بينما كانوا يواصلون سيرهم شمالًا، تمطّى سيفاريل ووضع يديه خلف رأسه قائلاً بنبرة مترددة:

“حسنًا الآن… هممم، كيف أشرح لكم؟”

التفت إليه رايزل باستغراب:

“ماذا هناك؟”

خفض سيفاريل رأسه قليلًا، ثم قال مترددًا:

“أحم… السيف الذي بيدي الآن… هو سيف والدي. سيف رارديلا. قلت لكما هذا من قبل، أليس كذلك؟”

أومأ ريمبر برأسه:

“أجل، ذكرت ذلك. وماذا بعد؟”

صمت سيفاريل للحظة، شبك أصابعه معًا، ثم رفع رأسه بعينين جادتين:

“سيف رارديلا ليس مجرد سيف… إنه السيف المقدّس لعائلة فالرون. يُورّث من جيل إلى آخر، وكان يخصّ المحارب العظيم إيفن فالرون. لكن… الحقيقة أنني سرقته من غرفة والدي حينما كان مخمورًا.”

تبادل رايزل وريمبر نظرات دهشة. رفع رايزل حاجبًا مبتسمًا:

“واو… إذًا سرقت سيف والدك بينما كان ثملًا؟ مثير. وكيف وصلت إلى هنا؟”

ضحك سيفاريل بخفة:

“ببساطة، أردت تطوير نفسي. مملكة ليفيان مملة حدّ الجنون! أتقنت كل الأساسيات، ومع ذلك، لم أخرج يومًا من أسوار القصر. أتيت بمساعدة أحد الفرسان المقرّبين.”

أجاب رايزل بسخرية خفيفة:

“أهكذا تقول؟ ليفيان مملة؟”

ثم فكر في نفسه:

ليفيان… لم أدرسها كثيرًا، كنت كسولًا في حياتي السابقة، وهذه أيضًا. لكن سمعت الإمبراطور يقول إنهم بارعون في فنون السيف… لا يمكن مقارعتهم. يجب أن أحسّن علاقتي مع هذا الفتى.

نظر إليه ريمبر طويلًا، وكأنه قرأ ما يدور في عقله بنظرة واحدة. ثم قال:

“رايزل… لدي طريقة ستُسهل علينا الوصول إلى الشمال.”

قفز سيفاريل بحماس:

“حقًا؟ ما هي؟ أخبرني فورًا! لا أطيق الانتظار لملاقاة لوكاس! ولي عهد لينيار!”

تجمّدت ملامح رايزل فجأة، تمتم ببطء:

“… ولي العهد؟”

توقف سيفاريل عن القفز، ثم التفت إليه مجددًا:

“نعم. يبلغ من العمر خمسة عشر عامًا على ما أظن. سمعنا عنه كثيرًا في ليفيان. يُقال إنه يمتلك ثلاث حلقات سحرية رغم سنّه الصغير! مذهل، أليس كذلك؟ لا عجب أنه وُجّه ليكون وليًّا للعهد.”

انعكست مشاعر ثقيلة على ملامح رايزل، وتمتم في نفسه:

ينتابني شعور غريب… أأكره هذا الفتى؟ يزعجني حديث سيفاريل… هل هذا نوع من المقارنة؟ لا… لا تقل ذلك. سئمت من حياتي الاثنتين. أن أكون دائمًا في الخلف، ظلًا لغيري… هل هذا قدري؟

قطع عليه سيفاريل صراخه الحاد:

“رايزل!! هل تسمعني؟!!”

رمش رايزل مرتين، وكأنه عاد فجأة إلى وعيه، ثم فرك عينيه وقال:

“أوه، نعم… أنا بخير. ريمبر، ما هي طريقتك؟”

ابتسم ريمبر بهدوء:

“سوف نمسك بأيدي بعضنا. وسأنتقل بنا إلى نقطة أقرب في الشمال. بما أنني تنين ماما الصغير، لا ينبغي أن أستهلك طاقتي كثيرًا.”

صرخ سيفاريل صرخة هزّت أرجاء الغابة:

“هيااااااااا!! أيها التنين اللعين، بسرعة!!”

توقف ريمبر، ثم مدّ يده ليُشعل شعلة أرجوانية صغيرة، وأحرق بها قطعة من ملابس سيفاريل.

