في ظلمة الغابة القريبة من الجبل الجليدي، كانت أصوات السيوف تتصادم بشكلٍ عنيف. لوكاس، بشعره الفضي المتناثر على جبينه، ووجهه المشدود بالتوتر، كان يقف وسط دائرة من الاغتياليين، حارب بشراسة دفاعًا عن حياته.

قادوه رجالٌ محترفون، بوجوه بلا تعبيرات، كأنهم ظلال قاتمة لا تعرف الرحمة. سحب أحدهم خنجره وطعنه في كتف لوكاس، الذي أحس باللسعة الحارقة تنطلق داخل جسده. بالرغم من الألم، استجمع لوكاس قواه وأطلق موجة من النار السحرية صوب اثنين من الخصوم، فألقاهما أرضًا.

لكن العدد كان أكبر، وضربتهم المتلاحقة أجبرته على التراجع حتى وصل إلى حافة جرف عالٍ، حيث كان الخطر يكمن في كل خطوة. أطلق أحد الاغتياليين خنجرًا آخر صوب قلبه، لكنه قبض على ذراع المعتدي، واشتد النزاع حتى فقد توازنه وسقط من على الجرف.

هبط لوكاس بين الصخور، وأمواج النهر الباردة استقبلته كعناق جليدي. جسده المصاب كان يتلوى من الألم، قلبه يئن تحت وطأة الجروح والخيانة، ولكن عينه لم تفقد بريقها.

تملكت لوكاس مشاعر مختلطة؛ الغضب لما أصابه، والخوف على رايزل الصغير الذي تركه وراءه، والرهبة من مصير مجهول ينتظره. "لا.. لا يمكنني أن أسمح لهم بأن يفوزوا. يجب أن أعيش لأجله.. لأجل مملكتي.. لأجل رايزل." ليأتي أخيرا في اليابسه , استلقى لوكاس على ظهره وعقله مشوش من كل ما حدث .

على بعد أميال، في أعماق الغابة، كان رايزل ذو الست سنوات يخطو بحذر، يرافقه التنين الصغير ريمبر.

قال ريمبر وهو يحدق في الظلام: "هذه الغابة مليئة بالمخاطر، رايزل. يجب أن نكون حذرين."

أومأ رايزل وهو يشير إلى النهر البعيد: "علينا أن نعبر إلى الجبل الجليدي، هناك حيث امرنا الامبراطور ان نأتي ومعنا حبوب الطاقة. يجب أن نجد لوكاس قبل أن يفوت الأوان."

استمر الاثنان في السير، والبرد يعض الأجساد الصغيرة، ولكن عزمهما لم يضعف.

وفي السماء المظلمة، كان غراب أسود يحلق بسرعة، جناحاه يرفرفان بصرامة. كان الغراب يحمل رسالة سرية من لوكاس، الذي كان يسعى في معركته الأخيرة لإيصال هذه الرسالة .

امتدت أنفاس لوكاس بثقل وهو يتكئ على صخرة مغمورة بالماء، الدم يمتزج بتيارات النهر الباردة، فيما جسده يرتجف من الإنهاك والشتاء. كانت ملابسه ممزقة، وكتفه ينزف ببطء، وعيناه نصف مغلقتين، لكنّ وميضًا في قلبه لا يزال مشتعلاً.

تذكر وجه رايزل , تذكر عندما كان يلعب معه بسعادة .

تذكر لمّا كان يركض خلفه في ردهات القصر، ويضحك بصوتٍ لا يسمعه إلا هو... صوتٌ كانت الإمبراطورة تمقته، فصفعته ذات يوم، قائلة:

> "هل العرش رخيص بالنسبة لك؟!"

لكنه لم يستطع.

لم يكن حبًّا يمكن كبحه، بل كان أشبه بالغريزة… رغبة في الحماية، شعور لم يفهمه أحد. حتى الإمبراطور استخدمه، وأمره بالذهاب إلى الجبل الجليدي، وكأن الأمر مجرد مهمة، لا مأساة.

رفع لوكاس عينه نحو السماء الرمادية وهمس:

> "رايزل… لا تمت… لا تتأذَ… لن أسامح نفسي إن لم أعد إليك."

في الغابة، التفت ريمبر فجأة وهو يتنفس بحدة، وقال:

> "ذلك الغراب… لقد ابتعد بسرعة. يبدو أنه اتجه نحو الشمال."

نظر رايزل إليه باستغراب، وعيناه تتسعان قليلاً:

> "هذا مريب للغاية"

هزّ ريمبر كتفيه:

> "لا أعلم من أرسله، ولا ما يحمله. علينا الحذر."

