34 - محاولات فاشلة (بداية الموسم الثاني)

في الجناح الهادئ في القصر، حيث كان الضوء يتسلل بخجل عبر النوافذ الطويلة،

فُتح الباب ببطء، ودخل لوكاس أولًا، تعلو وجهه نظرة متوترة لم يكن يعتدها أحد منه.

خلفه مباشرة كان إيزيك بخطاه المتزنة وعيناه الحادتان، ثم ريمبر، الذي بدا أنه لم ينم جيدًا.

اقترب الثلاثة من السرير الذي جلس عليه رايزل بصمت، نظراتهم تتأرجح بين القلق والذنب والخوف.

قال لوكاس بصوت منخفض، نبرة صوته تحمل ثقلًا لم يُعرف عنه من قبل:

"أخيرًا استيقظت... لقد أقلقتنا، أيها الأحمق."

إيزيك اكتفى بالصمت، لكنه جلس على الكرسي القريب من السرير، وعيناه تراقبان نبض رايزل، وكأنها تبحث عن أي إشارة تدل على انهياره مجددًا.

بينما قال ريمبر بنبرة خشنة تخفي قلقًا حقيقيًا:

"أردت ضربك عندما تستفيق... لكنك تبدو كالشبح الآن."

لكن رايزل؟

لم يُحرّك ساكنًا.

بدا كأنهم مجرد ظلال أمام عينيه الزجاجيتين.

أدار وجهه بهدوء نحو النافذة، متجاهلًا الجميع، وكأنهم لم يكونوا هناك أصلًا.

قال بصوت منخفض، دون أن يلتفت:

"هل انتهيتم؟ أريد بعض الهدوء."

ساد الصمت للحظة.

نظر الثلاثة لبعضهم، كل منهم يُخفي مشاعره خلف ملامح متجمدة.

ولوكاس كان على وشك قول شيء، لكنه ابتلع كلماته،

بينما ريمبر قبض يده بغيظ وهمس:

"لقد تغيرت كثيرًا..."

ثم انسحبوا جميعًا،

وتركوا رايزل وحيدًا في غرفته،

في صمتٍ يملؤه الغضب… والحزن… والخوف من المجهول.

حين امتدت خيوط الفجر على أرض القصر، جلس رايزل بصمت على سريره، ألقى نظرة متعبة على جسده الضعيف، ثم زفر بقوة وحرّك الغطاء جانبًا.

بخطوات مترددة، أنزل قدميه على الأرض الباردة، محاولًا النهوض…

لكنه لم يكد يخطو خطوة واحدة حتى اختل توازنه، وسقط على الأرض بقوة.

صدر منه أنين خافت، وضع يده المرتجفة على الأرض، ثم تمتم وهو يضغط على قبضته:

"حتى المشي… هذا مثير للشفقة."

وفي الزاوية، خلف الباب المفتوح قليلًا، كان ريمبر واقفًا.

لم يُصدر صوتًا، لم يتنفس بعمق، فقط عيونه الحمراء الشاحبة كانت تتابع المشهد كمن يرى حلمًا يتحول لكابوس.

قبض على يده بشدة، ثم قال في نفسه بصوتٍ يكاد يكون مسموعًا:

"لماذا… لم أوقفه؟ لماذا… لم أخبره أن جسده ضعيف للمانا…

أنه لن يستجيب لها إلا قليلاً؟"

"هل كُنت خائف من أن اطفأ نار عزيمته؟"

تراجع خطوة للخلف، ورأسه ينخفض ببطء، يشعر بثقل الذنب ينهش صدره.

كأنه خان رايزل بالصمت.

كأن سقوطه الآن كان نتيجة لضعف لسانه حين كان يجب عليه أن يتكلم.

وفي الداخل،

جلس رايزل على الأرض،

يمسح العرق عن جبينه،

بينما عيناه تتوهجان بالكتمان:

"إن كنت سأعيش بهذا الضعف… فإما أن أجد حلاً،

أو…"

وتوقف عن إكمال الجملة،

واكتفى بالنظر نحو يديه المرتعشتين.

بينما كانت أشعة الشمس تتسلل بخجل من نافذة الغرفة، كان رايزل مستلقيًا على الأرض، أنفاسه متقطعة، وجبينه يتصبب عرقًا من أبسط محاولة للحركة. رفع رأسه قليلًا، نظر نحو الباب المفتوح، وحدّق في الفراغ بصمت.

همس في نفسه، بصوت بالكاد يسمعه هو:

"غريب… أظن أنني شعرت بريمبر هنا…؟"

توقّف لحظة، ثم هزّ رأسه ببطء:

"أوه… هذا ليس مهمًا الآن."