صرخ سيفاريل وهو يركض ويدور:

“آاااه!! أمييييييي!! هناك تنين يحرقني، يا إلـهـييييييي!!! أنقذنيييي!!!

تبادل الثلاثة النظرات، ثم تقدّم ريمبر إلى المنتصف وقال:

“امسكوا يدي… لا تفلتاها مهما حصل.”

مدّ رايزل يده اليمنى وأمسك بيد ريمبر، وتبعه سيفاريل الذي قال بحماس:

“رائع هناك شخص قوي!!!رائع!”

نظر إليه رايزل بشيء من النفور:

“أرجوك، اصمت الآن.”

أغمض ريمبر عينيه بهدوء، تنفّس ببطء، ثم بدأت أطراف أصابعه تتوهّج بلون أرجواني خافت. فجأة، تشكّلت دوامة من الضوء حول أقدامهم، وبدأ الهواء من حولهم يدور بعنف.

همس ريمبر:

“ركزوا… أنتم الآن تتعلمون كيف تشعرون بخيط الزمكان… حين تشعر به، فقط اتبعه بنية الانتقال.”

قال سيفاريل مذهولًا:

“زمكان؟! هل هذا طعام؟!”

لكن قبل أن يتمكن أحد من الرد، دوى صوت انفجار طفيف:

بـــــوم!

اختفت أجسادهم الثلاثة وسط وهج أرجواني، تاركين وراءهم سكون الغابة.

في لحظة، فتحت أعينهم ليجدوا أنفسهم يقفون فوق ربوة عالية، الرياح الباردة تلفح وجوههم، والسماء ملبّدة بالغيوم.

صرخ سيفاريل وهو ينظر حوله:

“مااااذاااا؟!! نحن حقًا انتقلنا؟!! بهذه السرعة؟!!”

نظر رايزل بذهول إلى الأرض المتجمدة تحت قدميه، ولفّ ذراعيه حول جسده بسبب البرد المفاجئ.

قال بدهشة:

“هذا… هذا المكان بعيد حقًا… أشعر وكأننا عبرنا نصف القارة.”

تنهد ريمبر بصوت خافت، ثم نظر باتجاه الشمال الشرقي وهمس:

“هممم…”

صمت لثوانٍ، ثم قال بصوت هادئ لكن مشحون:

“أشم رائحة شخص يمتلك ثلاث حلقات سحرية… قوية وواضحة.”

توسعت عينا رايزل:

“… ثلاث حلقات؟”

أومأ ريمبر، ثم نظر إليهما قائلاً:

“ربما… لوكاس"

ارتجف سيفاريل و رايزل حتى تكاد أسنانهما تنقرع من شدة البرد. اقترب ريمبر، فأدرك الرفاق الثنائي مدى معاناتهم:

• صرخ سيفاريل بصوت مرتعش:

“أمي…! أنا أتجمد!”

• همس رايزل بارتجاف:

“لا أستطيع الشعور بأصابعي…”

تنهّد ريمبر، فتحلّق بجناحيه الصغيرين، ثم رفع يديه باتجاه السماء الملبّدة بالغيوم. بدأت أصداء همساته السحرية تملأ المكان:

“يا روح العاصفة وبرد الليل،

أنسج لنا سترًا من دفء النور.”

توهّج ضوء أزرق فاتح حول ريمبر، وتحول إلى نسيجٍ خفيفٍ وحراريٍّ ينسدل على أجسادهم. ارتسمت ابتسامة الدفء على وجوههم حين شعروا بطبقاتٍ من الفرو الرقيق والثياب الصوفية الدافئة:

• قال سيفاريل وهو ينظر إلى ثيابه الجديدة بدهشة:

“ما هذا؟… أشعر كأنني أحمل شمعةً مشتعلة في صدري!”

• ضحك رايزل، ومدّ يده ليملس القماش:

“حقًا… لم أرتد يومًا شيئًا مريحًا كهذا.”

