خرج رايزل من غرفة سيليا بهدوء، واللصقة لا تزال على رقبته، يضع يديه في جيبيه بينما يسير في ممرات القصر الفخمة التي امتلأت باللوحات الذهبية والأعمدة المزخرفة… لكنه كان شارد الذهن تمامًا.
في داخله، دوى صوته:
«رغم أنني قرأت الكتب التي أعطاني إياها فيون… لم أتعلم شيئًا سوى أن مملكة لينيار تُدعى مملكة السحر، وأنها تمتلك أكاديمية سحرية، وجبلًا جليديًا، وأشياء عامة لا تليق بأمير…»
قطّب حاجبيه قليلًا وتمتم لنفسه بمرارة:
«يبدو أنني كسول للغاية… كعادتي.»
خطا ببطء، نظراته لا تزال منخفضة، ثم تجمد في مكانه وهو يسترجع كلمات إليشا قبل قليل:
«اللعنة عليك أنت ووالدتك الزهرية!!»
رفع حاجبه، وارتسمت على شفتيه ابتسامة صغيرة، ماكرة.
«زهريه؟... أتكره اللون الزهري؟»
ثم… لمعت عيناه:
«هذا رائع للغاية…»
توقف، ثم وضع إصبعه على ذقنه وكأن الفكرة بدأت تنضج أكثر.
«مارين… أجل، سأجعلها ترتدي ملابس زهرية بالكامل… وسأتأكد من أن إليشا ستكون موجودة…»
ضحك بصوت خافت، ثم أكمل مشيه وهو يقول:
«ستنهار ربما؟»
كانت هذه اللحظة… أول لحظة منذ زمن يشعر فيها أنه قادر على الرد ولو بطريقة بسيطة، لا بالعنف… بل بالعبث. بأسلوب رايزل فقط.
"اللون الزهري، هاه… لن تكرهيه فحسب، إليشا… ستكرهين كل ما يمثل والدتي."
ثم ظهرت نظرة باردة في عينيه الكريستاليتين، وهمس بصوت لا يسمعه أحد:
"وأنا… سأذكرك بها كل يوم."
.
في ممرات القصر، كان الليل قد ألقى بظلاله، والشموع على الجدران بدأت تخفت قليلًا… رايزل دخل إلى غرفته، ألقى بنفسه على السرير بتعب، بينما كان ريمبر نائمًا على وسادته الصغيرة بجانب السرير، يلتف كأنما هو وشاح صوفي صغير يتنفس.
تنهّد رايزل بعمق، وحدّق بسقف الغرفة، عيناه الكريستاليتان تعكسان وهج الشمعة الوحيدة.
«تعبت… لكنني لن أستسلم بعد.»
غطى وجهه بذراعه وسحب الغطاء نصفه على جسده.
…
في ذات الوقت…
في الجزء الخلفي من القصر، داخل المنزل الخشبي الصغير، كان الطفل ذو الشعر الاسود الفوضوي يجلس على الكرسي المتأرجح أمام المدفأة.
أيزيك فالنتين.
أوراق عديدة مبعثرة أمامه على الطاولة، خرائط لقارات، أسماء عائلات نبيلة، تحركات سياسية، وحدود الممالك الأربع.
كان يقرأ بهدوء، يدوّن ملاحظات بقلم ريشة دقيقة.
وقف فين خلفه، يحمل صينية بها كوب من الحليب الساخن وبعض الخبز، وضعها بهدوء ثم قال:
"أحسنت، سيدي… سوف يُنشَد بك الإمبرا—"
لكن أيزيك قاطعه بصوت منخفض، ثابت:
"لا."
صمت فين فورًا، وعيناه اتجهتا نحو الطفل ذو الخمسة أعوام، والذي بدا وكأنه يحكم العالم من خلف عينيه الهادئتين.
قال أيزيك:
"لا أريد أن يُنشَد بي أحد، ولا أن أكون بطلاً يمجده الإمبراطور."
