في اليوم الثالث من إقامة ممثلي الممالك في قصر لينيار الملكي للضيوف… كانت الأجواء هادئة، والسماء ملبّدة بغيوم خفيفة تنذر بمطرٍ خفيف، وكانت أصوات الطيور تختلط بأصوات الجنود المتدربين في الساحات السفلية.

أما رايزل؟

فقد أمضى الأيام الثلاثة الماضية في غرفته... لم يخرج، لم يشارك في أي فعالية، لم يحضر أي مأدبة، بل حتى لم يفتح الستائر. كان نائمًا أغلب الوقت، وإن استيقظ فبوجه متجهم وتعب واضح في عينيه.

على سريره العريض، كان رايزل يتقلب ببطء، شعره الأبيض مبعثر على الوسادة، وعيناه شبه مغلقتين، يتمتم لنفسه بتعب:

"أنا منهك... أنهكوني بالسياسة، والكتب، والنقاشات... أنا طفل، تبًا لهم جميعًا..."

كان ريمبر جالسًا فوق رأس السرير، يراقبه بصمت، ثم قال بصوته الناعم:

"هل تنوي النوم للأبد؟ إن لم تنهض قريبًا، سيظنون أنك توفيت."

قال رايزل وهو يدفن وجهه في الوسادة:

"ليظنوا ما يشاؤون..."

ثم ارتفعت طرقات خفيفة على الباب.

دخل فيون بهدوء، يحمل صينية طعام عليها شوربة ساخنة وبعض الفاكهة المقطعة، وقال بصوت خافت:

"سموك... أحضرت الطعام. رجاءً كُل شيئًا اليوم."

رفع رايزل رأسه قليلًا وقال بصوت خافت:

"ضعه هناك..."

ثم عاد لدفن رأسه مجددًا.

تنهد فيون وخرج بهدوء، بينما قال ريمبر:

"ستُجبر على الخروج قريبًا… لقد سئموا غيابك، خاصة فيكتوريا… أراهن أنها ستقتحم غرفتك بنفسها قريبًا."

لكن رايزل لم يرد، فقط أدار وجهه نحو الجدار، وهمس:

"فليأتوا... سأبقى نائمًا حتى يرحلوا جميعًا."

ثم أغلق عينيه، واستسلم للنوم مجددًا، غير عابئٍ بأحد.

وفجأة… ومع صوت باب يُفتح بعنف، اهتزت الغرفة بأكملها.

صرخ رايزل وهو يقفز من السرير، شعره الأبيض مبعثر، وعيناه نصف مغمضتين:

"مـ-ما هذا!! زلزال؟!!"

لكن ما استقبله كان وجهًا مألوفًا… سيفاريل، بقامته الصغيرة وسيفه الخشبي على ظهره، وابتسامة مجنونة على وجهه وهو يقول بحماس:

"رايزللل!! كف عن النوم!! لقد نمنا ثلاثة أيام كفاية!!"

رمش رايزل عدة مرات ثم صرخ:

"ثلاثة أيام؟!! أنت كنت نائمًا أيضًا؟!"

ضحك سيفاريل وهو يقفز على سريره دون أي إحساس بالخطر:

"كنت أتدرب! صحيح أن أبي جلدني جلدًا عظيمًا، لكنني الآن أقوى من ذي قبل!"

ثم قال وهو يمد ذراعيه:

"أنا مثل طائر الفينيق الذي يولد من الرماد!!"

رد عليه رايزل وهو يدفن رأسه مجددًا في الوسادة:

"أنت طائر الفوضى، ليس الفينيق..."

ريمبر، الذي كان لا يزال جالسًا في زاوية السرير، رفع حاجبًا وهو يراقبهم، ثم قال:

"إنه طائر الصراخ، هذا ما هو عليه."

انفجر سيفاريل ضاحكًا وقال:

"هيييي ريمبر!! لا تكن قاسيًا! هيا، رايزل، انهض! الجميع يتحدث عن غيابك، وهناك حفل صغير هذه الليلة في حديقة الضيوف، سمعت أن الأميرات قادمات!"

رايزل التفت إليه بتعب:

"هل تظن أنني أريد مقابلة أميرات؟"

سيفاريل أومأ بحماس:

"نعم، لتتزوج واحدة وتريح نفسك!"

