الفصل 232 - الوقت ينفد
----------
حين استعاد أوستن وعيه، باغته إدراك بارد كالثلج.
ملك الطفيليات لم يكن يقتل وحسب—بل كان يمتص الذكريات من ضحاياه. وبعد قتله لسيباستيان، لا بدّ أنه رأى كل شيء. سيعرف من هو المهم بالنسبة لأوستن.
وهدفه التالي؟ الصديق الأقرب إليه.
غاص قلب أوستن في صدره. استدار واندفع راكضًا نحو الاتجاه الذي ذهب فيه رودولف.
القطعة الأثرية لم تكن تستجيب، فتوقف ليسأل الناس على الطريق—بل يطالبهم—أن يدلّوه على آخر مكان رأوه فيه. ثم ركض، بأقصى ما أوتي من سرعة، نحو الحصن حيث كانت ريا والباقون يتمركزون.
تبِعته فاليري، رغم أنّه أمرها بالبقاء في الخطوط الأمامية.
لم يستطع إيقافها. ليس بعد أن عرفت الحقيقة.
قائد قوات العدو كان قادمًا من أجل أوستن. وبالنسبة لفاليري، لا شيء كان أهم من إبقائه حيًا.
"إنهم يتجهون شمالًا"، قالت، وعيناها مثبتتان على السماء المظلمة حيث تحرّك جيش التنانين في ومضة.
كانوا سريعين—لكن ليس بالسرعة الكافية.
ثم—رآه أوستن.
" ...هاه... "
انحبس نَفَسه. وخلت ذهنه من كل شيء.
شيطان ضخم يقف خلف رودولف... ومخالبه منغرزة بعمق في صدره.
استدار رودولف، منهكًا، وعيناه لا تزالان ممتلئتين بالإصرار... قبل أن يُنتزع رأسه من جسده.
طار.
ثم سقط.
وانهار جسده على الأرض بصوت مكتوم—خاوٍ من الحياة.
تجمّدت فاليري، واتّسعت عيناها من الرعب. ارتعشت ساقاها. حتى هي، محاربة خاضت معارك لا تُعد، ارتعبت.
لكن أوستن لم يصرخ.
لم يبكِ.
لم يسقط في هوّة اليأس.
بل قبض يديه بقوة.
'النظام.'
نبضة من الطاقة.
ستار حامي الأرواح—تم التفعيل.
الظلام لفّه من كل جانب. اختفى جسده وسط الظلال. وظهرت في قبضته سيف أسود يتلألأ.
وفي اللحظة التالية—
سكويييلش
اندفع أوستن من الفراغ خلف ملك الطفيليات وغرس السيف في عموده الفقري مباشرة.
"ستدفع الثمن اللعين!" صرخ.
وبضربة وحشية واحدة، مزّق الوحش إربًا.
انشقّ الجسد نصفين.
وتطاير الدم الأسود في الهواء. شُطِر ملك الطفيليات إلى قسمين بفعل أقوى شظية.
خلفه، كانت ريا لا تزال متجمدة. جسدها يرتجف.
لم ترَ حتى وصول أوستن.
كانت جاثية على ركبتيها، تحدّق في جثة رودولف.
كانت شفتاها ترتعشان. وعيناها خاويتان.
بدأ مئات الشياطين بالاقتراب منهم، وقد شعروا بخطرٍ يهدد قائدهم.
في تلك الأثناء، بدأ جسد ملك الطفيليات يلتئم من جديد.
زمجر أوستن، قبل أن تتحوّل يداه إلى ومضات—يقطع، يطعن، يمزق. وفي غمضة عين، كان جسد الشيطان قد تقطّع إلى مئات الأشلاء، كل منها متناثر ومغمور بالدم الأسود.
في المقابل، رفعت فاليري شظيتها فوق كتفها ثم رمتها كرمح نحو التنين الذي كان على وشك مهاجمة أوستن.
آااااه
أنّ الوحش بينما بدأ جسده يتجمد ببطء تحت قيدٍ جليدي.
ولم تتوقف هناك. مدت فاليري يدها.
اختفى الرمح من جثة الوحش—ثم ارتدّ إلى قبضتها مع نبضة من الطاقة الزرقاء.
لم تنتظر.