جلس الثلاثة يستريحون لدقائقٍ قليلة على صخرةٍ مسطحة، تنفّسوا بعمقٍ واستعادوا دفءَ أجسادهم الصغيرة. نظّف ريمبر جانبي الطريق من الثلج المتراكم، ثم قال مبتسمًا:

“حسناً… الآن وقد استعدتم طاقتم، اتبعوني. لا يزال أمامنا مسارٌ طويل نحو الشمال.”

نهض سيفاريل وقبض على يد رايزل، وقال بحماسةٍ طفولية:

“هيا! دعنا نركض قليلاً!”

تبادل رايزل نظرةً معهم، ثم ضحك بخفّة:

“لنركض… لكن احذر، يا سريع الهياج!"

‎شقّ الثلاثة طريقهم بصمت بين أكوام الجليد، يمشون خلف ريمبر الذي كان يُحرك يده بين الحين والآخر ليمحو بعض الثلوج من الطريق. هدأ الهواء، وبدأت خيوط الغيوم تتفرق قليلًا، حين لمحت أعينهم شيئًا يتحرك بعيدًا.

‎سيفاريل قفز على إحدى الصخور وقال:

‎“هناك شخص! هل ترونه؟ إنه… يمشي وحده؟”

‎توقّف رايزل فجأة. حدّق في ذاك الشكل البعيد، ثم اتّسعت عيناه، خفق قلبه بعنف، واقترب خطوةً للأمام.

‎شعرٌ أبيض كالثلج، عينان أرجوانيتان… هيئة فتى في الخامسة عشر.

‎همس رايزل في نفسه:

‎“هذا مستحيل…”

‎ثم صرخ بأعلى صوته دون أن يخطط:

‎“لوكاس!!”

‎توقّف الفتى الذي أمامهم. استدار ببطء، وعيناه الأرجوانيتان تجولان بين الثلوج حتى استقرتا على رايزل.

‎وفي لحظة… ركض.

‎ركض بكل ما فيه من قوّة، رمى معطفه خلفه، تخطّى الجليد والحجارة، حتى وصل إلى الطفل الصغير ذي العينين الكريستاليتين المتسعتين، ثم جثا على ركبتيه واحتضنه بقوة.

‎قال بصوت مرتجف:

‎“رايزل… أنت… أنت لست ميتًا؟! أخبرني… قل لي أنك على قيد الحياة… أرجوك.”

‎جسده كان يرتجف، وصوته يختنق بين الكلمات.

‎لكن رايزل وقف كالصخرة… لم يحتضنه. لم يرد. فقط كان مذهولًا.

‎“هو… يعانقني؟”

‎تساءل في داخله، والدم يتدفق إلى رأسه:

‎“لوكاس الحقيقي… لم يفعلها قط… لم يسبق له أن لمسني. لم يكن يهتم بي… لماذا الآن؟ هل… هذا حنين؟ أم ذنب؟”

‎في الخلف، تبادل سيفاريل وريمبر نظرات حذرة، لم ينبسا بكلمة.

‎فقط ريمبر همس:

‎“هممم… إذًا هو حقًا لوكاس. والعلاقة بينهما… معقّدة أكثر مما كنت أظن.”

‎أما سيفاريل فشدّ ياقة سترته وقال بصوت خافت:

‎“هل… هل أُفترض بي أن أغار؟ أو

‎أخاف؟ أم ماذا الآن بالضبط؟

ظلّ لوكاس يحتضن رايزل، ثم ابتعد قليلًا، واضعًا يديه على كتفيه، يتفحّص ملامحه كما لو كان يحاول التأكد أنه حقيقي وليس وهماً.

ثم قال بصوتٍ عميق، فيه شيءٌ من الارتياح وشيءٌ من الغرابة:

“من الجيد أنك لا تزال هنا… وفي هذه النقطة بالذات.”

صمت لحظة، ثم تابع بنبرة أوضح:

“لأنك لم تصل الجبل الجليدي بعد.”

تجمّد الزمن.

ارتفعت رؤوس الثلاثة دفعة واحدة.

سيفاريل فتح فمه دون صوت، بينما اتسعت عينا ريمبر بشكلٍ نادر، ورايزل تجمّد في مكانه.

“ما الذي قاله للتو؟… (لم نصل الجبل الجليدي بعد)؟”

كانوا في قلب الجبل الجليدي، وسط الثلوج، تحيطهم الصخور البيضاء والبرد القارس الذي لم يتوقف إلا بفضل تعويذة ريمبر.

