(هذا الفصل من منظور لوكاس)

دائمًا أرى وجه رايزل أمام عيني، وأكثر ما يؤلمني هي عيناه اللتان تبدوان وكأنهما ستنطفئان في أي لحظة. ولكن فجأة، تغيرت تلك العيون، وصارت تحمل في بريقها صلابةً لا تهتز، وكأنها لا تعرف الخوف.

أنا أحب رايزل حتى الموت، ولكن بسبب التزامات والدتي التي فرضتها عليّ، أصبح رؤيته أمرًا نادرًا، لا يقتصر إلا على قاعة الطعام… إن حضر هناك أصلاً.

لا أنسى ذلك اليوم، حين كنت ألعب معه بسعادة كالعادة. وبعد أن انتهيت، جرتني والدتي إلى زاوية مظلمة من القصر، وصفعتني على وجهي بقوة، ثم صرخت بي بصوت مملوء بالغضب:

"لوكاس! هل العرش رخيص بالنسبة لك؟!"

ثم أضافت بنبرة أشد حدة، وكأنها تصدر حكماً لا يقبل النقاش:

"من الآن فصاعدًا، ممنوع عليك الذهاب مع رايزل، أو حتى تحيته! هل فهمت؟!"

غرست تلك الكلمات في قلبي، وصارت كأنها جرح عميق أُريد به أن أنسى رايزل:

"رايزل لا يحبني، وأنا لا أحبه."

لم تطيق والدتي وجود رايزل من الأساس. هو ابن محضية، وفكرة كونه فتى غير شرعي جعلته منبوذًا في القصر. كانت تحقد عليه بشدة، وتتمنى موته من كل قلبها. خططت مرارًا لإرساله إلى السفاحين المشهورين، لكن كل محاولاتها باءت بالفشل.

حين بلغ رايزل السادسة من عمره، لم يحتفل أحد بعيد ميلاده، بل لم يلاحظه أحد على الإطلاق. لكنني لاحظت تغيرًا غريبًا في عينيه، كأن فيهما شعلة من العزم والنار لا تنطفئ أبدًا.

كنت أراقبه دائمًا وهو يذهب إلى المكتبة يبحث بين الكتب. وكانت أغلب الكتب التي يستعيرها تدور حول الدمى. في البداية، قلت بسخرية في نفسي:

"هل يبحث عن دمى؟"

لكن تلك الكتب لم تكن عن دمى عادية، بل عن النار، الجلد، والدمى ذات الرقاب المكسورة. كيف يمكنه أن يجمع بين هذه الأشياء؟ ولماذا يفكر في مثل هذه الأمور الغريبة؟

تغيرت شخصيته بالكامل.

صوته لم يعد مترددًا أو مرتعبًا، بل صار واثقًا وجريئًا.

لم يعد يخاف من والدتي، ويتحدث بثقة رغم صغر سنه.

خرجت من غرفتي وأنا أحتفظ بورقة صغيرة أدون عليها كل ما يجول في خاطري عن رايزل:

1- الدمى

لا أدري ما الذي يريده بتلك الدمى المرعبة ذات الرقاب المكسورة.

2- سحر الجليد

هل أصبح مهتمًا بسحر الجليد؟ لا أصدق هذا، فهو كان يحب اللون الأحمر دومًا! ربما أنا طفولي.

3- سحر النار

هل يريد أن يجمع بين سحر النار والجليد؟ أتذكر جيدًا أن هناك من يستطيع دمجهما معًا!

قاطع أفكاري صوت طرق الباب.

"سموك، الإمبراطور يريدك في مكتبه."

أجبت وأنا أخفي الورقة في الدرج: "حسنًا، أخبره أنني قادم."

فتحت باب غرفتي واتجهت نحو مكتب والدي، متسائلًا عن السبب الحقيقي وراء استدعائه. طرقت الباب، ثم سمعت صوته البارد المعتاد:

"ادخل."

دخلت وبدأت بالكلام:

"جلالتك، سمعت أنك استدعيتني٫هل هناك خطب ما؟"

نظر إليّ من فوق، ثم قال:

"ربما يكون هذا مفاجئًا، لكن سمعت أنك ستؤدي مهمة في الاكاديمية"

نظرت إليه مستغربًا، متسائلًا: هل يريدني لأجل هذا الأمر الصغير؟

"نعم، لماذا تسأل؟"

ألقى نظرته على ورقة أمامه وبدأ يكتب بريشته:

"أريد منك أن تأخذ رايزل معك."

ارتبكت وصرخت بصوت مرتفع:

"جلالتك! ر-رايزل لا يزال في السادسة من عمره، وهذا خطرٌ عظيم، خاصة وأنني سأذهب إلى قمة جبل الجليد، حيث البرد قارس!"

نهض الإمبراطور من كرسيه وتقدم نحوي، ووضع كفه الثقيلة على كتفي قائلاً:

"يجب على رايزل أن يتعلم التكيف مع العالم الخارجي أيضًا. لا مجال للرفض، أنت تعرف ذلك."

شعرت بثقل كفه على كتفي، وانتهى بي الأمر بالموافقة، دون أن يكون لدي خيار آخر.

ذهبت إلى والدتي لأخبرها بالأمر، وكانت ردة فعلها واضحة ومخيفة، ابتسمت ابتسامة لا تبشر بالخير أبدًا. فكرت في نفسي:

"بالطبع، إنها تريد قتل رايزل… سحقًا لها!"

بينما كنت أمشي في النمر الخاص بالقصر متجهًا إلى غرفة رايزل لأخبره بالأمر، رأيت إحدى الخادمات تحمل طبقًا مغطى، وابتسامتها تخفي نواياً خبيثة. راقبتها بحذر.

"ماذا تفعلين؟" سألتها.

تلاشت ابتسامتها الخبيثة سريعًا، وحاولت أن تبدو بريئة:

"سموك، الأمير الثاني طلب مني أن أرسل له طبق طعامه المفضل، ربما لأنه لم يأكل في قاعة الطعام."

رفعت حاجبي، والطبق بدا غريبًا للغاية. حاولت أن أمد يدي لأرى ما بداخله، لكن الخادمة تراجعت خطوة، وظهر على وجهها التوتر الشديد.

"ماذا يوجد في الطبق؟" قلت بنبرة باردة وحادة، كأنني أحذرها.

لم تمر سوى ثوانٍ حتى ركعت الخادمة وهي تتوسل:

"أرجوك، سموك، أنا مجبرة، سامحني، أقسم—"

لكن لم تكمل كلامها، إذ انفجر جسدها فجأة، وخرجت الأحشاء والأمعاء في منظر مروع.

غطى الدم المكان كله. تنهدت، ثم نظرت إلى الأسفل وهمست:

"يجب أن أستدعي الخدم لتنظيف هذه الفوضى."

خرج رايزل من الغرفة، ورفعت بصري نحوه قائل بقلق:

"ر-رايزل، لا تشاهد! هذا مخيف جدًا وقد يسبب لك كوابيس!"

لكن عينيّ اتسعت عندما رأيت ابتسامته الخفيفة، ثم أدار ظهره وقالت بهدوء:

"أخي… لوكاس، لم أعد طفلًا بعد الآن."

دخل غرفته بهدوء، وأنا ما زلت تحت تأثير الصدمة. كيف يمكن لرايزل أن يبتسم أمام جثة هكذ

ا؟ هل كان يكنّ للخادمة ضغينة عميقة؟

الأسئلة تنهال في رأسي، وأنا فقط أنظر إلى الفراغ.

2025/05/29 · 10 مشاهدة · 757 كلمة
نادي الروايات - 2025