لا تقتصر مخاطر غابة الرياح السوداء على الحيوانات فحسب؛ فأحيانًا يكون البشر أخطر من الوحوش. ومع ذلك، لن يُعرهم تشونغ لين وسيّده أي اهتمام. فبقوتهم، ما لم يظهر سيد طائفة أو سيد كبير يتجاوز المستوى الأول، سيكون أي شخص آخر بالنسبه لهم مجرد فريسة.
كانت الأصوات تقترب، مما يوحي بأن هؤلاء الأشخاص كانوا يتحركون بسرعة، ومن الواضح أنهم كانوا مجهزين بالخبرة اللازمة لعبور هذه الغابة على مدار العام.
إذا لم يكن أحد ماهرًا في فنون الدفاع عن النفس مثل تشونغ لين، فلن يجرؤ حتى الخبير العادي في الصف الثالث المتوسط على التجول بتهور في غابة غير مألوفة.
كلما اقترب هؤلاء الأشخاص، أصبحت حركاتهم أكثر ليونة، من الواضح أنهم شعروا بتشونغ لين وسيده ولا يريدون أن يكتشفوهم.
هز رأسه قليلاً، وقال يين داويان بصراحة: "أصدقائي، بما أنكم هنا، فاخرجوا علانية!"
توقفت الخطوات على الفور، وتم الانتهاء من الإجراءات في لحظة بدقة.
عبس تشونغ لين قليلًا؛ فالصيادون العاديون لا يمكن أن يكونوا منظمين إلى هذا الحد. هؤلاء الناس ليسوا عاديين على الإطلاق، فتشونغ لين نفسه كان من أصول صيد.
بينما كان يفكر، سمع صوتًا قويًا.
"هاها، لقد كنا فظّين يا سيدي، أرجوك سامحني. نحن فقط نمرّ من هنا."
وفي اللحظة التالية، ظهرت ثمانية شخصيات من مكان قريب، تتجه نحوهم.
بدوا غير مبالين، ستة منهم يتحركون في تشكيل متقطع. كانت خطواتهم مميزة، إذ كانوا يحمون بوضوح الرجلين في المنتصف، بينما كانوا يستخدمون أجسادهم للبحث عن أي كمائن في الجوار.
كان الاثنان في الوسط يمشيان جنبًا إلى جنب، مستمتعين بشكل طبيعي بهذا العلاج.
تبادل تشونغ لين ويين داويان النظرات، وكلاهما ينظر إلى المشهد أمامهما.
من الواضح أن هذه لم تكن مجموعة من الصيادين، بل على الأرجح شاب من عائلة نبيلة يسافر مع مرافقيه.
تحركت شفاه تشونغ لين قليلاً، ووصل صوته إلى آذان يين داويان، دون أن يلاحظه الآخرون: "يا سيدي، هؤلاء الناس أقوياء جدًا. جميع المرافقين الستة هم من ممارسي فنون القتال من الدرجة الثالثة المتوسطة، ولديهم دم تشي مكثف، والرجل في منتصف العمر هو ممارس فنون قتالية من الدرجة الثالثة العليا لتنقية تشي."
تقنية نقل الصوت.
بعد تنمية التشي الحقيقي، فإنه يتحول إلى مهارة فنون القتال.
أومأ يين داويان برأسه قليلاً، ولم يتغير تعبيره.
بعد خطوات قليلة، وصل الاثنان أمام تشونغ لين وسيّده. عندما رأوا وجه تشونغ لين بوضوح، لم يسعهم إلا إظهار الدهشة، لكن أعينهم ركّزت في النهاية على يين داويان.
كانت الشخصية الرائدة رجلاً ثريًا في منتصف العمر ذو مسام كبيرة وعيون منتفخة قليلاً، ومن الواضح أنه لم ينل قسطًا كافيًا من الراحة هذه الأيام.
كان بجانبه شاب شاحب الوجه، أكبر سناً بقليل من تشونغ لين، حوالي العشرين من عمره، يرتدي بدلة ضيقة أظهرت لياقته البدنية المدربة جيدًا، والتي كانت بوضوح نتيجة للتدريب المكثف.
كان يشبه إلى حد ما الرجل في منتصف العمر، على الأرجح كانو أبًا وابنه. لم تكن مهاراته في فنون القتال ضعيفة، إذ كان أيضًا فنانًا قتاليًا من الدرجة الثالثة المتوسطة، يتمتع بدم تشي مكثف.
كان من غير المتوقع بالنسبة لتشونغ لين أن يلتقي فجأة بمثل هذا الثنائي من الأب والابن الخبراء في أعماق الغابة.
ألقى الرجل في منتصف العمر نظرة على الرماد الرمادي القريب دون أدنى إشارة للدفء، وانقبضت حدقتاه بشكل حاد، ثم ضم يديه وسلم على يين داويان: "تحياتي، سيدي العجوز."
أحس الشاب الذي بجانبه بقشعريرة في قلبه، مدركًا تمامًا لكبرياء والده، مندهشًا من تحيته للرجل العجوز، مدركًا أن الرجل العجوز كان خبيرًا بلا شك.
