ساد الصمت لوهلة بعد كلمات فيكتوريا.

حتى أن الحراس توقفوا عن تحريك السلاسل، بينما التفت الجميع نحوها بنظراتٍ مذهولة.

إيدور لم يتكلم، لكن عينيه أصبحتا حادتين كحد السيف.

أما فيكتوريا، فقد ابتسمت بثقة وسارت خطوة للأمام، ثم وضعت خصلةً من شعرها الأسود خلف أذنها برشاقة، وقالت:

> "أنا هنا من أجل عقد… زواج."

ارتفعت أصوات الهمسات كالهدير في القاعة.

> "زواج؟!"

> "هل قالَت زواج؟ من؟"

> "هل تجرؤ؟!"

قالت فيكتوريا بصوت واضح وهي تفتح لفافة مختومة بالشمع الإمبراطوري:

> "قد وافقت الإمبراطورة إليشا بنفسها على ذلك."

"العقد ينص على زواج تمهيدي بسيط… تجهيزٌ للمستقبل."

"العريس: الأمير الثاني، رايزل فالنتين."

"والعروس: أختي الصغرى، مارين ستارك."

كل من في القاعة التفت نحو رايزل…

أما هو، فكان قد تجمّد في مكانه تمامًا.

اتسعت عيناه الكريستاليتان، وحدّق في فيكتوريا وكأنها صخرة وقعت من السماء.

ثم تمتم وهو يرفع إصبعه نحوها:

> "أرفض هذا… أيها الساحرة الشريرة!!"

انطلقت ضحكة خفيفة من بعض النبلاء الصغار في السن، بينما خيّم توتر صاخب على وجوه الكبار… أما إيدور، فقد بقي صامتًا، ووجهه لا يُقرأ.

في الجزء الخلفي من القصر…

كان البيت الخشبي الصغير ما يزال هادئًا رغم عظمة القصر أمامه.

في الداخل، جلس إيزيك على الأريكة القديمة، يحدّق نحو السقف، عينيه مضيقتين، ووجهه مليء بالغضب.

> "سحقًا… لم يُنجز مهمته؟"

"هل هذا طبيعي؟"

"أنا… لن أنتقم لوالدتي أبدًا؟"

ضرب كفه على ذراعه بقوة، ثم أضاف:

> "النحس يلاحقني دائمًا… دائمًا!!"

كان فين، خادمه الوفي، واقفًا بجانبه، وجهه جامد لكنه فيه لمعة إخلاص.

قال بصوت هادئ:

> "سيدي إيزيك… إنهم ما يزالون في اجتماع داخل قاعة العرش."

"ولكنني أعلم شيئًا واحدًا فقط…"

توقّف للحظة، ثم نظر إلى إيزيك بثقة:

> "رايزل فالنتين… لا يكذب."

[رجوع للمشهد]

وسط الصمت المشحون في القاعة، وقبل أن ينفجر الموقف أكثر، تقدّم لوكاس خطوة وقال بصوت واثق:

> "عذرًا على وقاحتي هذه…"

توقف لحظة، ثم أكمل:

> "ولكن… أليس من العدل أن نسمع رأي الأمير رايزل؟"

تجهّمت ملامح بعض النبلاء، وتبادلوا نظرات حذرة.

أما فيكتوريا، فابتسمت كعادتها وقالت:

> "سمو الأمير لوكاس، الإمبراطورة إليشا قد وافقت بالفعل."

"كل ما تبقى… هو موافقة جلالة الإمبراطور."

حينها نظر إيدور نظرة ثقيلة نحو فيكتوريا، وسأل:

> "ومالذي سأستفيده؟"

ابتسمت فيكتوريا ببطء، كأنها كانت تنتظر هذا السؤال تحديدًا، وقالت:

> "رائع أن سألت."

"سيتم تقديم منجم ذهب كامل… من دوقية ستارك إلى العائلة المالكة."

ساد صمت خاطف… ثم ارتسمت على وجه الإمبراطور ابتسامة خفيفة.

> "موافق."

توسعت عينا رايزل بشدة، وتقدّم خطوة فجأة وهو يصرخ:

> "أيتها العاهـرة اللعينة!!"

"أنا لا أوافق على هذا!!!"

اندهش الحاضرون، أحد النبلاء شهق، وآخر كاد يسقط كأس الشاي من يده.

أكمل رايزل وهو ينظر بحدة إلى فيكتوريا:

> "لا أهتم للزواج الأحمق هذا!"

فيكتوريا ردّت بابتسامة خبيثة:

> "ستُغيّر رأيك… عندما ترى أختي الصغرى مارين بنفسك."

رايزل نظر إلى الأرض قليلًا، ثم رفع رأسه بعناد وقال:

> "رغم ذلك… أنا رافض."