أدار جسده بصعوبة، يديه ترتجفان وهو يمدهما نحو حافة السرير. قبض على طرفه بثبات ضعيف، وسحب جسده كما لو أنه يسحب جبلًا فوق صدره. أنينه الخافت كسر صمت الغرفة. وأخيرًا، تمكن من رفع نفسه بما يكفي ليستلقي على السرير مجددًا.

تمدد ببطء، تنهد بعُمق، وحدّق في سقف غرفته، عيناه الزجاجيتان تلمعان بظلال التعب والانكسار.

مرر أصابعه على قلبه ببطء، ثم أغلق عينيه هامسًا:

"جسدي… هشٌ للغاية… وكأن عظمة واحدة ستكسر من مجرد نسمة…"

سكنت الغرفة مرة أخرى، إلا من صوت أنفاسه الضعيفة،

وكأن كل شيء فيها يعترف بضعفه بصمتٍ لا يُطاق.

كان صوت الخطوات يقترب من الغرفة بهدوء، ومع كل خطوة، كان الصمت في المكان يتكثف أكثر. فتح الباب برفق، ودخل عدد من المعالجين يرتدون عباءاتهم البيضاء المزيّنة بشعار لينيار الذهبي. كانت وجوههم مشدودة، عيونهم متوترة، وكأنهم يمشون فوق زجاج.

اقترب أحدهم، رجل في الأربعينات من عمره، يحمل بيده أدوات الفحص، وانحنى قليلًا أمام رايزل، ثم قال بنبرة مترددة:

"سـ... سموك… هذا… أنت تعلم جيدًا أن لينيار تتميّز بالسحر… و… لك—"

لكن صوت رايزل قاطعه فجأة، منخفضًا وباردًا كالثلج:

"أعلم جيدًا… فقط أكمل عملك."

تجمّد المعالج في مكانه للحظة، ثم خفض رأسه سريعًا وقال: "أمرك,سموك."

ثم أشار بيده للآخرين، ليبدأوا بالفحص.

رفعوا أطراف عباءاتهم وجلسوا بجانب الفتى النحيل، وضع أحدهم يده على صدره، والثاني بدأ بقياس تردد المانا من خلال بلورة مانا صغيرة، والثالث ينظر إلى النتائج المسجلة.

لم يتحدث أحد، فقط أنين البلورة الخافت كان يملأ المكان.

وبعد مضي قرابة نصف ساعة من الفحص الدقيق، رفع كبير المعالجين رأسه أخيرًا، ووقف أمام سرير رايزل وقال باحترامٍ شديد:

"سموك… بحسب الفحص الأخير، جسدك لا يزال ضعيفًا للغاية ولا يتجاوب مع المانا كما يجب… لكن… أنت الآن مستقر. ستحتاج إلى راحة تامة لا تقل عن ثلاثة أسابيع، وربما أكثر حسب تجاوب جسدك."

ثم انحنى وأضاف:

"نتمنى لك الشفاء العاجل، صاحب السمو."

أومأ رايزل برأسه بخفة دون أن ينبس بكلمة، وعيناه لا تزالان تسبحان في السقف، غارقتان في أفكار لا يسمعها أحد…

ولا يشاركه فيها أحد.

بمجرد أن غادر رئيس المعالجين مع فريقه، ساد صمت ثقيل في الغرفة. رايزل كان ممددًا على السرير، عينيه تحدّقان في السقف، وأنفاسه بطيئة ومتزنة. ثم نطق بصوتٍ خافت لكنه واضح:

"أنا جائع… أخبروا الخدم أن يُحضِروا لي الطعام."

توقف أحد المعالجين لحظة، وكأن الكلمات لم تصدّق، ثم ابتسم بسرعة وأومأ: "كما تأمر، سموك!"

وانطلق مع زملائه خارج الغرفة، يركضون تقريبًا في الممرات الرخامية وهم يتحدثون بحماس:

"قال إنه جائع!"

"هذا جيد! هذا يعني أن حالته النفسية بدأت تتحسن!"

"سنطلب من المطبخ أن يُحضّر أفضل ما لديهم!"

وبينما عمّ النشاط أرجاء القصر، بقي رايزل وحده في الغرفة. كان الصمت يحيط به من كل الجهات، ولم يعد يشعر بالجوع أو الألم أو التعب.

كل ما كان يشغل باله… وجه تلك المرأة ذات الشعر الأبيض والعيون الزهرية.

"فيليا… فيليا أريام…" همس في نفسه.

الاسم ظل يتردد في صدره، كأنّه صدى ضائع من زمنٍ آخر، من ذاكرةٍ لم تكن له يومًا.

كان باردًا من الخارج، لكنه في الداخل يحترق. جلس ببطء، وأسند رأسه إلى الوسادة، وهمس من جديد:

"أمي؟"

لكن الغرفة لم تُجِب. فقط ظلال ما تبقى من الحلم…

وظلّه هو، ابن العرش… وسليل الصمت.