ثم نهض، وأخذ كوب الحليب من على الصينية، رفعه قليلاً، ثم قال بصوت يشبه الهمس:
"أريد فقط أن أضع نهاية لهذه القصة البائسة."
نظر إلى النافذة، حيث انعكس القمر على زجاجها، ونطق بكلماته الأخيرة لهذا المساء:
"ولأجل أمي… سأُسكت كل من ظن أن طفلًا لا يفهم شيئًا."
ثم أخذ رشفة من الحليب، بينما ظلال المدفأة كانت ترقص على وجهه.
داخل المنزل الخشبي الصغير خلف القصر، كان الحطب في المدفأة يصدر طقطقات هادئة، والظلال الحمراء تتراقص على الجدران الخشبية الباهتة. جلس أيزيك فالنتين على الأرض، ظهره مسنود إلى الجدار، والخرائط مبعثرة أمامه، تفوح من الأوراق رائحة الحبر الطازج والقلق المدفون.
كان فين ينظر إلى سيده الصغير بنظرة مختلطة بين الإعجاب والقلق. فتى في الخامسة من عمره، لكنه يحلل تحركات الممالك الأربع كأنه مخضرم خاض ثلاث حروب.
أيزيك تمتم وهو يشير إلى إحدى الخرائط:
"إذا كانت مملكة أسترين قد عززت علاقاتها مؤخرًا مع ميفيا… وظهر التوتر الخفيف بين ليفيان ولينيار…"
وضع إصبعه على حدود لينيار، وواصل:
"…فإن اجتماع قارة فالين القادم لن يكون مجرد عرض سياسي… بل مسرحًا للنيات الحقيقية."
فين سأل بحذر: "أتقصد أنه سيكون فخًا، سيدي؟"
أيزيك هز رأسه نفيًا، ثم نظر إلى فين نظرة عميقة:
"ليس فخًا بالضرورة، لكنه اختبار… للعروش… وللدماء."
ثم حدّق في نقطة صغيرة كتب فوقها بخط طفولي: "لينيار".
"رايزل سيكون هناك."
سكت لحظة، ثم أردف ببطء:
"إن أخطأ خطوة واحدة… قد يتم التهامه، سواء من أعدائه أو من من يُفترض أنهم حلفاؤه."
فين ضغط على قبضته قليلًا وقال:
"لكن… أليس لديك خطط لحمايته؟"
ابتسم أيزيك بهدوء، لكنه لم يجب فورًا. ثم همس:
"أنا لا أؤمن بالحماية، بل بالتحرك قبل الضربة."
ثم رفع رأسه نحو النافذة الصغيرة، حيث بدأت قطرات المطر تضرب الزجاج برقة.
"رايزل قد يكون الورقة الرابحة… أو القطعة التي سيتم التضحية بها أولًا."
أغلق الخرائط وأطفأ الشموع، ثم قال وهو يتوجه إلى فراشه:
"سأراقبهم من بعيد… وسأبدأ التحرك قبل أن تُعلَن النوايا."
نظر إلى السقف، ثم تمتم:
"الانتقام؟ … لا، هذه الكلمة ضعيفة… أريد إصلاحًا جذريًا… أو فوضى تُعيد التوازن."
وأغلق عينيه، بينما البرق أضاء وجهه للحظة… وجه طفل صغير، يحمل عقلًا يفوق أعمار الملوك أنفسهم.
في صباح اليوم التالي، كانت أشعة الشمس تتسلل بخفة عبر الستائر الحريرية لغرفة رايزل، ترسم خطوطًا ذهبية على السجادة الزرقاء المزخرفة. كان رايزل يجلس على الأرض، أمامه كتب كثيرة مفتوحة، أوراق مبعثرة، وريشته مرتجفة فوق صفحات الملاحظات.
صوت ريمبر كان يأتي من الزاوية، وهو يلتف على نفسه فوق وسادته الجديدة:
"أنت تبدو وكأنك تحاول أن تحفظ التاريخ وكأن حياتك تعتمد عليه."