قال سيفاريل بتلعثم، وهو ينظر يمينًا ويسارًا:

“هاه؟ أليس… هذا هو الجبل الجليدي؟”

أجاب ريمبر بصوت منخفض وكأنه يخاطب نفسه:

“إما أنه أحمق… أو يعرف شيئًا لا نعرفه.”

وقف لوكاس مستقيمًا، ينظر إلى الثلاثة بشك، ثم سأل:

“من هؤلاء؟”

استفاق رايزل من دوامة أفكاره، تنفّس بعمق، ثم أشار إليهما وهو يعرّفهما بصوت خافت لكن واثق:

“هذا هو سيفاريل… ابن أحد الفرسان من مملكة ليفيان، وهذا…”

توقف لحظة، ثم ابتسم بخفة:

“…وهذا ريمبر، تنين مانا صغير.”

رفع لوكاس حاجبه قليلًا، وبدأ يتأمل ملامح الاثنين بتدقيقٍ غريب، كأنه يقيس قواهم من نظرة واحدة. ثم قال:

“تنين؟ … فهمت. إذا كنت قد وصلت مع تنين، فلا غرابة أن النجوم بدأت تتحرك مبكرًا.”

ثم نظر إلى رايزل من جديد، وقال بهدوء:

“لكن لا تزال أمامنا خطوات كثيرة… رايزل. هذا الطريق الذي تسلكه الآن، ليس كالسابق"

وقبل أن يُكمل لوكاس كلماته،

دوّى صوت غريب من تحت أقدامهم…

اهتزّت الأرض بشدة حتى تطايرت قطع الجليد من حولهم، وتشققت إحدى الصخور الضخمة بجوارهم.

ارتبك الجميع، ونظر سيفاريل حوله وهو يصرخ:

“ما هذا؟ زلزال؟!”

لكن لوكاس صرخ فجأة، وهو ينظر نحو الكتلة الثلجية في الجهة الغربية:

“سُحقًا!”

شدّ قبضته، وعيناه الأرجوانيتان تلمعان بقلق حاد:

“إنه وحش من الدرجة A… لم يكن من المفترض أن يظهر الآن!”

بدأت الأرض تتشقق أكثر، وظهر من تحت الجليد ظلٌّ ضخم… كائن أشبه بالزواحف العملاقة، لكن جسده نصف شفاف، وكأنّه مصنوع من الجليد نفسه. له فم واسع كالمقص، وعيون زرقاء متوهجة تُبثّ رعبًا صامتًا.

صرخ ريمبر فورًا:

“خلفي أنتم الثلاثة! لا تتحركوا!”

قفز أمامهم، ونفث لهبًا أرجوانيًا نحو الوحش، لكن الشعلة ما إن لامست جلده الجليدي، حتى انطفأت ببطء.

قال ريمبر بصوت منخفض:

“تبا… جسده يمتص الحرارة.”

رايزل تساءل بصوت مهتز:

“ماذا يفعل وحش من الدرجة A هنا؟ أليسوا نادرين؟”

أجاب لوكاس وهو يستعد لاستدعاء سيفه:

“هم نادرون، لكنهم ينجذبون للطاقة غير المستقرة… وأنت، يا رايزل، تجذب كل ما هو فوضوي من حولك.”

ثم التفّ إلى ريمبر وقال:

“هل يمكنك إلهاءه لبضع دقائق؟ سأفتح البوابة.”

سيفاريل صاح وهو يلوّح بسيفه:

“وأنا؟! لا تظنوني زينة فقط!”

ابتسم رايزل ابتسامة صغيرة، رغم الموقف الخطير، ثم قال:

“إذن فلنرَ إن كان الأمير الصغير من ليفيان يستحق سيف والده فعلًا"

صرير الثلج تحت أقدامهم لم يتوقّف.

الوحش ارتفع من قلب الجليد، طوله أكثر من عشرة أمتار، جسده يُصدر بخارًا متجمّدًا، وصوته العميق جعل الثلج يرتجف.

