وفي صمت الملك الذي كسر أنفاس الجميع، انطلقت الكلمات التي ستغير كل شيء... فتحولت اللحظة إلى نقطة اللاعودة.
~~~~
تجولت عيناه ببطء بين وجوه العمال، كل واحد منهم كأنه يحمل سؤالًا لا يجرؤ على قوله
ثم، بصوت ثابت يخترق الصمت، قال:
"ما آخر ما استخرجتموه من قلب هذه الأرض؟ هل رأيتم شيئًا غير مألوف؟ معدن غريب، أو حجرٌ غريب عن أنظاركم؟"
انتشر همسٌ متردد بين العمال، تتشابك أصواتهم بين القلق والتساؤل.
اقترب يوري من أكاينو وهمس بحذر:
«معدن غريب؟ هل يوجد شيء لم نعلم به؟»
ظلّ الصمت يخيم للحظات، قبل أن يردّ أحد العمال بصوت منخفض لكنه حازم:
"لا يا مولاي، لم يظهر في الحفر الأخيرة أي شيء غريب. كل ما استخرجناه من الذهب والمعادن المعروفة فقط."
لفّ الملك رايدن يده ببطء
في تلك اللحظة، اقترب أحد الجنود بخطوات ثابتة، وقدّم للملك ورقة مطوية خذها رايدن دون أن ينبس بكلمة، فتحها بهدوء، وتمعن في محتواها لوهلة قبل أن يوجه نظره إلى أحد العمال.
مدّ يده بالورقة للعامل قائلاً بنبرة صارمة:
"إذن، لم ترَ الشيء الموجود في هذه الورقة؟"
أخذ العامل الورقة بتردد، وقد بدأت قطرات العرق تتسلل على جبينه. نظر إلى محتواها بعينين مرتجفتين، ثم رفع رأسه قائلاً بصوت متهدج:
"لا، يا مولاي... لم أرَ هذا الشيء من قبل."
أومأ الملك برأسه بهدوء، مشيرًا للعامل بأن يمرر الورقة للآخرين. تردد العامل للحظة، ثم دفعها ببطء إلى زميله بجانبه.
بدأت الورقة تتنقل من عامل إلى آخر، وكلما وصلت إلى أحدهم، كانت الإجابة تتكرر:
"لم نرَ هذا الشيء من قبل."
حتى وصلت الورقة أخيرًا إلى أكاينو. أمسك بها ونظر إلى الصورة
حدّق في البلورة الداكنة المرسومة عليها، يلتف حولها نقش يشبه الثعبان الملتف كأنه يخنقها.
تجعد جبينه قليلًا، ثم رفع رأسه وقال بصوت هادئ لكن غير واثق:
"لا، لم أرَ هذا الشيء من قبل."
ناول الورقة ليوري، لكن في تلك اللحظة
فجأة
شعر بوخزة حادة في كتفه، كأن نصلًا صدئًا يمزق لحمه ببطء. ارتجف جسده، وضربات قلبه تحولت إلى طعنات تتسارع. ضغط على كتفه بيده، شعر كأن شيئًا يغلي داخل جلده.
سقط على ركبتيه، يلهث كمن اختنق للتو. عيناه اتسعتا، والعرق البارد يتصبب من جبينه. كان يوري ينظر إليه، صوته متردد :
"أكاينو... ماذا يحدث؟"
لكن أكاينو لم يسمع. العالم من حوله انكسر، كأن كابوسًا جثم على صدره.
مشوشة...
وميض خاطف...
دماء مبعثرة على الأرض...
أجساد ملقاة بشكل فوضوي، كأن عاصفة اقتلعت الحياة من كل شيء...
أصوات صراخ بعيدة، تختلط بصوت أنين مكتوم.
اضطراب...
منطقة مدمرة...
حجارة متناثرة، بقايا مبانٍ مشققة، والدخان يتصاعد من كل زاوية.
أرض ملوثة بدماء داكنة، تتدفق كأنهار على الطريق.
ريح باردة تحمل رائحة العفن والخراب، تخترق عظامه، تقشعر لها روحه.
اضطراب....
ظلان في الأفق...
شخصان يقفان وسط الدمار، أحدهما يرفع سيفه ببطء.