تلألأت قدماها بنور أثيري وهي تنطلق—مباشرة نحو حشد الشياطين.
كانوا سريعين.
لكنها كانت أسرع.
شقّ رمحها صدر أول شيطان. وقبل أن يلامس جسده الأرض، دارت وسحبت آخر من قدميه، وغرست الشظية في عنقه.
هاجمها اثنان آخران.
قفزت—تدور في الهواء—ثم رمت الرمح إلى الأسفل.
اخترق جمجمتيهما معًا بضربة واحدة.
وبينما كانا ينهاران، مدّت فاليري يدها.
ويييب!
عاد الرمح إليها.
انقضّ وحش ذو مخالب من الجانب.
انخفضت، ثم طعنت لأعلى—لتنغرس شظيتها في فكه وتخرج من أعلى رأسه.
سحبتها واستأنفت التقدّم.
كانت السحر يتدفّق في ساقيها وهي تندفع مجددًا، كوميضٍ لا يُرى. رفع أحد الصيادين سيفه.
لكنها لم تتوقف.
اختفت—وظهرت خلفه مباشرة.
طعنة نظيفة واحدة. خرج الرمح من صدره.
تطاير الدم.
كانت حركتها بلا هوادة. رشيقة. باردة.
وفي تلك الأثناء، كان أوستن قد بدأ يتحرك بالفعل—مطاردًا بقايا ملك الطفيليات المبعثرة.
كان سكار قد التهم معظم الشظايا. لكن بعضها انسلّ بعيدًا... يزحف، يتلوى، ينساب نحو الشياطين القريبة—محاولًا السيطرة عليها.
كان وقت أوستن ينفد.
ثلاث عشرة دقيقة فقط قبل أن يتلاشى ستار حامي الأرواح.
تمزيق!
"لا تحاول حتى!" صرخ أوستن، قاطعًا شيطانًا كان قد استُحوِذ عليه للتو. وقبل أن يسقط جسده، أمر على الفور: "سكار، الآن!"
اللهيب الأسود تموّج خارجًا من نصل سيفه.
جسد الشيطان تفتّت إلى رماد بينما كان سكار يلتهم الشظية في داخله—قطعة أخرى من ملك الطفيليات، انتهت.
ثم—صرخت غرائزه.
كان هناك شيء خلفه.
لم يلتفت أوستن.
بل أمر ببساطة، "سكار."
فأطاعه السيف.
امتد النصل بصوت مقزز—
صوت تمزّق لحم رطب
—واخترق صدر العدو المقترب مباشرة.
استدار أوستن ليرى عفريتًا شيطانيًا مكشّرًا وقد انتُزِع على النصل، عيناه متسعتان بالدهشة والألم.
دون تردد، قبض أوستن على رأس العفريت.
وبلا كلمة، حطّمه على الأرض.
دَوِيٌّ عنيف!
الارتطام سحق جمجمته، مرسلاً الدماء السوداء تتناثر على وجه أوستن.
ثم—
"ريا!!" دوّى صوت فاليري.
استدار أوستن فجأة نحوها.
وخفق قلبه في جوفه.
أوركٌ عملاق يلوح خلف ريا، عضلاته تنتفخ بطاقة غير طبيعية. لقد تملّكه كيان.
هراوته الضخمة كانت بالفعل تهوي.
كانت ريا جاثية، متجمدة—عينان واسعتان، لا تزال تحت وقع الصدمة.
كان أوستن يعلم أنه لن يصل في الوقت المناسب.
ولا فاليري كذلك.
لكن حينها—
رنينٌ معدنيٌ حاد!
صوت صفير حاد مخترق شقّ الهواء.
ذراعا الأورك طارتا—قُطِعتا نظيفًا.
الهراوة واصلت سقوطها—لكن الآن بنصف وزنها فقط. لمست بالكاد رأس ريا قبل أن تهوي بجانبها بصوت خافت.
لم يضِع أوستن ثانية.
خطف أمامه—حجاب حافظ الأرواح يكسوه بضبابٍ داكن.
ظهر خلف الأورك أثناء الخطوة، سيفه مرفوعٌ عاليًا.
صوت شقٍّ حاد
ضربة قطرية واحدة مزّقت جسد الأورك العملاق.