سُمع صوت حذاء الإمبراطور يتحرك فوق الأرض الرخامية، ثم قال بصوت هادئ… لكنه حاد كالسكين:

> "رايزل فالنتين…"

التفت رايزل نحوه بحدة.

قال إيدور ببطء:

> "إن وافقت على عرض الزواج هذا… سأُحرّرك، أنت وتنينك الغبي."

رايزل صُعق، وفتح فمه بصوتٍ مرتجف:

> "م-ماذا؟!!"

لم يُجبه الإمبراطور مباشرة، بل رفع يده وقال للسحرة:

> "اعتبروها موافقة. أزيلوا السلاسل."

تحرك السحرة بسرعة، وتفككت الخيوط السحرية من حول ريـمبر، الذي انطلق في اللحظة نفسها كوميض ضوء نحو رايزل، ودار حول رقبته كوشاح حي، يحتضنه بحماية.

ربّت رايزل عليه بلطف، وهو لا يزال مشوشًا، وعيناه تبحثان عن توازن بين الغضب والخذلان.

أما فيكتوريا… فوقفت مستقيمة، ووضعت يدها على صدرها بانتصار، ثم قالت:

> "حسنًا… هذا رائع للغاية."

بعد أن غادرت فيكتوريا القاعة بخطى واثقة، وصمتٌ ثقيل يلف المكان… بقي رايزل واقفًا هناك، بين الحراس، والتنين يلتف حول رقبته.

لكن إيدور لم ينظر إليه، فقط قال بصوت بارد خالٍ من المشاعر:

> "رايزل فالنتين… أطلب منك الخروج."

تشنّج فك رايزل، وأدار وجهه ببطء، قبل أن يعضّ شفتيه ويخفض رأسه.

خرج من القاعة بخطوات متسارعة، وكل نَفسٍ يتردد في صدره كأنه نيرانٌ من الداخل.

الممر كان طويلاً وباردًا. الجدران العالية، والنوافذ ذات الزجاج الملوّن، كلها بدت له كأنها جدران سجن فاخر.

كان رايزل يمشي بخطوات غاضبة، وعيونه شبه دامعة من الغضب… حتى لمح شخصًا يقف في الزاوية، يلوّح له.

سيفاريل.

ابتسم ابتسامة عريضة كعادته، وقال وهو يسير بجانبه:

> "أوووووه، الأمير الغاضب وصل!"

"لكن مهلاً… هل رأيتِها؟ أقصد أخت الدوقة؟"

توقف رايزل للحظة وحدّق فيه:

> "لم أرها، ولا أريد!"

ضحك سيفاريل وقال:

> "آه، هذا هو الجزء الممتع! من يدري؟ ربما تكون جميلة! أنيقة! لطيفة! تخبئ في قلبها قصة حب ملكية!"

ضرب رايزل جبهة سيفاريل بخفة وقال:

> "كفاك مزاحًا، أيها الأبله."

لكنه لم يستطع منع احمرار خديه المفاجئ.

نظر سيفاريل إليه بتركيز، ثم قال بابتسامة أوسع:

> "هاه؟ رااايزل… أنت خجلت؟! هذا أول مرة أراك هكذا!!"

توقف رايزل في منتصف الممر، وأدار وجهه بسرعة للجانب:

> "أنا فقط… غاضب…"

ضحك سيفاريل وهو يدور حوله:

> "غاضب من أن العروس قد تكون أجمل منك؟ أم من أن ريمبر سيسرقها منك؟"

ضرب رايزل كتف سيفاريل بقوة ضاحكًا، بينما سيفاريل قفز بعيدًا وواصل ضحكه كأن شيئًا لم يكن.

لكن صوتًا هادئًا، جافًا بعض الشيء، جاء من خلفهم:

> "رايزل، لا فائدة…"

كان لوكاس واقفًا، ذراعيه متشابكتان، وعيناه الأرجوانيتان تلمعان بجدية.

> "لن تستطيع إنهاء هذا الزواج. لقد تم عقده بالفعل."

انخفض رأس رايزل قليلًا، وعبس وهو يقول في نفسه:

> "سحقًا للحياة… وسحقًا للزواج… والحب الأحمق."

"لم أحب فتاة قط… لا في حياتي السابقة، ولا هذه."

قال سيفاريل بابتسامة مستفزة:

> "حسنًا… بالمناسبة، سمعت أن الخدم يتكلمون كثيرًا عن الأمير الثالث، إيزيك فالنتين,لا أعلم من هو ولكنني اظنه غامض فهو لم يظهر حتى بعد أن اتيتم من مهمه خطيرة"

في اللحظة التالية… اختفى رايزل!