الآخر ينحني أمامه، صدره مكشوف، أنفاسه تتلاحق.
نصل السيف يخترق الصدر بوحشية، ينغرس حتى المقبض، وصوت طعنة يمزق السكون.
اضطراب...
صرخة مكتومة...
الدم يتدفق على الأرض كينبوع جحيمي.
عينا أكاينو تتسعان، يتقدم نحو الصورة، لكنه لا يستطيع الحركة.
الشخص الذي طُعن يسقط على ركبتيه، وجهه غير واضح...
لكن... السيف يمسكه شخص يشبهه تمامًا...
نفس الملامح، نفس النظرات، لكن عيناه تنزفان دماءً سوداء.
اضطراب ...
π212
صوت مخنوق...
الشخص الذي يحمل السيف يتقدم نحوه، ملامحه تزداد تشوهًا...
ابتسامة مرعبة، عيناه كفراغ لا ينتهي.
يقترب أكثر، يمد يده الملطخة بالدماء نحو وجه أكاينو...
يهمس بصوت مشقق، كأنه يتنفس عبر شقوق الزمن:
"أنت... لماذا... لماذا...؟"
أكاينو يحاول التراجع، لكن الأرض تتمسك بقدميه كأنها قيود حديدية غارسة في جسده. النسخة المشوهة تقترب أكثر، وجهها القاتم يلتصق بوجهه، تتنفس برائحة الموت والعفن، كأن الهواء نفسه يتحول إلى سم يتغلغل في رئتيه.
"خائن..."
يتردد الصوت في رأس أكاينو كصدى مطرقة تحطم جمجمته، يشعر بجلده يمزق، وأصوات عظامه تتكسر كأنها تُسحق تحت ثقل لا يُحتمل. الدم يتدفق من عينيه كأنه شلال قاتم، يتساقط على الأرض، والحرقة تلتهم روحه.
"قاتل..."
ينفجر الصوت في رأسه كعاصفة، تتطاير منها أشلاء بشرية أمام عينيه. يرى يديه ملطختين بالدم، أصابعه تتآكل ببطء وكأنها تنهش بعضها. الدماء تفيض من أظافره، تفوح منها رائحة الصدأ والموت، وأصوات صرخات ضحاياه تتخلل أذنيه كأنها خناجر تخترق عقله.
"الموت..."
الصرخة الأخيرة تمزق عقله، يرى جسده مشوهًا، جلده يتمزق ليكشف عن لحم أسود متعفن، وعيناه تخرج من محجريهما، تتدلى على وجنتيه ككتل لحم دامية، ينزف منهما سائل لزج أسود، والنسخة المشوهة تغرس أصابعها في جمجمته، تدفع برأسه إلى الأرض، والدماء تنفجر من فمه كشلال ساخن.
يصرخ أكاينو بقوة، صوت يائس يمزق سكون الظلام، كأنها آخر محاولة للبقاء على قيد الحياة. لكن الألم لا ينتهي، وكأن جسده كله قد تحول إلى ساحة تعذيب لا مهرب منها. الشعور بالاختناق يزداد، والحياة تتلاشى ببطء من عينيه، بينما النسخة المشوهة تهمس بصوت غائر:
"هذا هو المصير..."
ولكن..
لمسة دافئة على كتفه...
توقف كل شيء. فتحت عيناه فجأة، يتنفس بلهاث مخيف.
همس يوري بصوت قلق:
"أكاينو... هل أنت بخير؟"
تتسرب الهمسات بين العمال الواقفين حولهم، تتلاقى نظراتهم في خوف وحيرة، غير مدركين ما يحدث. بعضهم يتهامس، وآخرون يتبادلون النظرات.
الملك رايدن يراقب أكاينو بنظرة حادة، لا يرف له جفن، وكأن عينيه تخترقان روحه. كان وقوف أكاينو بهذه الهيئة يثير الشك، فالصمت المطبق يزيد من توتر المكان.
يوري يلتفت للعمال بنظرة متفحصة، ثم يضحك ضحكة خفيفة، تحمل في طياتها سخرية خافتة:
"ما بالكم تنظرون؟ إنه فقط تعب من الحفر... دعوني أرى."