نهض رايزل ببطء، شعره مبعثر وعيناه تلمعان بغضب:

"سيفاريل…"

"نعم؟"

"اخرج من غرفتي قبل أن ألقي بك من النافذة."

لكن سيفاريل ضحك وقال:

"إن رميتني سأطير!!"

وانطلق هاربًا من الغرفة ضاحكًا، بينما رايزل صرخ خلفه:

"تبًا لك!!!"

ريمبر تمطّى بتكاسل وقال:

"أوه… إنه يوم جديد فوضوي آخر... رائع."

ثم ابتسم بخبث وأضاف:

"لكنك ستخرج، أليس كذلك؟"

حدّق فيه رايزل للحظة… ثم تنهد بعمق، وقال وهو يمد ذراعيه:

"أحضر لي الماء… سأغسل وجهي، يبدو أنني مضطر لرؤية الناس مجددًا..."

خرج رايزل من غرفته ببطء، خطواته ثقيلة وواضح عليه التعب والكسل، شعره الأبيض مبعثر وعيناه الكريستالية نصف مغمضتين.

على كتفه، كان ريمبر يلتصق بابتسامة ماكرة، يقول مازحًا:

"ها هو الأمير الكسول يعود إلى عالم الأحياء."

تنهد رايزل ببطء وهو يحاول شد كتفيه وابتعد عن ريمبر قليلاً، وقال بصوت ممل:

"هل من الضروري أن تظل عالقًا بي طوال الوقت؟"

ابتسم ريمبر وقال:

"أنت الوحيد الذي يستطيع تحمّلني، فلا تهرب."

[بعد يومين-يوم مغادرة الممثلين)

في صباح اليوم المنتظر، بدأ الممثلون الواحد تلو الآخر يستعدون لمغادرة لينيار والعودة إلى ممالكهم. القصر الملكي للضيوف كان يعج بالحركة والوداع والهمسات.

سيفاريل، بزيه الرسمي المهيب، كان يستعد للمغادرة برفقة والده فاريوس، الذي بدا عليه الغضب والصرامة، لكن في عينيه كانت تتخللها لمحات من القلق على ابنه.

اقترب سيفاريل من رايزل ليودعه، لكن رايزل كان يبدو عليه التعب والكسل، حتى أن عيونه الكريستالية كانت نصف مغلقة.

قال سيفاريل بابتسامة نصف مستفزة:

"هل ستفتقدني حقًا، أم أن كسلك أكبر من أن تهتم؟"

رفع رايزل رأسه ببطء، وأجاب بلا مبالاة واضحة:

"مشغول جدًا بالتفكير في النوم."

ضحك سيفاريل وضرب كتف رايزل بخفة، ثم قال:

"حسنًا، اعتن بنفسك أيها الكسول."

وبينما خرج سيفاريل مع والده، بقي رايزل جالسًا، غارقًا في كسله، وكأنه يقول للعالم كله: "أنا هنا، لكن ليس اليوم."

[بعد 6 سنوات..]

بعد مرور ست سنوات، تغير كل شيء حول رايزل وإيزيك ولوكاس، وتبدّلت ملامحهم وأفكارهم، وعادت الحياة لتحتشد في أروقة القصر.

رايزل، الذي كان صبيًا كسولًا ومترددًا، صار شابًا بعيون كريستالية تشع بهدوء نادر، ولكن لم يفقد ذلك الشعور الداخلي بالخمول الذي يعانيه بين حين وآخر، وكأن الكسل جزء من طبعه لا يفارقه رغم النضج. جسده لم يعد هزيلاً كما كان، بل أصبح أقوى، ولكن روحه ما زالت تموج بصراعات داخلية.

إيزيك، بعمر أحد عشر عامًا، كان يملك شعرًا أسود كالليل وعيونًا حمراء لامعة تحمل ذكاءً حادًا وروحًا مختلفة، تشعر بأنها أكبر من عمره بكثير. هو أيضًا تغير، صار أكثر حزمًا في تصرفاته ونظراته.

أما لوكاس، فقد تخطى عتبة الشباب مبكرًا، عمره الآن 21 سنة، وأصبح رجلاً على أعتاب المسؤولية الكاملة. ملامحه صار أكثر حدة، وعينيه تعكسان خبرة سنينٍ من الدراسة والتدريب المكثف، خاصة بعد أن وصل إلى الدائرة السحرية السادسة، حيث تعلم أن السحر ليس مجرد قوة، بل التزام ومصير.

