الفصل 57 - آيدن
آيدن. شخص انفصل عن والديه منذ ولادته تقريبًا. نشأ في دار للأيتام، حيث تعلم أشياء كثيرة لا يجب أن يعرفها طفل في عمره.
في سن الخامسة، أدرك أنه إذا أراد أن يأكل ليبقى على قيد الحياة، فعليه أن يكون قويًا. لكن لأنه كان ضعيفًا، كان الأولاد الأكبر سنًا والأكثر قوة يسرقون خبزه دائمًا.
لم يقل المشرف في الملجأ شيئًا عن ذلك، لذا تعلّم آيدن أن طلب المساعدة من الآخرين بلا فائدة.
كان عليه دائمًا البحث في صناديق القمامة أو العمل لساعات إضافية ليحصل على قطعة خبز. غسل الصحون، تنظيف المراحيض، تطهير أنابيب الصرف الصحي... القيام بكل تلك الأعمال التي يتجنبها الجميع. وكل ذلك من أجل قطعة خبز تبقيه حيًا.
حتى أنه حاول السرقة، لكن في محاولته الأولى تم القبض عليه وعوقب بطريقة لا تزال تلاحقه في كوابيسه حتى اليوم.
بحلول الوقت الذي بلغ فيه السابعة وأصبح قويًا بما يكفي لفرض نفسه، تم الاستيلاء على دار الأيتام—المنزل الوحيد الذي عرفه—بعد أن قرر نبيل جديد هدمه وبناء حانة في مكانه.
كان هذا درسه الثاني في الحياة—القوة وحدها لا تكفي. أنت بحاجة إلى المال أيضًا. وحتى تحصل على كليهما، يمكنك أن تأخذ أي شيء من أي شخص.
في سن الثالثة عشرة، كان يعمل في بيت دعارة. كان ينظف الغرف ويطرد الزبائن المشاغبين. سمح له العيش في الأحياء الفقيرة والتجارب القاسية بتعلم بعض الحيل باستخدام العصا، لذا كان قويًا إلى حد ما بالنسبة لعمره.
عندما كان هناك، وقع في حب امرأة كانت تعمل كعاهرة في ذلك المكان.
لم يكن لدى آيدن مشكلة في وظيفتها، لكنه كان مصممًا على تحريرها. في البداية، كانت مترددة، معتبرة نفسها نجسة وغير جديرة به. لكن آيدن قال شيئًا غير وجهة نظرها تمامًا:
"الوقت الوحيد الذي أستطيع أن أبتسم فيه... أو أشعر بدفء العائلة، هو عندما أكون معكِ. أرجوكِ، لا تتخلي عني أبدًا، ماري."
في النهاية، وافقت.
وهكذا، بدأ آيدن في العمل في عدة وظائف يوميًا، بالكاد يحصل على أي نوم، بل حتى أهمل طعامه. قلل التكاليف بكل طريقة ممكنة—عاد إلى إلتقاط القمامة مجددًا لسد احتياجات جسده.
لكن اليوم الذي جمع فيه ما يكفي من المال لتحرير حبه الأول—مارلين... قُتلت على يد أحد زبائنها.
في ذلك اليوم، تعلم آيدن درسه الثالث.
ظل جالسًا أمام قبرها ليومين كاملين. بلا نوم، بلا طعام. فقط يحدق باسمها، وكأن كل أحلامه ومشاعره كانت تتساقط كرقاقات الثلج، قبل أن تصطدم بالأرض وتختفي.
بعد يومين ونصف، عندما وقف آيدن أخيرًا عن الأرض، كان هناك سيف متوهج في يده.
بوجه نصف ميت، تقدم عبر الحقل الثلجي ولم يتوقف حتى وصل إلى قصر معين.
ذبح كل من وقف في طريقه. كان من المرعب رؤية شخص ضعيف يقتل الناس واحدًا تلو الآخر وهو يشق طريقه نحو قاتل مارلين.