يمد يده ليأخذ الورقة من أكاينو، الذي ما زال غارقًا في أفكاره. ينزعها برفق، يفتحها ببطء وينظر إليها لثوانٍ، ثم يرفع رأسه نحو الملك مجددًا ، متجنبًا التوتر:
"لا، يا مولاي... لم نرَ شيئًا كهذا من قبل."
يهز الملك رأسه ببطء، يلمع في عينيه بريق الريبة، لكنه لا يرد.
يوري يربت على كتف أكاينو بخفة، هامسًا بصوت منخفض:
"هيه، تماسَك... هذا ليس الوقت لتكون تمثال ايها الاحمق."
الملك رايدن يراقب أكاينو بصمت، لكن أفكاره تعج بالفوضى.
"ذلك الفتى... أتذكره جيدًا."
يخترق ذهنه وميض من الماضي، لحظة سريعة كأنها شظية زمنية، يرى فيها شابًا يقف في مواجهة جمع من الجنود، جسده النحيل يتحدى العاصفة. شعره الكحلي يتطاير مع الريح، وملامحه الشرسة تحمل قوة غير متوقعة. يهتف بصوت قوي يملؤه التحدي:
"من يقترب منه... سأقتله!"
تعود الصورة إلى الحاضر، وأكاينو لا يزال يمسك رأسه، بينما يوري يهمس له بشيء. رايدن يضيق عينيه، قلبه ينبض ببطء وكأن شيئًا مخيفًا يقترب.
"ذلك اليوم...العلامة السوداء ....كان يجب أن يُقتل... لكن بسببه ، تغير كل شيء. لماذا أشعر الآن بتلك الهالة المظلمة؟"
عيناه تتركزان على أكاينو، لكن فجأة، يرى ما لا يراه الآخرون. فوق أكاينو، يتشكل وحش عملاق مشوه، كتلة من السواد، أطرافه ملتوية ووجهه مطموس، ينبعث منه شعور خانق. الوحش يحدق برايدن بنظرة جوفاء، وكأن وجوده محض لعنة.
"ذلك الفتى... إنه ليس كما يبدو. هناك شيء داخله... شيء لم أعهده من قبل. ظلام... لكن ليس كأي ظلام."
يشيح رايدن بنظره قليلاً، محاولًا طرد الصورة من ذهنه. لكن الوحش لا يزال هناك، يتمادى في الظهور خلف أكاينو، صامتًا، مترقبًا.
"هل يمكن أن يكون... هو؟"
-"مولاي!"
وسط شروده، يسمع صوتًا حادًا يخترق أفكاره
--"مولاي، إنه لشرف عظيم أن تتفضل بزيارتنا... حضوركم يشرف المكان..."
يلتفت بسرعة ليجد كازوما واقفًا بالقرب، ووراءه مسؤول المنجم ينحني بتملق، محنيًا رأسه باحترام مبالغ فيه، صوته المرتجف يتوسل
لكن رايدن لا يبدي أي اهتمام، يلقي نظرة باردة على المسؤول، ثم يتجاهله تمامًا ويتابع سيره. بصوت هادئ، لكنه يحمل قوة الأمر، يقول:
"أحضره وتعال يا كازوما."
- "حاضر."
كازوما ينحني بخفة ويرد بسرعة
تشير حركة يد من رايدن للجنود، فيبدأون في الاصطفاف خلفه، يخطون بخطوات متناسقة، تتردد أصداؤها في الأنفاق المظلمة. كازوما يتقدم بخطوات هادئة، ينظر نحو أكاينو للحظة، ثم يكمل طريقه لتنفيذ الأمر.
تتابع الجنود السير خلف الملك، يغادرون المنجم واحدًا تلو الآخر، تاركين خلفهم صمتًا يثقل على صدور العمال.
يوري ينظر إلى أكاينو، يرفع حاجبه مستغربًا:
"ما كان ذلك؟ بدا الأمر كأنه استجواب ملكي."
يهز رأسه بتعجب:
"كان حضورًا غريبًا... ولم أفهمه إلى الآن. لماذا يبحث الملك عن هذا المعدن بالتحديد؟ ماذا يمكن أن يحمل في داخله؟ هل يمكن أن تكون ثروة عملاقة؟"
ينظر إلى أكاينو الذي لا يزال شارد الذهن:
"هل تسمعني؟"
أكاينو يتذكر الكلمات المشوشة التي سمعها:
"خائن... قاتل... المصير..."
