الفصل 239 - الحِداد

---------

أُعيدَت السيطرة أخيرًا على الوضع عند الحدود، بفضل جهود المحاربين الثلاثة من رتبة S والجنود على الأرض.

رغم أن الثمن كان باهظًا، خصوصًا بسبب الهجمات المستمرة من الوحوش الجوية، إلا أنهم تمكّنوا من القضاء على جميع الشياطين بحلول اليوم الثالث.

وحين وردت الأنباء بأن ما يقرب من خمسمئة شيطان كانوا يتقدّمون نحو إريندور قد أُبيدوا بالكامل، ظنّ الجميع أن فاليري هي من تعاملت مع ملك الطفيليات وجيشه.

كان من شبه المستحيل أن يتمكّن شخص واحد من سحق قوة بهذه الضخامة—لكن فاليري كانت من رتبة S. وربما استخدمت أخيرًا ورقتها الرابحة التي أخفتها طوال هذا الوقت.

غير أنه، حين شاركت ريا والجنود الناجون بالقرب من الحصن ما شاهدوه بأعينهم، اهتزّ الجيش بأسره.

وانتشرت الحقيقة بسرعة بين المدن، وعبرت الحدود. كل إمبراطور، وكل رئيس مجلس، تلقى نفس التقرير الذي لا يُصدّق.

ومهما حاولوا إنكار ذلك أو التغاضي عنه، لم يتمكنوا من تغيير الحقيقة التي كانت تحدق في وجوههم.

من قتل ملك الطفيليات—أحد الجنرالات الأربعة المُرعبين—لم تكن فاليري.

بل كان أوستن.

أوستن، الأمير الفاشل من إريندور، فعل المستحيل.

لقد قتل ملك الطفيليات.

——**——

أخذ أوستن فاليري إلى إريندور وقادها مباشرة إلى القصر.

كان هذا المكان الأكثر أمانًا الذي خطر بباله، ولذلك لم يتردد لحظة.

طوال الست وثلاثين ساعة الماضية، ظل أوستن إلى جانب فاليري دون انقطاع.

وعلى الرغم من أنها نجت بفضل الإكسير، إلا أن الإرهاق الناتج عن استخدامها المتواصل لقدرتها من رتبة S أبقاها في غيبوبة معظم الوقت.

ولضمان عدم نقص الطاقة في جسدها أثناء تعافيها، كان بعض المعالجين من أعلى المستويات يتفقدون حالتها من حين لآخر.

كانت بشرتها تبدو أفضل الآن، وكان تنفّسها منتظمًا.

جلس أوستن هناك وعلى وجهه مسحة من الارتياح.

كانت فاليري بخير. كان النظام على حق… لقد أنقذها. كل جهوده لم تذهب سدى. لم تتركه فاليري… وذلك وحده كان كافيًا ليجعل كل شيء يستحق العناء.

وفجأة، انفتح الباب ببطء وكشف عن وجه مألوف.

دخل سيدريك بهدوء وسأل بصوت منخفض: "كيف حالها الآن؟"

زفر أوستن تنهيدة خافتة، " أفضل… ربما تستيقظ اليوم أو غدًا. "

همهم سيدريك، " خـبـر سـار. "

وقف سيدريك بجوار ابنه وظل صامتًا لبضع لحظات قبل أن يطلعه قائلاً: "عاد إدريس اليوم… أراد مقابلتك، لكنه امتنع بالنظر إلى حالتك."

ظل أوستن صامتًا، لكنه شعر بالامتنان لأنه لم يأتِ. هو… لم يكن مستعدًا للكلام في الوقت الحالي.

وكان سيدريك يعلم السبب تمامًا، فرغم أن فاليري قد تعافت، بدا أوستن حزينًا ومنكسرًا بشدة.

ووضع يده على كتف ابنه وقال: "لم أطلب منه أبدًا أن يخدمك… كان سيباس هو من جاء إليّ ذات يوم وأراني تدريبك في وقت مبكر من الصباح. قبل يوم من ذلك، تعرض معصمك للخلع، ومع ذلك عدتَ للتدريب في اليوم التالي."

