"الأخ تشي، ما هو الأمر البحري الذي صدر للتو بشأنه؟"
لم ينتبه تشي يان إلى تغيّر لقب تشونغ لين من "الأخ يان" إلى "الأخ تشي".
أجاب بعفوية: "الشخص الذي رسمته يُدعى دان وينلونغ، المعروف بغو شانفينغ، وهو قرصان سيئ السمعة. قبل أيام قليلة، تعرضت عائلة لين في بلدة المقاطعة للسرقة، وكان هو الفاعل. استشاط السيد لين غضبًا، فأمر قاضي المقاطعة بفتح تحقيق شامل."
"إذن فهكذا هو الأمر." خلال ملاحظاته وفهمه للأيام الماضية، أدرك تشونغ لين بشكل تقريبي ديناميكيات السلطة في المدينة
. باختصار، كانت المحكمة، والعائلات الأرستقراطية، والعصابات في مواجهة ثلاثية.
من بينهم، كانت العصابات الأضعف، لكنها تحالفت مع مدارس الفنون القتالية، مما سمح لها بالكاد بمنافسة البلاط والعائلات الأرستقراطية.
ومع ذلك، كان تشونغ لين يشعر دائمًا أن هناك ما هو أكثر من ذلك، ربما أمورًا مخفية لم يرها بعد.
أثناء سيرهما، وصلا إلى ساحة خالية مرصوفة بالحجر الأزرق. على جانبيها رفوف تحمل أسلحة، وفي الزوايا أقفال حجرية وأدوات تدريب أخرى.
في ساحة التدريب كان بعض رجال الشرطة يتدربون على فنون القتال. حتى من مسافة مائة متر تقريبًا، كان تشونغ لين يسمع دوي اللكمات المتفجرة كالرعد.
توقف ببطء، مثبتًا نظره على المسؤولين الحكوميين في ساحة التدريب، وقد بدأ تنفسه يتسارع.
الفنون القتالية.
كان هذا فنًا قتاليًا حقيقيًا، قوةً خارقة. وإلا كيف يمكن لجسد بشري أن يُحدث مثل هذه القوة المرعبة؟
تساءل في نفسه: في أي عالم من عوالم فنون القتال كانوا، كما ذكر كوي شيان؟
لاحظ تشي يان تعبيره فاعتبره مجرد إعجاب شاب بالسلطة، فقال مازحًا: "أنت الآن جزء من مكتب الحكومة. إذا أردت التعلّم، يمكنك اختيار كتاب من جناح فنون القتال."
التفت تشونغ لين إليه بحدة، مندهشًا: "هل مكتب الحكومة يُعلِّم فنون القتال؟"
"بالطبع، فلو لم نتدرّب على فنون القتال، كيف سنقبض على اللصوص؟"
"هل يمكنني أنا أيضًا تعلمها هنا؟" تسارعت أنفاس تشونغ لين. لم يكن يعلم أن الفرصة لتعلّم فنون القتال ستكون من خلال مكتب الحكومة، وبطريقة غير متوقعة.
قال تشي يان: "أنت أيضًا تابع لمكتب حكومي، لذا من الطبيعي أن تتعلم. لكن، فنون القتال تحتاج إلى موهبة، وكثيرون يؤسسون لها منذ صغرهم. عمرك الآن في الرابعة عشرة أو الخامسة عشرة... يصعب تحديده."
هز رأسه وهو ينظر إلى تشونغ لين من أعلى إلى أسفل.
قال تشونغ لين بحماس: "لا يهم ما دمتُ قادرًا على التعلم. أما الإنجازات المستقبلية، فهي تعتمد على الحظ. أخي تشي، شعرتُ بألفة معك منذ أن التقينا، فلنذهب لنشرب سويًا!"
"أنت تدفع."
"بالطبع!"
"إذن فلنذهب."
--- وبعد فترة قصيرة، أخذ تشي يان تشونغ لين إلى مبنى تيانشيانغ، حيث طلب فتاةً صغيرة لمرافقتهما في الشرب.
تمت تسمية المبنى لمنافسة مبنى نوكسيانغ، لكنه كان أقل مستوى، وإن كانت أسعاره لا تزال تجعل قلب تشونغ لين يتألم.
رفع كأسه وقال: "أخي تشي، أنا جديد هنا. رغم أنني انضممتُ للحكومة، إلا أنني لا أفهم شيئًا عن الوضع. أرجو أن تنيرني."
لم يتردّد تشي يان، بل شرب كأسه دفعة واحدة، ثم سحب الفتاة إلى حجره، وجعلها تجلس عليه.
"الأمر بسيط. مع الوقت ستكتشف بنفسك. أعلى سلطة لدينا هي قاضي المقاطعة. اسمه مي هايمينغ، وهو خريج جامعي وعضو في عائلة مي بالعاصمة.
تحته هناك كبير الكتّاب تشانغ، ومساعد قاضي المقاطعة دو.
هذان ينتميان إلى عائلتي تشانغ ودو في بلدة المقاطعة.