لوكاس مدّ يده إلى السماء، ظهرت في راحته ثلاث حلقات سحرية متوهجة بلون سماوي، تدور بسرعة

وفي لحظة، سقطت رمحان جليديان ضخمان من السماء، اخترقا كتف الوحش الأيسر، لكنه لم يتألم، فقط هدَر بصوت أقوى، واندفع نحوهم.

قال ريمبر بحدة:

“ليس هذا كافيًا! أنتم، تراجعوا!”

ثم فتح جناحيه النحيفين، رفع كفيه إلى الأعلى، ونفث عاصفة أرجوانية من لهب سحري… لكن الوحش رفع ذراعيه المغطاة بالجليد وصدّها بسهولة، مما جعل ريمبر يحدّق بدهشة.

في هذه اللحظة، اندفع سيفاريل من الخلف، وصرخ بصوت حاد:

“آآآآآه!! سيف فالرون!!”

قفز ووجّه ضربة دقيقة نحو ساق الوحش، أحدث شرخًا صغيرًا، لكن الارتداد رماه مترين للوراء.

“أووووف!!” تدحرج على الجليد، لكنه وقف بصعوبة، ينفث البخار من فمه ويضحك:

“أنا بخير! لم أمت بعد!!”

رايزل ظلّ ثابتًا، يراقب الموقف.

قلبه ينبض بسرعة.

كلّما نظر إلى الوحش، شعر بأن شيئًا في داخله يستيقظ… شيء قديم وغريب، كأنه يعرف هذا النوع من الوحوش من قبل… أو يعرف كيف يقتله.

صوت في داخله همس:

“هذا ليس جسدك الأول… لقد واجهت هذا من قبل… تذكّر.”

لكن قبل أن يستوعب ما يعنيه ذلك، صرخ لوكاس فجأة:

“رايزل، انبطح!!”

وخرجت من إحدى حلقاته السحرية سلسلة من الكريستالات المضيئة، تشكّلت في السماء واصطدمت برأس الوحش، مما جعله يتراجع لأول مرة.

استدار لوكاس وقال بنبرة جادة:

“لا وقت للعب! سأفتح البوابة الآن، لكن يجب أن نحرف انتباهه لثوانٍ فقط!”

ريمبر هزّ رأسه وقال بابتسامة خفيفة:

“فهمت، إذا فشلت… قل لأمي أنني كنت تنينًا جيدًا.”

ثم طار فجأة نحو الوحش، ولفّ جسده حول رقبته محاولًا تقييده، بينما فتح لوكاس بوابة سحرية متوهجة في الهواء، قالت الأرض من تحتها:

“وجهتنا: كهف الضباب.”

صرخ لوكاس:

“الآن! قفزوا!!”

دون تفكير، اندفع رايزل، ومن ثم سيفاريل، ثم قفز لوكاس أخيرًا…

وقبل أن يُغلق البوابة، سمعوا صوت ريمبر وهو يصرخ بفخر:

“أنا آتٍ بعدكم أيها الأوغاد، لا تتركوني هنا طويلاً!!”

ثم اختفت البوابة…

وانقطع صوت الوحش.

.

.

.

بعد لحظات…

هبطوا على أرض مبللة، يغمرها ضباب رماديّ بارد.

قال سيفاريل وهو يلهث:

“آآآه… لماذا دائمًا نقابل الموت قبل الغداء؟!”

ابتسم لوكاس وهو يمسح جبينه:

“لأن رايزل… عاد.”

استدار إليه ببطء، ونظر في عينيه…

“وعودتك… قلبت هذا العالم رأسًا على عقب"

[دوقية ستارك – القصر الداخلي]

الثلج ينهمر بهدوء خلف النوافذ، والصمت يملأ الغرفة الواسعة، إلا من صوت ارتطام ملعقة الشاي بالفنجان الخزفي.

جلست فيكتوريا ستارك، ذات الشعر الأسود والعينين الخضراوين اللتين توحيان بالخطر والتفكير، تقلب أوراقًا تحمل شعارات ملكية وأختامًا قديمة.

قالت وهي تحدق في خريطة ممزقة للأقاليم الشمالية:

“عيون كريستالية…”

“وعيون أرجوانية…”

ابتسمت بسخرية:

“هل اجتمعت الأنقى دمًا في الجبل الجليدي؟”

وضعت الفنجان جانبًا، ووقفت، وسارت بخطى هادئة نحو النافذة.