دخل الخدم بهدوء، حاملين صوانيَ فضية مُحمّلة بالطعام: لحم مشوي، فطائر ساخنة، أرز بالتوابل، وحساء دافئ تفوح منه رائحة الأعشاب. وبينما وضعوا الصحون أمام رايزل، لم يتحرك.

بقي متكئًا على الوسادة، ينظر إلى الطعام بعينين شاحبتين، قبل أن يقول بصوت خافت وبنبرة غير متحمسة:

"الحساء فقط."

تجمد الخدم مكانهم، يحدقون فيه بذهول.

"س-سموك؟" قال أحدهم بتردد.

"ليس لدي شهية كبيرة،" كرر رايزل بهدوء دون أن ينظر إليهم.

نظر الخدم إلى بعضهم، ثم أومأ كبيرهم برأسه، وسحبوا الأطباق واحدة تلو الأخرى، تاركين الحساء فقط، ثم انحنوا وخرجوا دون كلمة.

ظل رايزل ينظر للحساء أمامه، قبل أن يأخذ الملعقة ببطء ويرتشف منه رشفة صغيرة.

في تلك اللحظة، فُتح الباب بهدوء ودخل فيون بخطوات متزنة، وعلى وجهه علامات الراحة والقلق في آن.

"سموك،" قال وهو يقترب، "هل تشعر بتحسن؟"

أومأ رايزل بخفة، ثم قال بنبرة مبحوحة:

"كم من الوقت… كُنت غائبًا عن الوعي؟"

تردد فيون قليلًا، ثم أجاب بصوت منخفض:

"شهرين، سموك."

في اللحظة التالية، شهق رايزل وبصق الحساء دون أن يشعر. نظر إلى فيون بصدمة، وعيناه اتسعتا:

"شهرين؟! شهرين كاملين؟!"

أومأ فيون ببطء، وعيناه تراقبان رد فعله.

"لقد أقلقتنا جميعًا، سموك... كنا ننتظر هذه اللحظة بفارغ الصبر."

لكن رايزل لم يرد. ظل يحدّق في الفراغ أمامه، وكأن كلمة "شهرين" أثقلت صدره فجأة. داخله شعور غريب: لم يكن يعرف هل هو الارتباك، أو الغضب، أو شيء أعمق من ذلك…

صمتَ، ثم همس:

"ضيّعت الكثير من الوقت..."

انفتح الباب فجأة بقوة شديدة، حتى اهتزت النوافذ قليلًا من شدة الدفع، ودوّى صوت ارتطامه بالجدار في أرجاء الغرفة.

رمش رايزل ببطء، عيناه المتوسعتان مندهشتان من الموقف، ظلّ يتابع ما يحدث دون أن ينبس بكلمة، حتى ظهرت مارين عند الباب، أنفاسها متقطعة، وثوبها الأبيض الذي يحمل شارة دوقية ستارك متجعد من الركض.

تقدمت بخطى سريعة حتى وصلت إلى طرف السرير، وعيناها تلمعان بقلق شديد، وقالت بصوت مرتفع:

"رايزل!! أأنت بخير؟!!!"

تأملها للحظات، ثم قال بصوته الهادئ المعتاد، وكأنه لا يدرك حجم الضجة التي أحدثتها:

"نعم."

لكن مارين لم تقتنع، انحنت قليلًا ونظرت في عينيه، ثم قالت وهي تضع يديها على خاصرتها:

"فيوهه أقلقتنا كثيرًا! أي نوع من الناس يدخل غيبوبة لشهرين ثم يستيقظ وكأنه كان في قيلولة؟!"

ظل رايزل يحدق فيها، ثم قال بنبرة خفيفة وهو يشيح بنظره:

"لم أكن أنوي ذلك..."

ردّت مارين بعينين ضيقتين:

"لا تنوي؟ لا تنوي؟ كنت سأكسر الباب قبل أسبوعين لكن منعوني!"

ثم جلست على الكرسي بجواره، فجأة انخفض صوتها وهي تنظر إلى الأرض:

"ظننا أنك… لن تستيقظ."

سادت لحظة صمت بينهما، قبل أن يقطعها رايزل بصوت منخفض:

"...ولكنني استيقظت."

رفعت مارين نظرها إليه، فوجدت تلك الابتسامة الهادئة على وجهه، لكنها كانت خالية من أي دفء.

"استيقظت… نعم، ولكنك لست بخير، أليس كذلك؟"

لم يجب. بل اكتفى بالنظر إلى النافذة، حيث كان ضوء الشمس يغمر الغرفة بهدوء، لكنه لم يشعر بأي دفء.

2025/07/02 · 3 مشاهدة · 1382 كلمة
نادي الروايات - 2025