" أ-أرجوك... لا تقتلني... لم أكن أعلم أنها... سـ-ستموت... "
ابتسم آيدن—لأول مرة منذ وفاة مارلين—قبل أن يلوّح بسيفه.
انشق النبيل إلى نصفين، ولا تزال عيناه متسعتين، وآخر ما سمعه كان:
" آسف... لم أكن أعلم أيضًا... أن هذا سيقتلك. "
في ذلك اليوم، لم يذبح آيدن فقط الرجل الذي أخذ حياة مارلين، بل قتل جميع مشاعره كذلك.
علمته تلك الحادثة درسًا ثمينًا جدًا: إذا أردت البقاء على قيد الحياة في هذا العالم، فعليك أن تسلب من الآخرين. خذ منهم كل شيء، فهذا هو السبيل الوحيد.
أوستن كان على دراية بماضي الأمير الأول، وكان يتعاطف معه بصدق.
لقد مر بتجارب لا ينبغي لأحد أن يمر بها. سُلب منه طعامه، ومنزله، وحبه.
وعندما عاد إلى العاصمة، اعتبر أوستن عدوًا له على الفور.
ففي عينيه، كان أوستن قد استحوذ على كل شيء يخصه.
ولهذا قرر آيدن أن يسلب منه كل شيء.
والديه، مكانته كالأمير الأول، شهرته، والآن...
" إنه يلاحق الشخص الأكثر أهمية بالنسبة لي... نعم، لقد انتهى أمره. "
أوستن لم يكن يهتم بماضي آيدن. طالما أن الأمر كان يخص والديه والعرش، لم يكن لديه مشكلة.
لكن الآن، بما أن آيدن قد وجه نظراته القذرة نحو فاليري... لا، هذا لن يمر مرور الكرام.
" يجب أن يختفي آيدن. "
في القصة الأصلية، يصاب آيدن بهوس تجاه "ريا" فقط لأن أوستن يبدي إهتمامًا بها. وبسبب هوسه بها، تنكشف مخططاته الشريرة، وكذلك قدرته على غسيل الأدمغة—لسانه المُقْنِع.
" حاليًا، لقد بنى لنفسه سمعة جيدة في المجلس، كما أن إنطباعه لدى الملك قوي أيضًا. "
لم يكن بإمكان أوستن البقاء مكتوف الأيدي. عليه أن يجد طريقة للتخلص من آيدن. ولأجل ذلك، عليه كشف خططه الشريرة.
"تفو... لكنه لن يبدأ تجارة العبيد قريبًا، وبخلاف ذلك، لا يوجد طريقة أخرى لكشفه."
في المستقبل، تفضحه ريا بسبب اتجاره بالبشر، مما يؤدي إلى كشف مهاراته، ثم... ثم...
لكن في الوقت الحالي، لم يستطع أوستن إيجاد أي وسيلة لكشفه. وذلك الوغد مريض لدرجة أن إجباره على الاعتراف لن يُجدي.
"هل يجب أن أطلب المساعدة من سيباستيان وأقتله؟ لا، سيباستيان لن يقتل الأمير الأول إلا إذا أعطيته سببًا وجيهًا لذلك."
بينما كان غارقًا في أفكاره، لم يلاحظ متى وقف الأستاذ أمامه.
"أوستن."
"آه، نعم." بسرعة، نظر إلى السبورة وأجاب، "الأذن اليسرى."
أُعجب الجميع برده السريع، رغم أنه من الواضح لم يكن منتبهًا للدرس.
تنهد الأستاذ، "كنت على وشك أن أقترح عليك فتح النافذة إن كنت ترغب، لكن حسنًا، هذا هو الجواب الصحيح."
ضحك الطلاب، ثم عاد الأستاذ إلى منصته.
كان هناك قلق واضح على وجه فاليري.
كانت تدرك جيدًا سبب تشتت انتباهه.
ورغم أنها شعرت بالذنب لأنها منحته سببًا إضافيًا للقلق، إلا أنها لم تندم على قرارها.