في صباح يومٍ مشمس، كان رايزل مستلقيًا في غرفته، حيث تسربت أشعة الشمس عبر النوافذ الرفيعة، تغسل السقف بوهجٍ دافئ. لم يكن يرغب بالاستيقاظ، لكن موعدًا مع مارين ستارك، التي صارت فتاة في الثانية عشرة من عمرها، ينتظره.

ببطء، تمتم رايزل وهو يفتح عينيه:

"يا له من عبء... لقاء مع مارين مرة أخرى."

تثاقل يقوم من سريره، ارتدى ملابسه بكسل واضح، ثم توجه نحو غرفة إيزيك، حيث جلسا معًا للدراسة. الكتب كانت مكدسة على الطاولة، صفحات التاريخ والجغرافيا والسحر متشابكة، وكأنهما يحاولان اللحاق بعالمٍ لا يتوقف عن الدوران.

قال رايزل وهو يحاول التركيز:

"حان الوقت لأرى الأميرة الصغيرة."

ابتسم إيزيك بدهشة خفيفة:

"كنت أتمنى لو لدينا المزيد من الوقت للدراسة."

دخل فين، بابتسامة تعلو وجهه، وقال:

"لم أتوقع قط أن شخصًا مثل رايزل، الذي عرفت عنه الكسل، يقدّر السيد إيزيك هكذا."

رد رايزل بتنهيدة:

"همم... لا تهتم."

ثم غادروا الغرفة بسرعة، متجهين للقاء مارين.

كانت مارين تنتظر في قاعة صغيرة، عيناها الخضراوان كانتا تلمعان بالعزم، وابتسامتها الهادئة تخفي غضبًا مستترًا.

بدأ اللقاء بصمتٍ ثقيل، حتى قالت مارين بنبرة صارمة:

"رايزل، أنت ضعيف... لست كما يجب أن تكون."

تجمد رايزل، غير متوقع هذه المواجهة.

"ماذا تقصدين؟"

ردت بحدة:

"لا يمكنك تجاهل السحر. يجب أن تتعلمه، خاصة إذا كنت تريد البقاء بقربنا."

تابعته بنظرة حادة:

"سيفاريل، على الرغم من أنه من ليفيان، قد أصبح الآن في الرابعة عشرة، وقام بتحقيق التقدم في السحر والقتال. أنت، مع ذلك، لا تزال تتسكع."

تجاهل رايزل كلماتها وقال بنبرة متمردة:

"كل ما أريده هو العيش بسلام، بعيدًا عن السياسة والحروب."

ابتلعت مارين غصة ثم سكبت كوب الشاي الذي في يدها على الطاولة، نظرت له ببرود:

"إذاً، على الأقل، اصنع لنفسك قوة تحميك بها. لوكاس تغير كثيرًا، صار رجلاً ذا مسؤوليات، بينما أنت لا زلت عالقًا في مكانك."

ثم غادرت الغرفة، تاركة رايزل ينظر إلى الطاولة، عيونه تتسع بغضب. قال في نفسه:

"اللعنة... مارين!هذا هو زيي الجديد!!."

[في غرفة رايزل]

جلس رايزل على حافة السرير، عيونه تتمعن في مكانٍ بعيد، ذهنه يغوص في كلمات مارين الحادة التي لم تغادر رأسه. بعد لحظات من الصمت، نهض ببطء، تتصاعد فيه شرارة الإصرار لأول مرة بوضوح.

همس لنفسه:

"أنا ضعيف؟ لحظة... مارين محقة... إن لم أصبح أقوى فلن أتمكن من حماية نفسي... ولا أحد آخر."

اندفع خارج الغرفة بخطوات سريعة، شعور جديد بالقلق والمثابرة يملأ صدره، وتوجه مباشرة نحو فيون، الخادم الوفي والمطلع.

دق على باب غرفة فيون وهو يلهث قليلاً من الركض، وقال بلهجة مفعمة بالعزم:

"فيون... ما هو السحر؟ علمني... أريد أن أفهم كيف أصبح قويًا."

ابتسم فيون بابتسامة هادئة، وفتح الباب، قائلاً:

"سموك... السحر هو القوة التي تسيطر عليها الروح والعقل معًا. إنه ليست مجرد تعويذات، بل هو فهم عميق للطبيعة ولذاتك."

2025/06/26 · 4 مشاهدة · 1260 كلمة
نادي الروايات - 2025