عضّ أوستن شفته… لقد تذكّر ذلك.

تابع سيدريك قائلًا: "في ذلك اليوم… قال لي إنه يرغب في خدمتك… لأنه رأى شيئًا لم أره أنا… ولا والدتك." ثم ضغط على كتفه بلطف وقال: "لقد رأى حقيقتك، وتمنى أن يرى أين ستنتهي بك الطريق. "

انسابت الدموع على خديه بينما شدّ أوستن قبضتيه وتمتم ببضع كلمات اختنقت في حلقه: "لـ-لكنه لم ينتظر ليراني… حين بلغت ذروتي… تركني… خانني…"

"يا بُني…" عانقه سيدريك، وأخيرًا، بعد كل تلك الأيام، بكى أوستن.

كانت دموعه لا تنتهي. كل الحزن، والإحباط… والندم… تفجّر دفعة واحدة.

ورغم أنه أظهر وجهًا صلبًا أمام الشياطين، إلا أنه في داخله كان محطمًا لفقدان وصيّه وصديقه المقرّب.

لقد فشل في حمايتهم... فشل في أداء واجبه.

في ذلك اليوم، شعر أوستن، ولأول مرة، بذلك.

إحساس الفقد.

——**——

"لماذا لم تدخلي؟" سأل سيدريك بهدوء وهو يخرج من الغرفة.

وقفت صوفي بجانب الحائط، وعيناها حمراوان دامعتان.

مسحت دموعها وهزّت رأسها. "هو يتألم كثيرًا بالفعل... لم أرد أن أثير ذكريات قد تزيد الأمر سوءًا."

نظر سيدريك إلى زوجته، وكانت تعابيره صارمة لكنها رقيقة.

"عليك أن تكوني معه، يا صوفي. هو بحاجة إليك—بحاجتنا. إن واصلت الوقوف بالخارج، فقد لا نستطيع أبدًا مساعدته على الشفاء."

ضربت كلماته قلبها كموجة عاتية. شعرت صوفي بانقباض في صدرها، وانحبس نفسها في حلقها.

لم ينتظر سيدريك ردها. استدار ومضى، تاركًا إياها في صمتها.

تقدّمت صوفي ببطء نحو الباب. أطلّت إلى الداخل فرأت ابنها نائمًا على الكرسي، منكسر الكتفين، وكأن حتى أحلامه كانت ثقيلة.

تألّم قلبها.

' هل يحق لي حقًا أن أضمك إليّ... أن أقول لك إن كل شيء سيكون على ما يرام... '

——**——

"مرحبًا... هل أنت بخير؟" اقترب موركل ببطء من ريا وهو يحمل كوبًا من القهوة في يده.

استيقظت قبل بضع دقائق وكانت تجلس بجانب النافذة شاردة.

كان موركل قد وصل إلى العاصمة فور سماعه بالخبر.

كان موت رودولف صدمة كبيرة له أيضًا. لقد كان قريبًا جدًا منه، رغم التنافس الذي كان بينهما.

وبسبب اهتمامهما المشترك بريا، أصبحا صديقين مقرّبين.

وإن كان هو يشعر بهذا الحزن، فهو لا يستطيع حتى أن يتخيل ما تشعر به ريا، التي كانت الأقرب إلى رودولف، في هذه اللحظة.

لقد رأى كيف كانا مقرّبين منذ البداية. الفتاة الوحيدة التي لم تهرب من رودولف، وكان هو أول رجل، رغم كونه من النبلاء، لم يميز ضدها.

كانت عينا ريا حمراوين. وكان من الواضح أنها بكت كثيرًا.

عبست وقالت: "لقد قلت له... ألا يترك موقعه... كان تحت حماية العديد من المحاربين الأقوياء... ربما كان سينجو."

كان أحمقًا... حين أتى خلفها... محاولًا حمايتها. كانت ستنجو... وحتى لو ماتت، لما لامتْه. لكنها الآن، تلوم نفسها لأنه لم يعد معها.