رايزل لم يرد، كان يتأمل خريطة مملكة لينيار، يتمتم:
"الحدود مع ليفيان.. ثم أسترين من الشرق… الجبل الجليدي في الشمال… لماذا نسيت هذا البارحة؟"
في تلك اللحظة، فُتح الباب بهدوء، وظهر فيون وهو يحمل صينية صغيرة عليها كوب شاي وبعض الحلوى.
"صباح الخير سموك، لقد أتيت لإخبارك أن اليوم هو موعد التقاءك الثاني بالسيدة مارين ست—"
"لا."
قالها رايزل دون أن يرفع نظره من الخريطة، حادة، قاطعة.
فيون توقّف مكانه، وكأن قدميه تجمدتا.
"...و-ولكن سموك… السيدة مارين تنتظر في الحديقة الملكية، كما في الموعد السابق، وقد حضرت بكل لطف و—"
قاطعه رايزل هذه المرة بنبرة غاضبة خفيفة:
"أخبرها أنني مشغول."
فيون حاول ترتيب كلماته، مرتبكًا:
"لكن سموك… هذا اللقاء قد دُبّر بين العائلتين.. وقد يعتبر رفضك إهانة للدوقية…"
أغلق رايزل الكتاب الذي في يده بصوتٍ عالٍ، ونهض، وقال بنبرة أكثر هدوءًا لكنها حازمة:
"أنا لن أذهب. أخبرهم بذلك كما قلت. إن كانوا يبحثون عن الإهانة، فليقولوها صراحة… أما أنا فلدي ماضٍ عليّ تعويضه."
ثم نظر إلى فيون نظرة قوية، وأردف:
"في هذه الأيام العشرة… أريد أن أصبح شخصًا لا يمكن لأي أحد أن يعبث به أو يقرر مصيره بالنيابة عنه."
تردد فيون لثوانٍ، ثم انحنى باحترام وقال:
"كما تأمر… سموك."
وغادر الغرفة بهدوء.
بينما رايزل عاد إلى خريطته، وهو يتمتم:
"الزواج…؟ كل ما أراه الآن هو قارة على وشك الانفجار… وسأكون في المنتصف تمامًا."
ثم نظر إلى ريمبر وقال بابتسامة صغيرة:
"هيا، قل شيئًا فوضويًا كالعادة."
فردّ ريمبر بتثاؤب:
"أظن أنني أحتاج إلى دروس أكثر منك الآن، أيها الأمير الجاد."
في تلك اللحظة، كان رايزل قد عاد للتو إلى تركيزه، يقرأ بصوت منخفض عن فترة انقسام مملكة لينيار في العصور المظلمة، وعيناه مثقلتان بالسهر والحفظ. وفجأة، انفتح باب الغرفة دون طرق، وانطلقت منه تلك النبرة الصغيرة والواثقة:
"سمو الأمير الثا—"
ولم يُكمل الصوت الطفولي كلمته حتى انقلبت الغرفة.
"اخرُج من غرفتـ—" صرخ رايزل دون أن يرفع نظره حتى، ثم ألقى الكتاب السميك من يده باتجاه الصوت الآتي من الباب.
الكتاب طار في الهواء كرمحٍ غاضب، لكنه توقف قبل أن يصل لهدفه مباشرةً، حين رفعت مارين يدها الصغيرة وسحبت تعويذة دفاعية بسرعة مذهلة، جعلت الكتاب يسقط على الأرض بانحناءة بسيطة، دون أن يمسها.
وقفت مارين بثبات عند الباب، شعرها الأسود الطويل متدلٍ على كتفيها، ووجهها جامد تمامًا، ونظراتها الخضراء مركزة على رايزل وكأن شيئًا لم يحدث.