يوري يقترب منه وينقر على كتفه بقوة:
"أيها التمثال! هل تسمعني؟"
يفوق أكاينو فجأة، ينظر ليوري بتردد:
"نعم... نعم."
يرفع يوري حاجبه مستنكرًا:
"ما الأمر؟ تبدو كمن خرج للتو من كابوس."
يتنفس أكاينو بعمق، يحاول استعادة هدوئه:
"لا شيء... أعتقد أنني مرهق قليلاً."
يخفض نظره إلى يده، تضيق عيناه بتفكير :
"ما الذي يقصده فعليًا؟ وما تلك الرؤية؟ لا أستطيع فهم شيء... هل كان مجرد وهم؟ أم أنه شيء آخر؟"
خارج المنجم، الشمس تلقي بظلالها المتكسرة على الأرض الصخرية. في خيمة كبيرة بنسيج ثقيل، يجلس رايدن على كرسي خشبي عريض خلف مكتب بسيط، تتناثر فوقه الأوراق وتقارير المنجم. السيجارة بين شفتيه تتوهج بلون برتقالي باهت، والدخان يتصاعد ببطء في الهواء الخانق.
يقف مسؤول المنجم أمامه، يتصبب عرقًا رغم برودة الجو، عيناه متوترة، ويداه متشابكتان بعصبية.
يتنقل نظر رايدن بين الأوراق، لا يرفع عينيه نحو المسؤول. لحظة ثقيلة تمر، حتى يجرؤ الرجل على كسر الصمت:
"مولاي... هل يوجد أمر ما؟"
لا يرد رايدن، يلتقط إحدى الأوراق، يمرر نظراته عليها ببطء، ثم يقلبها جانبًا ويأخذ أخرى. يستمر في تقليب الأوراق بهدوء، بينما يتصاعد الدخان من سيجارته بثبات.
المسؤول عن المنجم يزداد توتره، يبتلع ريقه بصعوبة، ثم يتجرأ على الكلام مجددًا:
"مولاي... إن كان هناك مشكلة تتعلق بالمنجم أو العمال، أرجو إخباري. يمكنني المساعدة في حلها...."
يترك رايدن الأوراق ببطء، ينظر إلى المسؤول بنظرة باردة وثابتة، وكأن كلماته لم تحرك فيه شيئًا. يتسرب الصمت بينهما، ثقيلًا كالصخر، بينما يتجمد المسؤول في مكانه، لا يجرؤ على النطق بحرف آخر
يمسك سيجارته، ينفث الدخان ببطء، تتسرب رائحته الثقيلة في الهواء. بصوت هادئ لكنه حاد كحد السيف، يقول:
"منذ متى وأنتم تحفرون في هذا المنجم؟"
يرد المسؤول على الفور، محاولًا أن يبدو واثقًا:
"منذ خمس سنوات يا مولاي."
يعيد رايدن السيجارة إلى فمه، ينفث نفسًا آخر، ثم يقول بنبرة ثابتة لا تخلو من تهديد مبطن:
"ولم تعثر على ما أمرتك به، صحيح؟"
يتردد المسؤول، يتصبب العرق من جبينه، بينما تتصارع الأفكار في رأسه:
"ماذا أفعل الآن؟ منذ فتح هذا المنجم وهو يبحث عن شيء محدد... أخرجنا موارد ثمينة من ذهب وأحجار كريمة، لكنه يرفضها جميعًا... من أجل بلورة لعينة! وإن قلت إنني لم أعثر عليها... فسأُقتل بلا رحمة... لا، لا يمكنني أن أقول ذلك... إن فعلت، فسأرى شيئًا أسوأ من الموت نفسه..."
يبلع ريقه بصعوبة، ثم يرد بنبرة مهتزة محاولًا الحفاظ على هدوئه:
"في الواقع، يا مولاي... نحن نعمل جاهدين للعثور على ما أمرتني به. أعدك، سوف نجدها."