وعندما أدرك الشاب ذلك، لم يجرؤ على إهمال الأمر، بل انحنى هو الآخر.
"من فضلكما اجلسوا كلاكما."
لوح يين داويان بيده عرضًا.
إذا كان مسافرًا بمفرده في غابة الرياح السوداء، فلن يجرؤ على التصرف بشكل غير رسمي عندما يواجه فجأة مثل هذه المجموعة، لكنه أحضر تلميذه معه!
كان التلميذ هو ثقته، حتى لو كان عدد الأشخاص ضعف ذلك العدد أو عشرة أضعاف، فلن يخاف منهم أحد.
"شكرا لك سيدي القديم."
قال هذا، ولوح الرجل في منتصف العمر بكمه، وجلس بلا مراسم مثل تشونغ لين وسيده، مباشرة على الأرض.
نظر إليه الشاب بجانبه والخدم بدهشة، وعيونهم مليئة بالدهشة. تتبعوه لسنوات طويلة، وكانت هذه أول مرة يرونه يتصرف بهذه البساطة. فسيدهم لطالما كان دقيقًا، ولا يرتاح للجلوس على الأرض هكذا.
سأل شو كيلين بابتسامة: "أنا شو كيلين، وهذا ابني شو سيجين. هل لي أن أسأل عن اسم السيد العجوز؟"
ابتسم يين داويان قليلاً، وضم يديه، وقال: "أنا يين داويان، وهذا هو تلميذي تشونغ لين."
"لذا فهو العجوز يين وتلميذه المتميز."
ظلت ابتسامة شو كيلين دون تغيير، ولكن في قلبه، تسابقت أفكار لا حصر لها، تتساءل بسرعة عن الخبير الذي قد يكونون.
سأل شو كيلين، على ما يبدو عن غير قصد: "يا سيد يين، في مثل هذا الجبل البري، هل لي أن أسألك ما الذي أتى بك إلى هنا؟"
تلاشت ابتسامة يين داويان، وقال رسميًا: "العالم واسع. هل هذا يعني أنه لا يزال يتعين علينا إبلاغك بحضورنا؟"
أصبح الجو الودي السابق متوترًا على الفور، مع قيام الحراس الستة حول شو كيلين بتغيير هالتهم، على استعداد للتصرف في أي لحظة.
قال شو كيلين: "ههه، سوء فهم، سوء فهم. تحدثتُ خارج دوري. هذه الغابة خطرة، لذا سألت. معذرةً، يا سيد يين، أعتذر."
وبعد أن قال هذا، وقف وانحنى أمام يين داويان، ثم غادر بسرعة مع شعبه.
بعد أن غادروا، حينها فقط تحدث الشاب شو سيجين، غير قادر على التراجع: "أبي، من على الأرض هو هذا المعلم والتلميذ؟"
نظر شو كيلين إلى ابنه بارتياح، مبتسمًا: "لا بأس، لقد حافظت على هدوئك هذه المرة. تذكر، في المستقبل، فكّر مليًا قبل التصرف، لأنك لا تعرف أبدًا إن كنت تتعامل مع بشر، أو أشباح، أو نمور، أو ثعابين."
تغير تعبير شو سيجين: "أبي، هل تقول أن الرجل العجوز المسمى يين هو خبير؟"
أومأ شو كيلين برأسه: "هل رأيت تلك النار؟"
"ماذا هناك للنظر إليه؟"
قال شو سيجين غريزيًا، لكنه بعد ذلك بدا محرجًا، عندما أدرك أنه أخطأ في الكلام.
حدق شو كيلين في ابنه، وأشاد به فقط، والآن يريد أن يصفعه جيدًا، لكنه شرح ذلك بصبر: "رأينا ضوء النار والدخان أولًا، مما نبهنا لوجودهما، ثم اقتربنا سريعًا في لحظات. ولكن عندما وصلنا، كانت النار قد انطفأت تمامًا، ولم تترك أي أثر للدخان، ولم تظهر على حفرة النار أي علامات اشتعال. حتى مع دم تشي المكثف، أسألك، هل تستطيع فعل ذلك؟"
لقد تفاجأ شو سيجين، عندما أدرك أنه من غير الممكن أن يفعل ذلك، لكنه لا يزال يجادل: "ألا يمكن أن يكون هذا نوعًا من تقنيات الفنون القتالية أو الدواء السري؟"
"ممكن، ولكنني أميل أكثر للاعتقاد بأن هذا الشخص هو محارب من الدرجة الثالثة العليا، ولديه أيضًا تلميذ معه."
لقد صدم شو سيجين من كلمات والده.
تابع شو كيلين: "لو كنا في ليلانغ، لربما جسدنا الأمر قليلًا، لكن هذه غابة الرياح السوداء، ولدينا أمور أهمّ بين أيدينا، لذا من الأفضل تجنّب المشاكل غير الضرورية. مع ذلك، إذا كانوا يتنافسون معنا بالفعل على الفاكهة القرمزيه، إذن..."
في هذه المرحلة، ظهرت لمحة من العزم العنيف في عيون شو كيلين.
(اعتزر لانقطاعي فقد حدث عندي شيئ مهم)