ساد الصمت لثوانٍ قبل أن يتدخل رايزل، بنبرةٍ تحمل شيئًا من التحدي: — "هل تصدقني الآن؟"
ردّ التنين الصغير وهو يزفر ببطء: — "حسنًا، سأصدقك. ولكن يجب أن تأخذني معك إلى القصر ان نحونا وايضا قدراتي محدودة، فأنا لست سوى تنين مانا صغير، ولست إلهًا. كما تتخيل"
نظر رايزل إليه باستغراب، وقد بدا الفضول في عينيه: — "إلى أي مدى قدراتك محدودة؟"
لم يُجِب ريمبر، بل خرج بهدوء من بين الشجيرات الكثيفة، ولحقه رايزل، وهو ينفض الغبار عن ثيابه الممزقة.
كان ريمبر يرمقه بنظرات شك، يتمتم في نفسه: — "إن كان هذا هو الأمير الثاني لمملكة لينيار، فلماذا يبدو بهذه الحالة؟ ملابسه رثة، ونظراته شاردة... هل الإمبراطور تخلى عنهم فعلاً؟ أم أن في جعبته ورقة خفية؟"
قطع رايزل حبل أفكاره وهو يقول: — "بما أننا سنتعايش لبعض الوقت، يجب أن نعرف بعضنا جيدًا. سأبدأ أنا. اسمي رايزل، لا زلت في السادسة من عمري. وأنت؟"
ردّ التنين وهو يطوي جناحيه: — "اسمي ريمبر. أما عمري... فهذا أمر لا يليق بك أن تعرفه."
رمش رايزل مراتٍ عدة، ثم تمتم داخله: — "لا بأس، لعلّ الأمر محرج له... لا يهم العمر، ما يهم هو أن يساعدني في إيجاد لوكاس. حينها سأعود للقصر ولن يُعدمني الإمبراطور."
أشار رايزل إلى النهر غير البعيد: — "هناك غسلت وجهي. أنا جائع، لكن عليّ الصبر."
مرّر أصابعه في شعره القصير بانزعاج، وقال: — "ريمبر، الحيوانات المفترسة ستبدأ بالخروج الآن. أعلم أنك قوي، لكن يجب أن نأمن أنفسنا."
قفز ريمبر على كتفه، ثم نظر نحو شجرة ضخمة وقال: — "يجب أن ننام هناك. غدًا نبدأ البحث عن أخيك."
أومأ رايزل موافقًا، ثم بدأ يتسلق، لكنه كان يسقط في كل مرة، والقلق باديًا على ملامحه الصغيرة.
كان ريمبر قد استقر بالفعل في أعلى الشجرة، يراقبه وهو يهز رأسه بضيق، ثم ما لبث أن طار إلى الأسفل، حمل رايزل بين ذراعيه، ورفعه إلى الأعلى.
صرخ رايزل وهو يضحك: — "واااه! كان هذا ممتعًا!"
ردّ ريمبر بصرامة: — "لا تثر الضجة. يجب أن تنام كي تنقذ أخاك."
استلقى رايزل على أحد الفروع العريضة، وأغمض عينيه وهو يشعر بالدفء. كان يعرف أن بإمكانه تغيير مصيره. إن عاد مع لوكاس إلى القصر، فربما لن يُعدَم، وربما... سيتمكّن من إكمال تحالفه مع إيزِك.
استيقظ رايزل في الصباح الباكر على صوت شخير مرتفع. فرك عينيه بكسل، ثم ضرب ريمبر قائلاً: — "ما هذا الصوت؟ هل... تشخر؟! إنها المرة الأولى التي أسمع فيها تنينًا يشخر!"
أكمل ضربه، فيما ظلّ ريمبر غارقًا في نومه، كأن لا شيء يحدث.
(بعد ساعتين)
استفاق ريمبر أخيرًا، وكان رايزل قد غسل وجهه في النهر، وجلس يرسم في التربة خريطة صغيرة.
قال وهو يشير إلى الشمال: — "من المؤكد أن لوكاس توجه نحو الجبل الجليدي. علينا أن نستعد جيدًا، فالبرد هناك لا يُحتمل."
ثم نظر إلى ريمبر بحدة: — "أنت عارٍ تمامًا، ستتجمد هناك!"
رمقه ريمبر بنظرة مستغربة، دون أن يعلّق. فصاح رايزل منزعجًا: — "هل تسمعني؟ ستتجمد مثل سمكة تُسلق في الثلج!"
لكن ريمبر حافظ على هدوئه، ثم قال بثقة: — "أنت تعلم أنني تنين مانا، صحيح؟"
هزّ رايزل رأسه قائلاً: — "بالطبع أعلم!"
تابع ريمبر: — "قلت لك إن قدراتي محدودة، لكنني لست ضعيفًا. البرد لا يعني شيئًا بالنسبة لي."
تنهد رايزل، ثم ركل الحصى الصغير أمامه. وبينما كانا يتقدمان عبر الغابة، لمحت عينا ريمبر كهفًا صغيرًا بين الأشجار.
أشار إليه قائلاً: — "ذلك الكهف هناك... قد يكون نافعًا للاختباء إن اشتدت الرياح."
اقترب رايزل بحذر، نظر داخله قليلًا ثم تقزز وجهه فجأة وقال: — "ربما يكون مناسبًا، لكن... ماذا لو كانت فيه ثعابين سامة؟"
ثم مدّ لسانه بسرعة، وأدار عينيه بطريقة فكاهية وأضاف بصوت متقزز: — "تلك التي تزحف بصمت وتخرج ألسنتها المقززة... فقط التفكير بها يجعل جلدي يحكني!"
نظر إليه ريمبر بصمت، ثم قال وهو يتابع طريقه: — "نواصل السير إذًا."
أومأ رايزل فورًا، وابتعد عن مدخل الكهف وكأن شيئًا يطارده.
قال بصوت منخفض، وكأنه يحذّر نفسه: — "لن أقترب من كهف فيه ثعابين، حتى لو وُعِدت بكيس حلوى كامل."
وتابعا طريقهما... صوب الجبل، حيث المصير ينتظرهما.