عوى سكار وهو يتغذى، يلتهم الروح الفاسدة داخله.
في طرفة عين، انهار جسد الأورك—ولم يتبقَ منه سوى هيكل عظمي أجوف.
وقف أوستن وسط الضباب المتلاشي، نصله يقطر دمًا أسود.
استدار نحو ريا ووجدها الآن برفقة شخصٍ ما.
هزّ جسدها وصرخ بها، "ما الذي تفعلينه؟! هل ستضحين بنفسك لأنه مات؟ هل كان رودولف سيرضى يومًا أن تفقدي حياتك عبثًا؟!"
أدارت ريا عينيها وواجهت شخصًا مألوفًا يوبخها.
كانت هشّة للغاية في تلك اللحظة، ولهذا نسيت الماضي الذي جمعهما وبدأت بالبكاء بينما كانت تتشبث به.
ذراعا باركنسون ارتجفتا… لم يكن متأكدًا مما ينبغي عليه فعله. لكنه أدرك في تلك اللحظة أنها بحاجة إليه، فتنحّى عن تردده وضمّها إليه.
"لا بأس... سنثأر له."
لم يكن باركنسون يتوقع أن يشهد مثل هذا المشهد عندما انضمّ للحرب.
كان رودولف محاربًا قويًا، وقد هزمه باركنسون عدة مرات في الماضي، لذا كان يعلم قدراته جيدًا.
لكن فجأة، وصل شيطان وقتله في لمح البصر.
لم يكن قادرًا على البقاء بعيدًا عن ساحة المعركة، وريا، بعدما أدركت أنها فقدت كل أمل، لم تعد تدافع عن نفسها.
أبدت فاليري توترًا حينما أدركت هوية الشخص.
غير أن أوستن وضع يده على كتفها وقال، "علينا أن نجد الشظايا الأخرى قبل أن أفقد السيطرة على سكار." بدون سكار، وحده ويليام كان قادرًا على محو شظايا ملك الطفيليات تمامًا.
أومأت فاليري، ثم اختفت وسط الضباب الخفيف وتوجهت نحو ساحة المعركة حيث كان مئات الشياطين يقاتلون الجنود البشر.
كان وجه أوستن مشوبًا بالقلق. لقد تصرف حينها بناءً على غريزته وقسّم جسده إلى عدة أجزاء... مما أتاح لملك الطفيليات أن يرسل أجزاء جسده في اتجاهات متعددة.
والآن، الوقت ينفد... لم يتبقَ سوى سبع دقائق.
كانت قدماه تضربان الأرض المغموسة بالدماء وهو يشق طريقه في ساحة المعركة، عيناه تبحثان في كل اتجاه عن أي علامات على الفساد.
صوت شقٍّ حاد!
طار رأس شيطان. قتلة نظيفة. لا شظية.
تحرك مجددًا.
اندفع نحوه شيطانان. قطعهما إلى نصفين بحركة واحدة سريعة.
لا شيء بعد.
"اللعنة..."
استدار، حواسه مشتعلة.
صرخة فارس بشري دوت قريبًا—صدره انفجر على يد وحش.
ظهر أوستن بجانبه في طرفة عين وطعن الوحش في ظهره.
صرخ الوحش—لكن مرة أخرى، لم يتفاعل سكار.
لا شيء بداخله.
رَطْم
سقط الجسد على الأرض.
مسح الدماء عن وجهه، والغضب يتنامى داخله.
قلبه يخفق بجنون.
ست دقائق متبقية.
ثم—رآه.
شيطان يشق طريقه وسط الجنود بسرعة غير طبيعية... عيناه تتوهجان بلون أحمر مريض.
"ها أنت أخيرًا—"
لم ينتظر أوستن. اندفع نحوه، وسكار يزأر في قبضته.
طَقّ!
اصطدم بالمخلوق، والسيف أولًا.
أطلق سكار صوت فحيح حاد—ثم اشتعل بنار سوداء.
شظية.
غير أنه، وقبل أن يتمكن من التهامها، أدار الوحش رأسه، وابتسامة مقيتة تشق وجهه بينما قال الكائن:
"وقتك ينفد، أما أنا فلا."
سرت قشعريرة في عمود أوستن الفقري... كيف يعرف؟!