“رايزل، الابن الضائع، والوريث المهمل…”

“ولوكاس، جوهرة لينيار المقدسة.”

أغمضت عينيها قليلًا:

“أعرفكما جيدًا أكثر مما تعتقدان، بل أكثر مما تعرفان أنفسكما…”

ثم أكملت وهي تنظر للثلج المتساقط:

“كنت أرغب فقط برؤية كيف سيتصرف من يحمل دمًا ملكيًا حين يُترك بين الوحوش… ولكن، للأسف، يبدو أن التنين الصغير والولد المتشرد أنقذوا اليوم.”

نظرت نحو خريطة الجبل الجليدي المعلقة على الحائط:

“هذا لا يغير شيئًا… كل خُطوة تُحسب.”

ثم همست، هذه المرة بلغة قديمة لا يفهمها إلا القلة من النبلاء:

“حين تجتمع الدماء الملكية في النقطة الخطأ… يحدث الانهيار"

كهف الضباب – بعد المواجهة مع الوحش

ضباب كثيف يلف الكهف، والبرد يتسلل من الجدران المتجمدة، يعلو صوت أنفاسهم المتعبة بعد المعركة.

جلسوا جميعًا يستعيدون أنفاسهم، حين قطع لوكاس الصمت فجأة بنبرة حازمة:

“رايزل… يجب علينا العودة إلى القصر الملكي.”

استدار إليه رايزل مستنكرًا:

“هاه؟ العودة؟ لماذا؟ لم نُكمل المهمة بعد!”

أشاح لوكاس بوجهه نحو ممر الكهف المعتم، وقال بثبات:

“لأننا… ضعفاء للغاية.”

رمش رايزل، بينما ارتفع حاجباه بدهشة.

أكمل لوكاس، ناظرًا إليهم جميعًا:

“عددنا كبير، وهذا يعني شيئًا واحدًا: سنموت ونحن نحاول حماية بعضنا. لا أحد منكم يجيد القتال سواي… وريمبر، تنين المانا.”

ثم أدار عينيه نحو رايزل وسيفاريل، وأردف بصوت أكثر جدية:

“أنت وسيفاريل لا تعرفان شيئًا عن القتال، لذا—”

قاطعته صرخة غاضبة:

“أنا أعلم!!! أعلم الأساسيات!!”

كان الصوت قادمًا من سيفاريل، الذي انتفخت وجنتاه، ووقف غاضبًا يلوّح بذراعيه.

ابتسم لوكاس ابتسامة باردة، وقال متحديًا:

“حقًا؟ إذًا… واجهني الآن.”

تجمد سيفاريل في مكانه. حاول التقدم خطوة، لكنه تراجع بهدوء إلى الخلف وهو يتمتم:

“أنا فقط… لا أريد أن أجرحك.”

رمقه لوكاس بنظرة خفيفة، ثم نقل بصره إلى رايزل.

قال ريمبر بصوت هادئ، لكن نبرته كانت صارمة:

“رايزل… الأمير الأول على حق. لا يمكنكم الاستمرار هنا، ليس بعد.”

ردف لوكاس، وصوته يغلفه تحذير:

“وحش من الرتبة A ليس أمرًا عاديًا، أيها الأطفال. البعض لا ينجو حتى لو كان وحده، فكيف ونحن نحمل على ظهورنا من لم يمسك بسيفٍ من قبل؟”

سكت الجميع.

كان لصوت الريح الباردة التي تمر بين الصخور صدى يشبه الاعتراف… أن هذه الرحلة بدأت تخرج عن نطاق مغامرة بريئه.

وقف لوكاس منتصبًا، عاقدًا ذراعيه خلف ظهره، ثم قال بنبرة حازمة:

“سأعلم الإمبراطور. سوف يتفهم الأمر، بل ويُشيد بنا إن عَلِم أننا هزمنا وحشًا من الدرجة A.”

لم يرد أحد، لكن وجوههم كانت تموج بالقلق، خصوصًا رايزل، الذي عضّ شفته السفلى وهو يفكر.

رايزل (في نفسه):

سُحقًا… تحالفي مع إيزيك باطل الآن! إذا عدتُ للقصر، فلن أكون حرًّا بعد اليوم… لن أكون سوى قطعة أخرى في لعبة العرش…!

