في القاعة الملكية العظيمة، حيث تنحني الأعمدة العالية تحت ثقل التاريخ، وقف رايزل الصغير أمام عرش والده، وقد تبللت خصلات شعره المبعثرة من المطر، وملابسه ملتصقة بجسده الصغير البارد. عيناه الواسعتان تحدقان في الإمبراطور الذي بدا كتمثال حجري، جالسًا بشموخ، وسيفه المسنون مرصع بالأحجار الكريمة بجانبه.
قال الإمبراطور بصوت رخيم بارد: "أخبرني، رايزل... لماذا هربت؟"
ظل الصبي صامتًا، أنفاسه متقطعة وهو يحاول إيجاد الكلمات المناسبة. لم يكن يعلم أن مجرد فكرة الهروب ستقلب القصر رأسًا على عقب، وأن الإمبراطور سيأمر بنفسه بالبحث عنه. رايزل، في داخله، لم يكن سوى طفل في السادسة، لكنه لم يكن مثل بقية الأطفال.
فداخله، تكمن ذكريات من حياةٍ سابقة، ذكريات دار الأيتام، المصنع المخيف، الكتاب القديم الذي حمل اسمه، ودمية أزهقت روحه الأولى...
رفع الإمبراطور حاجبه حين طال الصمت، ثم قال بنبرة أكثر حدة: "أهذا ما تفعله؟ تجري كجرذٍ صغير بين الأشجار؟ ألهذه الدرجة تظن أننا لا نراك؟ هل نسيت من تكون؟"
أخفض رايزل رأسه، ليس خجلًا، بل محاولة لإخفاء شرارة الغضب والشك التي بدأت تشتعل خلف عينيه. كان يعلم أن الإمبراطور لا يراه إلا شيئًا صغيرًا، قطعة زينة زائدة في قصر مترف.
قال بهدوء متردد: "كنت... أبحث عن لعبتي، يا مولاي."
ضحك أحد القادة الواقفين، لكن الإمبراطور لم يضحك. بل نظر إليه نظرة جعلت ذلك القائد يبلع ريقه ويصمت فورًا.
"لعبة؟" كرر الإمبراطور الكلمة ببطء، وكأنها سم، ثم نزل من عرشه بخطى مدروسة واقترب من ابنه حتى صار أمامه مباشرة. انحنى قليلًا ليكون في مستوى عيني رايزل، ثم قال:
"أنت لست لعبة، رايزل. لكن ربما... كنت."
ارتجف الطفل، ليس من الخوف، بل من الطريقة التي قيلت بها الكلمات. كان يعلم أن الإمبراطور، والده، لا يعتبره وريثًا. بل مجرد صبي زائد، ابن زوجة لم يحبها قط.
عاد الإمبراطور إلى عرشه، وقال: "خذوه إلى جناحه. ولا يُسمح له بالخروج حتى إشعار آخر. ولا طعام الليلة."
صرخ أحد الخدم بصوت متوتر: "أمركم، يا مولاي."
وانطلق اثنان من الحرس يقودان رايزل إلى خارج القاعة، بينما ظل الإمبراطور يتأمله من بعيد. في عينيه شيء آخر، لم يكن فقط الغضب، بل ربما... شك
في جناحه، جلس رايزل على السرير الكبير المصنوع من المخمل الأزرق، يداه الصغيرتان على ركبتيه. العتمة تحيط بالغرفة رغم فخامة الثريات.
في داخله، بدأ شيئًا يتغير.
فكرة الهروب لم تكن طفولية، بل كانت اختبارًا... هل ما يزال مجرد دمية؟ هل سيهتم أحد باختفائه؟ الآن عرف.
قال هامسًا لنفسه: "الجواب هو نعم... لقد لاحظوا."
تلك الليلة، لم ينم. كان ينظر إلى السقف الطويل المزخرف، يعد الثواني، يسمع الرياح تهب من خلف النافذة. فكرة واحدة كانت تنضج في داخله:
إذا كنت مجرد لعبة، فسأصنع قوانيني الخاصة.
في اليوم التالي، اتى لوكاس
فتح باب الغرفة دون إذن، وهو يضع يده خلف ظهره، ابتسامة ماكرة على وجهه
"أنت فعلاً بارع في الهروب، أخي الصغير. لم أتوقع منك هذا."
لم يجب رايزل، بل نظر إليه بصمت
اقترب لوكاس، وأخرج من خلف ظهره كتابًا صغيرًا مغلفًا بالجلد
"هذا ما كنت تبحث عنه؟"
تسمرت عينا رايزل عليه. لم يكن هذا الكتاب الذي يعرفه، لكن غلافه بدا مألوفًا بطريقة غريبة. أخذ الكتاب بصمت وفتحه...
صفحة أولى بيضاء، والثانية كذلك، ثم:
"كل الدمى، في النهاية، تتحرر من خيوطها."
نظر إلى أخيه ببطء، لكن لوكاس ضحك وقال: "مزحة فقط. لا تكن جديًا، رايزل."
ثم همس: "لكن لا تكررها. لا تحاول الهرب مجددًا. المرة القادمة... ربما لا أكون من يجدك."
ليلة أخرى تمر، ورايزل يفتح الكتاب مجددًا. هذه المرة، كانت هناك صفحة جديدة، لم يرها سابقًا:
"من اختار النار، لا يخاف الاحتراق."
بدأت عيناه تتسعان. كان الكتاب يكتب من تلقاء نفسه... أو ربما يتفاعل معه؟
ووسط دهشته، سمع الهمس القديم يعود إلى أذنه...
"هل تريد أن تكون أقوى؟"
وهنا، تبدأ الخطة.
ليس هروبًا بسيطًا، بل بداية لخروج الدمية من صندوقها، ووقوفها على المسرح.
لكن المسرح هذه المرة... سيكون مليئًا بالدم