يجب التعامل مع آيدن، والشخص الوحيد القادر على ذلك هو سيدها.
…..
لم يمضِ وقت طويل حتى حل وقت استراحة الغداء، وبدأ الطلاب بالتوجه نحو القاعة العامة لأخذ قسط من الراحة.
ريا، التي كانت على وشك السير في اتجاه مختلف، قاطعها أوستن قائلاً: "ذاهبة إلى المستوصف؟"
استدارت ذات الشعر الوردي ووجدت فاليري وأوستن يقفان هناك.
ابتسمت وأومأت برأسها، "نعم، سيتم تسريحه قريبًا."
"نعم، أعلم. لكن ألا يجب أن تأكلي شيئًا أولاً؟"
أصيبت ريا بالذهول… نظرت للأسفل وقالت: "أشعر أن رودولف قد يكون يشعر بالملل، لذا-"
"لكنه لن يحب ذلك أيضًا إذا مرضتِ أثناء الاعتناء به"، أضاف أوستن، مما جعل ريا تدرك أنها قد ترهق نفسها أكثر من اللازم.
دحرجت فاليري عينيها، "الذنب والندم."
قطبت ريا شفتيها، "هيه! هل يمكنكِ أن تكوني متعاطفة قليلاً؟"
هزت فاليري كتفيها، "إذا كنتِ تفهمين ما أقوله، فتجاوزي الأمر. لا أحد يلومكِ."
قالت ذلك ثم سحبت كم أوستن، مما دفعه ليقول: "حسنًا، نراكِ لاحقًا."
بمجرد أن أصبحا بعيدين عن الأنظار، سألت فاليري، "ما رأيك؟ هل يجب أن نخبر والدي؟"
هز أوستن رأسه، "كلا، إذا فعلنا ذلك، فسوف يعتقد اللورد كورون أنني أتلاعب بكِ."
عبست فاليري، "لماذا قد يعتقد ذلك—آه." ثم أدركت. إذا وصفت آيدن بالشرير دون أي دليل، فمن المؤكد أن والدها سيظن أن أوستن قد تلاعب بها بدافع الغيرة.
أومأ أوستن، "نعم، لذلك علينا الاحتفاظ بهذه المعلومات لأنفسنا. وعندما أقول 'لنا'، فأنا لا أشمل حتى سيباستيان."
تفاجأت فاليري، "لكن ألم يقسم بولائه لك؟"
أومأ أوستن، "بلى، لكنه كرجل خدم والدي والأمة لفترة طويلة، ستبدو أفعالي ضد آيدن وكأنها اغتصاب للسلطة."
أصبحت فاليري قلقة، "القيام بالأمور دون دعمه أو دون أن يلاحظ سيكون صعبًا للغاية."
سيباستيان رجل ملاحظ، يولي اهتمامًا وثيقًا لأوستن وللأشخاص من حوله. بطبيعة الحال، إذا خططوا ضد الأمير الأول، فسوف يكتشف الخادم ذلك عاجلاً أم آجلاً.
أومأ أوستن وهو يضع صواني الطعام على الطاولة وأشار لفاليري بالجلوس.
"مهاجمة آيدن مباشرة سيكون صعبًا وخطيرًا، لهذا السبب سنقوم بشيء سيستفزه إلى أقصى حد."
قطبت فاليري حاجبيها. كانت تعتقد في الأصل أنهم سيذهبون إلى العاصمة ويغتالون جذور هذه المشكلة سرًا. ولكن الآن بعد أن سمعت كلماته، أدركت أن ذلك سيكون متسرعًا جدًا.
على عكس أوستن، الذي إلتقط ملعقته وبدأ يتذوق الحساء اللذيذ، كان تركيز فاليري لا يزال على سيدها عندما سألته، "ما هو؟"
تذوق أوستن الحساء أولًا، ثم أخبرها، "سننتزع منه شيئًا يعتز به آيدن كثيرًا."
بابتسامة رفيعة، أضاف أوستن، " أحلامه في العرش. "