أخرج لوكاس قلادة ذهبية صغيرة، كانت متدلية من عنقه، وعليها شعار العائلة الإمبراطورية. أمسكها بثبات وهمس فيها كلمات غامضة بلغةٍ ملكية قديمة، فبدأت تتوهج بضوء أرجواني ناعم.

قال لوكاس بثقة:

“لدي قلادة إمبراطورية… سأتصل بالإمبراطور وأُعلمه أننا في خطر. عليه أن يرسل القوات فورًا.”

فجأة، ارتعد سيفاريل وتطاير شعره الأحمر في الهواء البارد، ثم صاح بصوتٍ مرتجف:

“يا إلههيييييي!!! أبي سيقتلني إذا عدتُ! يا ويليييي!!!”

تراجع للخلف وجلس على الأرض ممسكًا برأسه، يئن وكأنه سُحب إلى حبل مشنقة خفية.

ضحك ريمبر قليلًا دون صوت وهو ينظر إليه بطرف عينه، ثم قال بهدوء:

“أقلّ ما يقلقك هو والدك الآن… لو تأخرنا أكثر، فسنموت هنا قبل أن نحظى بفرصة العقاب.”

كانت القلادة لا تزال تتوهج في يد لوكاس، والرسالة الصوتية تُرسل نحو القصر الإمبراطوري.

رايزل (في نفسه، بوجه عابس):

أيعني هذا… أنني سأقف أمامه مجددًا؟ أمام الإمبراطور؟ أمام… والدي؟."

بعد إرسال لوكاس الرسالة عبر القلادة الإمبراطورية…

لم تمر سوى لحظات، حتى لمع حجرٌ صغير في قلب القلادة، وخرج منه صوتٌ عميق، هادئ إلى حدّ البرود.

“فهمت… سيتم إرسال وحدةٍ من الفرسان الملكيين خلال ساعتين. لا تتحركوا من مكانكم.”

ثم انطفأت القلادة كما لو لم تتحدث قط.

سيفاريل رفع حاجبيه حتى اختفيا خلف خصلات شعره، ثم صرخ:

“هــــــااااه؟؟ فقط هذا؟ لا ‘هل أنتم بخير؟’ لا ‘تمسكوا’؟! هذا كل شيء؟!”

ريـمبر كان قد تجمّد في مكانه، شعلة خافتة تومض بين أصابعه وكأنها تنتظر أمرًا لم يأتِ، ثم قال ببطء:

“غريب… حتى حين علم أن أبناءه في خطر… لم يبدُ عليه شيء من القلق.”

نظر إلى لوكاس ورايزل، فوجدهما بلا تعبير تقريبًا. فقط الصمت.

رايزل تنهد، وقال بنبرة ساخرة:

“لوكاس ... يبدو ان الامبراطور لم يتغير ولن يتغير”

لوكاس أومأ ببطء، ثم قال:

“نحن لا نتوقع منه شيئًا آخر، لا؟”

ابتلع ريمبر ريقه، ثم همس:

“أي نوع من الأُسر هذه؟”

أما سيفاريل، فكان لا يزال مصدومًا، يحدّق في القلادة وكأنها تلاعبت بمشاعره:

“لو قلتُ لأبي ‘أرسل لي ماءً فقط’، لانفجر غضبًا وأرسلني لأخوتي الاشقياء! هذا والدكم؟! الامبراطور ايدور؟!! أنا مصدووم!!”

ضحك رايزل بخفة، لكن خلف الابتسامة ظلّ في عينيه بريق حذر. لوكاس أدرك ذلك فورًا، لكنه لم يقل شيئًا. بدلًا من ذلك، التفت وقال:

“سنتجه إلى أعلى هذا الكهف. لنصنع حاجزًا دفاعيًا مؤقتًا حتى تصل القوات.”

وهكذا، تابعوا سيرهم في الضباب البارد، وعلى كلٍّ منهم حملٌ ثقيل… بعضهم اعتاد عليه، وبعضهم لا يزال يتعلّم وزنه.

2025/06/23 · 7 مشاهدة · 2706 كلمة
نادي الروايات - 2025