تحرك الغراب في السماء كشبحٍ أسود، اختفى خلف الأشجار الكثيفة، حاملاً في منقاره بقايا الأمل.

ثم عاد الصمت لثوانٍ، قبل أن يقطعه صوت زئير خافت في الأفق، زئير وحشٍ غريب لم يُسمع من قبل.

توقف رايزل، نظر إلى ريمبر ببطء، وهمس:

> "هل سمعته؟"

ردّ ريمبر وهو يشهق قليلاً:

> "هذا ليس صوت دب… ولا ذئب… شيء آخر."

امتدت الغابة من حولهما كأطراف تنين نائم، أشجارها ملتفة كالأفكار المظلمة التي تراود رايزل وهو يخطو خلف ريمبر. الزئير تكرر… أقرب هذه المرة.

قال ريمبر بصوت منخفض وهو يمد يده قليلًا أمامه، أناملُه تتوهج بلونٍ أزرق هادئ:

> "علينا توخي الحذر… قد لا يكون مخلوقًا طبيعيًّا."

أومأ رايزل، وعيناه تتحركان في كل اتجاه. فجأة، أشار بإصبعه نحو الأرض:

> "هذه الآثار... مخالب؟ لا... أظافر عملاقة..." همس، ووجهه متقزز: "أوه، أتمنى ألا يكون فيها ثعابين سامة… ذات عيون جاحظة ولزوجة مقرفة..."

ابتسم ريمبر دون أن يرد. كان عقله مركزًا بالكامل على ما يشعر به... ذبذبات مانا غريبة... قادمة من الشرق.

ثم حدث الانفجار.

طلق مانا اخترق جذع شجرة بجوارهما، لينفجر كرمحٍ سائل.

صرخ ريمبر وهو يسحب رايزل للوراء بسرعة:

> "كمين!"

أوقف سقوطهما بيد واحدة، فيما الأخرى امتدت للسماء، ودائرة مانا تشكّلت بسرعة من حولهما، حاجزٌ نصف شفاف تصدّت لضربتين متتاليتين.

من خلف الأشجار، خرج ثلاثة رجال يرتدون عباءات سوداء وأقنعة حديدية. خطواتهم بلا صوت، لكن نواياهم فاحت كرائحة دمٍ قديم.

رفع ريمبر كفّه، وخيوط مانا انطلقت كالأفاعي الزرقاء من حوله، لتلتفّ على ساق أحدهم وتسحبَه للأعلى.

> "واحد!"

قالها ريمبر بهدوء، قبل أن يمدّ يده الأخرى إلى الأرض، وجدار مانا صلب خرج من التربة كدرعٍ أمام رايزل.

أما رايزل، فكان قلبه ينبض بعنف. لأول مرة... يقاتل. ولكنه لم يهرب.

في الجانب الآخر — قرب ضفاف النهر

كان لوكاس يتكئ على جذع مائل، يلف جرحه بقطعة من قميصه، وجهه مغطى بالطين والدم. البرد ينخر في عظمه، والماء المتجمد يلتف حول جسده كسياطٍ خفية.

قبل لحظات فقط...

كان محاطًا.

ثلاثة من رجال الاغتيال أحاطوا به، سيوفهم مُسَومة بسمّ لا يترك فرصة للنجاة. قاتلهم بسحره، وكل تعويذة أطلقها كانت ممزوجة باليأس. أحدهم التف خلفه، كان الجد نفسه... خنجره موجه لصدره.

> "هل تظنون أني سأموت بهذه البساطة؟!"

صرخ لوكاس، وانفجرت من يده كرة نارية أحرقت وجه أحد المهاجمين، لكن الجد كان قد وصل. طعنة حادة اخترقت كتفه، فصرخ بصوت هز الغابة.

و... سقط.

من أعلى الجرف، جسده تدحرج في الهواء، ثم اصطدم بالماء. صقيع النهر التهمه، وذاكرته تصدعَت.

رايزل...

الوجه الصغير ذو العينين الحادتين، ظهر في مخيلته كوميض أخير قبل أن يغمض عينيه. هل قتلوه؟ هل جرحوه؟

همس وهو يتألم:

> "اخي..رايزل..هل انت ميت؟"

ملاحظة المؤلفة ⚓:

-الرواية ستتوقف لبعض الوقت من أجل الاختبارات وتعود بعد اسبوعين او ثلاثة اسابيع ولكنني سأحاول تنزيل فصل واحد حتى .

2025/06/06 · 6 مشاهدة · 904 كلمة
نادي الروايات - 2025