كانت تتحطم... شبرًا بعد شبر، بذكرى رؤيته وهو يموت أمام عينيها، وكل ما استطاعت فعله... كان التحديق فيه... عاجزة... بلا حول.

لم تستطع التوقف عن التفكير في ما كان يمكن أن يحدث... لو أنها فعلت هذا... أو ذاك... لكن الآن، لم يتبقَ سوى الندم.

لقد رحل رودولف. لن يعود الآن.

...لن يعود ليسمع ردها على اعترافه.

جثا موركل بجانب الفتاة وأخذ يدها في يده.

كانت عيناه محدقتين في الأرض وهو يقول: "دائمًا نفكر بـ'ماذا لو' يا ريا... لكن الحقيقة أننا لا نستطيع تغيير ما قد حدث بالفعل. أعلم أن الأمر سيتطلب وقتًا حتى تتعافي، لكن تذكّري أمرًا واحدًا... رودولف ما كان ليريدك أن تبكي هكذا أبدًا. كل ما فعله، فعله ليجعلك سعيدة. لذا أرجوكِ... لا تقومي بأي تصرف متهور ولا تلومي نفسكِ على ما حدث. "

لم يبقَ الأكبر سنًا هناك طويلًا، وبعد أن وضع الكوب على الطاولة، غادر الغرفة.

°°°°°°°°

"هممم..." تحرّكت فاليري، وبدأ وعيها بالعودة وهي تفتح عينيها بضعف.

وأول شخص رأته حين استيقظت... كان والدها.

" أبي... " نادت.

ابتسم آدم بلطف وقال: "لقد استيقظتِ. هذا مريح." ساعد ابنته على تعديل الوسادة وهو يسمعها تسأل،

"أين هو...؟"

لكان غبيًا إن لم يعلم عمن تسأل.

تنهد آدم وقال: "يحضر مراسم الجنازة..."

انقبض صدر فاليري وهي تعضّ على شفتيها.

سيباستيان ورودولف... شخصان قريبان منه للغاية. أحب سيباستيان كأب، وكان يرتبط برودولف برابطة أخوية قوية.

وقد... خسر كليهما.

'...أتمنى لو أكون إلى جانبك الآن...' لكنها ما زالت ضعيفة جدًا حتى على مجرد البقاء واعية. الذهاب إليه الآن لن يجلب سوى المزيد من القلق له.

'سيدي... عد إليّ من فضلك... لا أريدك أن تتألم وحدك...'

….

كان أوستن واقفًا هناك أمام شاهدَي القبر.

عن يساره كان قبر سيباستيان، وعن يمينه يرقد شقيقه العزيز رودولف.

سقطت ريا فاقدة الوعي وهي تبكي عندما رأت جثة رودولف. وكانت والدة رودولف تتلقى العلاج على يد الطبيب، وأما والده... فقد كانت تلك المرة الأولى التي يرى فيها أوستن القائد يبكي.

حضرت عائلة سيباستيان الجنازة أيضًا. زوجته... وأطفاله... كانوا تائهين. لا دموع... فقط نظروا إلى نعشه و... غادروا بعد وقت قصير.

سوف يزور أوستن عائلته، وسيتأكد أن غياب سيباستيان لن يؤثر عليهم... على الأقل، ماديًا.

لكن، الآن... كل ما أراده هو أن يبقى وحده.

أراد أن يشعر بهذه اللحظة وينقشها في أعماق عقله أنه ليس لا يُقهر. لم يكن محميًا من قِبل الحظ، ولا كان هذا قصة خيالية سينعم في نهايتها بنهاية سعيدة.

كانت هذه حربًا... ولكي لا يمر أوستن بشيء كهذا مرة أخرى، عليه أن يفعل أمرًا واحدًا فقط:

أن يمحو عرق الشياطين من الوجود.

2025/05/18 · 40 مشاهدة · 1231 كلمة
نادي الروايات - 2025