ركض بأقصى ما لديه نحو الجزء الخلفي من القصر.

خطواته كانت تتباطأ مع اقترابه من المبنى الخشبي الصغير، القديم، الهادئ…

وقف أمام الباب، تردّد، ثم دقّه.

لا أحد.

طرق مرةً ثانية. لا مجيب.

طرقة ثالثة… الصمت ذاته.

لكن بعد لحظات، فُتح الباب بهدوء، وكان فين هو من فتحه، قال بجدية خفيفة:

> "سيدي ايزيك… رايزل فالنتين هنا."

دون أن ينتظر الإذن، دخل رايزل.

في الداخل، كان إيزيك جالسًا على الأريكة، عيونه محمرة، وجهه شاحب.

رفع رأسه بصعوبة، وبصوتٍ مكسور قال:

> "ه-هل فشلت… في المهمة؟"

اقترب رايزل قليلًا، ثم جلس أمامه وقال بهدوء:

> "انفصلت عن لوكاس."

"وهاجمنا وحش من الدرجة A… قاتلناه."

"أنا هنا، رغم أن الإمبراطور… رفض أن أعيش معك كفرصة."

"لكن… سأأتي إليك دائمًا."

اقترب فين من ريمبر وهو يحاول لمسه، لكن ريمبر عض إصبعه بلطف.

> "أوتش! أيها التنين!!"

التفت فين ليجده يتظاهر بالبراءة، وعيناه تلمعان بنعومة وهو يلتف على رايزل كوشاح.

ضحك رايزل بخفة، ثم نظر إلى إيزيك وقال:

> "إيزيك… نحن لسنا قريبين تمامًا، أعلم."

"لكن… ما رأيك أن نتعرّف على بعضنا؟"

صمت قليلًا، ثم أكمل:

> "أنا لا أعلم من هي والدتي الحقيقية حتى الآن."

رفع إيزيك رأسه، صوته بالكاد يخرج:

> "أنا… والدتي ماتت."

قال رايزل بهدوء:

> "أعلم."

ثم ابتسم، لكنها ابتسامة فيها وجع وشيء من الدفء:

> "ما رأيك أن نقوم بتعكير مزاج الإمبراطورة؟"

"أليس هذا رائعًا؟ سننتقم… لأمهاتنا."

كان الصمت يسود الغرفة للحظة.

ثم… ارتجفت شفتا إيزيك

، وكأن ملامحه بدأت تتغير.

جلس إيزيك في مكانه صامتًا… بينما كان رايزل يقترب من الباب، التفت ايزيك وقال:

> "نحن لا نعلم حتى ما تكرهه."

أجابه رايزل بصوت خافت، لكن فيه عناد:

> "لا يهم…"

"فقط أريد أن أعكر مزاجها."

ثم فتح الباب، أدار رأسه نحو إيزيك وقال بابتسامة خفيفة:

> "انتظرني… غدًا."

ركض رايزل عائدًا نحو القصر. الليل كان قد بدأ يزحف على الجدران، والهواء صار أكثر برودة.

دخل من البوابة الخلفية وهو يلهث، وجهه يتصبب عرقًا، وكتفه يرتفع وينخفض بسرعة مع أنفاسه الثقيلة.

كان يسير وهو منحنٍ، يداه على ركبتيه.

ثم…

جاءه صوت هادئ، ولكن عميق، من على كتفه:

> "هذه… مخاطر رايزل."

رفع رأسه ببطء، وسمع ريـمبر يتكلم بنبرة تختلف تمامًا عن صوته المعتاد، نبرة فيها شيء من الحكمة:

> "أتفهم جيدًا أنك تريد أن تنتقم لوالدتك… لكنك لا تعلم حتى من هي."

أصابته كلماته كطعنة باردة.

أكمل ريمبر، صوته أكثر حدة الآن:

> "وأنت لست قويًا كفاية أيضًا."

> "الركض قليلًا يهلكك."

"لم تستطع أن تحمي نفسك أثناء الهجوم من الوحش."

"لو لم نكن أنا و لوكاس هناك… لكنت ميتًا أنت وسيفاريل"

توقف رايزل عن الحركة. كل عضلة في جسده تجمّدت.

> "هذه… مخاطر كبيرة."

ظل رايزل واقفًا، رأسه منكس، بينما الهواء يصفع وجهه والقلق يتسلل من تحت جلده.

همس:

> "ريـمبر… أنت… كنت تراقب كل شيء؟"

لم يجب التنين، فقط التفّ حوله بلطف أكبر، كأنه يحتضنه رغم كل شيء.

2025/06/24 · 3 مشاهدة · 1351 كلمة
نادي الروايات - 2025