يضع رايدن يده على ذقنه، يتأمل للحظة، ثم يقول بنبرة هادئة:
"كازوما، ذكرني... تلك المرة، الكام؟"
يرد كازوما على الفور، صوته ثابت:
"إنها الأولى يا مولاي."
يرتسم على شفتي رايدن ابتسامة باردة:
"جيد."
يرفع يده قليلاً، يغلقها ببطء. فجأة، يُسمع صوت تكسير حاد، يتبعه صرخة مؤلمة. ينهار مسؤول المنجم على الأرض، يمسك ساقه اليسرى التي التوت بزاوية غير طبيعية، ويصرخ بذعر:
"ماذا يحدث؟! ماذا يحدث؟!"
ينهض رايدن من كرسيه بهدوء، يتقدم بخطوات بطيئة نحو المسؤول. ينحني قليلاً أمامه، يربت على كتفه بحركة تحمل مزيجًا من القسوة والتعاطف الزائف، ويقول بنبرة هادئة وساخرة:
"يا للأسف... لا بأس، لا بأس."
ينحني رايدن أكثر، يقترب من أذن المسؤول، يهمس بصوت كالفحيح، لكن كلماته تنبض برعب خفي:
"المرة الأولى... يمكنني أن أتغاضى. لكن الثانية؟ رقم اثنين يثير اشمئزازي، لا تصل إليه."
"
- "حاضر... حاضر، أرجوك يا مولاي... فقط امنحني فرصة واحدة... سأجدها... أعدك!"
~~~~
تحت وهج الشمس الحارقة، يخرج أكاينو ويوري من المنجم، يحملان حمولات ثقيلة على أكتافهما. العرق يتصبب على جبينيهما، وتتراقص الظلال على الأرض تحت وقع خطواتهما.
يوري يتنهد بصوت مسموع، ثم يلتفت نحو أكاينو:
"أكاينو، أريد أن أسألك..."
يرد أكاينو دون أن ينظر إليه:
"ها؟"
يضعان الحمولة في مكانها، يمسح يوري العرق عن جبينه بقطعة قماش مهترئة، بينما يلتقط أكاينو قطعة قماش أخرى ويمسح بها وجهه بصمت.
يوري يتكئ على الحائط، يرفع حاجبه:
"هل تعتقد حقًا أن الملك يبحث عن كنز؟ أقصد... لماذا كل هذا الاهتمام بذلك المعدن الغريب؟"
أكاينو يضع قطعة القماش على كتفه، يرد بتفكير:
"لا أعلم... لكن يمكن أن ذلك المعدن يحمل ثروة، وهو يريدها."
يهز يوري رأسه نافيًا:
"لا أعتقد هذا."
أكاينو يلتفت إليه مستغربًا:
"لماذا؟"
يوري يشبك ذراعيه وينظر إلى السماء، :
"... هل تعتقد حقًا أن رايدن يحتاج إلى ثروة؟ هل رأيت المملكة من حولك؟ إنها غارقة في الذهب والأموال، بينما الناس يموتون جوعًا. ما الذي سيفعله بالثروة وسط هذه اللعنة التي نعيشها؟"
أكاينو يضيق عينيه بتفكير:
"إذن... ماذا يريد؟"
يوري يشد قبضته على قطعة القماش، يحدق في الأرض وكأنه يبحث عن إجابة:
"رايدن لا يبحث عن كنز... إنه يبحث عن شيء مختلف، شيء أكبر من مجرد ثروة. لو كان يريد الذهب، لما تجاهل كل ما استخرجناه. هناك سر خلف ذلك المعدن... سر لا يريد لأحد غيره أن يعرفه."
يصمت أكاينو للحظة، يحدق في يوري بنظرة مرتابة:
"وأنت... إلى ماذا تحاول أن تصل يا يوري؟"
يرتسم على وجه يوري تعبير غامض، لكنه لا يخفي حدة كلماته:
"همممم... ببساطة... أن نصل إلى هذا المعدن قبله."
يتوقف أكاينو لبرهة، يحاول استيعاب ما قاله يوري، لكن قبل أن ينبس بكلمة، يلاحظان خروج رايدن برفقة كازوما من الخيمة، متجهين نحو الحصان. يقف رايدن بكل هيبته، بينما كازوما يعدّ الحصان بحذر. يراقب يوري الموقف عن كثب، وعيناه تلمعان بتوتر مكبوت:
"إن كان ما أظنه صحيحًا... فنحن امام فرصة لا تعوض ."