ورغم أن مكانتهما لا تقارن بالقاضي، إلا أنهما ليسا من مستوى عائلاتنا المتواضعة. أما الشخص الذي يجب الحذر منه، فهو رئيس الشرطة، القائد شيو.
يُقال إنه خبير من الصف السادس في الفنون القتالية، وقد وصل إلى مستوى تشي-الدم. تعلم أنه وحش حقيقي، أليس كذلك؟"
ضحك تشي يان بمرح وهو يشرح هيكل السلطة في المقاطعة. أضاءت عينا تشونغ لين:
الصف السادس... تشي-الدم... لا بد أنه يعادل الصف الثالث المتوسط الذي ذكره العجوز كوي.
ملأ كأسًا آخر لتشي يان وسأله: "الأخ تشي، سمعت أن الصف التاسع للفنون القتالية ينقسم إلى علوي ووسطي وسفلي. فما الفرق عن الصف السادس؟"
ابتسم تشي يان: "مختلف تمامًا. المستوى التاسع ينقسم إلى ثلاث درجات: الأدنى تنقية الجسم، الوسطى تخثر الدم، والعليا تنمية تشي. كل مستوى يختلف جذريًا عن الآخر.
أنا الآن في المستوى الثامن تحويل العضلات. لا يستطيع عشرة رجال عاديين الاقتراب مني، لكن أمام القائد شيو يمكنه أن يسحقني بيد واحدة. هل ترى كم هو قوي؟"
"قوي فعلًا."
أومأ تشونغ لين برأسه بقوة.
لص الجبال الملقب بنمر الجبل، بمهارة تحسين الجلد من الدرجة التاسعة، لم تجرحه الأسهم. فكيف ستكون قوة تشي يان في الدرجة الثامنة؟ ورغم ذلك، لا يستطيع الصمود أمام ضربة واحدة من القائد شيو!
لم يفهم تشونغ لين بدقة كيف تُقارن القوى القتالية بين المستويات، لكنه استطاع أن يتخيل مدى رعب قوة رئيس الشرطة.
استمر الاثنان في الشرب وتبادل الأسئلة. أغلبها كان من تشونغ لين، بينما يجيب تشي يان.
هذا الحوار القصير أوضح لتشونغ لين خريطة السلطة في المقاطعة.
الخلاصة: قاضي المقاطعة هو السلطة العليا، وتحته فصائل عدة. لكن الحكومة المحلية كانت تملك الكلمة المطلقة في بلاك ماونتن. وفي المستقبل، حين يرسم للآخرين، لن يجرؤ أحد على فرض رسوم حماية عليه.
كان هذا أكثر ما أسعد تشونغ لين.
قال تشي يان ضاحكًا وهو يقود العاهرة إلى غرفة خاصة: "أخي تشونغ، ليلة الربيع تساوي ألف ذهب، لا تُضيّع جمالها!"
أما الفتاة بجانب تشونغ لين، فقد كانت سكرى، تتكئ عليه مثل قطعة طين، تنتظر منه أن يخلع ملابسها وينضم إليها.
لكن تشونغ لين لم تكن لديه تلك الرغبة الآن—ليس لأنه لا يريد، بل لأن جسده ما زال لم يتعافَ بعد، ولم يُرِد أن يضر نفسه ويعاني من العواقب طوال حياته.
أشار بيده فصرفها، ثم جلس قليلًا وغادر مبنى تيانشيانغ. أما تشي يان، فبدا عازمًا على قضاء ليلته هناك. ---
حين خرج تشونغ لين، كانت الشمس قد غربت، وحين عاد إلى زقاق المياه العذبة كان الظلام قد حل.
"الأخ الثاني!" ركض تشونغ شي بفرح عندما رآه.
"لقد شربت."
تجعد أنفه؛ كانت الرائحة مألوفة، كتلك التي كان يشمّها من أبيه والعم كولي فلاور.
ربت تشونغ لين على رأسه، وسلمه طردًا ورقيًا:
"قابلتُ صديقًا اليوم. هذه دجاجة مشوية لك. كُلها جيدًا، ونم باكرًا. غدًا عليك الذهاب إلى المعلم ليو!"
"تمام!"
انطلق تشونغ شي إلى المطبخ متحمسًا، بينما دخل تشونغ لين غرفة الدراسة لينظم أفكار يومه.
في يومين فقط، وقعت أحداث كثيرة:
أولًا، ربح أكثر من ثلاثين تايلًا من بيع اللوحات، ثم واجه تشين يونغ وشينغ سان وقتلهما في الظلام.
اليوم ذهب صباحًا إلى المدرسة ليتعلم الخطوط، وبعد الظهر إلى مكتب الحكومة، حيث حصل على وظيفة رسام.
والأهم من ذلك، اكتشف أنه يستطيع تعلّم الفنون القتالية من خلال المكتب الحكومي، دون الحاجة للانضمام إلى أي مدرسة.
يا له من يوم ملون!