الذي سيبقونه وراءهم.
أربعة من حملة الرتبة S، من بينهم فاليري، كانوا حاضرين في الخطوط الأمامية. أُمر داريوس بالبقاء في موقع أدي ميرغ وحماية العاصمة.
كانت فاليري وأوستن يقفان جنبًا إلى جنب.
مرتديين دروعهما، كانا يمسكان بأيدي بعضهما البعض، ينتظران قوى العدو.
الحصن الذي أُقيم خلف مبنى مقرّ المجلس كان يمنحهما، ومعهم قلّة من الآخرين، منظرًا يطلّ على البحر الواسع.
في تلك اللحظة، كان كل من فاليري وأوستن متوترين. لقد درّبا نفسيهما لهذا اليوم، لكن لا أحد يعلم أي نوع من الخطر سيواجهانه في هذه الحرب.
قال أوستن، فجأة: "أعتقد أن الجبال ستكون خيارًا أفضل."
ابتسمت فاليري، وقالت: "الغابة أفضل. نحن نحب الصيد، كلانا." وأصرت فاليري.
لم يكن أحد حولهما يقدر على تخمين ما الذي يتحدثان عنه، إذ بدآ الحديث فجأة دون مقدّمات.
تساءل البعض إن كانا يضعان خطة لتحويل مسار الجيش نحو الجبال أو الغابة.
لكن في الحقيقة، كانا يواصلان جدالهما القديم حول وجهة شهر العسل.
كانت محادثة عشوائية للغاية، لكنها منحتهما قدرًا هائلًا من الراحة في اللحظة ذاتها.
وجود بركة من تحب بجانبك في وقت أزمة ليس أمرًا يناله الجميع.
ورغم أنه يمكن القول إن أوستن وفاليري قد يخسران كل شيء هنا، إلا أنهما لا يكونان في أقوى حالاتهما إلا حين يعملان معًا.
"اقتحام قادم!" صرخ جندي، وكان صوته يتكسر من الذعر. وعلى الفور، انطلقت كل العيون نحو البحر.
في أقصى البعد، بدأت أشكال مظلمة ترتفع من الأفق. العشرات—لا، المئات—يمكن رؤيتها بالفعل. لكن الأمر لم يتوقف عند هذا الحد. كانت الظلال تتزايد، وتنتشر مثل لطخة سوداء على سطح المحيط.
حدّق الجنود مذهولين، وشفاههم جافة. تراجع بعضهم خطوة دون وعي. من أحد طرفي الشاطئ إلى الآخر، كان البحر يعجّ بالشياطين—بعدد جعل الماء ذاته يبدو وكأن الظلام قد ابتلعه.
كانت الأمواج تهدر بعنف. والهواء صار أثقل، محمّلًا بهالة سامة تجعل التنفّس عسيرًا. وكل هبّة ريح باتت تحمل رائحة عفنة—كأنها لحم متعفن وعظام محترقة.
ملأت الوحوش المجنّحة السماء، ترفرف بأجنحتها الشبيهة بالخفافيش الممزقة بقوّة مدوية. كانت ضخمة—ضعف حجم الخيول، ووجوهها كالجمجمة، وعيونها تتوهج حمراء كالجمر. سلاسل تلتفّ حول أعناقها وأرجلها، تُسحب من قبل فرسان مقنّعين ذوي قرون ملتوية وخوذات بلا عيون.
تحتها، كانت وحوش البحر تخرج من الأعماق. بعضها بأجسام طويلة كالثعابين مغطاة بحراشف سوداء شائكة؛ وأخرى تشبه السرطانات العملاقة المتعفنة، بأرجل سميكة كالأشجار وأفواه مليئة بأسنان مشرشرة. كانت عواءاتهم تتردد على الجروف، تزلزل قلوبَ أشجع الشجعان.
"خريييييييييك!"
صرخة وحشية شقّت السماء—عالية وحادة حتى أن عدة جنود أسقطوا أسلحتهم. الأرض اهتزت كأنها ترتجف رعبًا. جاءت الزئير من مخلوق ضخم كبرج، جلده مشدود ومقشر فوق عضلات بارزة، ووجهه منقسم إلى ثلاث أفواه عمودية، كل منها مليء بالأنياب.
تجمّد بعض الجنود. وتراجع آخرون، عاجزين عن صرف أنظارهم عن هذا الرعب الكامن أمامهم. كثير منهم لم يسبق له أن رأى شيطانًا من قبل—وبالتأكيد ليس بهذا العدد. ولا بهذا الحجم المفزع.