ثم قالت بهدوء، لكن بصوتٍ عميق بالنبرة:
"أهذه طريقتك في تحية ضيوفك يا سمو الأمير؟"
تجمّد رايزل في مكانه للحظة، وارتفع حاجباه بصدمه:
"...مارين؟! م-ماذا تفعلين هنا؟!"
قالت وهي تتقدم بثبات للداخل:
"أنت لم تأتِ إلى اللقاء… فقررت أن آتي أنا."
في تلك اللحظة، كان ريمبر قد رفع رأسه من تحت الوسادة، يتمطّى بتكاسل، وقال:
"أوه، لقد جاء المتاعب الصغيرة بنفسها."
مارين لم ترد على ريمبر، بل وقفت أمام رايزل مباشرة، وضمت يديها خلف ظهرها، ثم قالت:
"إن كنت تحاول جعلني أكرهك لتفسخ العقد… فأنت سيء جدًا في التخطيط."
قال رايزل وهو يتنهد:
"لا أريد الزواج. الأمر كله لعبة سياسية."
مارين ابتسمت بسخرية طفيفة وقالت:
"وأنا لا أريد الزواج كذلك… لكني أكره الخسارة أكثر."
ثم نظرت إلى فوضى الغرفة والكتب المبعثرة وقالت:
"تدرس؟"
ردّ رايزل وهو يعيد ترتيب أوراقه:
"أجل. لديّ عشرة أيام حتى لا أبدو أضحوكة في اجتماع قارة فالين."
مارين قالت ببرود:
"ممتاز. لأنني أحفظ تاريخ لينيار منذ كنت في الرابعة."
سكت رايزل قليلًا، ثم قال وهو ينظر إليها:
"أنتِ مختلفة تمامًا عن أختك فيكتوريا."
ابتسمت مارين بهدوء، وقالت وهي تفتح كتابًا من كتبه:
"الفرق أنني لا أتكلم كثيرًا… أنا أُثبت فقط."
وبينما جلس الاثنان على الأرض، انضم إليهم ريمبر وهو يتنهد:
"أوه رائع، دروس تاريخ جماعية… هل يمكنني أن أذهب وأكل أحد السحرة؟"
ضحك رايزل لأول مرة منذ يومين، وقال:
"ابقَ هنا… ربما تتعلم شيئًا."
وهكذا، بدأت أولى خطوات التحول من مواجهة باردة إلى رباط غير متوقع بين رايزل ومارين… بينما الرياح القادمة من الشمال كانت تخبئ عاصفة قادمة لقارة فالين بأسرها.
في مملكة ميفيا – أرض القديسين والنور السماوي – حيث تنتشر المعابد البيضاء، وتزين أعمدتها نقوشٌ ذهبية تصف البطولات القديمة للقديسين، كانت الأجراس تدق في المعبد الأعظم الواقع في قلب العاصمة المقدسة "أليتيرا".
امتدّ ضوء الصباح عبر نوافذ المعبد المزخرفة، لينعكس على صفوف الرهبان بملابسهم البيضاء، الذين كانوا يجثون في صمت، يتلون ترانيم ميفيا القديمة، بينما كان في نهاية القاعة الكبرى يجلس أحد أكثر الشخصيات هيبة في المملكة…
القديس الأعلى "إليوت ميزارا"، الرجل ذو الشعر الأشقر الفاتح الذي يصل كتفيه، وعينين ذهبيتين تشعان بالنقاء والخطورة في ذات الوقت، كان يجلس بهدوءٍ تام، يتأمل البخور المتصاعد من المذبح، بينما يقف خلفه عدد من فرسان النور.
قال أحد مساعديه وهو ينحني بهدوء:
"مولاي إليوت… رسالة من البلاط الملكي في مملكة لينيار. دعوة رسمية لاجتماع قارة فالين."