يتجهم أكاينو ويقول بنبرة متوترة:
"أتسمع ما تقول؟! شيء آخر؟ وماذا ستستفيد أنت إن حصلت عليه؟"
يبتسم يوري ابتسامة خفيفة، ثم يربت على كتف أكاينو:
"اهدأ يا رجل... سأشرح لك."
يلتفت نحو رايدن وكازوما، يتأكد من أنهما ابتعدا قليلاً، ثم يخفض صوته قائلاً:
"فكر بالأمر... هذا المعدن ليس مجرد كنز أو ثروة. لو كان كذلك، لما كل هذا الجنون والبحث المحموم. الملك رايدن لا يهتم بالذهب ولا المال... هذا الشيء يحمل سرًا، ربما قوة، أو شيئًا يغير المعادلة كلها. وإن حصلنا عليه أولاً... يمكننا المساومة. يمكن أن ننقذ رقابنا... وربما أكثر."
يحدق أكاينو بيوري باستنكار:
"وكيف ذلك؟ كيف ستساوم شخصًا مثل رايدن؟"
يوري يبتسم بثقة:
"أنت لا تفهم... إذا حصلنا على هذا المعدن أولًا، سنملك القوة. رايدن لا يبحث عن ثروة، بل عن شيء أكبر. إذا كان هذا المعدن مهمًا لهذه الدرجة، فسيفعل أي شيء لاستعادته. سنجعله يفاوض... على شروطنا."
أكاينو يضيق عينيه:
"وهل تظن أنه سيتركنا أحياء؟"
يوري ينظر إليه بجديّة:
"إذا لعبنا أوراقنا بشكل صحيح، لن يكون أمامه خيار. سنكون في موقع قوة لأول مرة... ألا تريد فرصة للخروج من هذا الجحيم؟"
يصمت أكاينو، تتشابك الأفكار في رأسه. كلام يوري يبدو منطقيًا، لكن المخاطرة واضحة. أي خطوة خاطئة قد تجرهما إلى مصير أسوأ مما يتخيلان.
يوري يلاحظ تردد أكاينو، فيبتسم بخفة:
"أعلم أنها مخاطرة، لكن متى كانت حياتنا هنا آمنة أصلاً؟ إن أردنا تغيير وضعنا، يجب أن نغامر... أو نظل عبيدًا للأبد."
أكاينو يزفر بعمق:
"أفهم ما تقصده... لكن كيف سنعثر على المعدن قبله؟"
يوري :
"لدي بعض الأدوات التي يمكن أن تساعدنا... لكنها ليست مضمونة. علينا أن نتحرك بسرعة. من الواضح أن رايدن يبحث منذ فترة طويلة، ليس هنا فقط بل في المناجم المجاورة أيضًا، ولم يجد شيئًا."
أكاينو :
"يعني أننا قد نبحث في المكان الخطأ أيضًا؟"
يوري يهز رأسه:
"بالضبط، وهذا هو الجزء المعقد. لا نعرف في أي منجم يمكن أن يكون المعدن... أو تحت أي أرض. لكن إذا وجدناه قبلهم... قد تكون فرصتنا الوحيدة للنجاة."
يوري يبتسم بثقة، ويضع يده على كتف أكاينو:
"لا تقلق، سأقوم بعمل حساباتي. سأضع كل الاحتمالات في الاعتبار.... فقط ثق بي."
يحرك أكاينو رأسه ببطء، كأنه يوافق بصمت.
"دعني أفكر قليلًا في الأمر."
يوري يزفر بهدوء، ويومئ برأسه:
"أكاينو... هذا هو الحل الوحيد. لكن لا بأس، سأتركك تفكر. لن أضغط عليك... فقط خذ وقتك، لكن فكر جيدًا."
يوري يبتسم بخفة، يربت على كتف أكاينو:
"حسنًا... سأنتظر قرارك."
ثم يتجه بعيدا ليكمل عمله ، تاركًا أكاينو غارقًا في أفكاره.
~~~~~
ماذا سيكون قرارك.؟
يتبع.....