تعرّف على الحلقات الجديدة على "N0vel1st.c0m".
تقطّرت حبات العرق من جباههم. وأصابعهم ترتجف على مقابض السيوف. كانت عقولهم تصرخ: اهرب! اختبئ! أي شيء سوى مواجهة ما هو قادم.
شدّ أوستن فكيه وهو يتفحّص جيش الشياطين. تمتم بجدية: "هؤلاء الشياطين... أقوى من أولئك الذين جلبهم كالوار."
[صحيح، أيها المضيف. هؤلاء من القدماء—تجاوزت أعمارهم ثلاثمئة عام. الذين واجهتهم من قبل كانوا حديثي الولادة. هذه الكائنات التهمت أرواحًا لا تُحصى، وامتصّت مهارات عديدة. وغرائزها القتالية تفوق المألوف.]
قبض أوستن على قبضتيه. كان قلبه يخفق بشدة، لكنه لم يكن يملك متسعًا للخوف. لقد عرف أن هذا اليوم آتٍ. ولم يكن هناك وقت للتردد.
"شارلوت!" نادى.
تقدّمت على الفور، وجهها صارم وهادئ. وصوتها صدح كحد السيف في السكون.
"افتحوا الطريق!"
وبدون أي تردد، انقسمت صفوف الجنود من المنتصف، مخلّفة ممشى واسعًا وسريعًا لشارلوت.
ورغم أن الرهبة كانت تزحف على ظهورهم، إلا أنهم تحرّكوا. لأنه إن كان هناك من يمكنه أن يصمد في المقدمة الآن... فهي.
تقدّمت شارلوت، هادئة كجبل في وسط العاصفة. وبريق خافت من الضوء أعلن تشكّل شظيتها—درع ذهبي دائري التحم بذراعها في لمح البصر.
كان جميلًا وقاتلًا: نواته تلمع كأشعة الشمس فوق المعدن المصهور، وحافته محاطة بإطار فضي كحد النصل. نقوش قديمة تنبض على سطحه، تتوهج بخفوت كأنها تستفيق من سبات.
ثم ضخت شارلوت طاقة روحها فيه.
فاستجاب الدرع بهمهمة خفيضة، وفي اللحظة التالية، انبثقت من جانبيه جناحان أثيريان. انفتحا بعصفٍ مفاجئ، ذهبيّين ومكسوّين بالريش، لكنّهما ليسا من هذا العالم—كأنهما جناحا حارس سماوي مستدعى من الأسطورة.
حينما انتشرت الأجنحة على اتساعها، انفجرت موجة من الطاقة النقية المتألقة إلى الخارج.
الضَبَاب السام—الكثيف، الخانق، والمظلم—أطلق صرخة كأنه يتألم. تراجع عنها ككائن حي احترق من النور. انقشع الضباب الثقيل حول الجنود، وعاد الهواء نقيًا وقابلًا للتنفس مرة أخرى.
ارتفعت شهقات الدهشة من الصفوف. راقب الجنود البشر بدهشة شارلوت وهي تقف شامخة، درعها مرفوع، وحضورها يشع نورًا واقيًا على ساحة المعركة. درعها كان يتلألأ تحت الوهج الذهبي، وعيناها ثابتتان، لم تزعزعهما أمواج الوحوش في الأفق.
ثم، من الأرض أمامها، بدأت خطوط ذهبية باهتة تزحف إلى الخارج كأنها عروق من الضوء. تسابقت إلى الأمام، ترسم أقواسًا ومنحنيات—دوائر سحرية تثبّتت واحدة تلو الأخرى. ومع نبضة نهائية من طاقة الروح، اندفعت الحواجز الشفافة صاعدة من الأرض.
واحد. اثنان. ثلاثة. عشرات.
جدران متلألئة من الطاقة تشكلت بين اليابسة والمد الشيطاني القادم، توهجها يخفت ويقوى كضوء النار، لكنها بقيت ثابتة قوية.
انبثق الأمل في قلوب الجنود. لقد وصلت عذراء الدرع—ولن تسقط الأرض بهذه السهولة.
رمق أوستن ويليام بنظرة، ومن دون أن ينطق بكلمة، تقدم الرجل إلى الأمام.
بدأ الضوء يدور حول جسد ويليام، كأنها خيوط من النار مكونة من الروح النقية. كان سيفه ينبض بالقوة، ونصلُه يتلألأ بشرارات من الطاقة البيضاء والزرقاء.
أغمض عينيه، أخذ نفسًا عميقًا، ثم طعن بالسيف إلى الأمام—لا ليهاجم، بل ليُوجِّه.