رفع إليوت بصره ببطء، تناول الرسالة بيده، وبصوته العميق الهادئ قال:
"ها قد حان وقت المسرحية…"
ثم فتح الرسالة، وقرأها بعينيه الذهبية، وقبل أن ينطق، قال رجل مسنّ خلفه، ذو لحية بيضاء طويلة:
"مولاي… أتظن أن اللينياريين سيحترمون مملكة النور هذه المرة؟"
ردّ إليوت وهو يبتسم بسخرية:
"إن لم يحترموها… فسنضطر إلى تذكيرهم بمن نحن."
صمت لوهلة، ثم نهض من مقعده، فتبعته نظرات الجميع داخل القاعة المقدسة.
"استعدوا… سنحضر الاجتماع القادم. لكنني سأرسل من يمثلني أولاً."
قالها ثم استدار ناحية أحد الفرسان الواقفين في الظل.
ومن هناك، خرج شاب في مقتبل العشرين، ذو شعر فضي لامع وعينين لامعتين بلون الشمس، يلبس عباءة خفيفة مزينة بشعار ميفيا المقدس – شجرة من نور.
قال إليوت بهدوء:
"إنه دورك يا نويل. أظهر لهم ما يعني أن تكون من مملكة القديسين."
انحنى نويل باحترام وقال:
"أجل يا مولاي."
وفي الخارج، كانت السماء ملبدة بالسحب البيضاء، والحمائم تحلق فوق أبراج ميفيا النقية، بينما بدأ الوفد الملكي بالتجهز للرحيل إلى مملكة لينيار… محملًا بالوقار، والأسرار… والنوايا التي لا تُقرأ من وجوه الميفيين الهادئة.
وفي قلب مملكة أسترين، التي تُعرف بـ"مملكة البُناة"، ارتفعت الأبراج الزجاجية والقباب الحديدية عالياً في السماء، كأنها تتحدى السُحب بجرأة. لم تكن أسترين مجرّد مملكة… بل كانت معمارًا ناطقًا، كل حجر فيها له قصة، وكل جسر فيها يحمل اسماً لبانٍ عظيم من سلالاتٍ سبقت.
في العاصمة الأسترينية "إينفال"، كانت الحركة لا تهدأ، العجلات المعدنية تدور، والأبخرة تتصاعد من المصانع الصامتة التي تبني كل شيء بدقة لا تصدّق. فوق أعلى برج في المدينة، في قاعة من الزجاج الصافي والعروق الحديدية، وقف شاب طويل القامة، يحدق من النافذة بعينين رماديتين لامعتين كشفرات السيوف.
كان ذلك هو "أليكس أسترين" — وريث المملكة الأذكى، صانع الخرائط، ورسام الخطط العسكرية التي لا تُهزم.
دخلت فتاة بخطى رشيقة، تحمل لفافةً زرقاء مختومة بشعار مملكة لينيار.
قالت بنبرة رسمية:
"سيدي… رسالة رسمية من لينيار، بشأن اجتماع ملوك قارة فالين. تم تحديد الموعد والمكان."
أخذ أليكس الرسالة بصمت، فتحها، وتجوّل بصره بين الكلمات.
ثم قال بهدوء، دون أن يلتفت نحوها:
"هل أُصلحت عدسة الرؤية بعيدة المدى؟"
أجابت: "نعم، وكل الأجنحة الميكانيكية تعمل بكفاءة."
ابتسم.
"جيد. إذاً… آن الأوان لنُريهم ما الذي تعنيه كلمة ’أسترين‘ في كتب التاريخ الجديدة."
سألته الفتاة فجأةً:
"هل سترسل المهندسة سيرا؟"
قال أليكس وهو يرفع إحدى أوراقه المخططة:
"سيرا ستكون هناك. ولكنني… سأذهب بنفسي."
في إحدى الورش السفلية، كانت فتاة قصيرة الشعر، بعيون فضية وشعر أسود مربوط، ترتدي نظارات واقية، تمسك مطرقة ثقيلة بينما ترسم نقشًا على درع ميكانيكي ضخم. اسمها "سيرا"، عبقرية المملكة، وسبب نصف ابتكاراتها الحديثة.