انطلقت من جسده دفقة من الطاقة المتألقة، واندفعت نحو شارلوت.
تشنّج فكّها وهي تصطدم بها.
كانت الطاقة حارقة—كأنها نارٌ سائلة تتدفق في عروقها—لكن بدلًا من أن تحرقها، ملأتها بقوة خام. كان درعها يرتجف بعنف، وجناحاها يتمددان أكثر مع اندفاع الطاقة إلى جوهرها.
ثم، تفاعلت الحواجز.
واحدة تلو الأخرى، تكاثرت—تنقسم وتنتشر كجذور تحت العاصفة. كل حاجز ازداد سماكة، يشع بوهج أشد، وحوافه أصبحت أكثر حدةً وتحديدًا. دوى طنين من القوة عبر ساحة المعركة.
شهق الجنود حين رأوها. لقد وقفت جدارٌ من الضوء بينَهم وبين بحر الوحوش. وليس جدارًا واحدًا فقط—بل طبقة بعد طبقة، قوية ونابضة، تنبض كنبض القلب.
لأوّل مرة، شعروا به في أعماق عظامهم.
قد تكون هناك فرصة.
قد ينجحون في صدّ الشياطين.
وحين اشتعل ذلك الأمل—
تينغ!
وصلت الموجة الأولى.
اصطدمت عدة وحوش شيطانية بالحواجز بقوة ساحقة. بعضها كان طائرًا وارتطم كقذائف المدافع؛ وبعضها زحف أو قفز من البحر. لكن جميعها تحطّمت على الجدار المتلألئ—وفشلت.
تحطّمت الجماجم. وتكسّرت الأجنحة. ومزقت المخالب الدرع المتوهج.
تحطمت بعض الوحوش بزخمها الخاص، طويت كأوراق أمام الدفاع الثابت. وسقطت أخرى وهي تعوي، ودماؤها تناثرت على الأرض.
ارتجّت الأرض تحت وطأة الهجوم، لكن الحواجز صمدت.
ومن خلفها، صرخ الجنود بشجاعة متصاعدة—لا بخوف.
"ملك الطفيليات ليس له أثر في أي مكان…" تمتم أوستن تحت أنفاسه. ولكن، عندها، ظهر شيء مرعب وهاجم عدة حواجز.
"
بوووووم
" لا…. "
" …ذلك المسخ…. "
"إنه ضخمٌ بحق…"
تفتّتت الحواجز، واضطرت شارلوت إلى أن تشد على أسنانها كي لا تنهار.
ومع ذلك، كان الأمر ينجح.
كل الشياطين كانت تتحرك نحو المركز!
"قليلًا فقط، يا عزيزتي. إنهم يتوجهون نحونا." وصل ويليام إلى جانب محبوبته ودعمها.
على شارلوت أن تواصل الضغط عليهم كي يبدو التمثيل مقنعًا أكثر.
لكن الأمر لم يكن سهلًا. فهذه الحواجز كانت شظايا من روحها. وكل مستيقظ يعلم ألم تعرض الروح لهجوم مباشر.
"إنهم يقتربون! ابدأوا التحضيرات!" صرخ القائد، ووجّهت المدافع الثقيلة نحو البحر.
كانت الفِخاخ جاهزة، والمقاتلون تهيّأوا لإطلاق هجوم شامل بمجرد دخول الشياطين نطاقهم.
"غه!" ترنحت شارلوت، وعيناها تتذبذبان ووجهها شاحب.
أمسك بها ويليام بقوة، لا يريد للخطة أن تنهار بعد أن دفعت بنفسها إلى هذا الحد.
لم يتبقَ سوى عشرات الحواجز قبل أن لا يكون أمامهم خيار سوى دخول اليابسة عبر الطريق الذي تنبأ به أوستن.
لكن، وفجأة،
"
خواااااا
صرخة مدوية تشبه نعيب غراب زلزلت السماء.
استدار الجميع نحو الغيوم، ورأوا طائرًا ضخمًا يطير هناك… وفوقه كان هو.
ملك الطفيليات.
"اللعنة!"
"لا، لا، لا!"
بدأ الجنود في الذعر، حين رأوا الشياطين تغير مسارها فجأة.
"لقد قرأوا تحركنا!" عض ويليام على أسنانه واستدار نحو أوستن.
لكن أوستن لم يكن ينظر إلى المحارب في تلك اللحظة.
رئيس الطفيليات… لقد توقّع استراتيجيتهم، والآن يوجّه جنوده.
والآن، المنطقة الشمالية الغربية بأسرها في خطر!