رفعت رأسها فجأةً، وكأن شيئًا ما خطر في بالها:
"أليكس سيذهب بنفسه؟ … إذاً لا بد أن نُريهم شيئًا لم يروه من قبل."
وفي سماء أسترين، كانت الماكينات تطير، والجسور تمتد، والاستعدادات تُجرى بصمت… مملكة أسترين لم تكن تحضر لاجتماع سياسي، بل لتحريك رقعة الشطرنج على مستوى القارة كلها.
(في مملكة لينيار)
في غرفة الأمير الثاني، كانت الأوراق متناثرة فوق الطاولة، والكتب مفتوحة بلا ترتيب، بينما أضواء المصابيح الخافتة تلامس صفحة كُتب عليها: "عهد الملك الخامس لمملكة لينيار - بداية التوسع الجليدي."
كان رايزل مستلقيًا على الطاولة، رأسه مائل وشفتيه نصف مفتوحتين وهو نائم بعمق، علامة القلم مطبوعة على خده. بدا مرهقًا حدّ الإنهاك، كما لو أن عقله لم يتوقف عن الدوران منذ أيام.
ريمبر، المتكوّر كوشاح ناعم على أطراف السرير، كان يتأمل وجه سيده، ثم زمّ شفتيه الصغيرة وقال بهمس:
"غباء بشري نموذجي… من ينام فوق التاريخ؟"
وفجأة، فُتح باب الغرفة بهدوء ودخلت مارين ستارك.
كانت ترتدي فستانًا أخضر بلون الحقول، وشعرها الأسود يتماوج بانسياب على كتفيها. تقدمت بخطوات خفيفة، وبنظرة صامتة وقفت أمام رايزل وهو نائم. للحظة لم تقل شيئًا… فقط حدقت فيه.
ثم سحبت بطانية حريرية من الزاوية، واقتربت ببطء، وغطّت رايزل بعناية.
لكن بينما كانت تنسحب، نظر ريمبر إليها بعينين نصف ناعستين وقال:
"أنتِ لا تهتمين له حقًا… أليس كذلك؟"
توقفت مارين للحظة. ثم التفتت نحوه بوجه جامد وابتسامة باردة:
"في بعض الأحيان… التنانين تحشر أنوفها في أماكن لا تخصها."
وسارت بهدوء خارج الغرفة، تاركةً ريمبر في حالة إحراجٍ غريب، وهو ينظر نحو الباب الموارب ويهمس:
"أنا… فقط كنت أتساءل."
ثم لفّ نفسه بجناحيه كمن يحاول أن يختفي، بينما بقي رايزل نائمًا.
(اليوم التالي - 8 أيام على اجتماع الممالك الاربعة)
في صباح هادئ داخل القصر، كانت الشمس تكاد تشرق بهدوء على قاعة التدريب، حيث كان سيفاريل (ثماني سنوات فقط، لكنه مليء بالحيوية والعزيمة) يلوّح بسيفه الخشبي في الساحة بحماس كبير، متدربًا بكل قوته على الحركات التي تعلمها.
أما في الغرفة المجاورة، كان رايزل لا يزال نائمًا، مستغرقًا في عالمه الخاص، حتى استيقظ فجأة عندما شعر بشيء بارد وناعم على خده. فتح عينيه ببطء، ليجد أن وجهه مغطى ببقع حبر القلم على خده.
وفي زاوية الغرفة، كان ريمبر جالسًا يضحك من قلبه، لا يستطيع كبح نفسه، مشاهدًا مشهد رايزل المتفاجئ.
ابتسم ريمبر وهو يقول بسخرية لطيفة:
"يبدو أن التدريب لسيفاريل بدأ يؤثر… على وجه الأمير أيضًا!"
رايزل حاول مسح الحبر، بينما كان يحاول أن لا ينفجر ضاحكًا قائلا:
"ريمبر أنت حقًا تنين غريب"